ملخص
انتشار مفهوم ريادة الأعمال وسهولة مصادر التعلم ساعد المرأة المصرية في إقامة المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر وتعلم الحرف والمهن المختلفة سواء بالجهود الفردية أم بالمشاركة في البرامج والمبادرات التي تدعمها الدولة.
لم تجد سلمى البالغة 35 سنة بديلاً في مصر سوى إقامة مشروع صغير من منزلها بعد أن اضطرت إلى ترك وظيفتها لتعارض مواعيدها مع موعد مدارس طفليها، لمدة خمس سنوات.
كانت سلمى تعمل في مجال الإدارة وبعد ترك العمل وجدت أن لديها وقت فراغ طويلاً مع بقاء الأطفال طوال النهار في مدارسهم، فبدأت مشروعاً صغيراً لصناعة الشموع من منزلها واتجهت إلى تسويق المنتجات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعن طريق المشاركة في الـ"أوبن داي" الذي يقيمه النادي الرياضي الذي تشترك فيه.
نموذج سلمى ليس الوحيد، وإنما توجد آلاف السيدات انتهجن النهج نفسه مع قلة الوظائف أو عدم ملائمتها سواء من حيث ضعف الدخل أم عدم ملائمة المواعيد، ولا تزال كثير من الشركات والمؤسسات تفضل توظيف الذكور على الإناث، وعلى رغم كل سبل التوعية وتشجيع عمل المرأة، إلا أنه على أرض الواقع أحياناً يختلف الأمر.
طبقاً للمجلس القومي للمرأة شهد عام 2023 تخصيص 88 مليار جنيه (1.8 مليار دولار) لتمويل المشاريع متناهية الصغر للسيدات استفادت منها 5 ملايين سيدة، وذلك في مقابل نحو 6 مليارات جنيه (120 ألف دولار) إلى مليوني مستفيدة عام 2016، وتمثل النساء أصحاب المشاريع متناهية الصغر 47 في المئة، بإجمالي مليوني امرأة، علماً أن 18 في المئة منهن فوق 65 سنة.
وفي السياق ذاته أعلن جهاز تنمية المشاريع المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر في مصر أنه في 2023 دعمت مشاريع أقامتها نساء بنحو 14.7 مليار جنيه (300 ألف دولار) ، وأن هناك 815 ألف مشروع متناهي الصغر أقامتها نساء، وأن 45 في المئة من إجمالي القروض التي منحها الجهاز كانت لمشاريع النساء.
حل مثالي
ترغب كثيرات في الحصول على فرصة عمل إما للحصول على دخل أو للرغبة في تحقيق الذات والمشاركة في مجال تحبه، ولكن كثيراً من السيدات تصطدم رغباتهن بكثير من العقبات، فقد لا يجدن الفرصة المناسبة، وإن وجدنها قد لا تتناسب مع ظروفهن الأسرية في حال كان لديهن أطفال صغار، وقد تكون في مرحلة عمرية لا تتناسب مع العمل اليومي لساعات طويلة، فالمشاريع الصغيرة تناسب جميع الأعمار فنجد من هن في بدايات العشرينيات وربما أصغر ومن هن فوق سن 60 أو 70 سنة في بعض الأحيان.
تقول مروة حسن (42 سنة) إنها "عملت لنحو 15 عاماً في مجال المحاسبة ولكن الشركة التي كنت أعمل بها أنهت أعمالها، كبر أولادي نسبياً وأصبحوا أكثر اعتماداً على أنفسهم، ومن هنا قررت استعادة هوايتي القديمة في أشغال الإبرة وأقمت مشروعي الصغير من المنزل بموازنة محدودة جداً كملء لوقت فراغي ومحاولة لتحسين الدخل".
وتابعت حسن "في الوقت الحالي أسعى إلى التطوير بتعلم التسويق الإلكتروني، وأتمنى قريباً أن أتوسع في مشروعي، معرفتي وخبرتي بمجال الإدارة والحسابات أفادتني إلى حد كبير وأتمنى التوسع قريباً والعمل على نطاق أكبر".
بينما تقول إيمان السيد (31 سنة) عن تجربتها "تزوجت بعد تخرجي من الجامعة بعام واحد وأنجبت أطفالي وكان من الصعب الانتظام في وظيفة وهم صغار، وعندما بدأت البحث عن عمل بعد سنوات كان الأمر شديد الصعوبة فكل الوظائف تشترط خبرة لا أملكها، وبعض الأماكن لا تفضل توظيف الأمهات لاعتقادهم أنهن لن يكن ملتزمات، وقيل لي هذا صراحة في بعض الأماكن".
وأضافت السيد "لا يزال هناك تمييز واضح ضد النساء في فرص العمل في القطاع الخاص، وكان الحل الوحيد أمامي هو إقامة مشروع صغير من المنزل فأصنع الإكسسوارات النسائية وأسوقها إلكترونياً، أو من خلال بعض المعارض الصغيرة التي تقام لهذا الغرض، ووجدت أن هذا أفضل كثيراً بالنسبة إلي".
انتشار مبادرات دعم المرأة
بالتواكب مع الانتشار الكبير لمفهوم المشاريع الصغيرة بصورة عامة أصبحت تنتشر كثير من الفعاليات مثل البازارات والمعارض التي تقيمها جهات مختلفة مثل النوادي والمؤسسات وكثير من المساحات العامة، وأصبح يقبل عليها الناس بصورة كبيرة.
وفي الوقت نفسه تقوم كثير من المبادرات الأهلية والخاصة بمنظمات المجتمع المدني بإعلان برامج تقدم التدريب والدعم للنساء في محافظات مصر كافة، ومن بينها تعليم الحرف المختلفة والتدريب والمساعدة في إقامة مشاريع صغيرة ومتناهية الصغر، هذا إلى جانب الجهود التي تبذلها الدولة في هذا الملف من خلال مؤسساتها المختلفة مثل المجلس القومي للمرأة ووزارة التضامن الاجتماعي وغيرها بهدف دعم النساء وتمكين المرأة.
تقول استشاري إدارة الأعمال والمحاضر الدولي في علوم الإدارة وتطوير الذات منى القصاص إن "المشاريع الصغيرة أصبحت حلاً مثالياً للنساء بسبب قلة الوظائف أو عدم مناسبة ظروف الوظيفة لوضعها، فهناك مشاريع يمكن أن تبدأ بأقل رأسمال ممكن وتكبر تدريجاً، وهي حل مثالي لكثير من السيدات اللاتي لن يستطعن الخروج من منزلهن كثيراً أو لا يرغبن في وظيفة بالصورة المعتادة، فانتشار هذا الفكر في المجتمع أتاح الفرصة لكثير من السيدات للتطوير من أنفسهن خصوصاً مع توافر سبل التعلم المختلفة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضحت القصاص "حالياً نجد كثيراً من الجهات تعلن مبادرات لدعم النساء أو تعليم حرف معينة والمساعدة في بدء مشروع صغير، أو مشروع متناهي الصغر من المنزل ودعم رائدات الأعمال".
وأضافت القصاص "لا يقتصر إقامة المشاريع الصغيرة للنساء على الاحتياج المادي فقط أو الرغبة في تحسين دخل الأسرة وإن كان هذا أمر له أهميته، وقد يكون له أهمية قصوى إذا كانت المرأة هي المعيلة لأسرتها، ولكن بعض السيدات يكون لديهن وقت فراغ بعدما كبر أولادهن أو تركن وظائفهن أو لكثير من الأسباب التي تدفعهن للبحث عن شيء مفيد يشغلهن، وحالياً هناك كثير من قصص النجاح الملهمة لسيدات بدأن من الصفر وكبرت مشاريعهن مع الوقت وأصبحن نماذج يحتذى بها".
مدينة صديقة للنساء
في إطار جهود دعم وتمكين المرأة أقيمت في مصر في السنوات الأخيرة مدينة صديقة للنساء في منطقة عزبة البرج بمحافظة دمياط الواقعة شمالاً على البحر المتوسط (158 كيلومتراً شمال القاهرة) بهدف توفير التدريب والدعم لسيدات المدينة وإقامة ورش العمل لتعليمهن حرف مختلفة نتج منها كثير من المشاريع النسائية الصغيرة في تجربة شديدة التميز، وتطوير المساحة الصديقة للنساء في مدينة عزبة البرج تم من خلال الشراكة بين المجلس القومي للمرأة ومحافظة دمياط وهيئة الأمم المتحدة للمرأة.
تقدم استشاري الإدارة منى القصاص نصائحها للسيدات المقبلات على إقامة مشروع صغير، فتقول "حتى تبدأ السيدة في مشروع صغير عليها القيام بخطوات معينة، وهي أن تتعرف في البداية على المجال أو الحرفة أو الصناعة التي ترغب فيها، وأن ترى هل تتوافق مهاراتها وقدرتها مع هذا المجال، بعدها تبحث عن مدى وطبيعة انتشارها في السوق وتبدأ في التعلم واكتساب المهارات في هذا المجال سواء عن طريق ورش العمل المختلفة أو التعلم الذاتي عبر الإنترنت، ومع انطلاق المشروع لابد أن تكون تعلمت بعض المهارات الإدارية وكيفية التسويق والتسعير، ثم تأتي خطوة إعلان المشروع"، لافتة إلى أن كثيراً من المؤسسات أصبحت توفر مثل هذا التدريب وأيضاً يوجد عدد من الكورسات متاحة عبر الإنترنت، "فسهولة التعلم أصبحت واحدة من عوامل انتشار هذه المشاريع".
عضو المجلس القومي للمرأة والمشرفة على أنشطة المدينة الصديقة للنساء بعزبة البرج منى عبدالله تقول "مشروع المدن الصديقة للنساء تابع للأمم المتحدة وقامت بتنفيذه في دول عدة وهو يرتبط بتطوير العشوائيات وتمكين المرأة، ومن بينه التمكين الاقتصادي ودعم النساء لإقامة مشاريع صغيرة، وفي محافظة دمياط وتحديداً في منطقة عزبة البرج الصيد هو الحرفة السائدة باعتبار المدينة تطل على البحر المتوسط فيعمل الرجال بالصيد ويسافرون لفترات طويلة للمياه الإقليمية، وكانت أشهر الحرف عند النساء هي غزل شباك الصيد فطبيعة البيئة في المكان مرتبطة بالصيد بصورة كاملة".
وتضيف عبدالله "سفر الرجال وبقاء نساء عزبة البرج وحدهن لفترات طويلة دفع كثيرات للمشاركة في النشاطات التي نقوم بتنفيذها، فالمكان المجهز أصبح متنفساً للأم والطفل، إذ يتجه الأطفال إلى المكتبة لممارسة نشاطات تناسب سنهم، وتتعلم الأمهات حرفة يمكنها من خلالها إنشاء مشروع صغير"، لافتة إلى أن "بعضهن بالفعل بدأن مشروعاً متناهي الصغر ليصبحن رائدات أعمال، وبعضهن أصبحن يصدرن منتجاتهن إلى الخارج".
وأشارت مسؤولة المدينة الصديقة للنساء إلى أن "الحرف المتوفرة في المدينة كثيرة منها التطريز والخياطة والخزف، وكذلك السجاد اليدوي والديكوباج والريزن، وبعض الحرف يدخل بها خامات من البيئة المحلية مثل الصدف، ونحرص على نشر قيم الحفاظ على البيئة وإعادة التدوير، وهناك سيدات بالفعل من عزبة البرج حصلن على جوائز في مسابقات معنية بالمشاريع الصديقة للبيئة".
وأوضحت عبدالله "هناك بروتوكول مع جهاز تنمية المشاريع لتمويل مشاريع سيدات عزبة البرج، وبروتوكول مع وزارة الاتصالات لتعليم التسويق الإلكتروني، وبعض السيدات تغيرت حياتهن تماماً، وهن من جميع الأعمار ومنهن من هي من ذوي الهمم"، لافتة إلى أن الأمر له بعد اقتصادي وهناك أيضاً أبعاد أخرى اجتماعية وثقافية، إذ "نقدم لهم توعية وندوات عن كثير من الأمور الاجتماعية لتكون التجربة متكاملة ومفيدة، وبالفعل هناك إقبال كبير من السيدات ونماذج كثيرة للنجاح".
انتشار مفهوم ريادة الأعمال بصورة عامة ساعد وشجع كثيرات على اقتحام مجالات متنوعة، حتى أن بعض الشابات أصبحن يتجهن إلى إقامة مشروع صغير من الأساس، ولا يبحثن عن فرص عمل بالصورة التقليدية باعتبار أن هذا الاتجاه أصبح منتشراً ومقبولاً في المجتمع.