Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الهند: "طريق الذهب" المفقود في قلب الحضارة العالمية

انسوا طرق الحرير إذ ينبغي علينا الاحتفاء بطريق الذهب، وكما يزعم المؤرخ الشهير ويليام دالريمبل في كتابه الجديد فإننا ندين للهند وليس الصين ببعض من أهم محطات التقدم في الحضارة الإنسانية

يسلط دالريمبل الضوء على "المكانة التي غالباً ما تُنسى" للهند كمحرك للتجارة العالمية في العصور القديمة وأوائل العصور الوسطى (مهرجان جايبور الأدبي)

ملخص

في كتابه الجديد "طريق الذهب" يؤكد المؤرخ ويليام دالريمبل أن الهند وليس الصين كانت محركاً رئيساً للتجارة العالمية وتقدم الحضارة الإنسانية في العصور القديمة

في كتابه الجديد يقدم المؤرخ ويليام دالريمبل سرداً واضحاً ومقنعاً يبين فيه لماذا يعود الفضل في التطورات الحضارية الكبرى التي شهدتها الإنسانية إلى الهند وليس الصين. ويشير دالريمبل إلى أن كتابه "طريق الذهب" The Golden Road "يهدف إلى تسليط الضوء على دور الهند الذي غالباً ما يتم إغفاله كمحور اقتصادي مهم ومحرك حضاري في العصور القديمة وبدايات العصور الوسطى، وأحد المحركات الرئيسة للتجارة العالمية ونقل الثقافة في تاريخ العالم المبكر، مثلها مثل الصين تماماً".

إذاً، لا بد أن دالريمبل شعر بالإحباط حين اكتشف أن إصدار كتابه تزامن مع معرض ضخم يستضيفه المتحف البريطاني بعنوان "طريق الحرير"، يستعرض الفترة ما بين عامي 500 و1000 ميلادية، متتبعاً التبادل التجاري والفكري بين الصين والغرب. هذا المسار الذي حصل على اسمه من الجغرافي الألماني فرديناند فون ريشتهوفن في القرن الـ19 هو المفهوم الذي يستهدف دالريمبل دحضه في كتابه، إذ يكتب "كانت السلع الآتية من الصين تصل إلى روما بصورة رئيس ككماليات غريبة تضاف إلى تجارتها المزدهرة مع الهند... ولم يكن الحرير السلعة الأساس التي يستوردها الغرب من الشرق... في الحقيقة، فإن طريق الحرير بالكاد كانت موجودة في العصور القديمة". وهكذا، وداعاً لطرق الحرير وأهلاً بطريق الذهب.

إذاً، لمن نوجه شكرنا الأكبر؟ للهند التي قدمت لنا الأرقام التي نسميها الآن أرقاماً عربية والرقم صفر، إضافة إلى البوذية؟ أم للصين التي منحتنا الطباعة والبارود والورق؟ هل الحرير أكثر أهمية أم التوابل؟ بلا شك نحن مدينون لكلتا الحضارتين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كثيراً ما تم الاعتراف بالهند كمهد للديانات، ويشير دالريمبل إلى وجود مجتمع مسيحي في ولاية كيرالا ينسب بأمانة إلى الحواري توما (على رغم أنه يقترح بصورة غريبة أن القديس توما المعروف في الكتاب المقدس باسم "التوأم"، كان يعتقد أنه الشقيق التوأم للمسيح... وهذا غير منطقي أبداً).

يبرز دالريمبل بصورة مقنعة البوذية كأعظم مساهمة هندية في الفكر الروحي. وبينما تذكرنا الصور الهادئة لبوذا بأن هذا الدين يدعو إلى الابتعاد من العالم المادي (تظهر هنا نسخة هزيلة جداً تعرف ببوذا الصائم)، إلا أن البوذية مثلها مثل الإسلام لاحقاً كانت منفتحة على دعم التجار، ولم تكن تجد أي حرج في أن يجني أتباعها العلمانيون المال.

بينما كان الهندوس البراهمة (طبقة الكهنوت أو رجال الدين) ينظرون إلى المال على أنه نجس ويخل بتوازن الطبقات الاجتماعية، كان الرهبان البوذيون يتلقون الأموال من التجار برحابة صدر ومن دون تحفظات. وكما كانت الحال في عصر النهضة الإيطالية تم تمويل عديد من مجمعات المعابد الرائعة من قبل رعاة تجار. وتعد البوذية أعظم صادرات الهند الفكرية إلى الشرق وبخاصة إلى الصين بين القرنين الثالث والخامس الميلاديين، ومنها انتقلت إلى اليابان وكوريا (يمكنكم معرفة مزيد من خلال معرض ’طريق الحرير‘ آنف الذكر) وازدهرت أيضاً في أماكن قريبة مثل أفغانستان الحالية.

منذ البداية، يعترف دالريمبل بخطر المبالغة في عزو كل شيء تقريباً إلى الهند أو البوذية على طريقة فرقة مونتي بايثون البريطانية الساخرة، إذ إن السرد يبدو كذلك في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال ما أصل الرهبنة المسيحية؟ الرهبان البوذيون. ما جذور العبادة الجماعية؟ المعابد البوذية. ما مصدر إلهام الأبراج الصينية متعددة الطبقات؟ أعمدة المعابد البوذية. ومع ذلك، يتوخى دالريمبل الحذر في عدم دفع الأدلة إلى ما هو أبعد من حدودها المنطقية.

على كل حال هناك أمثلة تكون فيها الأدلة ساحقة، كما هي الحال مع كميات الذهب الروماني التي عثر عليها على طول طرق التجارة مع الهند. ويظهر من خرائط الاكتشافات أن الهند كانت شريكاً تجارياً مهماً منذ زمن أغسطس قيصر. ويستشهد دالريمبل بمصادر رومانية مثل المؤرخ بيلينوس الأكبر الذي كان يعبر عن استيائه من المبالغ الهائلة التي انتقلت من روما إلى الهند مقابل سلع فاخرة مثل الأقمشة الشفافة للنساء السخيفات، والأحجار الكريمة كالياقوت والألماس وحبوب الفلفل الأسود التي تبناها الطهاة الرومان بشغف، إضافة إلى الحيوانات الغريبة من الفهود إلى وحيد القرن العنيد التي كانت تستخدم في السيرك.

ونجد هنا لوحة فسيفسائية مذهلة من بومباي تظهر امرأة بإطلالة مترفة ويبدو أنها هندية الأصل، والتي ربما دُفع ثمن زيها من تجارة الفلفل التي كانت مزدهرة خلال ذلك الوقت (تم تجميع كل صور الشكل الأنثوي بصورة جيدة).

وكانت هذه التجارة ثمرة تطور جريء لعب دوراً حاسماً في تعزيز العلاقات بين الهند والغرب، من خلال استغلال الرياح الموسمية التي كانت تدفع السفن غرباً نحو البحر الأحمر في غضون 40 يوماً ثم تعيدها عند تغير اتجاه الرياح، بينما كانت الرحلات البرية تستغرق ثلاثة أضعاف هذا الوقت.

ومن هنا، أصبح "طريق الذهب" طريقاً بحرياً ذهبياً في الأقل بالنسبة للتجارة مع الغرب. والدليل على حجم التبادلات التجارية الواسعة هو الكميات الهائلة من الذهب التي اكتُشفت في موانئ منسية على البحر الأحمر، والتي أثرت المجتمعات البوذية على طول الساحل الهندي. وفي أحد المواقع وجدت كميات كبيرة من البضائع الرومانية لدرجة أن عالم الآثار الشهير سير مورتيمر ويلر اعتقد أنه اكتشف مستعمرة تجارية رومانية، لكن الحقيقة أنها كانت هندية.

وكانت هذه المواقع مراكز نابضة للتبادل الثقافي، إذ التقى اليهود والفرس والأرسكيديون في بوتقة تنصهر فيها الثقافات. وخلال تلك الفترة لم تكن المحيطات عقبة أمام التجارة، بل كانت الوسيلة الرئيسة لنقل البضائع. أما عندما وصل الإسكندر الأكبر إلى الهند عام 326 قبل الميلاد عبر الطريق البري الطويل والمضني، فقد اندهش من مظهر الهنود النحيلين ذوي اللحى المصبوغة باللون الأزرق أو الأخضر والحاملين المظلات.

رواية متنوعة وجذابة تأخذنا مثلها مثل التجارة الهندية في اتجاهات عديدة مليئة بالقصص الحية والشخصيات الجذابة

لكن ماذا عن الأرقام؟ ألم يكن العرب هم من قدم لنا الأرقام العربية؟ حسناً، يقودنا هذا إلى جزء مثير في السرد التاريخي، إذ يوضح انتقال المفاهيم الهندية في علم الفلك والرياضيات إلى بغداد. كانت الرياضيات في الهند مدفوعة جزئياً بالحاجة إلى ضبط توقيت الطقوس الفيدية بصورة دقيقة [هي مجموعة من الطقوس والشعائر التي تتبع التقاليد الهندوسية القديمة، والتي دُونت في النصوص المقدسة المعروفة بالفيدا، وهي الأقدم من بين النصوص الهندوسية] (بطريقة مشابهة، يذكر في العهد القديم أن الله خلق السماوات حتى يعرف البشر أوقات الأعياد).

وازدهر علم الفلك الهندي كجزء فقط من تقليد رياضي مذهل في الهند، وصل إلى درجة عالية من التعقيد خلال عهد سلالة غوبتا من أوائل القرن الرابع إلى القرن السادس الميلادي، وبلغ ذروته في تأليف كتاب "السندهند" Sindhind لـبراهماغوبتا في القرن السابع. وتناول هذا الكتاب نظرية رياضية معقدة كانت تعامل الرمز "صفر" كرقم معاملة الأرقام التسعة الأخرى (ولا يزال شكل الأرقام 2، 5، و7 مشابهاً للأصول الهندية). انتقل هذا العمل إلى بغداد العباسية خلال عام 773م، ومن هناك انتشر إلى الأندلس ليصل في نهاية المطاف إلى الغرب.

من ثم، فإن كتاب "طريق الذهب" هو رواية آسرة متعددة الأبعاد غنية بالقصص الحيوية والشخصيات الجذابة، تماماً كما كانت حال التجارة الهندية التي تأخذنا في اتجاهات عدة وتجعلنا نرى العالم بطريقة مختلفة.

كتاب "طريق الذهب" للكاتب ويليام دالريمبل من دار بلومزبري متوافر في الأسواق بسعر 30 جنيهاً استرلينياً

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من كتب