ملخص
تعتبر "المربعات العشبية" طريقة فعالة للتحكم في الرمال، إذ تشمل الخطوات إضافة القش إلى الرمل على شكل مربع مع ترك 10 إلى 20 سم على سطح الرمل، وبالتالي ينسج "المربع العشبي" الذي تترابط وتتداخل أجزاؤه، مما يشكل شبكة كبيرة يمكنها إضعاف قوة الرياح وتثبيت الكثبان الرملية والحفاظ على المياه، وحتى حماية الطرق من الرمال المتحركة.
يعد التصحر تحدياً يواجه العالم بأسره ومكافحته هدف لا مفر منه لتحقيق التنمية والحد من الخسائر الناتجة منه، والطرق المثلى لتجاوز هذا الهاجس تشغل بال الجزائر التي تعتبر دولة صحراوية بامتياز بمساحة تقدر بمليوني متر مربع، كثاني أكبر صحراء في العالم. وبعد تجربة "السد الأخضر" كحاجز غابي، أطلقت تجربة علمية تهدف إلى تثبيت الكثبان الرملية ميكانيكياً.
اختيار في انتظار النتائج
واختار المعهد الجزائري للأبحاث الغابية محافظة عين صالح بأقصى جنوب البلاد، محطة لتطبيق هذه التجربة كإجراء للحد من ظاهرة زحف الرمال التي تهدد مناطق عدة سهبية وصحراوية، وقال إن الخطوة تأتي بعد إعداد دراسة علمية أشرف عليها باحثان من معهد الأبحاث الغابية.
وأضاف المعهد أن العملية تشمل وضع أعمدة بلاستيكية مشدودة بأحزمة بلاستيكية على شكل مربعات لتثبيت التربة بعد غرس الشجيرات، والحفاظ عليها من التحرك. وأكد أن التجربة نجحت في محافظة الجلفة، وتحولت من كثبان رملية إلى غابة من الأشجار، موضحاً أن الإجراء يشمل مساحة هكتار واحد ويتم على مرحلتين ميكانيكية وبيولوجية، باستخدام تقنيات تراعي الظروف المناخية المختلفة.
إبقاء التربة في استقرار ومنعها من التحرك
من جانبه أشار المسؤول بالمعهد الجزائري للأبحاث الغابية كمال طولبة إلى أن الغاية العلمية من التقنية الميكانيكية بعد تشجير المربعات إبقاء التربة في حالة استقرار ومنعها من التحرك، وراهن على نجاح التجربة بالمنطقة، بعد توفير مياه السقي بالتقطير، بالنظر إلى خصوبة الأرضية المختارة لتجسيد مشروع التجربة. وشدد على أهمية الإسراع في غرس الشجيرات بالمربعات المنجزة فور استكمال مرحلة وضع الأعمدة البلاستيكية المشدودة بحزام بلاستيكي لضمان تثبيت الكثبان الرملية.
وتعتبر "المربعات العشبية" طريقة فعالة للتحكم في الرمال، إذ تشمل الخطوات إضافة القش إلى الرمل على شكل مربع مع ترك 10 إلى 20 سم على سطح الرمل، وبالتالي ينسج "المربع العشبي" الذي تترابط وتتداخل أجزاؤه، مما يشكل شبكة كبيرة يمكنها إضعاف قوة الرياح وتثبيت الكثبان الرملية والحفاظ على المياه، وحتى حماية الطرق من الرمال المتحركة.
الصين نجحت
وتدفع ظاهرة زحف الرمال وما يرافقها من انعكاسات سلبية على التنمية والسكان والبيئة دولاً عدة للبحث عن سبل مواجهة الظاهرة، إذ أعلنت بكين عام 2019 أنه بعد أعوام من البحث اكتشف فريق علمي الفرق في الخصائص الميكانيكية بين جزيئات الرمال وجزيئات التربة، مما أتاح تطوير تقنية تمنح جزيئات الرمال الخصائص البيئية والميكانيكية نفسها التي تتمتع بها التربة الطبيعية، وذلك عن طريق إضافة مادة رابطة إليها.
وتتمتع الرمال المعدلة بقدرة قوية على تخزين الرطوبة والمواد الغذائية والهواء، حتى تصبح حاملة مناسبة لنمو النبات، مما دفع فريق البحث إلى تسمية هذه التقنية بـ"تحويل الصحراء إلى تربة"، كما أنه يمكن تحقيق أهداف مزدوجة من خلال هذه التقنية، تتمثل في تثبيت الرمال واستعادة الغطاء النباتي، مقارنة مع الطرق التقليدية.
وقال فريق البحث إنه سيعمل بجد لدراسة الدمج الفعال بين القيمة البيئية والقيمة الاقتصادية لهذه التقنية، واستكشاف مسار التنمية الخضراء لخدمة بناء "الحزام والطريق" والعمل على تعزيز بناء الحضارة الإيكولوجية للبشرية.
قبلها السعودية تبتكر
وليست الصين وحدها التي نجحت في اختراع طريقة لمواجهة التصحر عبر تثبيت الكثبان الرملية، إذ سبقتها السعودية عام 2011، حين سجلت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية براءة اختراع لفريق بحثي سعودي من جامعة الملك عبدالعزيز بعد نجاحه في ابتكار طرق حديثة لتثبيت الكثبان الرملية عبر استخدام مواد خام طبيعية.
ووفقاً لفريق البحث فإن الابتكار يساعد في تفادي أخطار زحف الرمال على الطرق الصحراوية، والإسهام في استصلاح الأراضي الصحراوية من أجل تنميتها عمرانياً وصناعياً، كما أنه يغني عن الطرق التقليدية القديمة التي كانت تعتمد على الوسائل الزراعية والكيماوية المكلفة ذات التأثير البيئي، التي تستغرق سنوات عدة لتماسك الكثبان الرملية.
واستغرق الوصول إلى هذه النتائج الإيجابية أكثر من عامين، ويعتمد الابتكار على خام البنتونيت الخامل واستخدام خواصه في التجانس ودرجة التماسك المرتفعة والمميزة للخام الطبيعي الخامل، بحيث تتماسك حبيبات الكثبان الرملية مع الخام المضاف بنسب مدروسة، وإنتاج طبقة متجانسة متماسكة بعمق لا يتجاوز متراً واحداً غير قابل للانقشاع بفعل الرياح الصحراوية العاتية، وحفظ الرطوبة الكامنة في طبقات الكثبان الرملية المطلوبة لبعض النباتات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تقنية تهتم بعوامل المناخ والطبيعة المحلية
وفي السياق يرى أستاذ العلوم الفلاحية جمال كدو، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن تثبيت الكثبان الرملية ميكانيكياً طريقة تساعد المناخ الصحراوي الجزائري لا سيما في المنطقة التي قررت السلطات تجريبها وهي عين صالح، إذ إنها غنية بالمياه الجوفية، موضحاً أن الجزائر لجأت إلى فكرة تثبيت الكثبان الرملية بعد التحول اللافت الذي تشهده المناطق الجنوبية من حيث كثرة المشاريع الاقتصادية والتنموية، وأبرز أن الطريقة الجزائرية مزيج بين تقنيات عدة، لكنها أخذت عوامل المناخ والطبيعة في الاعتبار، مما يجعلها تجربة رائدة وناجحة في الوقت نفسه.
ويتابع كدو أنه من شأن التقنية أن تجعل المناطق الصحراوية أراضي زراعية تنتج مختلف الخضراوات والفواكه والحبوب بامتياز، على اعتبار أنها لا تواجه زحف الرمال فقط بل تحول الكثبان إلى تربة صالحة للفلاحة، مشيراً إلى أن ظاهرة التصحر تفاقمت وازدادت حدة بخاصة خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث تتحدث التقديرات أن العالم يفقد كل عام نحو 10 ملايين هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة، وتشكل نسبة المساحات المتصحرة والأراضي القاحلة في المنطقة العربية نحو 88 في المئة من إجمالي المساحة الكلية، أي 13 مليون كيلومتر مربع، مما يعادل 28 في المئة من إجمالي المناطق المتصحرة على مستوى العالم، مما يجعل الوطن العربي يعاني بشدة من هذه الظاهرة بسبب وقوعه ضمن النطاق الصحراوي وشبه الصحراوي الممتد من شمال أفريقيا إلى آسيا.
"السد الأخضر" مشروع قديم جديد
وحاولت الجزائر مواجهة التصحر عبر غرس الأشجار في سياق "السد الأخضر" الذي يمتد من الشرق إلى الغرب ويقطع البلاد في هضابها، لكن وبعد نجاح كبير عرفته البادية لا سيما إثر منح الجيش شعلة الاهتمام بالتشجير، عاد ليتدحرج المشروع لاعتبارات عدة أهمها الأزمة الأمنية والحرائق، لكن ولخطورة زحف الرمال وأهمية "السد الأخضر"، أمر الرئيس عبدالمجيد تبون بإعادة إحياء المشروع في إطار تنفيذ التزامات الجزائر ضمن اتفاقات باريس الخاصة بالتغيرات المناخ، وأيضاً بهدف مكافحة والحد من التصحر.
ويمتد "السد الأخضر" وهو جدار طبيعي بيئي من شأنه منع زحف الرمال نحو الشمال وتثبيتها وزيادة استصلاح الأراضي وتكثيف الغطاء النباتي في المناطق الصحراوية والسهوب الفاصلة بين الصحراء، في جنوب البلاد وشمالها على مساحة 4.7 مليون هكتار موزعة على 13 ولاية، وهو يتكون أساساً من 63 في المئة من المساحات الرعوية بمساحة تفوق 2.33 مليون هكتار.
أما المساحات الغابية فإنها تمثل 18 في المئة من تلك الفضاءات بمساحة تقدر بـ665 ألفاً و741 هكتاراً، والمساحة الفلاحية تقدر بـ591 ألفاً و769 هكتاراً أي ما يعادل 16 في المئة من المساحة الإجمالية لهذا الإنجاز الغابي.
وقالت مديرة مكافحة التصحر و"السد الأخضر" بالمديرية العامة للغابات صليحة فرطاس إن اختيار مناطق التشجير والأنواع الواجب غرسها يستجيب لمعايير بيئية، إلا أن هناك أيضاً البعدين الاقتصادي والاجتماعي، وأضافت أن المقاربة الجديدة المتعددة الأبعاد لـ"السد الأخضر" تتضمن غرس أنواع خلاقة للثروة ومقاومة للتصحر وحرائق الغابات، مثل الأشجار الريفية على غرار الزيتون وأشجار الفستق واللوز والخروب، إضافة إلى تطوير غراسة النباتات العطرية والطبية وزراعة الحلفاء وترقية نشاطات الصناعات التقليدية التي تستعمل المواد الأولية المنتجة في تلك المساحات الغابية.