ملخص
كشف تحقيق جديد عن إخفاقات في مستشفيات الصحة النفسية ببريطانيا بسبب نقص الموظفين، إذ يواجه المرضى الصدمات النفسية والعنف والاعتداءات.
في أول تحقيق وطني كبير لها حذرت هيئة مراقبة السلامة في المملكة المتحدة من أن مرضى الصحة العقلية النفسية المصابين باضطرابات خطرة وغير القادرين على حماية أنفسهم يواجهون صدمات نفسية ويتعرضون لاعتداءات جنسية وصور من الأذى الجسدي في مستشفيات بريطانية، حتى إن بعضهم تمكن من الفرار.
صدر التقرير عن فرع "التحقيق في سلامة الخدمات الصحية" (اختصاراً HSSIB)، الذي أطلقه وزير الصحة البريطاني السابق ستيف باركلي بعدما كشفت "اندبندنت" عن سلسلة إخفاقات في هذا القطاع، ويحذر الحكومة البريطانية ومسؤولي الرعاية الصحية في البلاد من أن مستشفيات الصحة العقلية والنفسية "الخانقة" والتي تعاني نقص التمويل اللازم تتسبب بالأذى للمرضى.
وللأسف، فإن خدمات الرعاية الصحية النفسية المتاحة للمرضى داخل المستشفيات الموزعة في مختلف أنحاء إنجلترا تخفق في الحفاظ على سلامة المرضى الضعفاء نفسياً والمعرضين لخطر شديد، بل إنها تتسبب في إصابتهم مجدداً بصدمات نفسية أخرى، وفق هيئة "التحقيق في سلامة الخدمات الصحية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتسلط الهيئة الضوء على سلسلة مخاوف متعلقة بسلامة المرضى، يُعزى معظمها إلى نقص في موظفي الصحة العقلية والنفسية على المستوى الوطني، وتحذر من أن طموحات خطة القوى العاملة الطويلة الأمد الرائدة في "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" ربما تكون "بعيدة المنال".
وتشمل الإخفاقات الأخرى التي سلطت هيئة "مراقبة سلامة المرضى" الضوء عليها ما يلي:
- لا توفر أجنحة الصحة العقلية والنفسية التي تعاني نقصاً في الموظفين الحماية للمرضى من الأذى الجنسي، فيما يقلل الموظفون أيضاً من خطورة هذه السلوكات الجنسية، مما يجعلها تبدو مقبولة و"طبيعية".
- يصار إلى إيواء المرضى من الإناث في أجنحة مختلطة الجنس على رغم وجود قواعد وطنية تحظر هذا السلوك، ذلك أن المستشفيات تفتقر إلى التمويل اللازم لإعادة تصميم الأقسام كي تكون مخصصة لجنس واحد.
- يعمد المرضى إلى إيذاء أنفسهم ويتعرضون للعنف ويتمكنون من الهرب، لأن المستشفيات لا تحوي عدد الموظفين اللازم للحيلولة دون هذه المشكلات.
- لا يتلقى مرضى الصحة العقلية والنفسية الرعاية العلاجية اللازمة في أجنحة مخصصة للصحة العقلية والنفسية.
- شكل أو تصميم مباني المستشفيات "يثير شعوراً بالضيق" و"الكآبة"، مما يترك المرضى فريسة صدمات نفسية جديدة مرة أخرى.
يذكر أن التقرير هو الأول في مجموعة تقارير تعتزم هيئة "التحقيق في سلامة الخدمات الصحية" نشرها خلال العام المقبل، ومن المقرر أن تتناول أيضاً رعاية الأطفال المرضى في المستشفيات. ويأتي ذلك في أعقاب سلسلة فضائح نشرتها "اندبندنت" و"سكاي نيوز" حول إخفاقات متأصلة "في النظام" الصحي داخل مجموعة من المستشفيات الخاصة للأطفال.
تحدثت في هذا الشأن الرئيسة التنفيذية للمؤسسة الخيرية "مايند" Mind الدكتورة سارة هيوز فقالت إن التقرير يكشف "الحقيقة القاسية والمؤلمة" في شأن حال مستشفيات الصحة العقلية والنفسية داخل البلاد.
وأضافت "الأماكن التي يفترض أن تكون ملاذاً للتعافي صارت بالنسبة إلى كثير من المرضى أماكن ألم وخوف. وأصبحت الرعاية العلاجية الآن الاستثناء وليست القاعدة".
وأكملت "تزداد الحال سوءاً بسبب قانون الصحة العقلية والنفسية البالي، الذي لا يمنح الناس حق المشاركة في القرارات المتعلقة برعايتهم. وأضافت أنه لا ينبغي أن يتهدد الخطر السلامة النفسية أو الجسدية أو الجنسية لأي شخص تحت رعاية الدولة، أو أن يفقد حياته بسبب فشل النظام".
كذلك أوضحت الدكتورة هيوز أن عدم توافر الموارد الكافية يؤدي بخدمات الصحة العقلية والنفسية إلى "الفشل" [في تحقيق أهدافها وتأمين الرعاية للمرضى]، داعية الحكومة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين رعاية مرضى الصحة العقلية والنفسية في المستشفيات.
وخلال وقت سابق من العام الحالي، كشف تحقيق اضطلعت به "اندبندنت" و"سكاي نيوز" وورد ذكره في التقرير الصادر عن هيئة "التحقيق في سلامة الخدمات الصحية"، عن تسجيل الآلاف من الاعتداءات الجنسية وحوادث التحرش في أقسام الصحة العقلية والنفسية التابعة لـ"هيئة الخدمات الصحية الوطنية". وبناء على هذا الكشف أضافت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية في بريطانيا قضية السلامة الجنسية للمرضى إلى تحقيقات "هيئة التحقيق في سلامة الخدمات الصحية".
وكشف التحقيق عن أن المستشفيات لا تفصل بين المرضى من الذكور والمرضى من الإناث بل تؤويهم في الأجنحة نفسها، على رغم أن توجيهات "هيئة الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا" تنص على "عدم التسامح مطلقاً" مع هذا الإجراء. وخلال ذلك الوقت دعا وزير الصحة في حكومة الظل آنذاك ويس ستريتنغ، حكومة "المحافظين" إلى التحرك في شأن العدد "المرتفع" من الأقسام المختلطة الجنس.
ووفق المراجعة حذر مديرو خدمات الصحة العقلية والنفسية من عدم توافر العدد الكافي من الموظفين للمراقبة أو التدخل عندما يكون المرضى عرضة لخطر الاعتداء الجنسي.
كذلك حذر مفتشون من أن المرضى الذين كابدوا سابقاً صدمة جنسية ربما يكونون عرضة لخطر التعرض "للصدمة مرة أخرى" في أقسام المستشفيات، مشيرين إلى أن المديرين أعربوا عن قلقهم من عدم تصرف الموظفين كما ينبغي، إذ اعتبروا سلوكات جنسية معينة من المرضى تصرفاً "عادياً" أو مقبولاً.
وأشار مفتشو هيئة "التحقيق في سلامة الخدمات الصحية" إلى النقص في أعداد الموظفين باعتباره المحرك الرئيس للمشكلات في سلامة المرضى.
وضربت الهيئة الرقابية مثلاً بمرضى تمكنوا من إلحاق أذى خطر بأنفسهم، لأن الموظفين المرهقين لم يتمكنوا من مراقبتهم جيداً على النحو المطلوب. كذلك جاءت على ذكر مريض غادر المستشفى من دون وجود أي شخص يرافقه أو يشرف عليه.
وأبلغ مرضى وموظفون مفتشي هيئة "التحقيق في سلامة الخدمات الصحية" عن "الخوف على سلامتهم" بسبب وقوع صور من العنف الجسدي في أجنحة المستشفيات نتيجة نقص في طاقم التمريض.
ووفق هيئة "التحقيق في سلامة الخدمات الصحية" كان من الشائع إلى حد ما" أن يشكل موظفو وكالات التوظيف [يستخدمون عادة لتلبية حاجات قصيرة الأجل أو لتعويض نقص العمالة] 50 في المئة في أقل تقدير من الموظفين داخل بعض الأقسام، بينما كانت أقسام أخرى تفتقر إلى ممرضين دائمين.
ووجدت هيئة "التحقيق في سلامة الخدمات الصحية" في تقريرها أن موظفي الصحة العقلية والنفسية حذروا من أنهم ليسوا مهيئين دائماً للتعامل مع مشكلات صحية جسدية. وتشمل الأمثلة التي رصدتها التحقيقات حالة مريض توفي بسبب جلطة دموية في الرئة بعدما أخفق المستشفى في تقييم أخطار المريض واتباع نصيحة اختصاصي التغذية. وكان المريض في حالة جلوس من دون أية حركة خلال اليوم السابق لوفاته، ولم يكن تناول أي طعام أو شراب لمدة يومين.
كذلك وجد التقرير مخاوف عدة في شأن حال مباني خدمات الصحة العقلية والنفسية، التي وصفها بعض المرضى والموظفين بأنها "موحشة" و"خانقة" و"لم تعد تلبي المعايير والحاجات المطلوبة".
ونظراً إلى نقص التمويل اللازم للاستثمار في تحسين الخدمات تعذر على المستشفيات التصدي لأخطار السلامة، مما سمح لبعض المرضى بفتح وتجاوز أبواب كان يفترض أن تبقى مغلقة أمامهم لأسباب تتعلق بسلامتهم، أو استخدام حبال وأسلاك أثناء محاولتهم الانتحار شنقاً.
ومن جانبه، لم يقدم المتحدث باسم وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية أية تعليقات مباشرة على التوصيات أو النقاط المتعلقة بالأجنحة المختلطة، ولكنه قال "تكتسي سلامة المرضى أهمية قصوى، وكل مريض يتلقى العلاج في منشأة للصحة العقلية والنفسية يستحق رعاية آمنة وعالية الجودة، وأن يعامل بكرامة واحترام. ونحن ممتنون لهيئة ’التحقيق في سلامة الخدمات الصحية‘ على هذا التقرير، الذي يسلط الضوء على مخاوف مهمة تساعدنا في تحسين خدمات الصحة العقلية والنفسية للمرضى داخل المستشفيات النفسية".
وسلط التقرير الضوء على خطط للمضي قدماً في إصلاح قانون الصحة العقلية والنفسية، إضافة إلى تعيين 8500 موظف إضافي في مجال الصحة العقلية والنفسية.
أما المتحدث باسم هيئة "الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا" فقال "تشهد خدمات الصحة العقلية والنفسية طلباً قياسياً، إذ ارتفع بنسبة تقارب الثلثين مقارنة مع المعدل قبل الجائحة [كورونا]، ونعلم أن علينا بذل جهود كثيرة لتوفير رعاية أفضل للمرضى".
وختم قائلاً "نعكف على تعزيز جودة وسلامة جميع خدمات الصحة العقلية والنفسية، وخدمات صعوبات التعلم والتوحد للمرضى في المستشفيات النفسية، ونعتزم إدخال مئات الوظائف الإضافية التي تشمل تقديم الرعاية الصحية والعلاجية المباشرة للمرضى السريريين عبر خدمات الصحة العقلية والنفسية لدى هيئة الخدمات الصحية الوطنية".
© The Independent