ملخص
على الصعيد الرسمي تتعامل مصر مع "حماس" بوصفها "فصيلاً وطنياً فلسطينياً"، لكن الخطاب الإعلامي في البلاد "يبدو مناهضاً" في كثير من الأحيان، فهل من "رسائل ملتبسة" في علاقة مصر مع حماس؟
بعد ساعات من إعلان إسرائيل اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" يحيى السنوار، كان لافتاً أن تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي تدوينات لمصريين، بينهم إعلاميون بارزون ومعلقون سياسيون، تحت وسم "عظم شهيدك"، يسترجعون فيها ذكرى الذين قتلوا من أبناء القوات المسلحة المصرية في عمليات إرهابية، بخاصة داخل شبه جزيرة سيناء.
وعلى رغم أن مقتل السنوار أثار حزناً عاماً بين غالبية المصريين على مواقع التواصل، فإن تلك الأصوات الأخرى، وبالنظر إلى أهمية بعض أصحابها، دفعت إلى إثارة التساؤل حول الخطاب المصري تجاه حركة "حماس"، وما إذا كان قد يحمل نوعاً من الالتباس، بخاصة أن الخطاب ذاته كان ذاع بعد اغتيال إسماعيل هنية.
بين الخطاب الرسمي والإعلامي
وكثير من الأقلام في مصر لم تنس الاتهامات الموجهة إلى "حماس" بدعم العمليات الإرهابية في مصر خلال السنوات التي أعقبت إطاحة الإخوان المسلمين في ثورة الـ30 من يونيو (حزيران) 2013، وهي التهم التي دأبت الحركة على نفيها سنوات، قبل أن تخمد نار التوتر بين القاهرة و"حماس"، في السنوات الأخيرة التي سبقت هجمات السابع من أكتوبر، التي ارتبطت بتولي السنوار القيادة الفعلية داخل قطاع غزة، المرتبط جغرافياً وتاريخياً واقتصادياً بمصر.
ومن أبرز الأصوات التي هاجمت من "يترحمون" على السنوار كان الإعلامي أحمد موسى، قائلاً "ماتنسوش (لا تنسوا) الإرهاب عمل إيه في مصر، ولا اقتحام الحدود والسجون"، مضيفاً "مين (من) فجر الأكمنة وقتل أبو شقرة والحوفي ومحمد وحيد ومحمد مبروك، نسيتوا مين قتل دول"، مؤكداً أنه يعتبر كل من "يعمل حاجة على أرض مصر بالنسبة إلي إرهابي".
وعلى الصعيد الرسمي تتعامل مصر مع "حماس" بوصفها "فصيلاً وطنياً فلسطينياً"، بحسب تعبير وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي في مؤتمر صحافي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن في القاهرة الشهر الماضي، كما تستقبل القيادات الأمنية المصرية وفوداً من الحركة بصورة مستمرة، بخاصة في ظل الدور الذي تلعبه القاهرة في الوساطة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى والمحتجزين.
غير أن القاهرة أيضاً على المستوى الرسمي تجاهلت إصدار بيان لنعي السنوار، وكذلك اكتفت بالإعراب عن "إدانة سياسة الاغتيالات"، حين اغتيل سلفه إسماعيل هنية في طهران في الـ31 من يوليو (تموز) الماضي.
ورقة ضغط وسط الغموض
مساعد وزير الخارجية السابق معصوم مرزوق يصف علاقة مصر بـ"حماس" بأنها "ملتبسة"، مرجعاً ذلك إلى أن الموقف الاستراتيجي "يسوده الغموض" منذ سنوات، سواء من جانب القاهرة أم الحركة، مشيراً إلى أن بعض الأطراف كانت تتعامل مع "حماس" على أنها "دولة غزة على رغم أنها في النهاية حركة وليست حكومة".
يقول مرزوق، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن "الحكومة المصرية على مدار سنوات كانت تتعامل مع ’حماس‘ على أنها ورقة ضغط في علاقاتها مع إسرائيل، وفي أحيان أخرى كانت تستخدم صلتها بالحركة لكسب مزيد من النفوذ الدولي، فيما تتعامل مع ’حماس‘ على أنها تهديد للأمن القومي المصري في بعض الأحيان، وفي المقابل كانت الحركة تنظر إلى الحكومات المصرية المتعاقبة على أنها إما داعمة للمقاومة أو مساندة لإسرائيل، وبالتالي مواقف الطرفين (القاهرة وحماس) تأرجح بين النقيضين، ولم تتخذ أرضية وسطية".
ووصف مرزوق الخطاب الإعلامي المناهض "حماس" حالياً بـ"المريض"، لأنه "حتى إذا كان هناك حقيقة أن ’حماس‘ قد تشكل تهديداً للأمن القومي المصري، باعتبارها فرع الإخوان المسلمين الذي يقع على الحدود المصرية، فإن ذلك ليس الوقت المناسب لمهاجمتها، وسط الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة".
لكن ظهور الأصوات المضادة لـ"حماس" في الإعلام المصري لا يعني بالضرورة رضا الجهات الرسمية عن ذلك، وفق مساعد وزير الخارجية المصري السابق، موضحاً "دواليب الدولة بها من يرون ’حماس‘ تهديداً لمصر ومن يرونها فصيلاً يمكن التعاون معه، وفي الوقت نفسه هناك رغبة في ترك الباب مفتوحاً أمام الاتجاهين، في ظل (الغموض الاستراتيجي) الذي يسود موقف القاهرة"، مشيراً إلى "وجود اتجاهات مختلفة داخل ’حماس‘ تجاه مصر بين من يرى التقارب أو اتخاذ مواقف تبتعد عن القاهرة".
وارتبط اسم "حماس" بأحداث الداخل المصري إبان ثورة الـ25 من يناير (كانون الثاني) 2011، حين اتهمت الحركة بمساعدة الإخوان المسلمين في اقتحام السجون لإطلاق سراح سجناء على ذمة قضايا سياسية، من بينهم محمد مرسي الذي أصبح رئيساً للجمهورية في العام التالي.
وبعد إطاحة حكم مرسي، دانت "حماس" إعلان مصر الإخوان جماعة إرهابية، ثم اتهمت الحركة بالتورط في عمليات إرهابية راح ضحيتها مئات من عناصر الشرطة والجيش، مما دفع بعض المواطنين المصريين للجوء إلى القضاء للمطالبة باعتبار "حماس" منظمة إرهابية، وهو الحكم الذي صدر في فبراير (شباط) 2015، قبل أن يلغى قضائياً بعد نحو أربعة أشهر من الحكم الأول.
وعلى رغم ذلك صرح وزير الداخلية المصري اللواء محمود توفيق في مارس (آذار) 2016 بأن "حماس" ضالعة في اغتيال النائب العام هشام بركات، وهي التهم التي نفتها الحركة مراراً، وسعت إلى التواصل مع القاهرة على أعلى مستوى، والتعهد بضبط الحدود وعدم السماح بتسلل إرهابيين أو أسلحة إلى سيناء.
الموقف المصري ثابت أم متغير؟
يرى الخبير بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية صبحي عسيلة، أن الوقت الحالي "ليس مناسباً لإعادة الحديث حول ملف العمليات الإرهابية في مصر، واتهام ’حماس‘ بالضلوع فيها، وهذا الطرح لا يقدر حقيقة الموقف المصري من القضية الفلسطينية وعلاقتها مع ’حماس‘ نفسها"، معتبراً أن ذلك "ليس الموضوع الأهم حالياً، لكن ما يجب التشديد عليه هو أن موقف مصر تجاه القضية الفلسطينية، ودعم التحرر ثابت على مر التاريخ".
ويضيف عسيلة، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن "من الوارد أن يكون لدى مصر خلاف مع ’حماس‘ حول منهجها في المقاومة مع الدفاع عن حقها في ذلك، لكن انتصار القضية الفلسطينية أولوية قصوى للقاهرة"، موضحاً أن مصر "جنبت أي خلاف مع أي فصيل فلسطيني، من أجل حرية الشعب الفلسطيني وواجبها تجاهه، بخاصة عند أية مواجهة مع إسرائيل".
وأكد أن مصر تتناسى أي خلاف مع "حماس" من أجل فلسطين نفسها وقضيتها، لأنها تدرك أن هناك حالياً هجمة تستهدف تصفية الشعب الفلسطيني وقضيته، مشيراً إلى أن أي بوق إعلامي يتحدث عن سلبيات لـ"حماس" تهدد الأمن القومي "لا يمكن أن يغير من واجب مصر تجاه القضية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح عسيلة أنه في السابق صدر عن بعض الإعلاميين خطاب لا يتفق مع الرؤية المصرية أساء إلى بعض الفلسطينيين، لكنه "لم يؤثر" في علاقة الفصائل الفلسطينية مع مصر، لأن جميع تلك الفصائل تدرك أن الموقف المصري ثابت، وأن بعض الأصوات التي تخرج مدفوعة بـ"حمية" الخوف على الأمن القومي المصري، بخاصة عند الحديث عن ملفات مثل اقتحام السجون.
وبحسب عسيلة فإن كل تلك الأصوات، سواء إعلامية أو أكاديمية وغيرها "لا تؤثر في قوة وصلابة العلاقات المصرية - الفلسطينية، ربما يحدث بعض الاحتقان أو الاستياء لدى بعض الفلسطينيين، لكنه لا يؤثر في رسوخ العلاقة بين الجانبين".
وأضاف "تعبير وزير الخارجية المصري عن ’حماس‘ (فصيل وطني) يختصر الرؤية المصرية، بأن ’حماس‘ فصيل يجب أن يكون موجوداً، لكن في حدود دوره، ضمن المصلحة العليا الفلسطينية، مع الدعوة إلى انخراط كل الفصائل ضمن منظمة التحرير، لأن رؤية القاهرة أن شتات الفصائل يضعف الموقف الفلسطيني".
كما شدد عسيلة، الذي شغل سابقاً رئاسة برنامج الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، على أن أية خلافات سابقة "لم تؤثر في استمرار جهود مصر لمحاولة التوصل إلى مصالحة فلسطينية، واستقبال قيادات ’حماس‘ في ما بعد في محاولة التوصل إلى هدنة في قطاع غزة، ولم تغلق مصر بابها في وجه ’حماس‘ حتى في ذروة المشكلات والاتهامات المتعلقة باقتحام السجون وغيرها"، مشيراً إلى أن "احتفاظ مصر بعلاقات قوية بكل الفصائل الفلسطينية هو أحد مصادر قوة الموقف المصري".
جزء من الأمن القومي المصري
ويتفق مع الرأي السابق الباحث السياسي الفلسطيني أشرف عكة، إذ يستبعد وجود أية علاقة ملتبسة بين مصر و"حماس"، ويقول "القاهرة تعد مجالاً حيوياً واستراتيجياً لحركة ’حماس‘، فسبق أن رعت مصر المفاوضات خلال الحروب السابق ومنعت إسرائيل من استئناف حروبها الوحشية ضد الحركة وأدخلت المساعدات لكسر الحصار على غزة".
وأضاف عكة، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أنه "في مرحلة معينة خلال حكم الإخوان كانت هناك بعض الخلافات، لكن الأمور تبدلت في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي"، مشيراً إلى أن يحيى السنوار "أقام علاقات استراتيجية مع مصر، بل إنه قيل حينها إنه محسوب على مصر، كما انحازت الحركة لأي مقترحات مصرية في شأن المصالحة الفلسطينية التي استضافتها القاهرة مرات عدة".
وبعد أسابيع من انتخاب السنوار رئيساً للمكتب السياسي لحركة "حماس" في غزة، أصدرت الحركة وثيقة سياسية جديدة تتضمن 42 بنداً، حذفت فيها ما يتعلق بالإخوان المسلمين، على عكس وثيقة إقامة الحركة عام 1988، وهو ما اعتبر تجديداً لبنية الحركة.
كما نصت على رفضها التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مما فسر أيضاً على أنه لتحسين العلاقات مع مصر، وتبع ذلك تحسن العلاقات بين القاهرة و"حماس"، ترجمت في زيارة لافتة لرئيس المخابرات المصرية حينها اللواء عباس كامل إلى القطاع عام 2021 حيث استقبل بحفاوة من السنوار.
وأكد عكة أن القاهرة "تنظر إلى القطاع باعتباره جزءاً من الأمن القومي المصري، وحريصة على أن استمرار القطاع جزءاً من الأراضي الفلسطينية"، مستدلاً بمحاولات مصر احتواء الخلاف بين "حماس" و"فتح" منذ عام 2007، مشيراً إلى أن مصر "أسست لمقاربة تقوم على حماية القضية الفلسطينية، وأن ’حماس‘ جزء من الشعب الفلسطيني له مساراته في مقاومة إسرائيل، وفي المجمل تبقى العلاقة بين الأطراف الفلسطينية ومصر أولوية بحكم الواقع والمنطق والجغرافيا، وبحكم أهمية مصر الإقليمية وتأثيرها في المنطقة".
واستدل الباحث الفلسطيني على عمق العلاقة بين القاهرة و"حماس" بـ"قبول الحركة أي مقترح مصري في شأن الهدنة مع إسرائيل أخيراً، لتأكدها من حرص القاهرة على القطاع ومنع التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، فضلاً عن اتفاق الطرفين على أهمية الانسحاب الإسرائيلي من محوري نتساريم وفيلادلفي".
ويتوافق الموقف المصري في مفاوضات حرب غزة مع تمسك حركة حماس بانسحاب إسرائيل بالكامل من القطاع، بخاصة محور فيلادلفي على الحدود مع مصر، وكذلك محور نتساريم في وسط القطاع.