ملخص
استفاد المتمردون السوريون من ضعف الأسد وحلفائه لشن هجوم مفاجئ على حلب، التطور من شأنه تهديد الاستقرار الإقليمي وسط تدخلات دولية وتحذيرات من تفاقم الأزمة.
عادت الحرب الأهلية السورية التي تجاوزت عامها الـ13 لواجهة الأحداث من جديد، بعدما شن متمردون هجوماً مفاجئاً للسيطرة على مدينة حلب الشمالية، في خطوة تمثل تحدياً وتهديداً كبيراً للنظام الاستبدادي الذي يقوده الرئيس بشار الأسد.
وتعد السيطرة على ثاني أكبر مدن البلاد تطوراً بارزاً هو الأكثر أهمية منذ أعوام عدة، وتشكل تحولاً كبيراً في مسار الحرب التي شهدت حالاً من الجمود النسبي منذ عام 2020، التي تجاوزت آثارها المزعزعة للاستقرار ما هو أبعد من الحدود السورية.
التطور الميداني الأخير هو أول هجوم للمعارضة على مدينة حلب منذ عام 2016، بعدما أسهمت حملة جوية روسية مدمرة في تمكين الرئيس السوري بشار الأسد من استعادة السيطرة على المدينة الشمالية. وكان الدعم المقدم من روسيا وإيران و"حزب الله" وحلفاء آخرين، محورياً في الحفاظ على نفوذ النظام في المناطق التي ما زالت خاضعة لسيطرته داخل سوريا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في ما يأتي نظرة على بعض الجوانب الرئيسة للقتال الجديد:
ما آخر المستجدات؟
مع تواصل الاشتباكات الأحد الماضي، دفعت القوات السورية بتعزيزات في محاولة لوقف تقدم المتمردين إلى المناطق الريفية المحيطة بحماة. وهذه المدينة - التي زعم المتمردون أنهم تسللوا إليها هي الأخرى - تبعد نحو 30 ميلاً (48 كيلومتراً) عن حمص لجهة الشمال، على الطريق المؤدية إلى العاصمة السورية دمشق.
وتقود قوات المتمردين "هيئة تحرير الشام"، وهي جماعة إسلامية برزت كأقوى فصيل عسكري داخل صفوف المعارضة السورية، كما أشارت تقارير إلى مشاركة مجموعات علمانية مسلحة مدعومة من تركيا في القتال.
وبحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان" الذي يتخذ من المملكة المتحدة مقراً له، قالت الحكومة السورية إنها أنشأت "خط دفاع قوي" في مدينة طيبة الإمام وبلدات في ريف حماة الشمالي، وإن الجيش صد المتمردين خلال الليل بإرسال تعزيزات ثقيلة.
ويوم الأحد الماضي، قامت طائرات روسية وسورية باستهداف معاقل للمتمردين في إدلب ومناطق الشمال السوري، وذلك لليوم الثاني على التوالي، فيما أفاد مراقبون مستقلون بوقوع خسائر بشرية كبيرة في صفوف المدنيين.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن سلسلة من الغارات الجوية شنتها طائرات مقاتلة روسية على مدخل مستشفى الجامعة في مدينة حلب أسفرت عن مقتل 12 شخصاً وجرح 23 آخرين.
وقال قائد من الثوار العقيد حسن عبدالغني إن المتمردين تقدموا في الريف حول إدلب، وفرضوا سيطرتهم على كامل المحافظة، ولم يتسن التأكد من هذه المعلومات بصورة مستقلة.
انتشرت المركبات العسكرية التي تركتها القوات السورية على الطرق في خان شيخون بمحافظة إدلب، بينما كان الناس يقفون ويلتقطون الصور فوق دبابة مهجورة على طريق سريع.
ما التبعات المترتبة على هذا التمرد؟
ويهدد التصعيد الأخير بإعادة فتح جبهة عنيفة أخرى في منطقة الشرق الأوسط، في وقت تخوض فيه إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة معركة مع حركة "حماس" الفلسطينية في غزة، بينما أعلنت أخيراً وقفاً لإطلاق النار مع "حزب الله" في لبنان، وكلاهما حليف لإيران.
ودعت الحكومات الغربية إلى ضبط النفس وخفض التصعيد، إذ قالت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا إنها تتابع الوضع عن كثب.
من جهته، حذر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، من أن تصعيد الموقف يشكل "خطراً كبيراً على المدنيين، وله عواقب وخيمة على السلام والأمن الدوليين".
بينما قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إن الولايات المتحدة تراقب الوضع عن كثب، وذلك خلال مداخلة له في برنامج "حالة الاتحاد" على شبكة "سي إن إن".
وأوضح أن الجماعة المتمردة مصنفة كمنظمة إرهابية من الولايات المتحدة، وأن واشنطن لديها "مخاوف حقيقية في شأن هيكلية وأهداف تلك المنظمة".
وأضاف "في الوقت نفسه، بالطبع، لا نبكي على حقيقة أن حكومة الأسد، بدعم من روسيا وإيران و’حزب الله‘، تواجه ضغوطاً مماثلة".
روبرت فورد وهو آخر سفير للولايات المتحدة لدى سوريا، أشار إلى أن وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه إسرائيل أخيراً مع "حزب الله" في لبنان، بعد أشهر من الضربات على أهداف سورية وأخرى تابعة للحزب، أوجد ظرفاً ملائماً سمح للمتمردين السوريين بتحقيق تقدمهم الأخير.
وعلى مدى 13 عاماً خاض بشار الأسد حرباً مع قوى المعارضة السورية التي تسعى إلى إطاحة نظامه، في صراع أسفر عن مقتل ما يقدر بنحو 500 ألف شخص. وعلى مدار الحرب، فر نحو 6 ملايين و800 ألف سوري إلى خارج البلاد، واستقر غالبهم في تركيا المجاورة. وبحلول العام الماضي، حصل نحو مليون و300 ألف سوري على الحق في اللجوء إلى دول في الاتحاد الأوروبي.
في غضون ذلك، لا تزال مساحة تقدر بنحو 30 في المئة من الأراضي السورية خارج سيطرة الأسد، وتخضع لنفوذ مجموعة من قوى المعارضة إلى جانب قوات أجنبية. ولدى الولايات المتحدة نحو 900 جندي في شمال شرقي سوريا، بعيداً من حلب، لمنع عودة ظهور جماعة "داعش" الإرهابية الإسلامية.
يشار إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل تشنان من حين إلى آخر ضربات في سوريا، تستهدف قوات النظام والميليشيات الموالية لإيران. وتحتفظ تركيا بوجود عسكري لها في الأراضي السورية، وتمارس نفوذاً على التحالف الواسع لقوات المعارضة التي تقدمت نحو مدينة حلب.
ويأتي هذا الهجوم الجديد بعد أعوام من الاستقرار النسبي في خطوط المواجهة بين الفصائل المتحاربة. ووفقاً لتشارلز ليستر من مركز أبحاث "معهد الشرق الأوسط" Middle East Institute في الولايات المتحدة، فإن هذا التطور "يمكن أن يكون بالغ الأهمية، وربما يشكل تحولاً جذرياً"، إذا ما تبين أن القوات الحكومية السورية غير قادرة على الصمود والمحافظة على مواقعها".
ومن بين المخاوف التي طرحها تشارلز ليستر تساؤله عما إذا كان مقاتلو تنظيم "داعش" قد يعتبرون الهجوم فرصة لمعاودة ممارسة نشاطهم أم لا.
في الوقت نفسه، لفت السفير السابق فورد إلى أن الاشتباكات السورية المتجددة قد تتصاعد أكثر، مما قد يؤدي إلى زعزعة أوسع للاستقرار في المنطقة، خصوصاً إذا أدت إلى وقوع مواجهات عنيفة ومباشرة بين روسيا وتركيا، اللتين لديهما مصالح استراتيجية في سوريا وتسعيان إلى الحفاظ عليها.
ماذا نعرف عن الجماعة التي تقود التمرد؟
صنف كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة "هيئة تحرير الشام" على أنها منظمة إرهابية، وهو تصنيف ما زال قائماً منذ أعوام عدة. وبرز أبو محمد الجولاني قائد الجماعة عام 2011 كزعيم لفرع تنظيم "القاعدة" في سوريا، خلال المراحل الأولى من الصراع. إلا أن مشاركته لقيت مقاومة عدد من الفصائل الأخرى داخل المعارضة السورية، التي سعت إلى إبقاء نضالها ضد النظام القمعي لبشار الأسد في منأى عن تأثير التطرف العنيف.
الجولاني الذي تبنى في بداياته المسؤولية عن تفجيرات دامية في سوريا، وتعهد بمهاجمة القوات الغربية هناك، لجأ أيضاً إلى استخدام الشرطة الدينية لفرض قواعد اللباس المحتشم على النساء.
لكن خلال الأعوام الأخيرة، سعى إلى تغيير صورته، إذ أعلن عام 2016 فك ارتباطه بتنظيم "القاعدة"، وحل الشرطة الدينية، واتخذ خطوات للحد من نفوذ الجماعات المتطرفة في المناطق التي تسيطر عليها جماعته. كما حاول تقديم نفسه كمدافع عن التعددية الدينية، بما في ذلك السماح بإقامة أول قداس مسيحي في مدينة إدلب منذ أعوام.
ما تاريخ حلب في الحرب؟
كانت مدينة حلب تاريخياً ملتقى طرق للتجارة والإمبراطوريات، وشكلت على مدى آلاف الأعوام مركزاً رئيساً لحركة التبادل التجاري والثقافي في منطقة الشرق الأوسط.
وقبل اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، كان عدد سكان حلب نحو مليونين و300 ألف نسمة. وفي عام 2012، سيطرت فصائل المعارضة المسلحة على الجزء الشرقي من المدينة، مما جعلها رمزاً قوياً لصعود هذه الفصائل وزخمها العسكري.
لكن في عام 2016، فرضت القوات الحكومية السورية حصاراً على مدينة حلب، بدعم مكثف من الغارات الجوية الروسية. ودمرت المدفعية الروسية والصواريخ والبراميل المتفجرة - وهي عبارة عن عبوات وقود مملوءة بالمتفجرات والشظايا - أحياء بكاملها، بصورة ممنهجة. وأمام وطأة الحصار والمجاعة، اضطر المتمردون إلى الاستسلام وتسليم المدينة في ذلك العام.
وكانت مشاركة الجيش الروسي في القتال بمثابة نقطة تحول مفصلية في الصراع، إذ مكنت الأسد من تعزيز قبضته على المناطق التي لا تزال تخضع لسلطته.
تبقى الإشارة أخيراً إلى ما ذكرته إحدى المجموعات المراقبة المستقلة عن أن غارات جوية إسرائيلية استهدفت في حلب هذه السنة مواقع تخزين أسلحة تابعة لـ"حزب الله" وقوات سورية، من بين مواقع أخرى. وعادة ما تمتنع إسرائيل عن تبني مسؤولية الغارات على حلب، أو غيرها من المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية.
© The Independent