Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أي فرص باقية لوساطة القاهرة في غزة بعد تعليق الدوحة دورها؟

مصر مستمرة بمساعيها على رغم تعقد مسار المفاوضات كخيار رئيسي لوقف الحرب واحتمالات تحقيق اختراق من عدمه مرتبط بتوافر الإرادة السياسية لدى الأطراف

تتصاعد أعمدة الدخان جراء قصف إسرائيلي على شمال قطاع غزة،  14 نوفمبر 2024 (أ ف ب)

ملخص

وعلى رغم مرور العلاقات بين القاهرة وتل أبيب بمنحنيات خطرة ومحطات توتر متعددة منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، لا سيما مع السعي الإسرائيلي لتهجير فلسطينيي القطاع باتجاه مصر، ثم احتلال الدولة العبرية لمحور فلادلفي في مايو الماضي، إلا أن القاهرة لم تهدد بالانسحاب من وساطتها

فتح تعليق قطر لوساطتها التي كانت تؤديها بجانب مصر والولايات المتحدة من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف النار في غزة، إلى حين "توافر الجدية اللازمة" في المفاوضات بين إسرائيل و"حماس"، على حد وصفها، الأسئلة في شأن الحسابات المصرية في استمرار وساطتها وفرص تحقيقها اختراقاً من عدمه بعد أشهر من الجمود ومراوحة المحادثات مكانها منذ هدنة نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي والتي استمرت أسبوعاً.

"تتمسك القاهرة بأي أمل يمكنها من وقف الحرب ورفع المعاناة عن المدنيين الفلسطينيين الخاسر الأكبر في جولة الصراع الراهنة، وذلك التزاماً منها بدورها التاريخي في الوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية وجهودها الحثيثة للحفاظ على أمنها القومي"، هكذا أوضح مصدر دبلوماسي مصري أسباب استمرار القاهرة في وساطتها على رغم تعثر المحادثات وتضاؤل الآمال في شأن المفاوضات الراهنة، مضيفاً في حديثه لـ"اندبندنت عربية": "ما من شك أن تعليق الدوحة لوساطتها صعب من الموقف المصري إلا أنه في الوقت ذاته أضفى مزيداً من المسؤولية على استمرارية وساطتنا في ظل الأخطار والتهديدات التي قد تنتج من ابتعادنا عن المشهد أمام تعقد المشهد على المستويين الإقليمي والدولي".

والسبت 10 نوفمبر الجاري، علقت قطر الوساطة التي كانت تؤديها من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف النار في غزة والإفراج عن الرهائن، وبحسب ما أعلنته وزارة خارجيتها، فقد أخطرت الدوحة "الأطراف قبل عشرة أيام، أثناء المحاولات الأخيرة للوصول إلى اتفاق، بأنها ستعلق جهودها في الوساطة بين "حماس" وإسرائيل في حال عدم التوصل لاتفاق في تلك الجولة، وأنها ستستأنف تلك الجهود مع الشركاء عند توافر الجدية اللازمة لإنهاء الحرب الوحشية".

وتقود قطر ومصر مع الولايات المتحدة وساطة بين الدولة العبرية و"حماس" منذ التوصل إلى هدنة وحيدة في الحرب في غزة في نوفمبر 2023، استمرت أسبوعاً وأتاحت إطلاق رهائن كانوا محتجزين في القطاع مقابل أسرى فلسطينيين لدى إسرائيل. ومذاك، جرت جولات تفاوض عدة لم تسفر عن نتيجة، على وقع تقاذف حركة "حماس" وإسرائيل مسؤولية عرقلة التوصل لاتفاق.

لماذا تستمر القاهرة في المفاوضات؟

تؤكد المصادر التي تحدثت إلينا، أن المفاوضات التي قادتها كل من مصر وقطر مع الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار في غزة كانت "شديدة التعقيد والتشابك وأن استمرار تعثرها وعدم حلحلتها حتى اللحظة ناتج من تشدد أطراف الصراع (إسرائيل وحماس) في مواقفها المتباعدة في كثير من النقاط"، مشيرين إلى أن معظم المبادرات التي قدمتها كل من القاهرة والدوحة لحلحلة الموقف في الأشهر الأخيرة باءت جميعها بـ"الفشل".

وفي نهاية أكتوبر الماضي، بلورت القاهرة أحدث مقترحاتها بهدف تحقيق "اختراق" في جدار المفاوضات المتجمدة، في صورة صفقة "مصغرة"، تضمنت هدنة يومين يتم خلالها إطلاق سراح 4 أسرى إسرائيليين مقابل عدد من السجناء الفلسطينيين كـ"بادرة حسن نوايا وبناء ثقة"، على أن يتم بعدها التفاوض على الوقف النهائي للحرب، إلا أنها لم تلقَ قبولاً بين الأطراف المتحاربة.

وأعلن تلك المبادرة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الجزائري بالقاهرة قائلاً "طرحنا مبادرة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة لمدة يومين لتبادل 4 رهائن مع بعض السجناء الفلسطينيين، ثم خلال 10 أيام يتم التفاوض لتحويل الهدنة لدائمة، مع السماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر"، مضيفاً أن مصر ضد أي محاولة للتهجير قسري للفلسطينيين من غزة لخارج القطاع، وذلك لأنه ليس في مصلحة القضية الفلسطينية، ونقوم بدور إيقاف إطلاق النار في ظل التدمير الكبير الذي يتعرض له القطاع.

 

وأمام التعثر المستمر في جولات التفاوض المتواصلة منذ نحو عام من دون الوصول إلى اتفاق، أوضح أحد المصادر القريبة من المفاوضات في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أن بلاده "لا تملك رفاهية وقف وساطتها أو تجميدها"، مشدداً على أن "ما يحدث في قطاع غزة يمثل تهديداً مباشراً لأمن البلاد القومي فضلاً عن التزامنا التاريخي والإنساني تجاه القضية الفلسطينية".

ويضيف المصدر ذاته: "اقتربنا خلال بعض محطات التفاوض من التوصل لاتفاق، إلا أنه مع كل مرة أفشلت الأطراف المتحاربة (من دون تسميتها) الجهود المبذولة". وتابع "لم تظهر الأطراف إرادة سياسية حقيقة لإنهاء الحرب وتحقيق اتفاق، وعلى رغم ذلك لا يمكن الانسحاب من جهود الوساطة التي تبذلها القاهرة".

وبينما تشترط "حماس" أن يؤدي أي اتفاق مع إسرائيل إلى وقف كامل لإطلاق النار، تصر الدولة العبرية على أنها لن توقف القتال ما لم تحقق أهداف الحرب وأبرزها "القضاء" على "حماس" وإعادة كل الرهائن الذين خطفتهم أثناء هجومها في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)  2023.

من جانبه، يقول السفير أحمد القويسني، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق: "يدرك الجميع أن عملية الوساطة بين إسرائيل و"حماس" وصلت لتعقيدات كبيرة، أضفت مزيداً من الصعوبة والتحديات على أدوار الوسطاء فيها"، موضحاً خلال حديثه معنا: "على رغم الصعوبات والتحديات، لن يكون هناك خيار لدى مصر سوى المضي قدماً في وساطتها والتمسك بها، على رغم صعوبتها، لا سيما في ضوء التوترات التي تمر بها العلاقات المصرية- الإسرائيلية على خلفية احتلال الدولة العبرية لمحور فلادلفي منذ مايو (أيار) الماضي، وإغلاق معبر رفح فضلاً عن الإصرار المصري على رفض أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة"، على حد تعبيره.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورأى القويسني، أسباب أخرى تدعو لاستمرار مصر في وساطتها والتي من بينها، "صعوبة وجود وسيط آخر في المفاوضات حال خروج القاهرة من دائرة الوساطة"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن تعليق قطر لدورها "فرض أعباء إضافية على القاهرة"، وإن لم يستبعد احتمالات عودة الدوحة للوساطة على المدى المنظور.

وعلى رغم مرور العلاقات بين القاهرة وتل أبيب بمنحنيات خطرة ومحطات توتر متعددة منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، لا سيما مع السعي الإسرائيلي لتهجير فلسطينيي القطاع باتجاه مصر في بدايات الحرب، ثم احتلال الدولة العبرية لمحور فلادلفي في مايو الماضي، إلا أن القاهرة لم تهدد بالانسحاب من وساطتها، سوى مرة واحدة في نهايات مايو الماضي، على وقع الجدل الذي دار حينها في شأن تقديم مصر ورقة اتفاق "معدلة" وافقت عليها "حماس"، بينما قالت إسرائيل إنها مغايرة لتلك التي وصلت إليها.

في ذلك الوقت، أعلن ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية (حكومية) إن "مواصلة محاولات التشكيك" في دور مصر "قد يدفع الجانب المصري لاتخاذ قرار بالانسحاب الكامل من الوساطة التي يقوم بها في الصراع الحالي". واعتبر رشوان، حينها أن مصر لاحظت خلال الفترات الأخيرة قيام أطراف بعينها بممارسة لعبة توالي توجيه الاتهامات للوسطاء، القطري تارة ثم المصري تارة أخرى، واتهامهم بالانحياز لأحد الأطراف وإلقاء اللوم عليهم، للتسويف والتهرب من اتخاذ قرارات حاسمة في شأن صفقة وقف إطلاق النار، وتحرير المحتجزين الإسرائيليين بقطاع غزة مقابل الأسرى الفلسطينيين، وذلك للحفاظ على مصالح سياسية شخصية لبعض هذه الأطراف، ومحاولاتها مواجهة الأزمات السياسية الداخلية الكبيرة التي تمر بها، في إشارة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

ماذا بعد "تعليق" قطر وساطتها؟

وفق العديد من الخبراء والمعنيين ممن تحدثوا لـ"اندبندنت عربية"، فإن إعلان قطر تعليق وساطتها في الملف حتى إظهار الأطراف "الجدية اللازمة" لاستكمالها، صعب وعقد الدور المصري في محاولة الوصول لنهاية الحرب في قطاع غزة.

ويقول عماد جاد، مستشار رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: "بالتأكيد يصعب تعليق قطر لوساطتها الموقف بالنسبة لمصر في تحقيق أي اختراق"، مشيراً إلى ما اعتبره عدم تمتع القاهرة بـ"علاقات جيدة" مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بالقدر الذي يميز علاقات الأخيرة مع كل من قطر وتركيا وإيران.

وأوضح جاد مدى تعقيد الأمر بالنسبة لمصر، قائلاً: "معنى أن قطر ترفع يدها من المفاوضات فهذا يعني أن الأمور صعبة للغاية". وأضاف "علينا إدراك أن ما لم تعطيه حماس للدوحة في غرف المفاوضات لن تعطيه للقاهرة"، وذلك في إشارة إلى تنازلات أو مساومات بهدف تقريب وجهات النظر بين إسرائيل و"حماس" للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بينهما.

وتابع جاد: "ما من شك أن استمرار مصر في دورها كوسيط مرتكز بالأساس على أنها دولة جوار لما يحدث في غزة وتأثير ذلك في أمنها القومي بشكل مباشر"، وذلك على رغم تفاقم التوترات بين القاهرة وتل أبيب.

ويمضي جاد في حديثه قائلاً: "حتى لو اضطرت مصر لتجميد وساطتها بدافع عدم جدواها أو نفاد جهودها فلن تعلن ذلك صراحة"، إذ إن القاهرة على حد وصفه، لا تملك رفاهية الخروج من المفاوضات، مشيراً إلى أن "قطر لديها حسابات ومصر لديها حسابات، والكل يعمل وفق حساباته ومصالحه القومية"، وأن مصر تسعى لحل القضية الفلسطينية لأنه التزام تاريخي وسياسي ويمس أمنها القومي بشكل مباشر.

 

في المقابل، يرى اللواء دكتور محمد إبراهيم الدويري، نائب مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، أنه وعلى رغم "صدور بيان قطري بتعليق دورها في الوساطة إلا أن البيان تحدث عن التعليق فقط وليس الوقف الدائم أو إنهاء الوساطة وهو ما يعني أن هناك إمكانية لاستئناف دور الوساطة عندما تحين الظروف المناسبة".

ويتابع إبراهيم في حديثه معنا، "يؤكد الموقف المصري على أن الوساطة التي تقوم بها مصر لن تتوقف مهما كانت العقبات حتى وإن تعطلت المفاوضات لفترة وجيزة وذلك انطلاقاً من حرص مصر على أن تبذل كل الجهود من أجل إنهاء الكارثة الإنسانية في غزة وإتاحة المجال أمام حل الأزمة بصورة شاملة تبدأ بوقف إطلاق النار ومروراً بإنجاز صفقة تبادل الأسرى وإدخال المساعدات وإعادة الإعمار وانتهاء باستئناف عملية السلام". ويعرب عن اعتقاده أن تشهد الفترة المقبلة "استئناف مفاوضات الهدنة وإمكانية طرح مقترحات جديدة مع الأخذ في الاعتبار أن هناك قدراً من التنسيق بين أطراف الوساطة بهدف أن يتم التوصل إلى الهدف المنشود وهو التوصل إلى الهدنة خلال الفترة المقبلة وحتى قبل أن يتولى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مهامه في البيت الأبيض في العشرين من يناير (كانون الثاني) 2025".

وبحسب إبراهيم، فإن "كافة جهود الوساطة التي بذلتها كل من مصر وقطر والولايات المتحدة خلال عام مضي لم يكتب لها النجاح في ضوء الموقف المتشدد الذي اتخذه نتنياهو واستطاع أن يغلق جميع الأبواب في وجه هذه الوساطات إلى الحد الذي رفضت فيه إسرائيل مقترحات الهدنة التي طرحها الرئيس الأميركي جو بايدن والتي تعتبر في الأصل مقترحات إسرائيلية"، معتبراً أنه "وفي ضوء العقبات التي أثارها نتنياهو وتزامناً مع فترة الانتخابات الأميركية وإحجام واشنطن عن الضغط على إسرائيل فقد وصلت الأمور إلى طريق مسدود ومن ثم فقد توقفت الوساطات كلها بشكل تام وموقت".

وسبق لقطر التي تربطها علاقات وثيقة بالولايات المتحدة وتستضيف المكتب السياسي لحركة "حماس"، أن أبدت امتعاضها من مسار المفاوضات عندما قالت في أبريل (الماضي) إنها تعيد تقويم دورها كوسيط في المفاوضات في شأن غزة، لكنها أكدت استعدادها لتولي هذا الدور مجدداً متى سمحت الظروف.

هل من فرص مرجحة للوساطة المصرية؟

على وقع التغيرات التي أحدثتها الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخير، بفوز الرئيس الجمهوري دونالد ترمب، على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، يتوقع البعض أن يحدث التغيير في البيت الأبيض زخماً نحو دعم جهود الوساطة في مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

يقول هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، في الوقت الراهن، وبجانب المرتكزات التي ينطلق منها الدور المصري في التعاطي مع القضية الفلسطينية، إلا أن هناك متغيراً هاماً حدث أخيراً وهو المتمثل في فوز دونالد ترمب بالرئاسة في الولايات المتحدة، موضحاً في حديثه معنا: "الدور المصري ينطلق من عدد من المتغيرات أولها وصول ترمب إلى البيت الأبيض ما من شأنه أن يعطي مزيداً من الدفع ومحاولة تحريك المياه الراكدة في ما يتعلق بمفاوضات وقف إطلاق النار".

ويتابع سليمان: "على رغم حالة التشاؤم التي تصبغها خصوصية العلاقة بين نتنياهو وترمب خلال فترة تولي الأخير الرئاسة الأميركية بين (2016 و2020) إلا أن محاولة إعادة الرئيس الأميركي المنتخب لتقديم نفسه بأنه قادر على وقف الحروب وإنهائها يرفع من منسوب الأمل في شأن احتمالات لعب القاهرة لدور محوري مع الإدارة الأميركية الجديدة لإنهاء الحرب وفق اتفاق شامل، وبخاصة أن مصر كانت تملك هي الأخرى علاقات طيبة مع ترمب خلال ولايته الأولى".

ويمضي سليمان قائلاً: "الجهود المصرية المكثفة مدفوعة غير أي دولة أخرى بمجموعة من الاعتبارات، إذ إن مصر لديها خصوصية في ما يتعلق بالحرب في غزة، من ناحية الضغوط الأمنية والاعتبارات العسكرية والحسابات الجيوسياسية، وعليه إن مصر تتلمس خياراتها لاستمرار هذا الدور والالتزام به".

وتبقى القاهرة بالنسبة إلى الأطراف، بحسب سليمان، وسيطاً وشريكاً مقبولاً وموثوقاً به، إلا أن توافر الإرادات السياسية لدى الأطراف وعلى رأسها الولايات المتحدة، هو ما سيحدث تحولاً في مسار المفاوضات المتعثرة في شأن وقف الحرب في غزة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير