ملخص
في 22 أكتوبر، قامت قوة اليونيفيل بإجلاء شقيقتين مسنتين، هما من آخر سكان قرية القوزح التي تشهد معارك عنيفة، إلى بلدة رميش المسيحية المجاورة. ويرفض بعض القرويين الذين عاشوا في الماضي تحت الاحتلال الإسرائيلي (1982-2000)، مغادرة منازلهم ويتمسكون بالبقاء في قراهم خشية ألا يروها مجدداً.
رفض راعي الماشية خيرالله يعقوب مغادرة جنوب لبنان بعد مرور أكثر من سنة على بدء تبادل القصف عبر الحدود بين "حزب الله" وإسرائيل، لكن مع تحول التصعيد إلى حرب مفتوحة الشهر الماضي، اضطر للمغادرة بعد أن علق مع أربعة أشخاص آخرين في قريته الحدودية التي استحالت خراباً.
كان يعقوب بين مجموعة صغيرة من سكان القرى في جنوب لبنان الذين سعوا للبقاء في منازلهم على رغم القصف الإسرائيلي والدمار الكبير. لم يغادر قريته حولا إلا بعد أن أصيب بشظية وفقد نصف بقراته الـ16 في غارات إسرائيلية.
في 19 أكتوبر (تشرين الأول)، تمكن جنود تابعون لقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) من إنقاذ ثلاثة من آخر خمسة أشخاص كانوا لا يزالون في حولا، بمن فيهم يعقوب، في ظل قصف مستمر وطرق تضيق بالركام.
وتعذر الوصول إلى الشخصين الآخرين، إذ إنهما لا يملكان هاتفاً محمولاً لمعرفة مكانهما.
ويقول يعقوب البالغ 55 سنة لوكالة الصحافة الفرنسية "كنت أريد أن أبقى مع الأبقار، مصدر رزقي، لكن في النهاية غادرت وتركتها، لأنني أصبت".
مع تعذر وصوله إلى مستشفى، اضطر إلى إزالة الشظية بنفسه باستخدام سكين، كما عالج جرحه مستخدماً الأعشاب والزيت والملح.
ويتابع "كان من الصعب الخروج من البيت لأن الطيران يحلق بشكل دائم في الأجواء".
يمضي يعقوب أيامه حالياً وهو يحلم بالعودة إلى قريته، بعد أن نزح إلى منطقة شمال بيروت في أعقاب يومين أمضاهما في العاصمة.
ويقول "عندما وصلت إلى بيروت قلت: ليتني مت في حولا ولم آت"، متابعاً "إذا أعلنوا وقفاً لإطلاق النار، سأعود إلى حولا في الليلة نفسها. ترعرعت وكبرت في حولا... أنا متعلق جداً بها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في 23 سبتمبر (أيلول)، بدأت إسرائيل حملة جوية في لبنان تستهدف خصوصاً معاقل "حزب الله" في ضاحية بيروت الجنوبية وفي جنوب البلاد وشرقها، بعد نحو عام على بدء تبادلها القصف عبر الحدود مع "حزب الله" عقب اندلاع الحرب في قطاع غزة.
وقتل مذاك 1829 شخصاً على الأقل، وفق حصيلة أعدتها وكالة الصحافة الفرنسية بناءً على بيانات وزارة الصحة. كذلك، نزح 1.3 مليون شخص من منازلهم، أكثر من 800 ألف منهم داخل لبنان، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة.
مع ذلك، رفض بعض القرويين الذين عاشوا في الماضي في ظل الاحتلال الإسرائيلي (1982-2000)، مغادرة منازلهم وتمسكوا بالبقاء في قراهم خشية ألا يروها مجدداً.
في 22 أكتوبر، قامت قوة اليونيفيل بإجلاء شقيقتين مسنتين، هما من آخر سكان قرية القوزح التي تشهد معارك عنيفة، إلى بلدة رميش المسيحية المجاورة.
فقد بقيت المناطق ذات الغالبية المسيحية والدرزية القريبة من الحدود آمنة نسبياً، في وقت تستهدف إسرائيل غالباً المناطق ذات الغالبية الشيعية المحسوبة على "حزب الله".
وتواصلت وكالة الصحافة الفرنسية مع نحو ستة رؤساء بلديات في قرى تقع بين بلدتي الناقورة الساحلية بالقرب من الحدود وقانا التي تبعد عنها نحو 20 كيلومتراً. وقال هؤلاء إن القرى والبلدات باتت خالية تماماً.
لكن على بعد كيلومترات قليلة شمال قانا، رفض أبو فادي (80 سنة) مغادرة بلدة طير دبا التي قصفتها إسرائيل مراراً.
ويقول الشرطي المتقاعد الذي عمل في إحدى بلديات الضاحية الجنوبية لبيروت، وبات لديه كشك لبيع القهوة في ظل شجرة زيتون "منذ عام 1978، وفي كل غزو أعود إلى القرية... أحضر النرجيلة وأجلس في مكاني غير خائف".
ويضيف أن نحو خمسة آلاف شخص كانوا يعيشون في القرية الواقعة شرق مدينة صور، لكن "الآن، لم يبق منهم سوى عشرات".
ويتابع "ليس هناك شارع في القرية لم يشهد خراباً... هناك نحو عشرة منازل في حينا تضررت وباتت غالبيتها على الأرض".
ويصر أبو فادي على أنه لن يغادر ويقول "منذ زمن، أنا متعلق بالبيت والأرض. أنا إنسان وطني".
لكنه يؤكد أنه "شعر بالارتياح"، لأن أبناءه التسعة وأحفاده الستين ليسوا في القرية، علماً بأنهم يحاولون إقناعه بالمغادرة.
غير أن القنابل لا تشكل الخطر الوحيد على سكان الجنوب.
في الأسابيع الأخيرة، اعتقل الجيش الإسرائيلي رجلاً وراهبة في قريتين حدوديتين ثم أطلق سراحهما، وفق ما أفاد مصدر أمني وكالة الصحافة الفرنسية.
أحدهما هو إيهاب سرحان وهو في الستينيات. كان يعيش مع قطته وكلابه في كفركلا، إلى أن دخلت القوات الإسرائيلية القرية واعتقلته.
ويقول سرحان "كان الأمر مخيفاً لكنني لم أتعرض للتعذيب".
أطلق سراحه بعد نحو عشرة أيام، ثم استجوبه الجيش اللبناني مجدداً.
وأدى القصف إلى تدمير سيارته ما جعله عالقاً من دون كهرباء أو مياه أو اتصالات أو إنترنت، بينما تحولت قريته ساحة معركة.
ويضيف "كنت عنيداً، لم أرد أن أترك بيتي".
ويشير إلى أن والده الراحل كان يحلم دائماً بأن يمضي شيخوخته في القرية، لكنه توفي قبل نهاية الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 2000، ولم يتمكن من العودة إلى كفركلا.
ودمر بيت العائلة في الحرب الحالية.
ويقول سرحان "لا أدري ماذا حصل لحيواناتي... لم يبق أي بيت قائماً في كفركلا".