Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأخطار المنضوية على قرب مواقع نووية روسية من أوكرانيا

الأسلحة الذرية الروسية قريبة بشكل خطير من خطوط المواجهة

طائرة من دون طيار أوكرانية مزودة بقاذفة قنابل يدوية، زاباروجيا، أوكرانيا، أكتوبر 2024 (رويترز)

ملخص

لحماية مواقع التخزين يتعين على روسيا أن تنقل جميع رؤوسها النووية الموجودة على بُعد 800 كيلومتر من الحدود الأوكرانية إلى مواقع تخزين بعيدة، ومن ممكن أن تلعب الصين دوراً مسهلاً لهذه الخطوة

إن أعظم مسؤولية تقع على عاتق دولة نووية هي إبقاء رؤوسها الحربية في أمان. فمنذ أن شنت روسيا غزواً على أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، وضعت نحو 30 في المئة من رؤوسها الحربية التي يُقدر عددها بنحو 5580 في خطر كبير. وفي وقت مبكر من الحرب، كانت المخاوف الشديدة من أن يزيد الغزو من احتمال وقوع تفجير نووي أو انفجار عرَضي، تركز بشكل خاص على الأخطار المحدقة بمحطات الطاقة النووية الأربع في أوكرانيا، وتهديدات روسيا بتصعيد الصراع عمداً إلى المستوى النووي. ولكن كلما كثفت أوكرانيا محاولات استهداف مواقع داخل روسيا، أصبح من الواضح أن عدم رغبة روسيا لتوفير حماية كافية لترساناتها النووية المخزنة في غرب البلاد، الواقعة الآن في مرمى الصواريخ والطائرات المسيرة الأوكرانية وحتى القوات الأوكرانية نفسها، يشكل تهديداً بالغ الخطورة.

كل أسبوع، تطلق روسيا ما يصل إلى 800 قنبلة جوية موجهة وأكثر من 500 طائرة مسيرة هجومية على المدن الأوكرانية ومحطات الطاقة. وفي المقابل، بدأت أوكرانيا بإطلاق ما يصل إلى مئات الطائرات المسيرة يومياً على أهداف روسية مختارة بعناية. وفي الواقع، تمتلك أوكرانيا كل الحق في الدفاع عن نفسها بهذه الطريقة، ولا توجد أي إشارة إلى أن قواتها ستستهدف عمداً مواقع تخزين الرؤوس الحربية النووية. لكن وصول الهجمات بالطائرات المسيرة الأوكرانية بالفعل إلى موسكو، جعل من الواضح أن ما لا يقل عن 14 موقعاً روسياً لتخزين الأسلحة النووية أصبحت الآن في مرمى هذه الطائرات. يقع اثنان على الأقل من هذه المواقع على مسافة لا تتخطى 150 كيلومتراً من الحدود الأوكرانية، أي ضمن مدى الصواريخ الأوكرانية الأكثر تدميراً، في حين تبعد خمسة مواقع أخرى أقل من 300 كيلومتر عن الحدود، مما يجعلها أبعد بقليل من مرمى الصواريخ المتقدمة التي حصلت عليها أوكرانيا من الغرب وتسعى للحصول على إذن استخدامها ضد أهداف تقليدية في روسيا.

وتُعتبر الحكومة الروسية مسؤولة بالكامل عن نقل تلك الرؤوس النووية بعيداً من مواطن الخطر. وتدرك روسيا أن رؤوسها الحربية ينبغي ألا تكون في أي مكان قريب من العمليات العسكرية التقليدية: فبعد أن شنت أوكرانيا أولى هجماتها بالطائرات المسيرة والصواريخ على بيلغورود في ربيع عام 2023، أفادت روسيا بسرعة بأن موقع التخزين هناك لم يعد يحتوي على رؤوس نووية، وهو اعتراف بأن هذه الرؤوس ليس من المفترض أن تخزن بالقرب من مناطق القتال النشطة. ولكن من اللافت للنظر، أن روسيا لم تصدر أي تصريحات عن حالة الرؤوس الحربية في مواقع التخزين الأخرى. وهناك عدة أسباب محتملة وراء هذا التقصير الواضح من جانبها: فربما يعتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن نقل الرؤوس الحربية الروسية سيفسر على أنه علامة ضعف؛ أو ربما لا يدرك القادة الروس البارزون الأخطار التي تتعرض لها تلك الرؤوس؛ أو ربما يخشى الجيش الروسي من أن يسيء الغرب تفسير نقل الرؤوس على أنه استعداد لشن هجوم نووي، مما قد يدفع حلف الناتو إلى شن ضربة استباقية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والبلد الذي قد يكون له التأثير الأكبر على طريقة تعامل روسيا مع ترسانتها النووية هو الصين. ففي سبتمبر (أيلول)، تولت بكين دور المنسق لعملية الدول الخمس الدائمة العضوية في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وهو منتدى يضم القوى النووية الخمس الأصلية، الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وقد صُمم لتتمكن هذه الدول من مناقشة مسؤولياتها بشكل مشترك. وبما أن القيادة الصينية تتمتع بهذه الصفة، فهي تستطيع، لا بل يتعين عليها، أن تقود جهداً جماعياً لإقناع روسيا بحماية رؤوسها الحربية المعرضة للخطر، معتمِدةً في ذلك على علاقاتها الثنائية المتنامية مع موسكو. وإذا لم تدفع الصين في هذا الاتجاه، فإن خطر أن تصبح المواقع النووية الروسية جزءاً من حرب موسكو على أوكرانيا سوف يستمر في التفاقم، مع إمكانية حدوث عواقب كارثية لكل من روسيا وبقية العالم. فهناك احتمال كبير بأن تصيب طائرة مسيرة أوكرانية أو صاروخ أوكراني رأساً حربياً مما يتسبب في انفجار ينشر المواد الانشطارية. ولكن هذا ليس الخطر الوحيد. والأخطر من ذلك هو إمكانية أن تؤدي ضربة صاروخية أوكرانية أو سيطرة أوكرانية على منطقة ما إلى حدوث فوضى تشغيلية في أحد مواقع التخزين، مما يسمح للجهات المارقة [المتمردة] بالاستحواذ على الرؤوس الحربية النووية، أو يحفز عن غير قصد تصعيداً نووياً روسياً.

لعبة الرؤوس النووية الخطيرة

في عام 1991، مع اقتراب انهيار الاتحاد السوفياتي، أنشأ الكونغرس الأميركي "البرنامج التعاوني للحد من التهديدات"، الذي يهدف إلى مساعدة روسيا على حماية الترسانة النووية السوفياتية الهائلة التي ورثتها، المؤلفة من نحو 30 ألف رأس نووي. ونظراً لأن مواقع التخزين هذه لم تعد خاضعة للرقابة الصارمة التي كان يفرضها جهاز الأمن السوفياتي، أزيلت السرية عن مواقعها، وأصبحت التدابير والمعدات الأمنية فيها غير كافية أو غير موجودة على الإطلاق، إضافةً إلى أن حراسها كانوا لا يتلقون أجورهم. وبمساعدة "البرنامج التعاوني للحد من التهديدات"، نجحت روسيا في تقليص عدد الرؤوس الحربية لديها وجمعت ترسانتها في 42 منشأة تخزين مجهزة بميزات أمنية حديثة. وجرى توفير الحماية للرؤوس الحربية في ثلاثة أنواع من المواقع: 12 موقعاً مركزياً كبيراً يحتوي على مئات الرؤوس الحربية الاستراتيجية وغير الاستراتيجية؛ و30 منشأة تخزين أصغر حجماً مجاورة للقواعد العسكرية، تحتوي على عشرات الرؤوس التي يمكن تركيبها على الصواريخ أو الغواصات أو السفن أو الطائرات في القواعد؛ وثلاث نقاط للنقل عبر السكك الحديدية يمكن من خلالها نقل الرؤوس الحربية من القطارات إلى الشاحنات وبالعكس. ومن الجدير بالذكر أن الرؤوس الحربية الروسية تُنقل بشكل متكرر للصيانة والفحص الأمني، مما يعني أن نقاط النقل عبر السكك الحديدية هي الأكثر عرضة للخطر، لأن الرؤوس النووية هناك لا تكون في مخابئ آمنة، بل محمية فقط بالهياكل الخارجية للشاحنات والقطارات المدرعة.

في أعقاب الحرب الباردة مباشرة، كان معظم الخبراء يرون أن التهديد الرئيس للمخزونات النووية الروسية يتمثل في هجوم إرهابي محتمل – قد يكفي 12 معتدياً لتنفيذه - وليس في صراع مسلح مع دولة أخرى مجهزة جيداً. وعلى مدار ثلاثين عاماً أمضيتها في قيادة الجهود الثنائية التي يبذلها "البرنامج التعاوني للحد من التهديدات" في سبيل حماية الرؤوس الحربية الروسية، التقيت أكثر من 75 مرة مع قادة المنظمة التابعة لوزارة الدفاع الروسية والمسؤولة عن صيانة الترسانة النووية الروسية وحمايتها. وقد زرت العشرات من مواقع تخزين الرؤوس الحربية النووية الروسية، من بينها تلك الموجودة في بيلغورود وفورونيج، بالقرب من الحدود الروسية مع أوكرانيا. وبحلول عام 2008، بدت الترسانة النووية الروسية آمنة نسبياً من مثل هذا التهديد الإرهابي، بعد تثبيت تحسينات أمنية في جميع مواقع تخزين الرؤوس الحربية ونقاط النقل عبر السكك الحديدية. وقد زُود كل موقع تخزين بثلاث طبقات من الأسوار الأمنية، وأجهزة استشعار تستكشف أي حركة أو محاولة اختراق عند السياج، وأخرى تستعمل موجات الميكرويف، والأضواء، وكاميرات الفيديو، وبوابات أمنية جديدة، ومباني مراقبة مجهزة بالكامل.

لكن هذه التحسينات لم تُصمم لحماية الرؤوس الحربية من هجوم قد تشنه قوة عسكرية مسلحة جيداً، وهي في الواقع غير قادرة على فعل ذلك. عندما بدأت روسيا غزوها الكامل لأوكرانيا، نقلت الحرب التقليدية إلى مواقع قريبة من أماكن تخزين مئات الرؤوس الحربية النووية. فموقع التخزين المركزي في بيلغورود، الذي قد يحتوي على مئات الرؤوس الحربية النووية، يقع على بُعد أقل من 50 كيلومتراً من الحدود الأوكرانية شمال مدينة خاركيف، حيث أثارت روسيا قتالاً عنيفاً. وهو يقع أيضاً جنوب منطقة كورسك مباشرةً، حيث أطلقت القوات الأوكرانية عملية توغل كبيرة إلى داخل روسيا في أغسطس (آب) ولا تزال المعارك مستمرة في المنطقة الآن. لقد أفادت روسيا بأنها أزالت جميع الرؤوس الحربية من هذا الموقع، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت قد فعلت ذلك قبل اندلاع القتال أو بعده. إن نقل الرؤوس الحربية النووية أثناء الحرب التقليدية هو تصرف شديد الخطورة، وسوف يُثبت أن روسيا لم تعد قوة نووية مسؤولة، إذ إن الرؤوس الحربية قد تكون عرضةً لضربة عرَضية من الطائرات المسيرة أو الصواريخ، أو لهجوم متعمد أو للسرقة.

أما موقع التخزين الرئيس في فورونيج، فعلى رغم أنه بعيد بعض الشيء نحو الشرق، إلا أنه لا يزال على مسافة أقل من 300 كيلومتر من الحدود الأوكرانية. وقد حدثت بالفعل عدة هجمات بالطائرات المسيرة على أماكن لا تبعُد أكثر من 150 كيلومتراً عنه.

واستطراداً، خرقت روسيا مبدأ أساسياً مقدساً في أمن الأسلحة النووية حينما أطلقت هجمات ضد أوكرانيا من قواعد عسكرية تخزن فيها رؤوساً حربية نووية، مما يجعل تلك القواعد هدفاً مشروعاً للهجمات المضادة. منذ مارس (آذار) 2022، على سبيل المثال، تستخدم روسيا قاعدة "إنغلز 2" الجوية، الواقعة على بعد 750 كيلومتراً جنوب شرقي موسكو، لشن هجمات بصواريخ "كينجال" على أوكرانيا. هذه الصواريخ ثنائية الاستخدام، مما يعني أنها قادرة أيضاً على حمل رؤوس حربية نووية، ومن المرجح أن يكون هناك العشرات من هذه الرؤوس مخزنة على بعد أقل من أربعة أميال من المدارج الرئيسة في قاعدة "إنغلز 2". يُزعم أن أوكرانيا قد هاجمت هذه القاعدة الجوية بالطائرات المسيرة عدة مرات، بما في ذلك في منتصف سبتمبر (أيلول). ويُعتقد أن روسيا تخزن عشرات الرؤوس الحربية النووية للطائرات القصيرة المدى في قاعدة "ييسك" الجوية، وهي منشأة تقع على الجانب الآخر من بحر آزوف مقابل مدينة ماريوبول مباشرة. وربما تكون العشرات من هذه الرؤوس الحربية مخزنة في موروزوفسك، وهي قاعدة جوية أخرى تبعد أقل من 150 كيلومتراً عن لوهانسك، حيث تخوض القوات الروسية معارك مع القوات الأوكرانية لمحاولة استعادة الأراضي التي خسرتها. وكلما طال أمد الحرب، زادت أخطار وقوع أحد هذه المواقع أو أكثر في مرمى النيران المتبادلة، وهي نتيجة قد تكون لها عواقب مدمرة.

قنبلة موقوتة

إن الهجوم على موقع تخزين لن يؤدي في حد ذاته إلى تفجير نووي للرؤوس الحربية. ولكن إذا كان الرأس الحربي خارج مخبئه لأنه قيد النقل لأغراض الصيانة داخل موقع التخزين أو في نقطة نقل عبر السكك الحديدية، واستُهدف بطائرة مسيرة مسلحة أو صاروخ، فقد يتسبب ذلك في انفجار كبير من شأنه أن يطلق مواد انشطارية ويجعل منطقة تمتد لعدة كيلومترات غير صالحة للسكن طوال سنوات. وقد لا يتمكن المراقبون الدوليون حتى من الحكم على حجم الكارثة التي حدثت، لأن التقارير الروسية حول الحوادث النووية تاريخياً لا يمكن الوثوق بها. وحتى إذا لم تستهدف الضربة رأساً حربياً بشكل مباشر، فقد تتسبب في إلحاق الضرر بأنظمة الأمن النووي أو قتل الحراس، مما يجعل الرؤوس الحربية عرضة للسرقة.

وتصبح الرؤوس الحربية النووية غير آمنة بشكل خاص عندما توجد في نقاط النقل عبر السكك الحديدية الروسية. من غير الواضح ما إذا كانت روسيا حالياً تنقل الرؤوس الحربية عبر أي من هذه المواقع، إلا أنها إذا كانت تفعل ذلك، يمكن لطائرة مسيرة أو حطام من قاذفة أو نظام دفاع جوي روسي أو هجوم صاروخي إصابتها بسهولة. وبالنظر إلى أن روسيا تمتلك مخزوناً من آلاف الرؤوس الحربية، فهناك دائماً عدد منها يُنقل لأغراض الصيانة. قد لا تتمكن أوكرانيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والأقمار الاصطناعية المفتوحة المصدر من التمييز ما إذا كانت روسيا تنقل الرؤوس الحربية للصيانة أو الأمن، أو إلى قاعدة عسكرية تمهيداً لإطلاقها. تخيل لو اكتشفت الولايات المتحدة أو أوكرانيا حركة نقل سرية لرؤوس حربية وفسرتاها على أنها جزء من عملية موجهة ضد أوكرانيا أو دولة عضو في حلف شمال الأطلسي: فسيتعين عليهما عندئذ النظر في استهداف تلك الشحنة بشكل استباقي.

يمكن لمجموعة صغيرة من المقاتلين المتمردين الاستيلاء على الرؤوس الحربية النووية الروسية

وبعيداً من الأخطار المباشرة، فإن تخزين الرؤوس الحربية النووية في منطقة حرب يزيد من احتمالية اتخاذ الكرملين إجراءات تصعيدية. تنص العقيدة النووية الروسية على أن أي هجوم على أي عنصر من عناصر قوتها الردعية يبرر الرد النووي. ليس من الواضح ما إذا كانت ضربة عرضية على موقع تخزين الرؤوس الحربية النووية قد تعتبر تجاوزاً للخطوط الحمراء النووية الروسية، ولكن بوتين سعى أخيراً إلى لفت الانتباه إلى عقيدة التصعيد التي تتبناها بلاده. في الواقع، إن قرب الرؤوس الحربية النووية الروسية من أوكرانيا قد يغري الكرملين ويدفعه إلى تنفيذ عملية "الراية الكاذبة" [عملية تمويه سرية لأهداف عسكرية] على مواقع التخزين الروسية بغرض تبرير هجوم نووي.

لكن ربما يكون أكبر تهديد تشكله مواقع تخزين الأسلحة النووية الروسية الآن هو الخطر الذي كان متوقعاً في الأصل بعد نهاية الحرب الباردة، والمتمثل في إمكانية استيلاء مجموعة صغيرة من المقاتلين المتمردين على الرؤوس الحربية. لا تزال موسكو تواجه تهديدات داخلية من الإرهابيين والانفصاليين وآلاف من مقاتلي "فاغنر" السابقين المنتشرين الآن في أنحاء روسيا وبيلاروس، إضافة إلى أن أفعال روسيا في أوكرانيا قد زادت بشكل كبير من الخطر الذي تشكله هذه التهديدات الطويلة الأمد.

في السادس من أغسطس (آب)، دخلت القوات الأوكرانية الأراضي الروسية وسيطرت على مساحة من منطقة كورسك، وهي مساحة تقع بين موقعين روسيين كبيرين للتخزين (في بريانسك وفورونيج) يحتويان على مئات الرؤوس الحربية. ليست هناك مخاوف من أن يتصرف الجيش الأوكراني بتهور باستخدام الأسلحة نووية غير المحمية، لكنه إذا شن هجوماً أو دفع القوات الروسية بعيداً من موقع التخزين، فقد تتمكن عناصر متمردة من دخول الموقع والاستيلاء على الرؤوس الحربية. على سبيل المثال، قد يرغب أعضاء سابقون في مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية في استخدام مثل هذه الرؤوس ضد أوكرانيا، أو قد يرغب الروس الذين يقاتلون لمصلحة أوكرانيا في مهاجمة مدينة روسية. وقد ينفذ طرف روسي واحد مثل هذه العملية سواء بتوجيه من السلطات الروسية أو من دونه. ومع انشغال الجيش الروسي في أوكرانيا، قد لا تتوافر لدى موسكو قوات عسكرية للرد على هجوم على موقع تخزين الرؤوس الحربية أو قافلة تحملها.

استعادة الثقة

من أجل حماية ترسانتها النووية بشكل فعلي، ينبغي على روسيا أن تنهي هجومها ضد أوكرانيا والصراع المعقد العابر للحدود الذي تسبب به غزوها. ولكن في ظل عدم وجود أي نهاية فورية للحرب في الأفق، يجب اتخاذ خطوات عاجلة وفورية في أسرع وقت ممكن. على المدى القريب، يجب على روسيا إزالة رؤوسها النووية من أي قاعدة تقع بالقرب من مناطق العمليات الحربية أو القواعد التي تُستخدم لشن الهجمات التقليدية. حتى الآن، فشلت روسيا في نقل رؤوسها النووية إلى أماكن آمنة. وهي تعتقد أن تفوقها في الأسلحة النووية غير الاستراتيجية يسهم في ردع التصعيد الأوكراني والغربي ضدها. ولكن في الحقيقة، إذا كانت ترغب في الحفاظ على هذا التفوق، فيجب عليها إنهاء الحرب أو نقل الرؤوس النووية إلى مواقع أكثر أماناً. لا يعتمد الردع النووي على وضع الرؤوس الحربية في الخطوط الأمامية التابعة لدولة ما. وفي الواقع، تحافظ الدولة على قوة ردعها النووية بشكل أفضل إذا خزنت أسلحتها النووية بعيداً من مناطق الخطر.

إذاً، يتعين على روسيا أن تسهل فوراً نقل جميع رؤوسها النووية الموجودة على بُعد 800 كيلومتر من الحدود الأوكرانية إلى مواقع تخزين تقع شرق جبال الأورال. وتُعد الصين، التي أصبحت شريكاً رئيساً لروسيا منذ بدء الحرب، في أفضل وضعية للضغط على موسكو في هذه النقطة، إذ بإمكانها دفع القادة الروس لحماية رؤوسهم الحربية من خلال مناقشات ثنائية أو في إطار منتدى الدول الخمس النووية. في النهاية، لا يمكن للصين أن تعتبر روسيا قوة نووية جديرة بالثقة، أو شريكاً، إذا لم تستطع موسكو حماية رؤوسها النووية في أماكن بعيدة من العمليات العسكرية.

إن الدول الأخرى الموقعة على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، فضلاً عن أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، قادرة أيضاً على ممارسة الضغط على موسكو. إذا لم توافق روسيا على نقل رؤوسها النووية حتى بعد إثارة مجموعة الدول النووية الخمس والأمم المتحدة لهذه المخاوف، فإن اتخاذ إجراءات صارمة مثل إقصاء روسيا بشكل موقت أو دائم من مجلس الأمن الدولي ستكون مبررة. وباعتبارها دولة موقعة على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، فقد تدعم الصين مثل هذا الإجراء، إذ لا يمكن لبكين أن تتحمل وقوع أي حادث نووي نتيجة الحرب في أوكرانيا، لأن ذلك سيجعل برنامجها النووي المتنامي موضع تدقيق أكبر. يجب على العالم إقناع روسيا بأنها تعرض للخطر سمعتها كدولة نووية مسؤولة، إذ إن إدارتها لترسانتها النووية خلال فترة العامين ونصف العام الماضية تنتهك بوضوح المبادئ الأساسية التي يُتوقع من الدول النووية الالتزام بها.

 

ويليام أم. مون شغل منصب قائد فريق "وكالة خفض التهديد الدفاعي" في "القيادة العسكرية الأميركية في أوروبا" من عام 2016 إلى عام 2019. وبين عامي 1995 و2013، كان مدير برنامج "الأمن النووي الروسي" ضمن البرنامج "التعاوني للحد من التهديدات" في "وكالة تخفيض التهديدات الدفاعية" التابعة لوزارة الدفاع الأميركية.

مترجم عن "فورين أفيرز"، 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024

المزيد من آراء