Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بيوت شمال غزة للأحياء والموتى معا

يعيش السكان رهائن جدرانها المهدمة بسبب انتشار الجيش ويدفنون قتلاهم فيها لاستحالة الوصول إلى المقابر

يبكي أحد أقاربه قُتل في القصف الإسرائيلي على مجمع مدرسي (أ ف ب)

ملخص

منذ فترة بدأ الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية داخل النصف الشمالي من قطاع غزة وطلب من سكان المنطقة الإخلاء لكنهم رفضوا ذلك، وبسبب القتال وانتشار القوات البرية فمن الصعب عليهم ممارسة حياتهم العادية.

من خلف باب حديدي تسترق فريال النظر إلى شارع بيت لاهيا الرئيس، وتتفحص ما إذا كان الطريق آمناً، وحينما لم تجد الفتاة أي جنود إسرائيليين وقبل أن تهم بسحب جثة شقيقها لتدفنه في بيتها، قررت زيادة التأكد من مغادرة الجيش المنطقة.

ركضت فريال إلى نافذة المنزل وتفحصت الشارع وتأكدت أن قوات الجيش الإسرائيلي غادرت منطقة بيت لاهيا شمال غزة، وحينها بسرعة نزلت إلى الشارع وسحبت جثة شقيقها إلى المنزل وأوصدت خلفها أقفال الباب.

انحنت فريال على الجثة وبكت كثيراً ثم تنهدت الصعداء وقررت دفن جثة أخيها في البيت، وتقول "مجبرة على ذلك فمن الصعب الوصول إلى المقابر، وموارة الموتى الثرى واجب شرعي وتقليد لا بد منه".

حظر تجول

منذ فترة بدأ الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية في النصف الشمالي من قطاع غزة، وطلب من سكان المنطقة الإخلاء لكنهم رفضوا ذلك، وبسبب القتال وانتشار القوات البرية فمن الصعب عليهم ممارسة حياتهم العادية.

وبسبب الوجود العسكري الإسرائيلي شمال غزة يعيش السكان هناك حالاً من حظر التجول حفاظاً على حياتهم وتجنباً لضبطهم من الجيش وترحيلهم خارج أحيائهم، ولذلك يضطر الناس إلى المكوث في بيوتهم لأيام طويلة من دون حركة.

 

 

ولأن شمال غزة تصنفها إسرائيل منطقة قتال خطرة، فإن أي تحرك للأفراد في الشوارع يعرض حياتهم للخطر ويكون الموت مصير كل من ينزل إلى الطريق، حيث ينتشر في شمال غزة القناصة وطائرات "كواد كابتر" التي تستطيع أن تطلق النار، وطائرات الاستطلاع التي تحمل صواريخ متفجرة.

دفن في البيت

وبالعودة لقصة فريال فقد نفد الطعام من بيتها واضطر شقيقها إلى النزول لتدبير أي غذاء، وعلى رغم أنه اتخذ تدابير مختلفة لحماية نفسه لكن طائرة مسيرة قتلته وبقيت جثته في الشارع يوماً كاملاً قبل أن تتمكن أخته من سحبها.

وتقول فريال إنه "لا توجد أية حركة في الشارع، فالجنود الإسرائيليون هم من يتجولون في المنطقة فقط، وقد اقتنصتُ فرصة غيابهم وسحبت جثمان أخي لأدفنه، فلا مكان لدفنه سوى البيت، والحرب التي نعيشها تحتم عليّ فعل ذلك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن المفروض أن تحمل فريال جثمان أخيها في موكب تشييع وتنقله إلى مقبرة لدفنه فيها، لكن انتشار الجيش الإسرائيلي في المنطقة دفع سكان شمال غزة إلى دفن موتاهم في بيوتهم، وتؤكد فريال أنه "من المستحيل الوصول إلى المقابر، والجثث إما أن تبقى ملقاة على الطريق أو يسحبها ذويها لدفنها في البيوت".

وبواسطة أدوات بدائية حفرت فريال قبراً وأنزلت أخاها فيه وجلبت مرتبة وفراشاً ونامت إلى جانبه وهي تبكي خائفة، لكنها في الوقت نفسه تتمسك بالبقاء في بيتها وترفض مغادرته خوفاً من قتلها أو نقلها قسراً إلى جنوب غزة.

قتلى بسبب الجوع

وخلال العملية العسكرية الإسرائيلية شمال غزة تعرضت كثير من العائلات للحصار داخل بيوتها، وهذا ما حدث مع أهل وحيد عودة الذي يقول "كنا 15 فرداً نعيش في منزلنا وفجأة وجدنا الجيش أمام بيتنا، ولو قمنا بأية حركة فسيعتبرنا مقاتلين، وقد مرت أيام طويلة ونفد الطعام وجعنا فقرر 10 منا النزول لتدبير أي أكل".

وعندما نزل الأفراد من منزل وحيد قتلهم قناصة متمركزون في المكان، وبصعوبة وخلسة سحبهم وحيد واحداً تلو الآخر إلى البيت، "في فناء خلف منزلنا توجد أرض ترابية، حفرتها ودفنت أخي وأبي وعمي وعدداً من الأقارب، وأنا طوال الليل في المنزل خائف".

 

 

من دون تكفين دفن وحيد القتلى من عائلته داخل قبر حفره بطريقة عشوائية لم يلتزم فيها بأية معايير صحية، مما جعل الرائحة تنبعث من المكان وتنذر بانتشار الأوبئة في منطقة تتفشى فيها أمراض خطرة وتفتقر في الوقت نفسه إلى المرافق الصحية.

وفي شمال غزة أيضاً تعطلت جميع خدمات الإسعاف والدفاع المدني وحاصرت إسرائيل المستشفيات ومنعت دخول أية حالات إليها، وفضلاً عن ذلك فإن المرافق الصحية تعاني أهوالاً، ويقول مدير مستشفى كمال عدوان، حسام أبو صفية، إن "المرافق الصحية ستتحول إلى مقابر جماعية إذا استمرت العملية العسكرية في الشمال"، مضيفاً "لم نعد نجد أكفاناً للقتلى وهذا يدل على ضخامة عدد الموتى على يد الجيش الإسرائيلي، وقد جعلت تل أبيب من المستشفيات هدفاً عسكرياً، وما يحدث في شمال غزة جريمة حرب مكتملة الأركان".

هدنة ولو لساعات

انقطعت خدمات الاتصالات والإنترنت عن محافظة شمال غزة ولهذا تعذر على ريمان الاستنجاد بالصليب الأحمر لإخراجها من منطقة كانت شاهدة فيها على حوادث دفن كثيرة، تقول "قتل فادي الخالدي خلال بحثه عن طعام لأسرته، ورأيت شقيقه يدفنه داخل منزلهم المدمر جزئياً"، أما حمزة فيقول "دفنت صديقي في بيتي"، وقد شرع الشاب في حفر القبر فأمسك فأساً وبدأ يضرب به الأرض، "تساقطت دموعي على الرمال وأجهشت بالبكاء فتوقفت، ثم عدت من جديد وحينها شعرت بأنني أحفر في جسدي فلقد كان الرمل قاسياً، إنها معاناة عظيمة".

وقد طلبت الأمم المتحدة هدنة إنسانية ولو لساعات قليلة في شمال غزة لتتمكن من إجلاء مرضى وانتشال جثامين ضحايا العملية العسكرية، ويقول المفوض العام لـ "أونروا" فيليب لازاريني إن "الوضع الإنساني وصل إلى مرحلة رهيبة شمال غزة، فالجثث ملقاة على جوانب الطرق أو مدفونة تحت الأنقاض وداخل بيوت المواطنين".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات