Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مشروع موازنة 2025 نحو مزيد من الانقسام السياسي في فرنسا

تسبب في توتر بين النواب والحكومة تدرس اللجوء لمادة دستورية تقضي بالتجاوز البرلماني لإقراره

رئيس الوزراء ميشيل بارنييه خلال جلسة في البرلمان الفرنسي  (أ ف ب)

ملخص

تشمل الموازنة المقترحة لعام 2025 تدابير صارمة للسيطرة على الدين الفرنسي المتزايد ولسد العجز، إذ تسعى الحكومة إلى توفير 64.8 مليار دولار من خلال فرض ضرائب جديدة على الشركات ذات الأرباح المرتفعة وعلى الأثرياء، إلى جانب خفض الإنفاق العام بقيمة 43.2 مليار دولار.

في الـ10 من أكتوبر (تشرين الأول) 2024، كشفت الحكومة الفرنسية النقاب عن مشروع قانون المالية الجديد للعام المقبل، الذي يهدف إلى تقليص العجز في الموازنة العامة تدريجاً. يأتي هذا الإعلان في وقت حرج، إذ من المتوقع أن يتجاوز العجز هذا العام ستة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، متجاوزاً بكثير الحد الأقصى الذي يحدده الاتحاد الأوروبي والبالغ ثلاثة في المئة.

وتشمل الموازنة المقترحة لعام 2025 تدابير صارمة للسيطرة على الدين الفرنسي المتزايد، إذ تسعى الحكومة إلى توفير 60 مليار يورو (64.8 مليار دولار) من خلال فرض ضرائب جديدة على الشركات ذات الأرباح المرتفعة وعلى الأثرياء، إلى جانب خفض الإنفاق العام بقيمة 40 مليار يورو (43.2 مليار دولار). تهدف هذه الإجراءات إلى تقليص العجز تدريجاً إلى خمسة في المئة العام المقبل، مع الطموح للوصول إلى ما دون ثلاثة في المئة خلال السنوات التالية، ومع ذلك تثير هذه التدابير قلقاً واسع النطاق في شأن آثارها المحتملة في الاقتصاد الفرنسي، إذ يمكن أن تؤدي إلى عواقب سلبية على النمو الاقتصادي مستقبلاً.

في سياق متصل وبعد تعيين أنطوان أرمان ولوران سان مارتن وزيرين للاقتصاد ووزير الموازنة على التوالي، وكلاهما من حزب "معاً من أجل الجمهورية"، أكدا في الـ25 من سبتمبر (أيلول) الماضي أن العجز العام في فرنسا قد يتجاوز ستة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024 إذا لم تتخذ أي تدابير تصحيحية.

وفي جلسة استماع للنواب أصر لوران سان مارتن على أن الحل لتصحيح الوضع هو زيادة الضرائب على الأثرياء، إذ يواجه الاقتصاد الفرنسي تحديات كبيرة، ويبقى السؤال مفتوحاً حول مدى فعالية هذه التدابير في تحقيق الاستقرار المالي من دون التأثير السلبي في النمو الاقتصادي.

آثار سلبية في الاقتصاد الفرنسي

خلال حديثنا مع المتخصص الاقتصادي والأستاذ الجامعي في جامعة مارسيليا بفرنسا نازيم سيني أوضح أن الإجراءات الحكومية المقترحة قد يكون لها آثار سلبية في الاقتصاد الفرنسي. وأشار إلى أن زيادة الضرائب من شأنها أن تؤثر في استهلاك الأسر، الذي يعد أحد المحركات الأساسية للاقتصاد. كما توقع أن تلجأ الشركات إلى تقليص أنشطتها مما سيؤدي إلى انخفاض إنتاج الثروة.

 يوضح سيني أن القلق يكمن في أن هذا التشديد المالي، المرفق بزيادات كبيرة في الضرائب، قد يؤثر سلباً في ديناميكية انتعاش الاقتصاد الفرنسي، الذي كان من المتوقع أن يتفوق على الاقتصاد الألماني خلال 2024 وربما حتى 2025. وأضاف "يعبر المحللون والاقتصاديون عن مخاوفهم من أن تؤدي هذه التدابير، التي تتضمن تقليص النفقات وزيادة الضرائب إلى نتائج عكسية، مما يؤثر سلباً وبصورة مستمرة في الاقتصاد الفرنسي لمدة عامين أو ثلاثة".

وفي السياق ذاته، حذر سيني من أن "إجراءات تقليص النفقات قد تؤثر سلباً في الاقتصاد الفرنسي وتؤدي إلى إبطاء ديناميكيته". ويرى أن "الخطر على النمو على المدى الطويل يكمن في أن هذا النوع من السياسات العامة قد يبطئ وتيرة النمو، أو حتى يوقفه تماماً. وهناك خطر كبير من مواجهة سنوات تحقق فيها النمو بمعدل 0 في المئة أو 0.5 في المئة، وهو معدل منخفض جداً إذا ما أخذنا في الاعتبار التركيبة الديموغرافية لفرنسا ومعدل البطالة الذي لا يزال أعلى من سبعة أو ثمانية في المئة. ومن المحتمل أن تؤدي الآثار الفعلية لهذا النوع من السياسات إلى تباطؤ النمو خلال السنوات المقبلة".

 ويشير الباحث الاقتصادي إلى أن "السؤال الحقيقي المطروح اليوم هو: أين يمكن العثور على الإيرادات الضريبية اللازمة لتغطية العجز في الموازنة؟ وأي نوع من النفقات ينبغي حذفه؟ في ظل كون جميع المشاريع اليوم ملحة في فرنسا، فإن هذا يمثل تحكيماً حقيقياً تواجهه السياسة والحكومة الفرنسية. كما يتعين فهم من سيكون الفائزون والخاسرون من هذه السياسة الجديدة لتقليص الموازنة وتقليل النفقات".

ويبرز سيني أنه "بدلاً من دعم النمو وتوفير هوامش في الموازنة يحدث العكس تماماً في فرنسا، إذ من الممكن أن يؤثر ذلك سلباً في الاقتصاد بصورة مستديمة. ومن بين التأثيرات الأكثر أهمية التي ينبغي مراقبتها هي كيفية تأثير هذا المشروع الجديد للموازنة في الدخل اليومي للفئات الأكثر ضعفاً والعمال الذين يتقاضون الحد الأدنى للأجور. هؤلاء هم الأكثر عرضة للتأثر، بخاصة مع تقليص النفقات الاجتماعية وانخفاض التحويلات الاجتماعية. من المهم أن نلاحظ أن هذه النفقات الاجتماعية كانت تعوض ضعف الدخل وتمكن هذه الفئات من الحفاظ على مستوى من الحياة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

توتر حاد في الجمعية الوطنية الفرنسية

وكانت الجمعية الوطنية الفرنسية شهدت ليلة الخميس الماضي حالاً من التوتر الشديد، إذ اشتبك نواب المعارضة مع أعضاء الائتلاف الحكومي في مشادات كلامية حادة حول مشروع موازنة 2025.

وتبادل الطرفان الاتهامات، إذ رأى نواب اليسار وحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف أن أحزاب الائتلاف الحكومي تعمدت عرقلة النقاش حول بعض القوانين الواردة ضمن مشروع الموازنة، مما أبرز انقساماً واضحاً داخل البرلمان.

واتهمت المعارضة الائتلاف الحكومي بتمديد فترة النقاشات عمداً بهدف اللجوء إلى المادة 47 من الدستور، في خطوة شبهت باستخدام المادة 49.3 ولكن بصورة غير مباشرة، وفقاً لما صرحت به النائبة دومينيك سيموني.

في المقابل طالب وزير الموازنة لوران سان مارتان المعارضة بالتنسيق مع الكتل الداعمة لها لسحب التعديلات الكثيرة المقترحة بهدف تسريع إقرار مشروع الموازنة، داعياً إلى إنهاء المناقشات خلال الأسبوع المقبل.

وفي استجابة لهذا النداء، أعلنت أحزاب الجبهة الشعبية الجديدة عن نيتها سحب نحو 270 تعديلاً من النقاش. وبالمثل صرح الحزب الذي يتزعمه غابرييل أتال بأنه سيسحب نحو 100 تعديل إضافي، في خطوة تظهر استعداد الأطراف لتسهيل مسار مناقشة مشروع الموازنة.

وهكذا، يبدو أن خيار اللجوء إلى المادة 49.3 بات الاحتمال الأرجح أمام الحكومة لتمرير قانون الموازنة لعام 2025، في ظل تعثر النقاشات وتزايد التعديلات المقترحة. هذا الإجراء، الذي يتيح للحكومة تجاوز التصويت البرلماني لضمان إقرار مشروع القانون، قد يحدث توتراً إضافياً ويزيد من حدة الانقسام بين الائتلاف الحاكم والمعارضة، مما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة الحكومة على الحفاظ على استقرارها السياسي وسط هذه الخلافات المتصاعدة.

ومن الملاحظ أن حكومة ميشال بارنييه أكدت احتمال تفعيل المادة 49.3، التي تتيح لها تمرير قانون الموازنة الجديد لعام 2025 في حال لم تتمكن الجمعية الوطنية من دراسة المشروع والتصديق عليه خلال فترة أقصاها 40 يوماً، هذا الخيار قد يعبر عن استعجال الحكومة في تنفيذ سياستها المالية، ولكنه قد يثير مزيداً من الانتقادات من جانب المعارضة، مما يستدعي إعادة النظر في الاستراتيجيات المتبعة لتحقيق الاستقرار المالي من دون التفريط في الحوار الديمقراطي.

 تحديات التوازن بين العجز والاستقرار السياسي في ظل أجواء سياسية متوترة، يواجه مشروع قانون المالية لعام 2025 تحديات كبيرة تتمثل في الصراعات بين الحكومة والمعارضة. ومع توالي الضغوط على الحكومة من أجل خفض العجز، فإن اللجوء المحتمل إلى المادة 49.3 قد يكون سلاحاً ذا حدين، إذ قد يحقق تسريعاً في عملية إقرار الموازنة، لكنه قد يؤدي أيضاً إلى تفاقم الأزمات السياسية ويزيد من الانقسامات داخل البرلمان. لذا يبقى السؤال مطروحاً: كيف ستتمكن الحكومة من تحقيق توازن بين الحاجة الملحة إلى تقليص العجز والحفاظ على الحوار الديمقراطي والاستقرار السياسي بالبلاد؟

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات