ملخص
يستند "العدالة والتنمية" في إلقاء هذه الاتهامات ضد "الأصالة والمعاصرة" إلى التعديلات المقترحة للوزير وهبي على قانون الأسرة المرتقب، معتبراً أن وهبي ومن خلفه حزبه يسعى إلى "شرعنة العلاقات الجنسية خارج الزواج، وإقرار المساواة في الإرث بين النساء والرجال، وهو ما لا يمكن قبوله"، وفق عبد الإله بن كيران.
اندلعت مواجهات ساخنة مجدداً في المغرب بين حزب الأصالة والمعاصرة، ثاني قوة حزبية في الانتخابات التشريعية الماضية، والمشارك في الحكومة التي يقودها حزب "الأحرار"، وحزب العدالة والتنمية المتموقع في صفوف المعارضة بعد أن قاد الحكومة لولايتين سابقتين دامتا عشر سنوات كاملة.
وتدور السجالات السياسية التي بلغت حد تبادل الاتهامات الحادة بين الحزبين الغريمين حول قانون الأسرة المطروح للتعديل أمام أنظار ملك المغرب، وحول الحريات الفردية وخطاب الهوية، فضلاً عن ملف تقنين القنب الهندي.
ويرى مراقبون أن هذا التنابز الحاد بين أحد أكبر الأحزاب السياسية بالبلاد يعبر عن "تسخينات" بشكل باكر قبل انتخابات 2026، غير أنها سجالات تزيد من ضعف ثقة الناخبين في الأحزاب، بينما المأمول هو تكثيف الجهود من أجل إيجاد بدائل اجتماعية واقتصادية لتعزيز القدرة الشرائية للمغاربة.
ملفات سجالية
وتعد قضايا المرأة والحريات الفردية أحد أبرز نقط السجالات الحادة بين قيادات حزبي العدالة والتنمية (شعاره المصباح) والأصالة والمعاصرة (شعاره الجرار)، فالأول يتهم الثاني بالتخطيط لإفساد المجتمع، والثاني يتهم الأول بالتزمت والترهيب الفكري.
وما فتئ الأمين العام لحزب "المصباح" عبد الإله بن كيران، يتهم غريمه القيادي في حزب "الجرار" عبد اللطيف وهبي، الذي يمسك بملف العدل في الحكومة، بأنه "من دعاة الفساد ويعمل على تخريب البيوت المغربية".
ويستند "العدالة والتنمية" في إلقاء هذه الاتهامات ضد "الأصالة والمعاصرة" إلى التعديلات المقترحة للوزير وهبي على قانون الأسرة المرتقب، معتبراً أن وهبي ومن خلفه حزبه يسعى إلى "شرعنة العلاقات الجنسية خارج الزواج، وإقرار المساواة في الإرث بين النساء والرجال، وهو ما لا يمكن قبوله"، وفق عبد الإله بن كيران.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي المقابل يرمي قياديو حزب الأصالة والمعاصرة قيادات العدالة والتنمية بكونهم يسعون فقط من وراء هذه الخرجات إلى إعادة لملمة أوراق الحزب بعد الهزيمة المدوية في الانتخابات التشريعية لعام 2021 والتي حملت حزب الأحرار إلى قيادة الحكومة.
ويرى حزب "الجرار" أن ما يقوم به بن كيران زعيم "المصباح" ليس سوى محاولة للركوب على ملف قانون الأسرة المثير للجدل لتحقيق مكاسب سياسية وأهداف انتخابية، حيث يحاول ترميم صورته وشعبيته السياسية والانتخابية التي تضررت كثيراً بعد هزيمته في الانتخابات البرلمانية الماضية.
ومن الملفات الأخرى التي أججت الخلافات السياسية بين الحزبين الغريمين، موضوع تقنين القنب الهندي الذي أقره المغرب منذ بضعة أشهر، فالحزب "الإسلامي" أعلن رفضه الشديد لهذه المبادرة بينما "الحزب الحداثي" يعد من أشد المناصرين لهذا التقنين، باعتبار أنه يجذب استثمارات ضخمة عبر جلب الشركات العالمية المتخصصة في الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي في الأغراض الطبية والصناعية.
منطق الغالبية والمعارضة
ويعلق أستاذ العلوم السياسية في جامعة مراكش الحبيب استاتي زين الدين، على الموضوع بالقول إن ما يحدث بين الحزبين سيظل قائماً وخاضعاً لمنطق الغالبية والمعارضة بصرف النظر عن عدد من الاختلافات السياسية بينهما.
ويرى استاتي أن حزب الأصالة والمعاصرة لا يخفي منذ نشأته اتهام نظيره حزب العدالة والتنمية باستعمال الدين في السياسة للوصول إلى أهدافه والتأثير مجدداً على الناخبين الفعليين أو المفترضين، ومن ثمة، تقوية حظوظه في الفوز بمقاعد انتخابية إضافية في الاستحقاقات المقبلة تسعفه في الخروج من صدمة الانتخابات التشريعية والجماعية لعام 2021.
ويردف المحلل عينه، "لم يفصل بعد حزب العدالة والتنمية بين الأفكار أو الأسس الأيديولوجية التي يقوم عليها حزب الأصالة والمعاصرة وما تحيل عليه التسمية الثابتة من جهة، وبين الأشخاص المؤسسين له أو الذين سيروه أو يتولون قيادته بين الفينة والأخرى، بحسب ما يمليه السياق ومصلحة الحزب، من جهة ثانية".
وأكمل استاتي بأنه "بين النظرتين، يتعين استحضار مدى قدرة الأحزاب المغربية على التأقلم والتعايش بين الشيء ونقيضه، فما يقبل في العمل الحكومي عندما يكون الحزب في المسؤولية بمبرر المصلحة العامة يصبح أحياناً غير مستساغ عند إخضاعه لمنطق المعارضة، والأمر يشمل عادة جميع الأحزاب من دون استثناء، إذ هي قاعدة تكررت في السلوك الحزبي المغربي".
وشدد الأستاذ الجامعي على أن هناك اليوم قضايا أكثر أهمية من هذه النقاشات الخلافية المتعلقة مثلاً بقانون الأسرة، وتوظيف نص ديني أو تأويله، وذلك في وجود من هو مكلف قانونياً ودستورياً في نهاية المطاف بالحسم في القضايا الخلافية ذات الطابع الديني".
وخلص استاتي إلى أن "تعميق النقاش حول قانون المالية، والتفكير في بدائل اقتصادية لتعزيز القدرة الشرائية في ظل التحولات الجيوستراتيجية الراهنة، وغيرها من الملفات الاجتماعية والاقتصادية الضاغطة، علاوة على قضية الصحراء، وما تتطلبه من تعبئة ويقظة وبعد نظر، كلها تحديات تفرض توجيه الجهد والوقت الكافيين".
تسخينات انتخابية وضعف الثقة
هذه المنابزات والسجالات الحادة بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة اعتبرها الباحث في الشأن السياسي والحزبي عبد اللطيف أكماخ "تسخينات انتخابية انطلقت باكراً، بالنظر إلى حجم الحزبين وقيمتهما في المشهد السياسي والحزبي بالبلاد".
وأفاد أكماخ بأن "حزب الأصالة والمعاصرة يبحث عن قيادة الحكومة المقبلة، وأن يتقدم في سلم الأحزاب من الرتبة الثانية إلى تحقيق الصدارة في الانتخابات التشريعية المقبلة، بالتالي لن يجد أفضل طريقة أكثر من مواجهة حزب معارض مشاكس مثل حزب العدالة والتنمية، بالنظر إلى تاريخ تذبذب علاقاتهما طيلة السنوات الأخيرة".
وتابع المحلل ذاته بأن "حزب العدالة والتنمية من جهته يسعى إلى إعادة بناء مجده الانتخابي ورصيده الشعبي اللذين بناهما بن كيران تحديداً بفضل مهاجمة حزب الأصالة والمعاصرة ومؤسسيه وقياداته في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، التي أتت في سياق أحداث ما يسمى (الربيع العربي)، وظهور حركة (20 فبراير) المغربية التي طالبت بمحاربة الفساد والاستبداد".
واسترسل بأن هذا "المجد الانتخابي" والسمعة الشعبية للحزب الإسلامي سرعان ما تبددا في الانتخابات الماضية، ما جعل هذا الحزب وزعيمه على وجه الخصوص يحاول تجريب ذات الطريقة، أي مهاجمة الأصالة والمعاصرة باعتبار أنه يحمل لواء الحداثة، ولملمة شعبيته المندثرة، غير أن السياقات اختلفت وحتى الناخبون فهموا اللعبة السياسية جيداً".
وشدد المتحدث عينه على أن هذه "السجالات وتبادل الاتهامات بين أحد أكبر الأحزاب السياسية بالمغرب يفاقم ظاهرة ضعف ثقة الناخبين في الأحزاب، لأنه بدل الانكباب على قضايا المجتمع الحقيقية والمساعدة على إيجاد بدائل اقتصادية لتعزيز القدرة الشرائية للمغاربة، فإن المواطن البسيط يصطدم بمثل هذه المناوشات والسجالات التي لا تنفعه في شيء" وفق تعبيره.
ضعف ثقة المغاربة في الأحزاب السياسية تعكسه دراسات ميدانية متطابقة، آخرها دراسة حديثة من إنجاز المعهد المغربي لتحليل السياسات حول "مؤشر الثقة وجودة المؤسسات"، جاء فيها أن نسبة الذين صرحوا بعدم ثقتهم في الأحزاب تبلغ 86.8 في المئة من المستجوبين المغاربة.