Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المساعدات الملغومة... صراع هواجس بين السودان وتشاد على بوابة "أدري"

دعوات دولية لتمديد فترة إبقاء المعبر الحدودي مفتوحاً ومطالب محلية لالتزام الاشتراطات الجديدة

شهدت الأشهر الثلاثة الماضية انسيابا نسبياً في المساعدات الموجهة لبعض المناطق السودانية (حسن حامد)

ملخص

يعد معبر أدري أحد أهم المعابر الحدودية بين السودان وتشاد غرب السودان، إلى جانب قربه من مدينة الجنينة (289 كلم)، يكتسب أهمية خاصة بالنسبة إلى المساعدات الإنسانية لدارفور من كونه يشكل ممراً استراتيجياً للتجارة الحدودية بين البلدين، ويستمد اسمه من مدينة أدري التشادية الحدودية مع ولاية غرب دارفور.

مع اقتراب انتهاء فترة الأشهر الثلاثة المتفق عليها سابقاً لإبقاء معبر "أدري" الحيوي على الحدود السودانية - التشادية مفتوحاً أمام المساعدات الإنسانية بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بدأت الضغوط الدولية تتكثف على السلطات السودانية من أجل تمديد الفترة لستة أشهر أخرى.

تتزامن تلك الضغوط مع مواجهات حربية تشهد تصعيداً عنيفاً بين الطرفين المتقاتلين على معظم جبهات القتال، وتزايد الهواجس والشكوك والاتهامات المتبادلة باستغلال قوافل المساعدات لأغراض الإمداد العسكري.

بين الرفض والقبول

وفي ما يبدو الموقف الرسمي حتى الآن متأرجحاً بين الرفض أو القبول المشروط للموافقة على تمديد فتح معبر (أدري) وتفضل عليه معبر (الطينة) الذي تسيطر عليه قرب مدينة مليط، تتزايد شكوكها التي تكاد تصل إلى درجة اليقين في استغلاله لتمرير شاحنات مساعدات (ملغومة) هي في الواقع إمدادات عسكرية لقوات "الدعم السريع" الذي تسيطر عسكرياً على المعبر.

وكان وزير المالية السوداني رئيس حركة العدل المساواة، جبريل إبراهيم، طالب بعدم تمديد فترة فتح معبر أدري، وإغلاقه "اليوم قبل الغد"، متهماً الغرب ومنظماته بأنهم اجتهدوا في فتح المعبر للأغراض الإنسانية ليتحول بعدها إلى معبر رئيس لدعم الميليشيات بالأسلحة الفتاكة.

لكن إبراهيم عاد واشترط توفر شرطين أساسيين مسبقين لفتح المعبر، أولهما وجود طاقم سوداني من شرطة الجمارك وهيئة المواصفات والمقاييس وجهاز الاستخبارات على جانبي المعبر على أن توفر لهم الحماية الدولية الكافية، ثم وجود أجهزة مسح بالأشعة السينية حتى يسهل التعرف إلى البضائع العابرة.

يعد معبر أدري أحد أهم المعابر الحدودية بين السودان وتشاد غرب السودان، إلى جانب قربه من مدينة الجنينة (289 كلم)، يكتسب أهمية خاصة بالنسبة إلى المساعدات الإنسانية لدارفور من كونه يشكل ممراً استراتيجياً للتجارة الحدودية بين البلدين، ويستمد اسمه من مدينة أدري التشادية الحدودية مع ولاية غرب دارفور.

ضغوط دولية

استباقاً للموعد المضروب لإغلاق المعبر منتصف نوفمبر المقبل، حضت الولايات المتحدة الحكومة السودانية على تمديد فتح المعبر تعزيزاً لجهود تسهيل انسياب المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة في السودان.

وأكد بيان للمتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر أن ضمان وصول المساعدات الإنسانية من دون أي عوائق يعد أمراً حيوياً لإنقاذ الأرواح وتحسين الظروف المعيشية للمتضررين، مطالبة جميع الأطراف المعنية بالتعاون في تسهيل هذه العملية الحيوية.

 

 

وعبر البيان عن القلق الأميركي إزاء التأخير الذي يحدث بسبب ما وصفه بالبيروقراطية المعيقة لوصول المساعدات الحيوية إلى ملايين السودانيين الذين يعانون نقصاً حاداً في الدعم الإنساني.

في السياق نفسه لفت المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيريللو إلى أهمية استمرار فتح معبر أدري وضرورة تسهيل وصول المنظمات الإنسانية، بما في ذلك الأمم المتحدة، إلى جميع أنحاء السودان.

انسياب نسبي

أبدى بيريللو قلقه وانزعاجه من العقبات البيروقراطية التي تفرضها مفوضية العون الإنساني بالسودان، مما أدى إلى حرمان نحو 7 ملايين شخص من الحصول على الغذاء والدواء الضروريين، منوهاً بأن استخدام سلاح الجوع للضغط في الصراع أمر غير مقبول.

وعلى رغم أن فترة فتح المعبر خلال الأشهر الثلاثة الماضية شهدت انسياباً نسبياً في تدفق المساعدات الإنسانية ووصولها إلى بعض مناطق الحوجة، فإن المنظمات الإنسانية لا تزال تؤكد الحاجة إلى مزيد من التسهيلات لتفادي تفاقم الأوضاع الإنسانية.

على نحو متصل اتهم السودان مجموعة الدول الغربية الموقعة على بيان مشترك الأسبوع الماضي في شأن الأوضاع الإنسانية في السودان بأنه محاولة إلصاق تهمة التعويق الممنهج، للمساعدات الإنسانية بالجيش والحكومة السودانية.

وانتقد بيان لوزارة الخارجية السودانية البيان الغربي بأنه يمثل النموذج الأسوأ لحالات تسييس العمل الإنساني، باتهام السلطات السودانية الصريح بتعويق وصول المساعدات من دون أي سند، نافية بصورة قاطعة أي تعطيل متعمد لإصدار تأشيرات الدخول وأذونات التحرك للعاملين في المجال الإنساني.

الآلية والمساومات

في السياق أوضح مفوض العون الإنساني السابق في ولاية الخرطوم، مصطفى آدم، أن معبر أدري يقع في منطقة حدودية ويحتاج إلى ضوابط مشتركة لضمان وصول المساعدات إلى المستهدفين، لأن مسألة المعابر يمكن إدارتها وفق آلية مشتركة ويكون المجتمع المدني السوداني شريكاً أصيلاً، معرباً عن اعتقاده أن كلا الطرفين لا يتمتع بالجدية اللازمة في موضوع المساعدات الإنسانية، إذ تغيب حتى الآن الآلية الواضحة لإدارة هذا العمل. وأضاف "يلاحظ أن الموضوع يخضع لمساومات بعيداً من الأزمة الإنسانية، لذلك معظم المطالب أمنية وبعضها الآخر سياسي ولا حديث عن إدارة المساعدات الإنسانية، ربما سبب ذلك هو عدم الاكتراث للأوضاع الإنسانية على الأرض".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشير آدم إلى أن تصريحات وزير المالية الرافضة تمديد فتح المعبر تؤكد عدم الثقة في الجانب التشادي وأن المعبر سيكون منفذاً لتسليح قوات "الدعم السريع"، لكن هناك مخاوف أكبر من تحكم قوات "الدعم السريع" في المساعدات الإنسانية في وقت لا تمتلك فيه قاعدة بيانات معلومات حول المستهدفين.

غياب الاستراتيجية

مفوض العون الإنساني السابق في ولاية الخرطوم قال أيضاً إنه "من الواضح أن هناك غياباً للتنسيق والرؤية الاستراتيجية التي تفرض على المسؤولين بالدولة التعامل وفقها في مسألة إدارة المساعدات الإنسانية في وقت الحرب وبمناطق المعارك، خصوصاً أن البلاد لم تستفد من تجاربها السابقة في هذا المجال وبخاصة تجربة عملية (شريان الحياة) في ثمانينيات القرن الماضي".

ووصف آدم تعقيد تحركات المنظمات الدولية ليس من مصلحة العمل الإنساني، لأن الموظفين الدوليين يتحركون وفق موجهات المؤسسات الأممية والقوانين المحلية المنظمة للعمل الإنساني، لذلك لا يحتاجون إلى تعقيدات في تحركاتهم.

ونبه إلى أن انزعاج السلطات من التركيز الغربي الكبير على معبر أدري الذي من الممكن الاستعاضة عنه بمعابر أخرى لانسياب المساعدات مرده إلى انعدام الثقة بين الطرفين.

تعدد التحديات

على الصعيد ذاته وصف رئيس قطاع العمل الإنساني في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) عمر أحمد صالح تعاطي سلطة الأمر الواقع ببورتسودان مع قضية إيصال المساعدات بأنه يفتقر إلى المنطلقات الأخلاقية، فالمساعدات التي تصل عبر بورتسودان تتسرب إلى الأسواق ولا تصل إلى المستحقين، بينما تواجه المانحين الإقليميين والدوليين تعقيدات كبيرة في الإجراءات المرتبطة بالمراقبة وضمان إيصال المساعدات للمستحقين، على حد قوله.

وأوضح صالح أن تجربة إيصال المساعدات الإنسانية أثناء الحروب والكوارث عبر حدود دول الجوار لتجاوز التحديات اللوجيستية والأمنية، وهو قناة لتدفق المساعدات الإنسانية الإقليمية والدولية في ظل انسداد القنوات المعتادة، أمر شائع وليس بدعة في ما يخص الشأن السوداني وهناك نماذج دولية عديدة مماثلة، فضلاً عن التجربة السودانية في جسر (شريان الحياة) إبان الحرب الأهلية بين السلطة المركزية والحركة الشعبية لتحرير السودان في جنوب البلاد. وتابع "عملياً يعد إيصال المساعدات الإنسانية عبر خطوط النار أمراً أشبه بالمستحيل في ظل تزايد الاعتداءات على الغوث الإنساني من جانب قوات ’الدعم السريع‘ كذلك والقوى المسلحة التي تدعمها، ولكل ذلك فإن استمرار فتح معبر أدري لإدخال المساعدات (الغذائية وغير الغذائية والطبية) يظل ضرورة أخلاقية لحفظ حياة الناس في ظل تزايد الحاجات وحركة النزوح".

وشدد على أن استخدام المساعدات للضغط السياسي وكسب نقاط في ظل هذه الحرب العبثية يجب أن يواجه بشيء من الحسم والضغط من قبل المؤسسات الإقليمية والدولية، وهو ما لم نلمسه خلال الفترة السابقة، بل على العكس تلقوا فقط التحفيز على رغم ممانعتهم أمام المناشدات.

وطالب صالح بألا تترك حياة الناس معلقة في ذمة مسؤولين لا يكترثون لحياة المدنيين، إذ كان من الأجدى الحديث عن تطوير العمل عبر المعبر بتطوير البنية التحتية للمعبر لزيادة قدراته.

منفذ جديد

من جانبها، جددت مفوض العون الإنساني بالسودان، سلوى آدم بنيه، التزام الحكومة توصيل الإغاثة إلى المحتاجين في كل ولايات السودان مع التوزيع العادل تنفيذاً لبنود اتفاق جدة الإنساني، معبرة عن شكرها الدول المانحة التي وقفت إلى جوار السودان.

وأوضحت بنيه لدى تدشينها قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى ولايات كسلا القضارف ونهر النيل الشمالية والبحر الأحمر، أن الحكومة تبذل وسعها لتوصيل المساعدات بما في ذلك إلى مناطق وجود الميليشيات، مؤكدة الحرص على توصيل المساعدات لكل المحتاجين من دون تمييز أو فرز.

 

 

كشفت بنيه عن توجه وفد حكومي إلى دولة جنوب السودان لبحث كيفية توصيل المساعدات إلى ولايات جنوب كردفان وشمالها ومدن الدلنج وكادوقلي عبر مطار جوبا.

من جانب آخر، أعربت المفوضية السودانية عن بالغ قلقها وشجبها لاحتجاز ميليشيات "الدعم السريع" شاحنة تتبع لمنظمة أطباء بلا حدود، مطالبة المجتمع الدولي والمنظمات العالمية القيام بدورها وإدانة هذا التصرف المعيق لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين.

وكانت منظمة أطباء بلا حدود أصدرت بياناً في وقت سابق بأن مجموعة من قوات "الدعم السريع" احتجزت شاحنة تابعة لها محملة بالأدوية والمعدات الطبية بمنطقة الشقيق شمال غربي ولاية النيل الأبيض. وصفت فيه مصادرة الشحنة بأنه أمر غير مقبول، مطالبة قوات "الدعم السريع" بإعادة الشاحنة والمواد المحتجزة.

خلاف وشكوك

ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منتصف أبريل (نيسان) 2023 ظلت مسارات توصيل المساعدات الإنسانية محل خلاف وجدل وشكوك بين الطرفين المتقاتلين من جهة، والمنظمات الأممية والدولية التي تسعى إلى الوصول إلى مناطق النزاع المتأثرة بالقتال وسوء الأوضاع الإنسانية من جهة أخرى.

وكانت قوات "الدعم السريع" أعلنت ترحيبها بالجهود الدولية لإيصال المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها، مشددة على التمسك بأن يتم نقل المساعدات بالاتفاق بين أطراف الحرب، أو المنظمات والطرف المسيطر على المناطق المستهدفة، لكنها تشدد في الوقت ذاته على أنها لن تسمح باتخاذ المساعدات الإنسانية وسيلة لإمداد الجيش بالسلاح والذخائر.

معابر وجوع

وأعلنت الحكومة السودانية في الأسبوع الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري تخصيص سبعة معابر برية وستة مطارات سودانية في خدمة الجهات العاملة في المجال الإنسان.

بحسب مفوضية العون الإنساني هناك 10 معابر برية وبحرية وجوية ونهرية جميعها مفتوحة وجاهزة للاستخدام مما تنتفي معه أي مطالبات بفتح المعابر، كان آخرها معبر أدري على الحدود مع دولة تشاد لكن يجب استغلالها بفاعلية.

يذكر أنه ومنذ اندلاع الحرب في الـ15 من أبريل 2023، وفرت السلطات التشادية مخيماً مجاوراً لمعبر أدري كأكبر تجمع للنازحين من دارفور.

ووفق تقارير أممية متواترة فإن أكثر من 25 مليوناً من السودانيين بمختلف أنحاء البلاد يواجهون مستوى حاداً من الجوع، منهم أكثر من 5 ملايين على بعد خطوة واحدة من المجاعة، بخاصة في دارفور التي تعاني نقصاً مخيفاً في الغذاء والدواء منذ بدء الصراع.

المزيد من تقارير