Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما جدوى تغيير العملة السودانية؟

أكثر من 90 في المئة من الكتلة النقدية موجودة خارج نطاق النظام المصرفي

طرح بنك السودان المركزي عملة نقدية جديدة من فئة الألف جنيه (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

تراجع سعر صرف الجنيه السوداني إلى أدنى مستوياته إذ بلغ سعر الدولار الواحد نحو 2500 جنيه بزيادة 400 في المئة على بداية الحرب، ويدور حديث في الأوساط المختلفة عن اتجاه الحكومة السودانية لتغيير عملتها المحلية من أجل القضاء على عمليات التزوير والحد من ظاهرة المضاربة في العملة، مما يؤدي إلى السيطرة على الكتلة النقدية وإدخالها في دورتها الصحيحة.

واصل الاقتصاد السوداني انكماشه هذا العام بنسبة 20 في المئة وفقاً لصندوق النقد الدولي بسبب الحرب المندلعة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، فضلاً عن تراجع سعر صرف الجنيه السوداني إلى أدنى مستوياته إذ بلغ سعر الدولار الواحد نحو 2500 جنيه بزيادة 400 في المئة عن بداية الحرب. وفي خطوة تهدف إلى القضاء على عمليات التزوير والحد من ظاهرة المضاربة في العملة، فضلاً عن السيطرة على الكتلة النقدية وإدخالها في دورتها الصحيحة، طرح بنك السودان المركزي عملة نقدية جديدة من فئة الألف جنيه.

فكيف ينظر الاقتصاديون إلى هذه الخطوة (تغيير العملة) ومدى جدواها من ناحية تصحيح مسار الاقتصاد السوداني واستقراره؟

تروٍ وتأنٍ

قال الباحث الاقتصادي السوداني محمد الناير "إن الاتجاه لتبديل العملة أو تغييرها هو مطلب ظللنا نطالب به مراراً وتكراراً منذ فترة زمنية بعيدة حتى ما قبل الحرب، وذلك لاعتبارات عديدة تتمثل في أن أكثر من 90 في المئة من الكتلة النقدية موجودة خارج نطاق النظام المصرفي مقابل 10 في المئة فقط داخل البنوك، وهذه معادلة مشوهة تحتاج إلى إحداث تعديل على رغم أنها في المستقبل ستعالج تلقائياً بحكم أن الذين كانوا يحتفظون بأموالهم في المنازل سواء كانت عملة محلية أو أجنبية أو مقتنيات ثمينة لن يكرروا هذا الشيء، لما حدث لهم من ضرر بالغ بسبب عدم إيداع مبالغهم في المصارف".

وتابع "كذلك نجد أن هناك كميات كبيرة من العملات المزورة تُداول وسط الجمهور وهو ما سيتم اكتشافه عند إجراء عملية تغيير العملة، فضلاً عن إمكان تتبع الأموال التي نُهبت من خلال رصد ومعرفة مصدرها والأهم من ذلك التركيبة الفئوية للعملة، فحتى الآن لم تلغ فئات الجنيه الواحد والخمسة جنيهات والـ10 والـ20 والـ50 جنيهاً من قبل البنك المركزي لكونها تلاشت تماماً ولا يتم تداولها بقرار من السوق وليس من بنك السودان المركزي، وأصبحت أقل فئة متداولة هي الـ100 جنيه، لذلك هناك حاجة لإعادة النظر في التركيبة الفئوية عند القيام بتغيير العملة".

وأردف الناير "كان من الأنسب أن تلجأ الدولة إلى حذف أصفار من فئات العملة الحالية مرة أخرى مع الاحتفاظ بالقوة الشرائية لأية فئة، على رغم أن تجربة حذف الأصفار السابقة التزم بها كل المواطنين مستندياً، لكن للأسف لم يتم الالتزام بها لفظياً، فظل غالبية الشعب ينطق بالعملة القديمة وهو بلا شك يعد خللاً، ونأمل في أن تكون نوعية العملة الجديدة (فئة الألف) التي طُبعت في الأيام الماضية، جيدة وعلامتها التأمينية عالية جداً وغير قابلة للتزوير والتلف السريع".

وبيَّن أن "هذه الخطوة إيجابية وتعد في مصلحة الاقتصاد، فضلاً عن عودة الكتلة النقدية للمصارف ومعرفة مصدرها أو اتخاذ قرارات تعالج قضية الفئات الكبيرة التي نُهبت أو زُورت، ومؤكد أن حدوث ذلك سيؤدي إلى تحسن سعر الصرف تلقائياً وانخفاض معدل التضخم، لكن لا بد من إلزام كل الجهات بالتعامل إلكترونياً مع ضرورة تحسين شبكات الإنترنت".

ويرى الباحث الاقتصادي أن "انكماش الاقتصاد هذا العام أمر طبيعي في ظل الحرب، ومن الممكن في حال استمرارها لفترة أطول المحافظة على استقرار سعر الصرف بتوظيف إمكانات وموارد البلاد الطبيعية الضخمة بصورة جيدة، استناداً على ما ينتج من الذهب وحده وبخاصة إذا تمت السيطرة عليه والحد من تهريبه والاستفادة منه بصورة كاملة، وهذا يكفي في معالجة كثير جداً من القضايا".

 

 

وأضاف "لدينا أكثر من 85 مليون هكتار (850 ألف كيلومتر مربع) من الأراضي الصالحة للزراعة مستغل منها 20 في المئة فحسب، إضافة إلى 110 ملايين رأس من الماشية لم تستثمر وتستغل بالصورة المطلوبة، فضلاً عن تنوع مصادر المياه بخلاف حصة السودان في مياه نهر النيل غير المستغلة بالكامل، إلى جانب المياه الجوفية والأمطار المتساقطة، وعديد من المعادن وكميات من النفط لم يكتشف بعد، وامتلاك السودان أطول ساحل على البحر الأحمر يبلغ 750 كيلومتراً فضلاً عما يمتلكه من قدرات وإمكانات سياحية، وكل ذلك يمكن أن يحقق عائدات كبيرة".

إبراء ذمة

في المقابل أوضح المتخصص في الاقتصاد عبدالعظيم المهل قائلاً "برأيي كان من الأفضل تكون فئتا الألف والـ500 جنيه غير مبرئة للذمة، من ثمَّ يجب على من يحوزها أن يأتي لأقرب بنك ويحولها إلى العملة الجديدة وإلزامه بوضع جزء منها في البنك، لأن تغيير العملة سيقود عناصر ’الدعم السريع‘ الذين قاموا بنهب أموال السودانيين وبخاصة القادمين من دول غرب أفريقيا إلى الشراء بالجنيه السوداني المنهوب الذهب والدولار والمنازل والأصول الأخرى، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعارها، وبذلك يكون قد تمت مكافأتهم بدلاً من معاقبتهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف المهل "أما في حال اعتبار العملة غير مبرئة للذمة فسيضطر الشخص للحضور إلى البنك وعندها سيسأله البنك عن مصدر أمواله، وإذا لم يثبت مصدرها الحلال فستصادر منه وهذا الإجراء تأخر كثيراً مما أدى إلى ارتفاع أسعار الذهب والدولار بصورة جنونية، كما أن ذلك سيحدد عرض النقود في الاقتصاد السوداني الذي تبنى عليه السياسات النقدية، إضافة إلى تحويل الأموال التي في يد العملاء إلى داخل القطاع المصرفي، ولا بد أن يكون ذلك متزامناً مع إحداث ثورة ونهضة وحوسبة وتطوير في هذا القطاع المهم، فضلاً عن الاستفادة الكاملة من التعامل الإلكتروني الذي ساد أثناء الحرب بل تطويره والبناء عليه واستهداف 80 في المئة أو أكثر من النقد داخل المصارف".

وواصل "هذا التوجه من شأنه أن يؤدي إلى توجيه الموارد المالية إلى القطاعات المنتجة ومحاربة اكتناز المال في المنازل وحرمان الآخرين من الاستفادة منها، فضلاً عن تمكين البنوك من تنفيذ مشروعات تنموية كبري، ومن ثم تحريك جمود وعجلة الاقتصاد السوداني والذي في حال انطلاقه سيوفر ملايين الوظائف ومليارات الدولارات، إذ كشفت الحرب الكميات الكبيرة من الدولارات التي تقدر بالمليارات وكذلك أطنان الذهب المخزنة في خزن البنوك والمنازل والمؤسسات الخاصة التي تم نهبها بواسطة الميليشيات، وشاهدنا كيف تم استعراضها على مواقع التواصل الاجتماعي كأنها بطولة والتي تسرب جزء كبير منها إلى دول الجوار الأفريقي، إذ استعان بعض السودانيين بالأجنبي ليسرق وينهب مال بلده وساعده في تهريبه إلى الخارج".

 

 

وزاد المتخصص في الاقتصاد "بكل تأكيد أن نهضة الاقتصاد السوداني مرتبطة بتحرير الولايات الاقتصادية وبخاصة الجزيرة والخرطوم، ونجاح الموسم الزراعي وانخفاض حدة المواجهات ودحر الميليشيات من كل أرض السودان وإقبال المواطن السوداني بروح جديدة وتغيير كامل واعتبار الحرب نقطة تحول، مع الاتجاه نحو الحوسبة الكاملة لكل الأنشطة في الاقتصاد".

عمق الهاوية

في السياق أفاد عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي السوداني كمال كرار بأن "واقع الحرب والانهيار الاقتصادي سبب رئيس لتدهور سعر العملة المحلية، في حين أن اقتصاد السودان كان قبل الحرب على حافة الانهيار وبعدها وصل إلى الهاوية، ومن الطبيعي أن ينهار الجنيه أمام العملات الأجنبية بسبب التدمير الكبير الذي لحق بقطاعات الاقتصاد، إضافة إلى الطلب العالي على اقتناء العملات الأجنبية بغرض السفر إلى الخارج هرباً من الحرب، وتراجع النمو الاقتصادي بصورة مريعة".

 

 

ولفت كرار إلى أن "هذه الأسباب تظل قائمة حتى إذا حدث تغيير للعملة، فالقوة الشرائية للجنيه السوداني لن تزداد بفعل هذا الإجراء، لكن ربما الهدف من التغيير محاصرة العملة المزيفة أو الكشف عن أرصدة بعينها، ولكنها أهداف بعيدة من التحقيق في ظل انهيار الدولة الحالي، فلا البنك المركزي قادر علي أداء مهامه ولا الجهاز المصرفي الذي دمرت غالبية فروعه أو نهبت بما في ذلك بنك السودان المركزي".

ومضى عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي السوداني قائلاً "في تقديري أن معالجة الانكماش أو الركود أو الانهيار الاقتصادي ممكنة فقط بعد توقف الحرب، فالاقتصاد نفسه لا يعمل في ظل هذه الأوضاع، والدورة الاقتصادية تظل غير مكتملة لأن الوضع غير طبيعي والحرب نفسها تدور في مناطق الإنتاج، فاقتصاد السودان الآن في عمق الهاوية بسبب الحرب وسيواصل السقوط للقاع طالما الحرب مستمرة، ومؤكد سيزداد التضخم وتتراجع قيمة العملة الوطنية وقد تصل إلى الصفر، وهذا يفاقم الضائقة المعيشية وسينحدر الملايين لهاوية الفقر المدقع، فهذه هي النتائج المحتمة لمآلات الوضع الاقتصادي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير