Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مجموعات الـ"واتساب" ميدان الإعلام الحربي في لبنان

تؤمِّن تغطية مباشرة ومستمرة لجميع الأحداث وتحولت إلى مصدر معتمد حتى لقنوات الأخبار التقليدية

بعد الاستهداف الإسرائيلي المقصود للصحافيين استأثرت مجموعات الـ"واتساب" بالمشهد الإعلامي (أ ف ب)

ملخص

اليوم، وفي ظل حرب لبنان الثالثة تشهد الساحة الإعلامية تحولاً كبيراً، إذ أصبح "واتساب" نجم التغطيات على رغم كل المحاذير التي تعتريه، وهو ما يخلق صراعاً شديداً وسباقاً بين الرصانة المهنية والسرعة في النشر، الحقيقة والإشاعة.

كرست "مجموعات واتساب الإخبارية" مكانتها في المشهد الإعلامي اللبناني، وقطعت أشواطاً طويلة في خضم الحرب النفسية والإعلامية الدائرة على الجبهة العسكرية، وإذ بها تتحول إلى أداة سحرية للنشر في عصر التواصل الاجتماعي فائق السرعة، وتنتظم في قلب "البروباغندا" الحربية، وتحث الملتقين على متابعة لحظية دائمة للأخبار. فـ"الدعاية قائمة وتلعب دورها منذ بداية العالم"، و"تعمل قبل كل شيء على استمالة الرأي العام" بحسب جان ماري دوميناك مؤلف كتاب "الدعاية السياسية"، الذي يشير إلى تحولات القرن الحديث مع استخدام الراديو والصور الفوتوغرافية والسينما والصحافة الواسعة الانتشار والإعلانات الضخمة. واستمر هذا التطور مع انتشار التلفاز، ومن ثم القنوات الفضائية، والإعلام الوافد.

اليوم، وفي ظل حرب لبنان الثالثة تشهد الساحة الإعلامية تحولاً كبيراً، إذ أصبح "واتساب" نجم التغطيات على رغم كل المحاذير التي تعتريه مترافقاً مع ظهور "المؤثرين" في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يخلق صراعاً شديداً وسباقاً بين الرصانة المهنية والسرعة في النشر، الحقيقة والإشاعة.

البديل الفعال

بعدما أطفأت الشاشات كاميراتها بفعل الاستهداف الإسرائيلي المقصود استأثرت مجموعات الـ"واتساب" بالمشهد الإعلامي جنوباً، إذ تحملنا المجموعات إلى قرى المواجهة الأمامية، وتقود المتابعين لمعاينة الدمار وآثار الاعتداءات الإسرائيلية على مدن صور والنبطية والخيام وميس الجبل وأنصار وكفركلا، وغيرها من قرى الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت.

 

 

أدرك الناشطون الإعلاميون والمراسلون أهمية مواكبة التكنولوجيا لنشر الأخبار على أوسع نطاق ممكن، وبرزت في هذا الإطار محاولة الصحافي نبيل مملوك الذي يستمر في تغطية الأحداث من صور، إذ أنشأ صفحة "أخبار صور" لمواكبة التطورات الميدانية. يقول مملوك، "جاءت الفكرة بعد حادثة البيجر، وتسارع الأحداث، وما إلا فترة قصيرة حتى اتسع نطاق عملها، وانضم عدد كبير من الناس إليها". ويضيف، "شكل وجودي في صور سبباً إضافياً لإنشائها، لأنه لا قيمة للبقاء في الأرض من دون لعب دور ومتابعة الأحداث"، لافتاً إلى "تحول المجموعة من مجرد مجموعة تصنع الأخبار إلى مجموعة تسهم في الدعم الإنساني وتكافح الأخبار المزيفة".

ويوضح نبيل أن الجديد الذي تتضمنه المجموعة هو تقديم ثلاث رسائل ميدانية يومية، تقوم بطمأنة أهالي صور على سلامة أملاكهم، والاستجابة لمناشدات لنازحين من أهالي صور لناحية تفقد البيوت والمحال والأملاك.

تطور مهني

من جهته يؤكد الناشط الإعلامي حميد المصري، صاحب موقع "ميد نيوز"، على الدور الذي تلعبه مجموعات الـ"واتساب" في تغطية الأخبار أول بأول، مشيراً إلى تجربة رائدة لمدينة طرابلس على مستوى تغطية الأحداث بمستوى حرفي نظراً إلى ما شهدته خلال العقد الماضي من الزمن، لتتحول المجموعات إلى مصدر موثوق للمعلومات التي تبثها القنوات الإعلامية المحلية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يؤكد المصري "مع الوقت اكتسبنا الخبرة في التغطية وتدقيق المعلومات قبل النشر، واللجوء إلى المراسلين المنتشرين في الأحياء والمناطق في عملية التحقق، إضافة إلى الاتصال بالجهات الرسمية أو فرق الإسعاف والمراجع الأمنية من أجل الصدقية، وتمتاز المجموعات بسرعة النشر، فهي تسبق الوسائل الإعلامية التقليدية في الإبلاغ عن الحدث".

في المقابل يأسف المصري لقيام البعض بنشر الأخبار الكاذبة أو الإشاعات، متحدثاً عن بذل مجهود لمنع إثارة الفتن الطائفية والسياسية وبث الأخبار المضللة التي قد تؤدي إلى تدهور الوضع الأمني وزيادة الشحن. ومؤكداً "الهدف هو إيصال صوت الناس الذين لا تؤمن وسائل الإعلام التقليدية منصة لهم".

الإعلام البديل يتقدم

سجل الإعلام البديل الذي يعتمد على جهود صحافيين تطوراً كبيراً في لبنان خلال الأعلام الماضية. وتنوه الإعلامية ليال بهنام، من مؤسسة "مهارات"، بقدرة الإعلام البديل على نقل الرسالة الإعلامية الموثوقة، لكنها في المقابل تشير إلى اتساع دائرة الإعلام المناطقي الذي يعتمد على "غروبات واتساب"، وصفحات الـ"سوشيال ميديا" التي تشكل نواة "صحافة المواطن"، وهي لا تنضبط تحت نطاق المعايير المهنية. وتلفت إلى أن "تعطش الناس للأخبار يدفعهم إلى البحث عن وسيلة سريعة، ومتابعات مستمرة وآنية للحدث، وهذا ما يجدونه في غروبات الـ(واتساب) والـ(سوشيال ميديا) لأن الناشطين الفاعلين غير مقيدين بضوابط غرف الأخبار وإدارات التحرير والهرمية المؤسسية، كما أن الناشطين أو المواطنين ما زالوا موجودين في أماكن لا يمكن للطاقم الصحافي المؤسساتي الوصول إليها، إذ يتمكن المواطن من توثيق الانتهاكات والجرائم المقترفة خلال الحرب، كما تؤمن تلك المجموعات فرصة لسماع أصوات لا يوليها الإعلام التقليدي أي اهتمام، أو لا يمكنه الوصول إليها".

 

 

تنبه بهنام إلى "سقطات" في مجموعات الـ"واتساب"، إذ تلعب أحياناً دوراً في نشر الإشاعات والأخبار الزائفة التي تثير هلعاً وتعد فبركة، أوامر الإخلاء وتحديد الأماكن المستهدفة بواسطة الفوتوشوب خير مثال، إلى جانب بث أخبار وتصريحات لا أصل لها ونسبتها إلى وكالات أنباء دولية، على غرار نسبة خطف السفير الإسرائيلي في قبرص، الذي انتشر بسرعة شديدة. كما تأسف لنشر بعض المجموعات لخطاب الكراهية والتحريض.

لذلك تطالب بهنام بـ"التحلي بالمسؤولية قبل نشر أي خبر، والتحقق من صحته، وعدم نشره فور تلقيه واعتباره واقعة، إذ يجب إعطاء الأولوية لسلامة المجتمع، وألا يكون الهدف الأول استقطاب مزيد من المتابعين أو المشاركين في المجموعات لأننا نعيش في حال حرب"، مشيرة إلى أدوات بسيطة للتحقق من الأخبار على غرار إجراء بحث بسيط على الإنترنت، أو استخدام مواقع التحقق من صحة الصور والفيديوهات، والاتصال بصحافيين موثوقين في المناطق.

وتكشف بهنام عن مبادرة "مهارات نيوز" بإطلاق "باركوميتر" للتحقق من الأخبار، إذ يمكن لأي كان التواصل معهم عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وإرسال أية مادة مشكوك فيها، وفي هذا الإطار تشير إلى بدء العمل على التواصل مع مديرون مجموعات الـ"واتساب" في المناطق من أجل بناء شبكة للتحقق من المعلومات، ومن ثم نشر التوضيحات لعدم الوقوع في الأخبار الكاذبة والإشاعات.    

مواكبة للتطور

جاء تطور المشهد الإعلامي نتيجة لمواكبة التطور التقني والتكنولوجي، مع تأكيد خبراء الإعلام على أن القرن الـ21 ورث القرن الـ20 الذي يعد قرن البروباغندا بامتياز. يقول كرم شلبي في كتابه "الإعلام والدعاية في حرب الخليج"، "مهدت التكنولوجيا لظهور مقولة جديدة هي أن تكنولوجيا وسائل الاتصال جعلت من العالم شاشة صغيرة بحجم 16 بوصة، وليس قرية صغيرة كما قال مارشال ماكلوهان من قبل". وإذا ما أردنا إسقاط هذا التوصيف على الوضع الراهن يمكن تأكيد استئثار الهاتف الذكي بالتغطية الإخبارية من طريق التطبيقات التفاعلية التي يتقدمها الـ"واتساب" والـ"تيليغرام"، إضافة إلى التأثير الكبير لـبعض حسابات موقع "إكس" على السلوكيات اليومية للبنانيين، إذ باتت تغريدة واحدة كافية لإحداث حال من الهلع الجماعي.

يشدد جورج صدقة، العميد السابق لكلية الإعلام، على إسهامات التكنولوجيا والهاتف الذكي في تشكيل المشهد الإعلامي العام، ويؤكد "لا وجود لحرب عسكرية من دون حرب نفسية، لأنها جزء لا يتجزأ منها ولا غنى عنها، وتتطور مع تطور التكنولوجيا".

ويتطرق إلى التطور التاريخي لهذه الحرب، ففي الماضي اتخذت شكل الإشاعة، أو الأخبار المتناقلة بين البشر، وإرسال الرسائل بمشاعل النار، وهكذا دواليك إلى أن وصلنا إلى حقبة تكنولوجيا الاتصال الفائقة السرعة. وترافقت المعركة الراهنة مع تزايد دائرة استخدام الـ"واتساب" ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى.

 

 

ويعد أن "أحد أسباب ازدهار الـ(واتساب) على حساب الإعلام التقليدي هو التضيق الذي يمارسه الفريقان المتقاتلان على أرض المعركة، سواء كان الجيش الإسرائيلي الذي يريد التغطية على جرائمه، أو (حزب الله) الذي يريد التخفيف من وطأة التدمير اللاحق في المنطقة"، موضحاً "نجد أن الإعلام التقليدي ينصب كاميرات على بعد 20 كيلومتراً من أعمال القصف، ولا يقتصر المشهد إلا على الدخان المتصاعد، فيما يقوم ناشط من السكان على الأرض بتصوير المكان المستهدف وبث صور وأصوات، ولا يمكن إغفال أن مجموعات الـ(واتساب) المحلية تتماهى مع الخطاب الأيديولوجي السائد في البيئة وتتحدث اللغة نفسها، ناهيك بفتح باب المشاركة والتفاعل الإيجابي أمام المشترك على خلاف التلفزيون الذي يضعه في موقع المتفرج السلبي".

ويشير صدقة إلى أن "الهدف واحد لناحية كسب المعركة على المستوى النفسي وإرهاب العدو والتغطية على الخسائر، ولكن الأداة تختلف وتتطور مع تطور التقنيات، لذلك فإن تعميم الهاتف الذكي أسهم في إشاعة العمل الإعلامي، وأصبح كل إنسان في كل مكان مشروع صحافي ومراسل، وبإمكانه إرسال وتلقي المعلومات والتفاعل، على خلاف الأدوات التقليدية من الصحافة إلى الإذاعة وإعلام التلفزيون الرسمي. وترافق ذلك مع كسر احتكار الصحافيين في نشر الأخبار، كما انحسرت أعمال الرقابة على المعلومات، وأصبحت ذات كلفة عالية جداً".

ويشير إلى ناحية سلبية لهذا الأمر، فقد "أدى غياب مصفاة الأخبار (الفلتر) إلى دفق أخباري تختلط فيه الأخبار الصادقة بالمضللة، وننشر بعض المواد التي قد تخالف أخلاقيات المهنة".

يلاحظ صدقة اعتماد وسائل الإعلام التقليدي إلى وسائل الإعلام الجديدة لاستقاء الأخبار، ولكنها في بعض الأحيان تقع في فخ الأخبار الكاذبة.

خطاب المنتصر

لاحظ المراقبون تراجعاً في تأثير الإعلام الحربي لـ"حزب الله" مقارنة بحرب يوليو (تموز) 2006. ويرى صدقة أن هناك أسباباً كامنة وراء ذلك، فمن ناحية أولى يحول تصنيفه على قائمة الإرهاب لبعض الدول دون تعاطف الإعلام العالمي معه، إضافة إلى الشرخ الداخلي اللبناني والانقسام في وجهات النظر السياسية، وتزايد الأخصام منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 ولغاية الوقت الراهن، مما يجعل شريحة من الإعلام غير متحمسة للدفاع عنه. ويضيف، "إلى ذلك، لا يمكن إغفال أثر الانتصارات الميدانية على المشهد الإعلامي"، ويستذكر غوبلز، وزير الدعاية الألمانية، القائل إن "الدعاية تستمد قوتها من الانتصارات العسكرية على الأرض"، ومن هنا "نلاحظ متابعة المواطنين لما يقوله الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي بسبب توجيههم المعركة. ولا يمكن تجاهل أثر خسارة الأمين العام حسن نصرالله الزعيم الكاريزماتي".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات