ملخص
يتعرض كبار السن بصورة خاصة للاحتيال الإلكتروني، إذ يقوم المحتالون بالتلاعب بهم عبر الإنترنت، فينتج من ذلك خسائر مالية وصحية كبيرة، على رغم تركيز الجهود على حماية الأطفال من أخطار الإنترنت، يجب أن يكون التركيز أيضاً على دعم الأجيال الأكبر سناً وتعليمهم كيفية حماية أنفسهم من هذه الأخطار.
كل يوم تقريباً يلجأ أشخاص إلى موقع "ريديت" للأخبار الاجتماعية، وتحديداً إلى مجتمع "سكامز" Scams (وهو منتدى فرعي يتبادل فيه المستخدمون معلومات وخبرات تتعلق بالاحتيال والتصيد الإلكتروني)، بحثاً عن نصائح ودعم لحماية آبائهم أو أجدادهم من فخاخ الاحتيال الإلكتروني، إذ يعاني كبار في السن بصورة خاصة تعرضهم لمحتالين ومتصيدين، يتظاهرون بأنهم إما شركاء عاطفيون، أو مسؤولون حكوميون، أو أشخاص يقدمون عروضاً مغرية يصعب تصديقها.
جاء في إحدى المشارَكات على منتدى "سكامز" ما يأتي: "باختصار، إن والدي البالغ من العمر 73 سنة أصبح مهووساً بامرأة تدعى ميليسا، يفترض أنها تبلغ من العمر 43 سنة، وتواصلت معه عبر حسابه على موقع ’فيسبوك‘. وبسبب قلة خبرته في مجال التكنولوجيا، فقد أصدقاءه، وخسر منزله، وأهمل تغذيته وصحته، وتدهورت علاقاته الأسرية على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة، كل ذلك لأن تلك المليونيرة المزعومة من ألمانيا ادعت أنها تحبه وترغب في الزواج منه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إنها حالة مأسوية ومؤلمة، لكنها أصبحت شائعةً للغاية، فهناك أولاد وأحفاد يشاركون الناس قصصاً عن أحبائهم الذين يضحون في كثير من الأحيان، ليس فقط بمبالغ كبيرة من المال، بل أيضاً بصحتهم ورفاهيتهم النفسية أيضاً. وغالباً ما تنتهي هذه القصص بقطع الروابط العائلية، بحيث يرفض الضحايا تصديق أنهم تعرضوا للتلاعب والاستغلال.
وعلى رغم خطورة المشكلة، إلا أنه لا يطرح كثير من النقاش حول مسألة تنظيم استخدام الإنترنت لحماية المستخدمين الأكثر عرضة للخطر. وبدلاً من ذلك تظل جهود السلامة عبر الإنترنت التي يبذلها ناشطون وغيرهم من المجموعات المعنية، تركز على تعقب المحتالين بدلاً من دعم الضحايا الذين يقعون فريسة لهم.
في المقابل هناك دفع مستمر في إطار حملة على المستوى العالمي، يقوم بها سياسيون ومشرعون وجهات تنظيمية، للحد من استخدام الأطفال للإنترنت. هؤلاء يرون أن التكنولوجيا بطبيعتها هي غير آمنة، وأنه يجب توفير حماية للشباب من أخطارها.
وفي الأسبوع الماضي، أثارت أستراليا ضجة إعلامية واسعة بقرارها المفاجئ فرض حظر كامل على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للأفراد الذين تقل أعمارهم عن 16 سنة.
وتشير أنباء صدرت الإثنين إلى أن حكومة المملكة المتحدة تدرس دعم مشروع قانون خاص في البرلمان يقترح فرض حظر مماثل في بريطانيا، وأفادت صحيفة "تايمز" بأن الحكومة تناقش هذه الخطوة استجابة لمطالب متزايدة من جانب الآباء الذين يطالبون بفرض ضوابط أكثر صرامة في المجال الإلكتروني بالنسبة إلى صغارهم. وتزعم مجموعة حملة "طفولة بلا هواتف ذكية" Smartphone Free Childhood )التي تطالب بإحداث تحول في طريقة تفاعل الأطفال مع الهواتف الذكية(، بأن لديها 150 ألف عضو يعملون على تحقيق هذا التغيير الثقافي.
يشار إلى أن رئيس الوزراء الأسترالي أنطوني ألبانيز، كان ذكر الأهل - عند إعلان التشريع الجديد المتعلق بالأطفال - لكن باعتبارهم طرفاً معنياً بالموضوع، وليس باعتبار أنهم هم أيضاً يحتاجون إلى الحماية. وقال: "لقد تحدثت مع آلاف الآباء والأجداد والعمات والأعمام، ورأيت أنهم مثلي يشعرون بقلق شديد على سلامة أطفالنا على الإنترنت".
لكن هؤلاء الآلاف من الآباء والأجداد والعمات والأعمام ينبغي أن يكونوا قلقين بالمقدار نفسه على سلامتهم، فالشباب والكبار في السن على حد سواء لديهم كثير مما يمكن أن يقوموا بتبادله بين بعضهم بعضاً، وتظهر البيانات أنهم يرغبون فعلاً في القيام بذلك. ففي العام الماضي، أظهرت دراسة أجراها "مركز الإنترنت الآمن في المملكة المتحدة" UK Safer Internet Centre (وهو منظمة تعنى بتعزيز السلامة على الإنترنت وتعمل مع مؤسسات ناشطة في هذا المجال ومع مقدمي الرعاية) في إطار حملة بعنوان "يوم الإنترنت الآمن" Safer Internet Day، أن نحو 57 في المئة من الشباب يعتقدون أن لديهم دوراً في المساعدة في تثقيف آبائهم ومقدمي الرعاية، في شأن طريقة الحفاظ على سلامتهم على الإنترنت.
من جهة أخرى، كشفت دراسة منفصلة أجرتها شركة تشغيل شبكات الهاتف المحمول "فودافون"، عن أن ما يقرب من نصف الآباء يعتقدون أن أطفالهم يصبحون أكثر دراية منهم بالتكنولوجيا، بحلول سن الـ12.
هذا يعني أن كثيراً من الشباب يتصفحون شبكة الإنترنت والفضاء الرقمي بطرق تفوق فهم آبائهم لها، مع ما يترتب عن ذلك من أخطار كبيرة. ويؤكد الخبراء أن الفضاء الإلكتروني مليء بالأخطار، بما فيها التحرش الجنسي على نطاق واسع، ومحتوى الاعتداء الجنسي على الأطفال - وهي قضايا أكثر انتشاراً وأوسع نطاقاً مما تتناوله وسائل الإعلام في كثير من الأحيان.
وفي مواجهة ذلك، استجابت الشركات المزودة لخدمة الإنترنت للمطالبات في هذا المجال، من خلال تقديمها أدوات تتيح للآباء مراقبة أنشطة أطفالهم عبر الإنترنت، بينما ركز المدافعون عن حقوق الأطفال على تثقيف كل من الآباء والشباب على حد سواء، في ما يتعلق بالسلامة على الإنترنت.
هذا الأسبوع، وعلى الطرف الآخر من الكرة الأرضية، سعى كثيرون إلى تحليل نتيجة الانتخابات الأميركية، من خلال درس التركيبة السكانية للولايات المتحدة، ومحاولة فهم الطريقة التي تنظر من خلالها كل فئة من الفئات الاجتماعية الأميركية إلى العالم من حولها.
وفي السياق نفسه، طرحت مجلة "نيو ريبابليك" New Republic الأميركية السؤال الآتي: "كيف خسرت المرشحة ’الديمقراطية‘ كامالا هاريس الناخبين الشباب إلى هذا الحد؟"، ورأت أن هذا الابتعاد عن "الديمقراطيين" يمكن أن يعزى جزئياً إلى اعتماد هؤلاء الشباب على الوسائط الإعلامية المضللة والرديئة التي يتابعونها. وأشارت المجلة إلى أن هذا الأمر "نسف بعض الأوهام السائدة التي تقول إن ’جيل زد‘ Gen Z (الأشخاص الذين ولدوا في الفترة الممتدة من منتصف التسعينيات إلى أوائل عام 2010) - الذي ينطوي على أفراد يقرأون عدداً أقل من الكتب، ويستوعبون معلومات أقل، ويعتمدون بصورة أساس على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار - ربما ليسوا أكثر تقدماً من الأجيال السابقة كما كان يعتقد.
وفي هذا الإطار سلط عدد من الأشخاص الضوء على نوعية المحتوى الجذاب، والخطر الذي يمكن أن يتعرض له الشباب عندما يدخلون إلى عالم الإنترنت. ويتنوع المستهدفون بين أولئك الذين يتعرضون للمحتوى السام الذي تروج له بصورة واضحة شخصيات معروفة (مثل أندرو تيت المعروف على وسائل الإعلام الاجتماعية بكراهيته للنساء وبأنه متهم بالاغتصاب)، وأولئك الذين يتعرضون لمحتوى غالباً ما يفهم بصورة خاطئة (مثل الذي يقدمه جو روغان الذي يستضيف بودكاست The Joe Rogan Experience). ودافع بعض منهم عن ضرورة وجود حركة موازية تهدف إلى نشر أفكار تقدمية عبر الإنترنت، في حين اعتبر آخرون أن نتيجة الانتخابات كان سببها ببساطة تأثير الإنترنت سلباً في فئة الشباب.
ومن بين النجاحات الكبرى التي حققها اليمين، هو تبني الإنترنت كمنصة لنوع جديد من المحتوى، وهو ما نجح فعلاً في القيام به. وفي المقابل استغل مروجو المعلومات المضللة أيضاً هذه الفرصة، فعملوا على نشر نظريات المؤامرة التي يتم في كثير من الأحيان قبولها من المتلقين، وأخذها على محمل الجد.
إن حظر الشباب من استخدام الإنترنت لن يمنع هذا النوع من التدخل أو غيره من الأنشطة الجرمية الصريحة التي تحدث عبر الشبكة الإلكترونية.
يبقى القول أخيراً إن النهج الأكثر نجاعة يكمن في تقديم الدعم المدروس والمتعاطف ذاته للأجيال الأكبر سناً: مع التركيز على التعاطف بدلاً من الإدانة. ويتعين علينا السعي إلى بناء بيئة إنترنت أكثر أماناً وإيجابية، بدلاً من المعالجة التي تحصل الآن، والمقتصرة على تقييد الوصول إلى الفضاء الرقمي.
© The Independent