Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحمار "الديمقراطي" ينتظر رد الاعتبار بعد انتخابات أميركا

يمثل رمزاً لواحد من أعتى حزبين لأقوى دولة في العالم ولو فاز سيتحدث الناس عن صبره وذكائه

مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس رمز الحمار (مواقع التواصل)

ملخص

لو علم الحمار أن شعوب الأرض لا تقف على طرفي نقيض ثقافي كما تقف أمامه لعلم قيمة نفسه واعتد بمكانته وفخر بكينونته. حمار الحزب الديمقراطي أيقونة سياسية لواحد من أقوى حزبين لأقوى دولة في العالم على مدار نحو قرنين. تفاصيل القصة ترسخ قيمة "العناد" حين يتحول من نقيصة إلى ميزة، بمحض الصدفة.

شخصيات جميلة وممتعة ورائعة، من يصاحبها محظوظ ومن يتجاهلها أو يكتفي بما يقال عنها من قبل محترفي تشويه السمعة وتعكير العلاقات فاته كثير. آلاف الأعوام مرت وهو ثابت راسخ باق، لا يتذمر أو يتململ.

ذكي وقوي واجتماعي لكنه عنيد وحريص، وما لا يعرفه عنه كثر أنه يحب اللعب والمرح. يتحمل التنمر على مدار القرون ويسمع ما يقال عنه من أكاذيب وما يراج حوله من خرافات. يعاصر كل يوم سوء المعاملة وظلم التفرقة بينه وأقرانه وعلى رغم ذلك يمضي في طريقه بلا كلل أو ملل، واثق الخطوة يمشي حماراً قوياً أبياً على رغم الظلم الشديد الذي ظل قريناً له على مدار آلاف الأعوام.

الحمار الممزق بين الشرق والغرب

إنه الحمار الذي يجد نفسه ممزقاً بيث ثقافات الشرق والغرب مثالاً للغباء والقبح وبطء البديهة هنا وحيواناً أليفاً يصادق الصغار في مزارع تزورها الأسر في عطلة نهاية الأسبوع، وزميلاً للكلب والقطة والعصفور ويحمل اسمين أحدهما الموثق في شهادة ميلاده والثاني اسم "دلع" تناديه به أسرته شأنه شأن الكلب مايلو والقطة لوسي هناك. ليس هذا فحسب، بل هو رمز سياسي لحزب سياسي يتناوب على حكم أقوى دول العالم وأعتاها، دون خجل أو عار أو غضاضة.

وحين تتردد عبارات مثل "كامالا هاريس رمز الحمار" أو "انتخبوا الحمار من أجل أميركا أفضل" أو "حين يحارب الحمار، فإنه يكسب"، فهي ليست على سبيل الدعابة أو السخرية، لكنها تقال في إطار الحرب الانتخابية أملاً في فوز مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس رمز الحمار.

لو علم الحمار

لو علم الحمار أن شعوب الأرض لا تقف على طرفي نقيض ثقافي كما تقف أمامه لعلم قيمة نفسه واعتد بمكانته وفخر بكينونته. حمار الحزب الديمقراطي أيقونة سياسية بكل معاني الكلمة. وعلى رغم قصة صعوده الأسطوري ليكون رمزاً لواحد من أقوى حزبين لأقوى دولة في العالم على مدار نحو قرنين، فإن تفاصيل القصة ترسخ قيمة "العناد" حين يتحول من نقيصة إلى ميزة، بمحض الصدفة.

خلال عام 1828 وأمام اتهامات وجهها الجمهوريون لمرشح الحزب الديمقراطي أندرو جاكسون بالشعبوية ومغازلة العامة بأسلوب رخيص يفتقد الرقي والحكمة، تمكن العناد من جاكسون فامتطى حماراً رمادي اللون ووضع عليه شعار الحزب الديمقراطي وجال به المناطق المجاورة لبيته، ليرسخ فكرة ارتباط حزبه الديمقراطي بالناس العاديين، على عكس منافسه الجمهوري النخبوي.

وعلى رغم شعبوية الحمار وشعبيته فإن هذا لم يمنع من أن ينفق الأميركيون من أنصار الحزب الديمقراطي مليارات الدولارات عليه، بين تهذيب وتجميل وتلميع وتزيين.

الحمار الديمقراطي

ظل الحمار الديمقراطي مجرد قصة عناد سياسي بين مرشحين إلى أن دفعه فنان الكاريكاتير توماس ناست للبدء في ارتقاء سلم المجد خلال عام 1870، إذ قدم كاريكاتيرياً لحمار أسود عنيد لكن شجاع بأذنين مضحكتين لكن صادقتان يخوض معركة مع فيل جمهوري مذعور.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ذلك العام أثبت الحمار نفسه رمزاً مثيراً للاحترام وكسر واحداً من "تابوهات" كونه حماراً. أحبه الأميركيون الديمقراطيون، وربما غير الجمهوريون نظرتهم تجاهه فأصبح يعمل له ألف حساب، بعد أن كان مجرد حمار يحمل أثقالاً، وأقصى ما يمكن أن يفعله هو النهيق.

متي ينهق الحمار؟ سؤال يشغل البال ويظن البعض أنه ينهق حين يتعرض لسوء المعاملة أو القسوة أو الجوع أو التهديد أو ما شابه. صحيح أن الحمار ينهق لدى تعرضه للضغط النفسي أو الجسدي لكنه ينهق أيضاً لينادي على أصدقائه وزملائه، أو في حال رغب في التزاوج أو لطلب الطعام أو الشراب من البشر. كما أنه قد ينهق بدافع الملل.

عم الحمير كلهم

في غالب الأحوال قل ما يشعر الحمار بالملل فهو دائم الانشغال يقوم بأعمال نقل البشر والبضائع وبخاصة في الحقول والمزارع منذ آلاف الأعوام. ويعتقد أن التأريخ المرسوم الأول للحمار يعود إلى عام 3100 ق.م. جداريات مصرية عديدة تشير إلى أن المصريين القدماء استأنسوا الحمار واستخدموه للنقل منذ عهد الدول القديمة. وأبرز هذه الجداريات في مصطبة "ورخو" التي تعود إلى عهد الأسرة الخامسة وفيها يظهر حماران يحملان مقعداً بينهما كان مخصصاً لجلوس المسؤول عن التفتيش على العمال في الحقول.

المصريون القدماء على ما يبدو لم يبخسوا حق الحمار أو يسخروا منه أو يتخذوا منه تشبيهاً للتنكيت أو التبكيت. ولم يغنوا "بحبك يا حمار" كما فعل المطرب سعد الصغير وهو يغني ساخراً "بحبك يا حمار، بازعل (أحزن) قوي لما حد يقول لك يا حمار، يا عم الحمير كلهم". أدرك الأجداد أهمية الحمار سواء في أعمال الحقول وهي مصدر غذاء وبقاء البشر، أو في قوافل التجارة والمواصلات.

مدفونة مع الملك

وبحسب "جمعية بركشاير الأثرية" عُثر على بقايا عظام حمير مستأنسة تعود إلى نحو 4500 عام ومنها ما وجد مدفوناً مع ملك مصري قديم خارج مدينة أبيدوس. وظهرت على هذه العظام آثار أعمال شاقة يقوم بها الحمار وهو دليل على استئناسها وقيامها بأعمال أفادت البشر قبل آلاف الأعوام.

 

وترجح الجمعية أن رحالة استخدموا الحمير للسفر والتنقل عبر الصحراء الكبرى قبل 7 آلاف عام، وذلك في مسارات ما زالت تستخدم حتى اليوم وعلى ظهر الحمير أيضاً.

ويتعجب البعض من تحول الحمار هذا الحيوان المفيد القوي العنيد الصبور من رمز للقوة والعمل والمثابرة إلى رمز للغباء والقبح والسخرية اللاذعة. والبعض الآخر يندهش من أن يكون الحمار الغبي المضحك الذميم حيواناً أليفاً لطيفاً يربت على جسمه الصغار ويطلقون عليه أسماء جميلة للتدليل، بل ويربيه البعض أليفاً وأنيساً وصديقاً.

اللافت هو أن الفكرة السائدة من تضارب المواقف من الحمار بين شرق يسخر منه ويبخسه حقه، وغرب يحبه وينصبه في مكانة عالية هي تصور نمطي غير صحيح.

الحمير في الأدب

بحسب دراسة لمجموعة من الباحثات البريطانيات هن كارا كلانسي وإيما ماكلوين وفيونا كووك جاء أن الصور الراسخة عن الحمير في الأدب والثقافة الغربية سلبية بصورة عامة، وغالباً تصور الحمير باعتبارها حيوانات غبية وغير كفؤة وسيئة المزاج. وتشير الدراسة وعنوانها "الحيوانات غير المرئية، استكشاف الخطابات العامة لفهم الوضع المعاصر للحمير في بريطانيا" (2023) إلى أن تقديم الحمار بصورة شائعة كشخصية للترفيه والسخرية أو ضحية مزمنة للمصاعب والمعاناة ألحق كثيراً من الضرر بمكانتها. وهذا أدى إلى وقوعها ضحية للتهميش، وأبخسها حقها وشوه صورتها كثيراً. وساعدت هذه الصورة على استمرار تدني مكانة الحمار دون وجه حق.

 

والمؤسف أن هذه الصورة السلبية المتدنية ترسخت في اللغة بصورة يصعب تغييرها. وغالب الصور الراسخة للحمير في الأدب الغربي والثقافة الشعبية سلبية، إذ تصور الحيوانات على أنها غبية وغير كفؤة وسيئة المزاج.

والطريف أن متخصصين في علم الاجتماع يرجحون أن الذاكرة الجماعية في بريطانيا يسيطر عليها شعور بالعار أو الذنب بسبب ما كانت تتعرض له الحمير في التاريخ من سخرية وتحقير، وأن هذا الشعور بالذنب تحول إلى تبجيل وحب كنوع من التكفير ومحو العار.

رد الاعتبار للحمار

وتوصي الدراسة البريطانية بأن يعاد الاعتبار للحمار عبر تقييمه بناء على قيمته الجوهرية، لا دوره في خدمة البشر. وفي سبيل تحقيق ذلك يجب أن يتحمل الجميع المسؤولية لتعزيز الخطاب الإيجابي تجاه الحمار. وعلى رغم الصعوبة الكامنة في قدرة البشر على تقييم الأشياء خارج مقياس مدى فائدتها أو ضررها لهم، فإن الدراسة تعد أن مشاعر التعاطف والحب تجاه الحمار يمكن أن تكون نقطة انطلاق جيدة لإعادة الاعتبار له.

وعلى الجانب الآخر من العالم ما زالت رواية "حمار الحكيم" للأديب المصري الراحل توفيق الحكيم (1940) من أبرز ما كتب عربياً عن الحمار، وإن كان بصورة غير مباشرة.

حمارا الحكيم وأورويل

في "حمار الحكيم" تختلط سيرة الحكي الشخصية مع وقائع متخيلة وفكاهة لطيفة ومقارنات مثيرة تارة بين الفلاسفة والحمير، وأخرى بين أوضاع الريف المصري والفرنسيين وثالثة بين وضع المرأة في الشرق والغرب، لكن يظل اعتبار الحكيم للحمار رفيقاً وصاحباً وفيلسوفاً ومفكراً في الرواية رؤية سابقة للزمان والمكان، وزاوية لم تتكرر في الأدب وعالم الكتابة إلا في ما ندر.

ولا يقل "حمار أورويل" أهمية عن "حمار الحكيم". رواية "مزرعة الحيوان" لجورج أورويل والمنشورة خلال عام 1945 بعد عامين من انتهاء أورويل من كتابتها ترفض أن تخفت قيمتها أو تتوارى أهميتها، وما زالت الرواية الرمزية الحادة الثاقبة الحاذقة مادة لأطروحات دراسية ونقطة انطلاق لمقارنات سياسية وتاريخية مستمرة. وفي القلب من "مزرعة الحيوان" يفرض بنجامين أو بنيامين الحمار نفسه بطلاً على رغم أنه لا يتكلم كثيراً كغيره من أقرانه. إنه الحمار المسن سريع الانفعال الذي لا يهمه كثيراً من يحكم المزرعة أو يقودها. فهو يرى أنه سيقوم بالأعمال نفسها التي كان يقوم بها، بغض النظر عن هوية الحاكم أو شخصيته. إنه واحد من قليلين في المزرعة ممن يعرف القراءة ويحفظ "وصايا المزرعة".

الحيوانات والبشر

يعي بنيامين الحمار أنه "لا يجوز لأي حيوان أن يعيش في منزل أو ينام على سرير أو يرتدي ملابس أو يشرب الخمر أو يدخن التبغ أو يلمس المال أو يمارس التجارة". ويعرف أن "كل عادات الإنسان شريرة". ويحفظ عن ظهر قلب ما ورد في الوصايا من أنه "لا يجوز لأي حيوان أن يمارس الاستبداد على غيره من أقرانه، عكس البشر"، "فسواء كانوا (الحيوانات) ضعفاء أو أقوياء، أذكياء أو بسطاء، الكل إخوة"، و"لا يجوز لأي حيوان أن يقتل أي حيوان آخر. جميع الحيوانات متساوية"، و"كل ما يسير على رجلين هو عدو وكل ما يسير على أربعة أو يطير هو صديق".

وسواء كان الحمار في العصر الحالي صديقاً أو خادماً أليفاً يلبي رغبات صاحبه، سواء في العمل وحمل الأثقال أو في كونه مصدر بهجة للصغار، يفرض الحمار نفسه علمياً ليتفوق على الحصان على رغم حصول الأخير على كل الثناء والمدح والغزل بل وفي الفارق الشاسع بين قيمة هذا وذاك السوقية. ويكفي أن متوسط ثمن الحمار يراوح بين 400 و600 دولار أميركي في حين يبدأ سعر الحصان من نحو 3 آلاف دولار، مع العلم بوجود فروق كبيرة في الأنواع.

الثبات الانفعالي للحمار

الخبراء البيطريون يؤكدون أن الحمار يتمتع بقدر أكبر من الثبات الانفعالي والسلوكي مقارنة بالحصان. كما أن الحمار لا يفزع بالسرعة التي يفزع بها الحصان وأن هذا يساء تفسيره أحياناً على أنه عناد لكنه رباطة جأش وصلابة، لكن يظل تدريب الحمار أصعب من الحصان وبخاصة أنه يصعب جداً إجبار الحمار على القيام بشيء لا يود القيام به. وينصح البيطريون بعدم تربية الحمار وحيداً بل يوصون بأن يكون في رفقة أقران وزملاء له سواء حمير مثله أو حيوانات أخرى، وذلك لأنه حيوان اجتماعي جداً. وتنبه الجهات المعنية بالحمير دائماً إلى التفكير مرتين قبل اقتناء حمار لأن اقتناءها يعني العناية بها لفترة طويلة، إذ قد يعيش الحمار حتى يبلغ سن الـ40 عاماً.

خيال وحقائق

تبدو هذه المعلومات والنداءات أقرب ما تكون إلى الخيال أمام غيرها من "حقائق" يتم تداولها وأسئلة يجري طرحها حول إذا ما كان الحمار شيطاناً أو روحاً شريرة، أو أنه ينهق حين يرى الشياطين. وبين رجال الدين من ينصح بما يجب فعله لدى نهيق الحمار، أو حال مصادفته وهو يحمل محاصيل الحقول لينقلها إلى الأسواق التي يأكل منها الناس.

ويشار إلى أن الحمار ذكر غير مرة في جميع الكتب المقدسة في سياقات إيجابية. وفي المسيحية مثلاً دخل السيد المسيح أورشليم على ظهر حمار. وكان سيدنا محمد "صلى الله عليه وسلم" يركب الحمار.

 

وتبقى بضع حقائق علمية عن الحمار يجدر تذكرها قبل السخرية منه. أذناه الكبيرتان المثيرتان للضحك تعززان حاسة السمع لديه فتمكناه من التقاط نداءات أقرانه وأيضاً استشعار الأخطار، ناهيك بأن مسطحهما الكبير يمكنه من ترطيب درجة حرارته، وبخاصة في البيئات الصحراوية الحارة.

ونهيقه المثير للقهقهة والمتمثل في مقطعين صوتيين "هي" و"ها" يفتقده الحصان، إذ يكون إصدار الصوت أثناء الشهيق والزفير. تصدر "هي" أثناء الشهيق و"ها" عند الزفير.

حمار حراسة

ويمكن للحمار أن يلعب دور الحارس شأنه شأن كلب الحراسة تماماً، لكن من منطلق عدائه للكلاب. معروف أن الحمير عدوانية تجاه الكلبيات أي الكلاب المندرجة تحت عائلة الكلاب مثل الذئاب والثعالب، لذلك يستخدمهم مربو الأغنام والماعز أحياناً كحراس لها.

وقبل أن يتم الحكم على أحدها بأنه عنيد كالحمار فإنه يجدر معرفة الأسباب عند الحمار. يُطلب منه القيام بعمل أو خطوة ما، يستشعر الخوف أو القلق فيثبت قدميه على الأرض ويصر على ألا يتزحزح مهما حاول البعض شده، وهذا ليس غباء منه لكنه مقاومة أبية من جهة وفرصة يتدبر من خلالها حجم المخاطرة المطلوبة منه قبل أن يقرر الاستمرار في العناد أو المضي قدماً. ويكفي أنه حين يستشعر الخطر لا يهرب كما يفعل الحصان أحياناً بل يتسمر في مكانه قبل أن يتخذ قرار الخطوة المقبلة.

 

أيام قليلة ويتحدد مصير الحمار الديمقراطي في مقابل الفيل الجمهوري. وفرص فوز الحمار قائمة. وفي حال فازت كامالا هاريس وحاز الحزب الديمقراطي فترة رئاسية جديدة، ستطالع شعوب الأرض موضوعات وتشاهد تقارير عن كيف يمثل الحمار قيم المثابرة وتحمل المصاعب والصبر والتواضع والعمل الجاد والشجاعة والتمسك بوجهة نظره والدفاع عنها. أما إذا خسر فستُحكى قصص الفوز عن ذكاء الفيل وثقته اللامتناهية في نفسه والهدوء والرزانة والحكمة والشجاعة وقدرته الفائقة على الشم واستشعار قدوم الأعداء وأبرزهم الحمار.

المزيد من تحقيقات ومطولات