Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جباليا... نزوح إلى الموت

تحت تهديد السلاح يجبر الجيش الإسرائيلي السكان على المغادرة فتترصدهم القذائف والمسيرات والمتاهة

إصرار السكان على المكوث دفع الجيش الإسرائيلي إلى فرض الإخلاء قسراً بواسطة معدات عسكرية (أ ف ب)

ملخص

فشل أدوات الضغط، سواء كان الحصار أو القصف الجوي وإصرار السكان على عدم الإخلاء، دفع الجيش الإسرائيلي إلى فرض الإخلاء قسراً بواسطة معدات عسكرية.

ببطء زحفت الدبابة الإسرائيلية نحو بوابة مدرسة "كريزم" في مخيم جباليا، أدار الجندي مدفعها صوب غرف الصفوف التي تأوي نازحين هاربين من الموت، بواسطة مكبر صوت أخذ يبلغ الموجودين داخل المرفق التعليمي بأنهم محاصرون.

نزل الجندي من الدبابة وأطلق طائرة مسيرة وأخذ يراقب المدرسة ويتفحصها، بعد ذلك بدأ يبث عبر المسيرة رسائل صوتية تطلب من المدنيين الذين يحتمون في المدرسة الاستعداد للإخلاء.

حرق المنازل

منذ فترة بدأت إسرائيل تنفيذ عملية عسكرية جديدة في مخيم جباليا وعدد من مناطق شمال غزة، وخلال هذه العملية طلب الجيش من سكان المنطقة مغادرتها لكن المدنيين رفضوا ذلك، مما دفع الجيش إلى قصف أهداف ليست بالضرورة عسكرية لإجبار الفلسطينيين على مغادرة جباليا.

كان القصف العشوائي على جبالبا آخر خيار لجأ إليه الجيش الإسرائيلي، إذ فرض في البداية حصاراً على المنطقة ومنع إدخال المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، وكذلك شل عمل المرافق الصحية واستهدفها، وعطل إمدادات المياه، وقصف المخبز الوحيد في المنطقة، وجعلها محروقة غير صالحة للعيش، وذلك في محاولة لإخلاء جباليا.

 

 

رفض السكان الانصياع لأوامر النزوح خارج منطقتهم، وقرروا التجمع والاحتماء في المرافق المحمية بموجب القانون الدولي الإنساني، إذ توجهوا إلى المدارس والمستشفيات باعتبارها أماكن إيواء محمية أثناء الحروب، وقرروا المكوث هناك في محاولة لتحدي الجيش وعدم إخلاء المنطقة.

فشل أدوات الضغط، سواء كان الحصار أو القصف الجوي وإصرار السكان على عدم الإخلاء، دفع الجيش الإسرائيلي إلى فرض الإخلاء قسراً بواسطة معدات عسكرية.

عندما وصلت الدبابة إلى مدرسة "كريزم" كانت وفاء تسترق النظر من نافذة غرف الفصل الدراسي الذي حولته إلى مكان للعيش، تشاهد الجنود وهم يحاصرون المرفق التعليمي بقوة السلاح، وتلتفت بسرعة نحو أطفالها.

في شهادة لـ"اندبندنت عربية" تقول وفاء "رأيت الجنود يحملون غالوناً من البنزين ويسكبونه حول المنازل القريبة من المدرسة، ويضرمون النار بكل المساكن التي يعتقدون أنها تحوي سكاناً، سمعت صوت عويل من إحدى الشقق، لقد حرقوا الناس من دون منحهم فرصة لمغادرة بيوتهم".

رعب القصف

فرض الجيش الإسرائيلي حصاراً على المدرسة التي تحتمي فيها وفاء ليلة كاملة، وخلال ساعات الظلام شنت الطائرات غارات عنيفة في محيط المدرسة، تقول وفاء "كانوا يرعبوننا بالقصف".

عندما بزغ ضوء النهار طلب الجنود من المدنيين الذي يحتمون في المدرسة النزول للساحة، وفصلوا الرجال عن النساء والأطفال وأمروهم بالمغادرة نحو جنوب غزة بقوة السلاح، وهددوهم بأن أية مخالفة للتعليمات تعني موت الجميع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كانت وفاء ترفض مغادرة جباليا بصورة قاطعة، لكن مدفع الدبابة أجبرها على النظر نحو طفليها، أمسكت بهما وطأطأت رأسها وغادرت نحو مدينة غزة، تقول "لن أذهب للجنوب، سأبقى في غزة، رحلت قسراً من جباليا، لكن لن أنزح نحو المناطق الجنوبية".

منذ ثلاثة أيام غير الجيش الإسرائيلي أسلوبه في إخلاء جباليا ومناطق شمال غزة، ولم يعد الأمر طوعياً بحسب قناعة المدنيين، بل بات بالإجبار، إذ يذهب الجنود بدباباتهم وأسلحتهم إلى أماكن الإيواء ويرحلون الناس عنوة.

إفراغ شمال غزة وبخاصة جباليا من سكانها لا يحدث بالسر وليس مجرد شهادات تجمعها وسائل الإعلام من النازحين، لكنه بات يحدث بصورة رسمية وعلناً، إذ نشرت هيئة البث الرسمية الإسرائيلية "كان" مشاهد تظهر إجبار الجنود مئات العائلات في جباليا على مغادرة مراكز الإيواء والنزوح جنوباً.

 

 

وكانت عملية التهجير بالبث المباشر، إذ صورت الطائرات الإسرائيلية المسيرة الممرات التي سلكها النازحون، والقوات الإسرائيلية وأسلحتها المرفوعة في وجه المدنيين، كما التقطت صوراً لجنود يوزعون الحلوى على النازحين أثناء مرورهم من حواجز عسكرية.

ونشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي صورة لإجبار النساء والرجال والأطفال على مغادرة مراكز الإيواء، وهم يخرجون بأعداد كبيرة تحت أشعة الشمس وبين آثار الدمار، كما تبين أيضاً الجنود وهم يعتقلون عشرات المدنيين من الرجال الفلسطينيين مقيدي الأيدي أمام دبابة إسرائيلية في جباليا.

أبشع الفظائع

في الواقع، هذه هي المرة الأولى منذ بدء حرب القطاع التي يفرض فيها الجيش الإسرائيلي التهجير قسراً بخاصة على منطقة جباليا، فقد كان قبل ذلك مجرد إخلاء طوعي، يقول منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية مهند هادي "المدنيون في شمال غزة لم يمنحوا أي خيار سوى مغادرة المنطقة أو الموت". ويضيف "ما يحدث في جباليا هو أبشع الفظائع، شيء لم أره قط في أي مكان، كل شيء هناك يتناقض مع العقل ويتنافى مع القانون الدولي الإنساني، إنه واضح، وينص على أنه لا يمكن تهجير الأشخاص قسراً، ويجب حماية المدنيين دائماً وضمان حصولهم على حاجاتهم الأساسية، وهذا لم يحصل في جباليا".

بصورة قسرية وتحت تهديد السلاح أجبر الجيش الإسرائيلي 20 ألف شخص على الهجرة من جباليا، وفق ما ذكره هادي، مضيفاً "رأيت صور النازحين الذين لجأوا إلى المستشفى وهم يحترقون أحياء، هذه هي أبشع الفظائع".

في شهادات مختلفة استمعت لها "اندبندنت عربية" قالت ريما "الجنود ينادون علينا في مراكز الإيواء بالتوجه نحو الحاجز العسكري ومن يسلك مسالك أخرى تضربه القذائف والمسيرات، وكذلك من يستجيب لا يسلم من القذائف والموت".

 

 

وقالت رندا "القتلى في الطرقات، والمصابون ينزفون في الشوارع، وما يجري في جباليا الآن هو مجزرة حقيقية بكل ما للكلمة من معنى، كل ذلك لأن المدفعية تطلق قذائفها تجاه الناس بعد تجمعهم وتهجيرهم".

وقال معاذ "أضرم الجيش الإسرائيلي النار في المدارس ومراكز الإيواء في جباليا، حرقها وبداخلها نازحون مدنيون، بعد ذلك خرجت طوابير من الناس للشوارع خوفاً على حياة أطفالهم، فإذا بالطائرات تستهدفهم وهم يمرون بالطرقات المهدمة فتتناثر الجثث والأشلاء".

أما شاهر فيقول "دقق الجنود في هويات الناس، اعتقلوا العشرات، عروا الشباب والرجال من ملابسهم وأهانوهم ثم شتموا النساء وضربوهن، وبعد ذلك مررنا على حاجز عسكري، أعطونا الحلوى وابتسموا في وجوهنا، هذا شيء غريب".

وعارضت الولايات المتحدة ما يحدث في جباليا، لكن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت رد مخاطباً سكان جباليا "هذا هو الوقت المناسب للخروج، ارفعوا أيديكم واخرجوا".

وفي تبرير الجيش الإسرائيلي خطوة إخلاء مراكز الإيواء بالقوة، رد المتحدث دانيال هاغاري "يهدف ذلك إلى فصل مقاتلي (حماس) عن المدنيين، نحن ننفي وجود مخطط ممنهج لجعل جباليا أو غيرها من المناطق الشمالية خالية من السكان".

المزيد من متابعات