ملخص
شكل الدولار نحو 88 في المئة من جميع التداولات في سوق العملات الأجنبية الذي تبلغ قيمته 7.5 تريليون دولار يومياً
شهد الدولار ارتفاعاً جديداً أمس الإثنين في مستهل أسبوع حاسم لمستقبل خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، مدعوماً بتصريحات من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.
وفي تحول مفاجئ بنبرة خطابه، طالب ترمب السبت الماضي أعضاء مجموعة "بريكس" بالالتزام بعدم إنشاء عملة جديدة أو دعم أية عملة أخرى قد تحل محل الدولار، مهدداً بفرض رسوم جمركية بنسبة 100 في المئة على الدول المخالفة.
ويرى بعض الاقتصاديين أن هذه التهديدات قد تأتي بنتائج عكسية، إذ يمكن أن تدفع دول "بريكس" إلى تسريع خطواتها نحو تقليل الاعتماد على الدولار وتعزيز التعاون الاقتصادي في ما بينها.
ويمثل هذا التصعيد من جانب ترمب تحولاً عن موقفه السابق الذي كان يدعو إلى إضعاف الدولار لمواجهة الحروب التجارية، مما أدى إلى تراجع اليوان الصيني إلى أدنى مستوى له منذ ثلاثة أشهر عند 7.2662 في مقابل الدولار، بينما سجلت الروبية الهندية أدنى مستوياتها على الإطلاق.
وقال مارك سوبل، الذي يتمتع بخبرة 40 عاماً في سياسات العملات وعمل سابقاً في وزارة الخزانة الأميركية، لموقع "بيزنس تايمز"، إن هيمنة الدولار على الساحة العالمية تبدو مستمرة في المستقبل المنظور، واصفاً فكرة إنشاء عملة موحدة بين الدول الناشئة بأنها "مجرد كلام فارغ."
مع ذلك يرى بعض المراقبين أن تصريحات ترمب قد تزيد من احتمال توقيع مثل هذه الاتفاقات، إذ تسعى الدول إلى البحث عن بدائل تقلل من اعتمادها على الدولار.
ويعكس هذا التباين في الرؤى تحديات الدول الناشئة في تقليل اعتمادها على العملة الأميركية، وسط استمرار الدولار كعملة رئيسة للاحتياطات الدولية والتجارة العالمية.
تصريحات وتقلبات في الأسواق العالمية
من جانبه قال المحلل الاستراتيجي في بنك أستراليا الوطني في سيدني رودريغو كاترل، "يظل الدولار الأميركي مهيمناً لأسباب عدة، فهو العملة الأكثر سيولة في العالم ويجري تداوله بحرية، كما أنه يمثل عملة الإقراض العالمية."
وأضاف كاترل أن الضغط المتزايد الذي يمارسه الرئيس الأميركي المنتخب على دول مجموعة "بريكس"، قد يدفعها إلى تسريع خطواتها نحو تقليل الاعتماد على الدولار.
في حين تظهر التقلبات الحادة التي أعقبت تصريحات ترمب مدى تأثير كلماته في الأسواق المالية، فخلال فترته الأولى تسببت منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تنشر في جميع الأوقات، في تحركات مفاجئة بالأسواق، مما أربك جداول عمل المستثمرين ونمط حياتهم حول العالم.
مع ذلك يرى بعض المشاركين في الأسواق أن التأثير القصير الأجل لهذه التصريحات قد يتلاشى، مشيرين إلى أن التراجع عن هذه المواقف قد يحدث بالسرعة نفسها التي ظهرت بها.
وكتب الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية والمسؤول السابق في وزارة الخزانة الأميركية خلال رئاسة باراك أوباما براد ستسر، تعليقاً على منصة "إكس" عقب منشورات دونالد ترمب، "هذا ليس مظهراً جيداً، إن هذه التصريحات ترفع بصورة غير مباشرة تهديداً غير جدي، وتوحي بضعف الثقة في الدولار."
عدم اليقين السياسي في فرنسا
تراجعت العملة الأوروبية الموحدة بنسبة 0.4 في المئة لتصل إلى 1.0532 دولار بعد انتعاشها بنسبة 1.5 في المئة الأسبوع الماضي، مبتعدة من أدنى مستوى لها خلال عام عند 1.0425 دولار.
وتزامن هذا التراجع مع حال من عدم اليقين السياسي في فرنسا، إذ يواجه رئيس الوزراء ميشيل بارنييه احتمال تصويت بحجب الثقة وسط خلافات حول الموازنة مع حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، وأدى ذلك إلى ارتفاع العوائد الفرنسية لتضاهي تلك المسجلة في اليونان، فيما بلغ الفارق مع العوائد الألمانية أعلى مستوى منذ عام 2012.
وبحسب أحدث مسح ثلاثي أجراه بنك التسويات الدولية ونشر في عام 2022، شكل الدولار الأميركي نحو 88 في المئة من جميع التداولات في سوق العملات الأجنبية الذي تبلغ قيمته 7.5 تريليون دولار يومياً.
في المقابل تسيطر دول مجموعة "بريكس" على أكثر من 40 في المئة من احتياطات البنوك المركزية حول العالم، وناقشت خلال اجتماعاتها وسائل لتقليل الاعتماد على الدولار، وتشمل هذه الوسائل فكرة إنشاء عملة موحدة للاستخدام بينها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم المناقشات حول تقليل الاعتماد على الدولار، فإن محاولات الإطاحة به كعملة مهيمنة تظل أصعب مما تبدو عليه، فلا يزال الاقتصاد الأميركي يتمتع بحجم وقوة لا مثيل لهما، وتعد سندات الخزانة الأميركية واحدة من أكثر الوسائل أماناً لتخزين الأموال، إضافة إلى ذلك يظل الدولار المستفيد الأساس من تدفقات الملاذ الآمن خلال الأزمات.
وقالت رئيسة قسم الدخل الثابت في شركة "أفاندا لإدارة الاستثمارات" في سنغافورة سيندي لاو، "بالنظر إلى هذا التهديد المحدد، لا يبدو أنه واقعي واحتماليته منخفضة، لكنه يذكر بأن الرئيس المنتخب ترمب يرغب في الحفاظ على الدولار كعملة احتياط ولن يقدم على خفض قيمته بصورة استباقية".
وأضافت "هذا يؤكد أيضاً فكرتنا بأن الرسوم الجمركية ستظل تستخدم كتهديد في فترة رئاسة ترمب المقبلة، لتحقيق أهدافه وكأداة تفاوض قوية، على رغم أنه لا يوجد تهديد فوري لهيمنة الدولار، إلا أن التوقعات على المدى الطويل أقل يقيناً".
يترقب المستثمرون تقرير الوظائف لنوفمبر (تشرين الثاني) الماضي الذي سيصدر يوم الجمعة، إذ تشير التوقعات إلى زيادة بواقع 195 ألف وظيفة بعد التأثير السلبي لعوامل الطقس والإضرابات في تقرير أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. كما يتوقع أن يرتفع معدل البطالة إلى 4.2 في المئة مقارنة بـ4.1 في المئة، مما يدعم توقعات الاحتياط الفيدرالي بخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعه المقبل يوم الـ18 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري.
الين يقلص خسائره
وارتفع الدولار بنسبة 0.4 في المئة في مقابل الين ليصل إلى 150.71 ين، بعد فقدان 3.3 في المئة الأسبوع الماضي، وهي أسوأ خسارة منذ يوليو (تموز) الماضي. من جانبه أشار محافظ بنك اليابان كازو أويدا إلى أن رفع أسعار الفائدة بات قريباً مع تحسن البيانات الاقتصادية، إذ أظهرت الأرقام الأخيرة زيادة قوية في الاستثمار التجاري بنسبة 8.1 في المئة خلال الربع الثالث من العام الحالي.
وفي ما يتعلق بمنطقة اليورو من المتوقع أن يخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة هذا الشهر، مع وجود فرصة بنسبة 27 في المئة لخفض إضافي بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماعه المقرر في الـ12 من ديسمبر الجاري.
ويتوقع أن يستفيد الدولار من عدم اليقين في أسواق العملات العالمية، مدعوماً بتصريحات ترمب وتوقعات السوق في شأن سياسات الفائدة في الولايات المتحدة، في حين يواجه اليورو والين تحديات مختلفة مرتبطة بالسياسات النقدية والاقتصادية المحلية.