Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مبادرات الإيواء جسر الأمل الممتد لنازحي لبنان

أطلقها أفراد للتخفيف عن الناس وتضمنت الطهي والتصفيف وتقديم الوسائد وتعليم الأطفال الرسم

انطلاقاً من خبرته في عالم الطهي أسهم الشيف ريشار في توفير 1200 وجبة ساخنة للنازحين (اندبندنت عربية)

ملخص

 المبادرات اللبنانية أطلقها مواطنون ومؤثرون ومشاهير، كل في مجال اختصاصه، ليحدثوا فارقاً في حياة النازحين الذين قست عليهم الظروف، وفي اليوم الأول تركزت المبادرات من حيث نوعها على توفير الحاجات الأساس للنازحين في مراكز الإيواء من فرش النوم والغذاء، لكنها أصبحت أكثر تنوعاً لاحقاً.

في ظل الحرب الحالية والأزمة الإنسانية الكبرى التي يعيشها لبنان، يبدو التضامن سلاحاً يتمسك به اللبنانيون للصمود معاً، وكأن الأزمات تزيد الشعب تعاضداً وتماسكاً، فيواجهونها يداً بيد كما يبدو واضحاً مع كل أزمة جديدة تعصف بالبلاد، إذ عجزت الدولة عن تحمل مسؤوليتها تجاه النازحين، ومنهم من خسروا منازلهم وآخرين اضطروا إلى مغادرة قراهم تحت القصف بصورة مفاجئة، ولا تتوافر لهم أية حاجات أساس.

وانطلقت منذ اليوم الأول مبادرات فردية لتشكل سنداً لهم وعكازاً يتكئون عليه بانتظار مرور هذه العاصفة، إذ أطلق قسماً من هذه المبادرات أفراد من المجتمع، كل من مجال اختصاصه، وأخرى أطلقها مؤثرون ومشاهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتلبية الحاجات المتنامية لمن أجبرتهم الحرب على النزوح، فظهر مشهد يعكس تضامناً لافتاً لطالما ميز المجتمع اللبناني وأضفى شيئاً من الفرح على يوميات النزوح الصعبة وخفف معاناة النازحين.

بين تخاذل الدولة واندفاع المجتمع

ومع تخاذل الدولة وعجزها عن القيام بواجباتها تجاه أكثر من مليون نازح، بدا واضحاً أنه لا يمكن للمواطنين إلا أن يعتمدوا على بعضهم في هذه المحنة الجديدة التي يمرون بها، وبالفعل سارع كثيرون إلى التحرك من اليوم الأول لبدء حركة النزوح الكبرى في بداية الحرب الموسعة، فصحيح أن المغترب اللبناني كان دائماً السند للمواطن في الأزمات التي مر بها، لكن هذه المرة لم يكن وحده من تحمل هذه المسؤوليات بعد أن تحرك المواطنون القادرون على قيادة الدفة وتقديم يد العون لمن يحتاجها، وانطلقت عشرات المبادرات على أنواعها، وقدمها كل بحسب اختصاصه أو بحسب إمكاناته، ليشعر الكل بالدفء والأمان على رغم ظروف الحرب القاسية.

وإضافة إلى تلك المبادرات التي أطلقها مؤثرون ومشاهير، كانت هناك عشرات منها لأفراد في مجالات اختصاصهم، ليحدثوا فارقاً في حياة النازحين الذين قست عليهم الظروف.

وفي اليوم الأول تركزت المبادرات من حيث نوعها على توفير الحاجات الأساس للنازحين في مراكز الإيواء من فرش النوم والغذاء، لكنها أصبحت أكثر تنوعاً لاحقاً، وكان الشيف ريشار الخوري ممن ساندوا النازحين انطلاقاً من خبرته الطويلة في مجال الطهي، فلعب دوراً مساعداً في تحضير وتوزيع الوجبات داخل مراكز الإيواء ضمن مبادرة هدفها توفير وجبة ساخنة تخفف حجم معاناة النازحين.

ونظراً إلى خبرته في عالم الطهي فقد استعانت به إحدى المنظمات غير الحكومية في مبادرة أطلقتها بدعم من الاتحاد الأوروبي لتحضير أكثر من 1000 وجبة ساخنة للنازحين في مراكز الإيواء، بالتعاون مع طلاب المدرسة الفندقية وبإشرافه الخاص.

وقال الخوري "عندما بدأت الحرب طُلب مني أن أضع لوائح من 1200 طبق يمكن تقديمها للنازحين والإشراف على تحضيرها على أساس موازنة مالية معينة خصصت لذلك فسارعت إلى تلبية النداء، وانطلاقاً من خبرتي في المجال أعطي إرشادات في الطهي وأشرف على تحضير الأطباق على الأرض وعلى عملية التخزين والتعقيم والتوزيع بطريقة سليمة، وخلال 15 يوماً استطعنا أن نؤمن وجبات ساخنة للنازحين الذين اضطروا إلى ترك منازلهم ويعيشون معاناة كبرى".

 

وتابع الخوري "أنا دوماً في جهوزية تامة لتقديم المساعدة في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، لأن تضامننا هو السلاح الأقوى الذي يسمح لنا بالمواجهة، وصحيح أن المبادرات كثيرة لكن الحاجة تبقى أكبر في ظل المعاناة الصعبة إلى أن يعود النازحون لقراهم، خصوصاً مع قدوم أيام البرد".

وكان مختار عيتاني أيضاً ممن أطلقوا مبادرات انطلاقاً من مجال اختصاصهم، فكانت مبادرة "وسائد الأمل" الهادفة إلى توفير وسادات للنازحين في مراكز الإيواء، ويعتبر هذا المجال اختصاص العائلة من الأجداد حيث تناقلوا هذه الحرفة عبر الأجيال.

وانتقل عيتاني للعمل في المجال عينه مع شركة تعنى بالتجارة الإلكترونية في بيع لوازم النوم، إضافة إلى دوره كمستشار لـ (UNDP)، ومن اليوم الأول لحركة النزوح أراد أن يقدم يد العون انطلاقاً من مجال خبرته واختصاصه ليشارك على طريقته في مساندة النازحين، وأطلق المبادرة مع عائلته في مشغلهم مع استفادته من علاقاته مع الموردين لتوفير البضاعة.

وكانت البداية مع توفير 400 وسادة وزعها على مراكز الإيواء خارج العاصمة، لاعتبار أنه نادراً ما يُركز عليها في المساعدات والمبادرات، وقال عيتاني "واجهتنا تحديات عدة، خصوصاً أن الموردين الذين كانت لي علاقات معهم فقدوا معاملهم بسبب القصف، واضطررت إلى البحث عن آخرين في الأيام الأُول، فانضم 100 متطوع من مختلف المناطق لتقديم الدعم ومساندتنا في تحضير الوسائد وحياكتها، سواء من منازلهم أو في المشغل، وأصبحنا نزيد الكميات حتى وصل عدد الوسائد التي ننجزها يومياً إلى 1300".

وتابع "لتنظيم الأمور أقمنا غرفة عمليات لتلقي الطلبات والتوزيع مع التركيز على البقاع الشمالي والمتن كأولوية، حتى إننا وضعنا طاولات على الطريق للتوسع في أعمال الحياكة، كما شاركتنا معامل أخرى في ذلك، لكن مع تراجع أعداد المتطوعين في مراحل لاحقة ركزنا على العمل كعائلة وجيران".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مبادرات من نوع آخر

وقامت الفنانة التشكيلية والمعالجة بالرسم أدريانا الحج بتقديم مبادرة هدفها التخفيف عن النازحين، قالت عنها "في ظل الظروف الصعبة التي نمر بها يحاول كل منا أن يقدم بصيص نور للنازحين في معاناتهم المستمرة بسبب الحرب، فقد غادروا منازلهم وقراهم والأماكن التي لطالما كانت مصادر الأمان لهم قسراً، ويعتبر هذا التغيير في غاية القسوة عليهم وترافقه مشاعر كثيرة من الخوف وانعدام الأمان، وقررت إطلاق حملة المعالجة بالرسم الخاصة بالأطفال للتخفيف عنهم بالتعاون مع الإعلامي ريان حايك، فهو قادر على التعامل مع الأطفال بصورة أمثل، لأنه يشعر بأحاسيسهم ويخاطبهم بلغتهم الخاصة".

وبعد زيارة مجموعة من مراكز الإيواء وجلسات العلاج بالرسم التي قامت بها الحج، تؤكد أن رسوم الأطفال عكست مدى تأثرهم بما يحصل، ومدى ارتباطهم بالأرض ومنازلهم، إضافة إلى استمرار الأمل على رغم الحزن الكبير، فكانت رسوماتهم كلها مرتبطة بالأرض والطبيعة ومنازلهم، كما سيطرت على الرسومات غالباً الألوان الداكنة، خصوصاً لدى الفتيات الصغيرات اللواتي ركزن على رسم القلب الأسود الذي يعكس كم الحزن الهائل والمشاعر المؤلمة التي لديهن.

ولا تنكر الحج أن مثل هذه التجربة كانت بمثابة علاج لها أيضاً، مشيرة إلى أنه في ظروف الحرب لا يمكن لأي مواطن أن يقف مكتوف اليدين أمام هول ما يحصل، ولافتة إلى أن هذه المبادرة تهدف إلى الحد من الضغط النفسي للأطفال والعمل على تعافيهم النفسي، لكن في الوقت نفسه كانت علاجاً لها عبر مشاركة الأطفال مشاعرهم وإخراج المشاعر السلبية والمؤلمة التي لديهم.

وأشارت إلى تدخل الأهل للمشاركة في الجلسات أيضاً لحاجتهم إلى وسيلة يعبرون من خلالها، وتصف الحج الرسم بكونه وسيلة تخاطب الآخر من دون حاجز، وهي في هذه الظروف أجمل لغة يمكن التواصل بها مع الأطفال ومع أي فرد يحتاج إلى تفريغ المشاعر الصعبة التي في داخله، فكانت هذه المبادرة لفتة ولو بسيطة لأطفال وطنها المتألمين.

من جهتها أرادت مصففة الشَعر كريستي أن ترسم البسمة على وجوه النازحين على طريقتها وتدخل الفرحة إلى قلوبهم، فقررت إطلاق المبادرة من الأسبوع الأول للنزوح بعد أن رأت منشوراً لأحد الأشخاص يسعى إلى جمع التبرعات للنازحين ويبحث عن مزين شعر، فتواصلت معه وتعاونا معاً.

وتابعت المصففة "فوجئ كثيرون لأني فتاة وأقوم بأعمال الحلاقة وقص الشعر للرجال، إلا أنهم تجاوبوا لاحقاً والكل كان يسعد بهذه الخطوة التي أدخلت الفرحة إلى قلوب كثيرين في ظل الظروف الصعبة التي يمرون بها، خصوصاً الأطفال والمراهقين".

 

ولم تقتصر مبادرة كريستي على العناية بالشعر والمظهر بل أرادت أن تخفف الضغط النفسي لدى الأطفال والمراهقين في ظروف الحرب عبر محادثات تقيمها معهم حول الرياضة وغيرها من المواضيع.

وعلى رغم تركيزها على الأطفال فإنها كانت أيضاً تقص الشعر للرجال والمسنين منهم، وإن كان بعضهم يبدو قلقاً أحياناً لأنها فتاة، لكن في كل الحالات كانت تشعر بأنها تسهم على طريقتها في رسم البسمة على وجوههم.

وخلال جولتها على المراكز اكتشفت أن ثمة نقصاً هائلاً في الحاجات الأساس، فأطلقت حملة عبر وسائل التواصل لجمع حاجات النازحين من مستلزمات النظافة والملابس والتبرعات مالية، وكان الكل يقدم المساعدة على طريقته وبحسب إمكاناته، ومن التبرعات المالية استطاعت أن تؤمن أدوية للنازحين.

ويعتبر بعضهم أن قص الشعر والعناية بالمظهر من الكماليات، إلا أنها تبدو في غاية الأهمية لتفادي مشكلات يتعرض لها النازحون بسبب الاكتظاظ وقلة النظافة، كما تعتبر كريستي العناية بالمظهر أولوية للشاب وللفتاة، فمن اعتاد أن يرتب مظهره بانتظام سيشعر بضغط نفسي زائد إذا أهمله، مهما كانت الظروف صعبة، ولذلك فهي مسائل يجب عدم إهمالها لأثرها في الحال النفسية أيضاً.

تأمين الدفء أولوية

مبادرة أخرى أطلقتها مجموعة من الشباب في شمال لبنان لمساندة أهل البلد في هذه المحنة وتوفير لوازم الشتاء للنازحين في المنطقة مع قدوم الشتاء، فالحرارة تنخفض أولاً في مناطق الشمال إلى مستويات متدنية بما لا يسمح أبداً بالإقامة في مراكز الإيواء من دون وسائل التدفئة، فأتت فكرة توفير أغطية للشتاء.

ووفق ما توضحه جيسي أبي خطار، وهي إحدى الشابات في المجموعة، فمع إطلاق المبادرة تخطت الكلفة القدرات المادية للمجموعة، وجاءت فكرة أن تقوم مصممة الأزياء ريتا في المجموعة بحياكة الأغطية الصوفية للنازحين بدلاً من شراء الغطاء الواحد بـ20 دولاراً، و"نوفر الأقمشة لحياكة الأغطية ونساعد كلنا في ذلك، كما تستخدم فضلات القماش لحياكة سترات سيقام عليها مزاد لتأمين لوازم التدفئة في مراكز الإيواء، ووضعنا خطة لفتح أكبر عدد ممكن من المدارس والمراكز والمنازل في البلدات لإيواء النازحين، لأن بعضهم كان ينام في الطرقات أو في سياراتهم، كما قمنا بأنشطة عدة للأطفال للترفيه عنهم، وأيضاً حرصنا على الطهي مع النازحات كجزء من التبادل الثقافي والإنساني ليشعر الكل بانتمائه إلى المنطقة".

 

وأشارت أبي خطار إلى أن إقامة "أنشطة ترفيهية مثل نزهات في البحر للنازحين، ولاحظنا أن الكل يركز على مستلزمات النظافة والغذاء، ووجدنا أن لوازم التدفئة تنقص وهي ضرورية لمواجهة البرد القارس في المنطقة، وكان هذا السبب وراء إطلاق حملة I Cover You، ولأن فضلات القماش كانت كثيرة فقد كان من الممكن حياكة سترات لإقامة مزاد عليها وتأمين لوازم تدفئة مستدامة يمكن الاستفادة منها في المدارس الرسمية خلال مراحل لاحقة".

 ونظراً إلى ارتفاع كلفة أنظمة التدفئة فقد أُطلقت حملة تبرعات دعمها متبرعون من مقربين، قبل أن تتوسع الدائرة لتأمين مزيد من التبرعات لمساندة النازحين الذين ثمة حاجات كثيرة لهم في هذه المرحلة.

التضامن سلاح المجتمع

وتؤكد المبادرات التضامن المجتمعي وتعاضد اللبنانيين في مواجهة الأزمات على اختلافها، وليست المرة الأولى التي يثبت فيها ذلك، إذ سبق ذلك انفجار مرفأ بيروت والأزمة الاقتصادية، إذ سارع كثيرون إلى تقديم يد العون.

وحول أهمية هذه المبادرات الفردية ودورها في الأزمات وفي هذه المرحلة تحديداً، أوضحت الاختصاصية في المعالجة النفسية جيزال نادر أنها تبدو المنقذ الأول للفئات الأكثر تضرراً في الحرب، كونها تؤمن حاجاتهم الأساس التي لم تؤمنها الدولة، ولعب كل فرد في المجتمع دوراً في هذه المحنة التي تمر بها البلاد على طريقته ووفق إمكاناته، وعلى رغم أن هذا الدعم يعتبر مادياً إلا أن أثره الأكبر معنوي ونفسي، سواء للمتلقي أو المتبرع.

وبحسب نادر ففي الأزمات يبادر الأشخاص الأقل تضرراً لأنهم يشعرون بالذنب كونهم بأمان وغيرهم تحت الخطر، ويتم التغلب على هذا الشعور بالذنب أو ما يعرف بـ "عقدة الناجي"، عبر توفير المساعدة و"مساندة الفئات الأكثر تضرراً، فبدلاً من الجلوس ومتابعة الأخبار على الشاشات ووسائل التواصل، يشعر بعضهم بضرورة القيام بدور فاعل ومساندة الآخرين، فالكل قادر على تقديم المساعدة بشكل أو آخر بحسب إمكاناته، لتخفيف وطأة الصدمة على المتضررين، وفي الوقت نفسه القيام بدور فاعل ومفيد".

وفي هذا الإطار تذكر نادر إحدى العبارات التي سمعتها من نازح قال إنه مع بداية الحرب والقصف اعتقد أن الحياة انتهت، لكن أصبح للحياة معنى عندما رأى هذا الكم الهائل من الدعم والمساندة في المجتمع، ومن طوائف مختلفة وبيئات مختلفة، وهي ميزة في المجتمع اللبناني كثيراً ما أسهمت في التخفيف من وطأة الصدمات النفسية التي يتعرض لها المواطنون اللبنانيون، فكان لذلك بعد نفسي مهم لأنه بالنسبة إلى الأشخاص المتضررين فللبعد المعنوي أهمية أكبر بكثير من البعد المادي في المحن.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير