ملخص
يستفيد المعدن النفيس من تفاقم حال عدم اليقين وتوسع التوترات الجيوسياسية
ارتفعت قيمة الذهب بنسب قياسية هذا العام، إذ صعدت بأكثر من 35 في المئة خلال تداولات عام 2024 بينما بلغت أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 2758.30 دولار هذا الأسبوع.
أدى التخفيض الذي أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي أخيراً في سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، والتوترات الجيوسياسية، وعدم اليقين الاقتصادي المحيط بالانتخابات الرئاسية الأميركية، إلى خلق الظروف الملائمة لارتفاع الأسعار، وتعزز هذا الارتفاع من خلال تخفيف البنوك المركزية في الصين والهند وتركيا اعتمادها على الدولار الأميركي.
في مذكرة بحثية حديثة، قال كبير استراتيجيي السوق في مجلس الذهب العالمي، جوزيف كافاتوني، إن "العروض على أسعار الذهب تجعل من السهل على مستثمري التجزئة شراء المعدن كما هي الحال بالنسبة إليهم لشراء السلع الأساسية المنزلية... لم يكن شراء الذهب أسهل وأكثر سهولة من أي وقت مضى". وعلى رغم تألق الذهب، الذي يستثمر فيه عادة كتحوط ضد التضخم هذا العام، إلا أن هناك كثيراً من الأشياء التي يجب معرفتها قبل أن ينضم المستثمرون إلى طابور المراهنين على المعدن النفيس.
عدم اليقين يدفع المستثمرين إلى المعدن النفيس
رفعت مؤسسة "سيتي" للأبحاث توقعاتها لأسعار المعدن الأصفر للثلاثة أشهر المقبلة، مشيرة إلى احتمال حدوث مزيد من التباطؤ في سوق العمل الأميركية ومزيد من خفض أسعار الفائدة من قبل "الفيدرالي"، إضافة إلى ارتفاع إقبال المستثمرين على صناديق الاستثمار المتداولة. ورفعت المؤسسة توقعاتها لأسعار الذهب للثلاثة أشهر المقبلة إلى 2800 دولار للأونصة من 2700 دولار في السابق، متوقعة وصول الأسعار إلى 3 آلاف دولار للأونصة في الفترة ما بين 6 و12 شهراً.
ويميل المتداولون إلى التدفق على الذهب خلال فترات عدم اليقين، مراهنين على أن قيمته ستصمد بصورة أفضل من الأصول الأخرى مثل الأسهم والسندات والعملات إذا واجه الاقتصاد تراجعاً. وأشار مكتب إحصاءات العمل الأميركي إلى أنه "بين عامي 2008 و2012، ارتفعت قيمة الذهب بصورة كبيرة، كما يتضح من الارتفاع بنسبة 101.1 في المئة في مؤشر أسعار المنتجين للذهب".
وعلق كافاتوني "الذهب يعمل بصورة جيدة في لحظات المخاطرة... إذا نظرت إلى التراجعات في السوق أو الأحداث النظامية في السوق، فعندها يتألق الذهب، وبالنسبة إلى المشترين الجدد، فإن الخطوة الأولى هي النظر في أهدافهم من الاحتفاظ بالذهب، سواء كان ذلك لتنويع المحافظ أو كأصل ملاذ آمن".
كيف تشتري الذهب؟
هناك اعتبار آخر عند شراء الذهب في سوق التجزئة وهو كيفية مقارنة سعر الملصق للسبائك بالسعر الفوري للذهب، وفي ذلك يقول كافاتوني "عليك التأكد من أنك مطمئن لمستوى السعر هذا، وأنك تشتري الاستثمار الذي تريده ولا يعرض عليك شيء قد يكون أكثر قابلية للتحصيل قليلاً".
وينصح كافاتوني باتباع "عقلية الذهاب والإياب" عند شراء الذهب، مؤكداً أهمية مرحلة البيع بقدر أهمية عملية الشراء، ويضيف "عندما يحين وقت الاحتفاظ بها للمدة التي تريدها وبيعها، تأكد من أن لديك شريكاً موثوقاً يمكنك العودة إليه وإجراء هذا البيع".
من الأشياء الأخرى التي يجب أخذها في الاعتبار هي نقاء الذهب والشكل الذي يأتي به، وقد تتطلب منتجات مثل المجوهرات الذهبية أسعاراً أعلى بناء على التصميم والقيمة الفنية، ما يؤدي إلى مزيد من التعقيدات، ومن ناحية أخرى، فإن صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالذهب تحرر المستهلكين من الاعتبارات التي يجب مراعاتها عند شراء الذهب المادي.
يتابع كافاتوني "الأمر أشبه بشراء سهم، إذ يمكنك فعل ذلك من دون عمولة على كثير من المنصات هذه الأيام، لذا فإن الدخول والخروج رخيص للغاية". لكن كما هي الحال مع أي استثمار، يقول كافاتوني إن التصرف بحكمة عند شراء الذهب بأي صورة من الصور له الأسبقية على السرعة، مضيفاً "إذا كان هناك شيء يبدو جيداً لدرجة يصعب تصديقه، فقد يكون غير صحيح... تأكد من توخي الحذر قبل القيام بالاستثمار، فلست في حاجة إلى التسرع في امتلاك الذهب".
مكاسب الذهب تتجاوز 35 في المئة
وتشير البيانات التي أعدتها "اندبندنت عربية" إلى صعود المعدن النفيس بنسبة 35.6 في المئة خلال تداولات العام الحالي، إذ قفز سعر الأونصة من مستوى 2034 دولاراً بنهاية تعاملات العام الماضي، إلى نحو 2758 دولاراً في نهاية تعاملات الأسبوع الماضي، بمكاسب بلغت قيمتها 724 دولاراً لكل أونصة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع هذه المكاسب الضخمة تجاوزت عائدات الذهب سوق الأسهم بما في ذلك مؤشر "ناسداك 100"، الذي يعتمد على أسهم التكنولوجيا بما في ذلك السبعة الكبار، بنحو 10 نقاط مئوية، وفقاً لما ذكرته "بيزنس إنسايدر". ومنذ بدء سوق الأسهم الصاعدة في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، تجاوز الذهب مكاسب الأسهم، إذ حقق عائداً بنسبة 67 في المئة مقارنة بعائد مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" الذي بلغ نحو 63 في المئة، مما يجعل المعدن الأصفر أحد أفضل الاستثمارات في العالم.
وكانت البنوك المركزية العالمية في حال شراء للذهب على مدى السنوات القليلة الماضية، إذ اشترت 483 طناً من الذهب في النصف الأول من العام، ما يعد رقماً قياسياً، وتصدرت البنوك من تركيا والهند والصين قائمة أكبر المشترين، بحسب بيانات مجلس الذهب العالمي.
يأتي جزء من الارتفاع في الطلب من الدول التي تريد تنويع حيازاتها بعيداً من الدولار الأميركي، ففي مذكرة بحثية قال "غولدمان ساكس"، "نعتقد أن مضاعفة مشتريات البنوك المركزية ثلاث مرات منذ منتصف عام 2022 بسبب المخاوف من العقوبات المالية الأميركية والديون السيادية الأميركية هي عملية هيكلية وستستمر".
وكانت هذه الديناميكية واضحة منذ حرب روسيا على أوكرانيا في عام 2022، إذ سعت أميركا إلى إلحاق أقصى قدر من الضرر الاقتصادي بروسيا من خلال العقوبات، لكن من الصعب تنفيذ العقوبات ضد دولة أقل اعتماداً على الدولار، وإحدى الطرق لتقليل الاعتماد على الدولار هي شراء الذهب.
وفي تعليقه، قال الاقتصادي محمد العريان، إنها ديناميكية يجب على الولايات المتحدة مراقبتها من كثب، موضحاً أن الارتفاع المستمر في الذهب "يجسد نهجاً آخذاً في التزايد بين الصين ودول القوة المتوسطة"، وأضاف "هناك أيضاً اهتمام باستكشاف البدائل المحتملة لنظام المدفوعات القائم على الدولار، الذي كان في صميم البنية الدولية منذ نحو 80 عاماً".