ملخص
الأكيد أن استعانة قيس سعيد بالمؤسسة العسكرية لها دلالات ورسائل عدة، لكن هل أن هذا الدور المنوط لهذه المؤسسة هو إقرار بفشل نظيرتها المدنية أم محاولة لتوسيع دور الجيش في تونس؟
يبدو أن فوز قيس سعيد بعهدة رئاسية ثانية جعله أكثر عزماً لتحقيق ما وعد به ناخبيه، بخاصة محاربة الفساد تحت عنوان "حرب تحرير وطني". هذه الخطوة الهامة انطلقت مع تحريك عديد المشاريع المعطلة في تونس بسبب الفساد أو بسبب البيروقراطية الإدارية، بعض هذه المشاريع سلمها الرئيس إلى المؤسسة العسكرية خصوصاً بعد نجاحها أخيراً وخلال وقت وجيز في إنهاء تهيئة ساحة "باستور" والمسبح البلدي في البلفيدير الذي كان معطلاً لمدة 20 عاماً، وأخيراً فتح رئيس الجمهورية ملف "هنشير الشعال" ثاني أكبر بستان زيتون في العالم، وقال إن "الفساد نخرها وجعلها أقل إنتاجاً".
وأذنت النيابة العمومية بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي قبل أيام، لأعوان الوحدة الوطنية للبحث في الجرائم المالية، بالاحتفاظ بوزير أسبق للفلاحة على خلفية الأبحاث المتعلقة بملف "هنشير الشعال" في صفاقس جنوب تونس.
والأكيد أن استعانة قيس سعيد بالمؤسسة العسكرية لها دلالات ورسائل عدة، لكن هل أن هذا الدور المنوط لهذه المؤسسة هو إقرار بفشل نظيرتها المدنية أم محاولة لتوسيع دور الجيش في تونس؟
رسائل مزدوجة
في هذا الصدد، يرى الكاتب الصحافي مراد علالة في تصريح خاص إن "تعويل رئيس الجمهورية قيس سعيد على المؤسسة العسكرية والهندسة المدنية تحديداً في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به تونس، يتضمن رسائل مزدوجة لم تعد خافية على أحد".
وتابع "هو في صراع مع الزمن ويريد إنجازات حقيقية يبرهن من خلالها وفاءه لشعاراته الانتخابية ويرضي بها جمهوره، وهو يدرك جيداً أن التعويل على الهندسة المدنية وعلى المؤسسات المدنية بشكل عام ليس مضمون النتائج بالنظر إلى حالة الوهن والفساد الذي ما انفك هو نفسه يؤكد عليه".
وأضاف علالة "الرئيس على يقين أيضاً أن نسق عمل المؤسسات المدنية بطيء وداخلها أطراف متواطئة مع جهات وتطهيرها يتطلب بعض الوقت".
في المقابل وبحسب علالة فإن "المؤسسة العسكرية برهنت جدية وانضباطاً وإتقاناً، وكل المشاريع التي عهد بها إلى الهندسة العسكرية انتهت في الآجال وبشكل لائق، وآخرها مسبح العاصمة من دون أن ننسى نجاح حملات التلقيح أثناء جائحة كورونا في أوقات قياسية".
ويواصل علالة "وكما هو معلوم تتمتع المؤسسة العسكرية بعديد الخصال أهمها الانضباط واحترام التراتبية والولاء إلى جانب الحوكمة الرشيدة والوفاء بالالتزامات والمهمات على رغم قلة ذات اليد ومحدودية الموارد البشرية أيضاً بخلاف القطاعات المدنية".
وأضاف "هذا إلى جانب مكانة الجيش في وجدان التونسيين والثقة المطلقة في المؤسسة العسكرية وحالة المقبولية إن جاز القول، لتدخلها في الشؤون المدنية إلى جانب الاضطلاع بمهام الدفاع عن الوطن من الخطر الخارجي"، مواصلاً في السياق ذاته "هنا أيضاً يمكن أن نتحدث عن رسالة تحفيزية للمؤسسات المدنية بأنها لا تحتكر مصير البلاد، وأن الدولة أكبر من أن يحتكرها فرد أو مجموعة أفراد".
إلا أن مراد علالة يرى في سياق متصل أن "هذا لا يعني البتة عسكرة البلاد صراحة أو تغليب المؤسسة العسكرية التي لها عقيدة مدنية، ولم تتدخل منذ انبعاثها في الشأن السياسي، وحتى إن رغبت سلطة ما في الاستثمار والتوظيف والاحتواء فإن ذلك لا يؤثر في نهج جيشنا الذي يجب ألا نثقل كاهله بمهام غيره لما يمكن أن يمثله ذلك من استنزاف وإهدار للإمكانات، وما يمكن أن ينجر عن ذلك من أخطار خارجية، وتعود بنا الذاكرة هنا إلى ما بعد 2011 عندما طالت فترة وجود قوات جيشنا في الشوارع والساحات لتأمين حياة المواطنين".
وفي تقديره يرى علالة أن "ما تقوم به المؤسسة العسكرية اليوم هو حل موقت يجب ألا يطول ويجب أن تتعافى الهندسة المدنية والمرفق العام ومجمل المؤسسات المدنية لتقوم بأدوارها بنفس معايير وشروط نجاح المؤسسة العسكرية".
سباق مع الزمن
من جهته، يرى الصحافي بسام حمدي في تصريح خاص أن "قيس سعيد يفسر أسباب المشاريع المعطلة بالبيروقراطية الإدارية في تونس التي يراها السبب الأبرز لعدم إنجاز عديد المشاريع وبالتالي يتهم الرئيس مباشرة الإدارة المدنية"، مواصلاً "أما السبب الثاني الذي أسهم في تعطل عديد المشاريع فهو الفساد الإداري، وهنا أظهر الرئيس رغبة شديدة خلال هذه الفترة في إنجار مشاريع كثيرة لها علاقة بالبنية التحتية أو بتحسين الخدمات، وهذا ما يفسر إعطاء الرئيس المؤسسة العسكرية دوراً في إتمام مثل هذه المشاريع لانخفاض نسبة الفساد وانعدام التعطل البيروقراطي بها عكس بعض الإدارات المدنية".
ووفق حمدي "المسألة تتعلق بالرغبة في إنجاز هذه المشاريع نظراً لأن الرئيس قيس سعيد بدأ في سباق مع الزمن خلال هذه العهدة الرئاسية الجديدة، على خلاف العهدة السابقة التي قال إنه لم يقدم خلالها وعوداً وتفرغ لتطبيق أفكاره السياسية على خلاف هذه العهدة التي أسماها (عهدة البناء والتشييد)".
من جانب آخر، يقول السفير السابق عز الدين الزياني في تصريح خاص "قبل كل شيء لا بد من التأكيد على أن المؤسسة العسكرية التونسية قد ساعدت تونس داخلياً وخارجياً وهذا يحسب لها". وتابع "المؤسسة العسكرية دعمت الحضور التونسي بالخارج عن طريق مشاركاتها ضمن بعثات الأمم المتحدة للسلام في أفريقيا وفي آسيا والتي اتسمت بالحياد والجدية في إرساء السلام، ودولة رواندا أحسن مثال على ذلك حيث تحظى تونس بالاحترام والتقدير في أعلى هرم السلطة برواندا حيث أبلى الجنود التونسيون البلاء الحسن إبان حرب الإبادة عام 1994 في هذا البلد". أما داخلياً فإن "المؤسسة العسكرية التونسية تقوم بنفس العمل وبالسرعة المطلوبة، لذلك يقع تشريكها من حين لآخر في عمليات التنمية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف الزياني "يقول الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة إن مكان الجيش هو الثكنة العسكرية، لكن أمام التقاعس الذي نشاهده اليوم فقد أصبح حتمياً تشريك المؤسسة العسكرية التونسية في عملية إنجاز المشاريع الحيوية التي تعود بالمنفعة المباشرة على حياة التونسيين"، وأكمل قائلاً "شخصياً لا أرى في تشريك المؤسسة العسكرية أية تبعات لأن هذه المؤسسة العتيدة دورها الأول والأخير هو الدفاع عن التونسيين وعلى كل ما يتعلق بحياتهم اليومية".
ويتمتع الجيش التونسي بثقة شعبية كبيرة إذ اضطلعت المؤسسة العسكرية بدور رائد خلال أحداث انتفاضة 14 يناير (كانون الثاني) من خلال سهرها على حسن سير عملية الانتقال الديمقراطي في البلاد وتعزيز استقرارها في ظل التحديات الأمنية الداخلية والخارجية التي واجهتها البلاد من دون أي تدخل في الشأن السياسي ومن دون أطماع في الحكم.