ملخص
التغير المناخي وضعف أنظمة الحماية من الفيضانات كانت من بين أهم الأسباب التي فاقمت من حدة الأزمة
في وقت تواصل فيه فرق الطوارئ جهودها المكثفة للعثور على مفقودين في إسبانيا تطرح تساؤلات حول العوامل التي أدت إلى فيضانات عارمة أودت بحياة ما لا يقل عن 158 شخصاً.
هذه الكارثة أطلق عليها اسم "فيضان القرن" بعدما أغرقت الأمطار الغزيرة التي هطلت الثلاثاء الماضي مساحات واسعة من جنوب إسبانيا وشرقها، واجتاحت سيول جارفة من المياه الموحلة كل ما يعترض طريقها.
ومع جرف السيول عدداً كبيراً من السيارات في شوارع فالنسيا وتحويل طرق القرى إلى أنهار جارية، تم استدعاء الجيش لدعم عمليات الإنقاذ المتواصلة.
تجدر الإشارة إلى أن هذه المنطقة هي عرضة بصورة خاصة لأمطار الخريف الغزيرة الناجمة عن ظاهرة مناخية تعرف بـ"المنخفض الجوي البارد" Cold Drop (المتمثل بهبوط مفاجئ وشديد في درجات الحرارة، يتسبب بهطول أمطار غزيرة وعواصف)، أو لما يسمى "المنخفض المعزول في مستويات عالية" (دانا) Depresión Aislada en Niveles Altos (DANA) (وهو اضطراب مناخي يحدث عندما تحتجز كتلة من الهواء البارد في طبقات الجو العليا، ما يؤدي إلى هطول أمطار غزيرة وموضعية ووقوع فيضانات).
إلا أنه يعتقد أن أنماط الطقس المدمر تتزايد وتيرتها نتيجة ظاهرة تغير المناخ، ويمكن اعتبار أن الفيضانات المفاجئة التي وقعت هذا الأسبوع، هي أسوأ ما شهدته المنطقة على مدى 30 عاماً.
وما بين الظواهر الجوية وضعف أنظمة الحماية من الفيضانات، هذه هي العوامل التي يمكن أن تكون قد تسببت بالفيضانات الكارثية التي فاجأت إسبانيا:
"المنخفض الجوي البارد"
يستخدم مصطلح "المنخفض الجوي البارد" في إسبانيا وفرنسا للإشارة إلى ظاهرة مناخية تتكرر كل خريف وتؤدي إلى تساقط أمطار غزيرة.
عرفت هذه الظاهرة أيضاً باسم "المنخفض المعزول في مستويات عالية"، وقد أصبحت مألوفة منذ أعوام على الساحل المتوسطي لإسبانيا. غير أن علماء المناخ يعتقدون الآن أن تغير المناخ يسهم بصورة متزايدة في تفاقم شدتها وآثارها.
تحدث هذه الظاهرة عندما يصطدم هواء شديد البرودة بهواء دافئ ورطب فوق حوض البحر الأبيض المتوسط، مما يؤدي إلى تكاثر الهواء الساخن بسرعة، وتشكيل سحب هائلة من الأمطار تتجمع بسرعة كبيرة. ويمكن لهذه السحب المشبعة بالرطوبة، البقاء فوق منطقة معينة لساعات طويلة، مما يزيد من قدرة الأمطار التي تحملها على تدمير المساحات التي تهوي عليها.
وتعد منطقة شرق إسبانيا وجنوبها من النقاط الأكثر عرضة لهذه الظاهرة، وذلك بسبب موقعها الجغرافي بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط.
تغير المناخ
تشير "الوكالة الحكومية للأرصاد الجوية" الإسبانية (أيميت) Agencia Estatal de Meteorología (Aemet)، إلى أن مدينة فالنسيا شهدت "أقسى موجة برد في القرن الجاري" قبيل الفيضانات التي تعرضت لها هذا الأسبوع.
ومن المحتمل أن تكون نسبة التزايد الكبيرة في هطول الأمطار الغزيرة قد تأثرت بتغير المناخ، بحيث ذكر متحدث باسم وكالة "أيميت" لوسائل إعلام محلية، أنه "مع ارتفاع درجات حرارة الهواء ومياه البحر، من المستحيل أن تظل العوامل الأخرى كما هي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأفادت وكالة الأرصاد بأن التحول في درجات الحرارة لم يؤد إلى تكثيف الظاهرة وهطول أمطار غزيرة فحسب، بل زاد أيضاً من وتيرتها.
يضاف إلى ذلك أن ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، جعل التربة في فالنسيا أشد صلابة، ما قلل من قدرتها على امتصاص كمية المياه الزائدة التي تهطل عليها.
أنظمة الحماية من الفيضانات
في أعقاب العاصفة تزايدت مخاوف السكان من أن أنظمة الحماية من الفيضانات في فالنسيا باتت غير كافية للتعامل مع مثل هذا الطقس القاسي. فالمنطقة أصبحت معرضة بصورة خاصة لخطر الفيضانات المفاجئة - سواء بسبب صلابة تربتها، أو لتعرضها المتزايد لظاهرة "المنخفض الجوي البارد" - كما أن بنيتها التحتية أصبحت غير قادرة على توفير الحماية الكافية للسكان.
جدير بالملاحظة هنا أن خدمة الحماية المدنية الإسبانية لم تصدر تنبيهاً للسكان بوجوب عدم مغادرة منازلهم، إلا قرابة الساعة الثامنة من مساء الثلاثاء، وهو وقت متأخر جداً بالنسبة إلى كثير من الناس الذين تقطعت بهم السبل على الطرقات.
وقد عبر سكان المناطق المتضررة عن استيائهم من ضعف نظام الصرف الصحي، الذي فشل في الصمود أمام الأمطار الغزيرة، ولا سيما في البلدات الصغيرة التي تقع قرب الأنهار.
© The Independent