Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التمادي في الخروق بجنوب لبنان: من يمنع سقوط اتفاق وقف النار؟

يزداد الحديث عن ورقة ضمانات أميركية تمنح إسرائيل حرية الحركة

جنود إسرائيليون ينظفون مدفع دبابة على الحدود مع لبنان، في 3 ديسمبر الحالي (رويترز)

ملخص

يفتقر اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل إلى الآليات التنفيذية الرادعة، وسط تساؤلات حول دور لجنة المراقبة، وإمكان تحولها إلى آلية لتعداد الاختراقات الإسرائيلية. وخلال أسبوع من الزمن، تعرض الاتفاق لقرابة 100 خرق، تراوحت بين غارات واغتيالات وقصف مدفعي وتدمير قرى وتجريف بيوت.

تسود خشية في لبنان من احتمالية سقوط الهدنة، وعودة البلاد إلى دائرة النار والاستهداف الإسرائيلية بسبب الخلاف على تأويل طبيعة ورقة "إعلان وقف الأعمال العدائية"، وحدود مبدأ الدفاع عن النفس، وتأثير "ورقة الضمانات الأميركية" التي تعطي إسرائيل حرية الحركة في لبنان.

نصوص مبهمة

وتسري جملة تساؤلات في شأن متن البند الثاني من الإعلان، الذي يقول، "ستمنع الحكومة اللبنانية 'حزب الله' وجميع الجماعات المسلحة الأخرى في الأراضي اللبنانية من تنفيذ أي عمليات ضد إسرائيل، ولن تنفذ إسرائيل أي عمليات عسكرية هجومية ضد أهداف لبنانية، بما في ذلك أهداف مدنية أو عسكرية أو أهداف تابعة لدول أخرى، في الأراضي اللبنانية عن طريق البر أو الجو أو البحر". في هذا النص، جاء الالتزام اللبناني على إطلاقه، فيما تمتنع إسرائيل عن العمليات الهجومية، فما هو مفهوم الأعمال الدفاعية وفق هذا الإعلان وما حدوده؟ وفيما يفتح البند الرابع الباب أمام مزيد من التأويل، عندما يشير إلى أنه "لا تمنع هذه الالتزامات إسرائيل أو لبنان من ممارسة حقهما الأصيل في الدفاع عن النفس، بما يتفق مع القانون الدولي"، حيث جاء هذا البند على إرساله، معطياً حق الدفاع للطرفين، أي شرعنة الضربات والضربات المضادة في أحوال محددة، وهذا الغموض تستغله إسرائيل حتى اللحظة من أجل تفسير الإعلان وفق إرادتها، وتنفيذه وفق مصالحها.

الخروق مستمرة

في جردة أولية لأسبوع الهدنة الهشة، اخترقت إسرائيل السيادة اللبنانية أكثر من 100 مرة، وهو ما تسبب بسقوط عدد كبير من الضحايا. فخلال 24 ساعة، بتاريخ الثاني من ديسمبر (كانون الأول)، قتلت الغارات الإسرائيلية 11 لبنانياً من خلال استهداف العنصر في جهاز أمن الدولة، مهدي خريس، وعائلتين في قريتَي حاريص وطلوسة، ومزارع في بلدة شبعا.
وفرضت الأحداث الأخيرة، خيارات أحلاها مر، بين نجاح إسرائيل في استدراج "حزب الله" إلى شن هجمات واعتبارها ذريعة لعودة الحرب بصورة لا تفرق بينه وبين الدولة اللبنانية، أو إلزامه الصمت على الخروق والخضوع لشروطها، وتكريس معادلة "إسرائيل تضرب بحرية وقوة، والحزب يحتفظ بحق الرد المؤجل في الزمان والمكان".
في الموازاة، تحاول إسرائيل تفسير الإعلان على أرض الواقع مستخدمة القوة والنار، حيث توسع دائرة التسلل البري في القرى الحدودية الجنوبية. ويشير العميد الركن الطيار المتقاعد في الجيش اللبناني، أندريه بو معشر، إلى أن "العدو الإسرائيلي يحاول فرض قواعد اشتباك لم يُجزها اتفاق وقف إطلاق النار إن لجهة، تسيير المسيرات، وإقامة مناطق عازلة، وفرض منع التجوال، ومنع المدنيين من العودة إلى قراهم، واستهداف مدنيين لا علاقة لهم بالعمليات العسكرية"، مؤكداً عدم وجود بند يمنح إسرائيل حرية الحركة أو تنفيذ عمليات استباقية.         


الاتفاق "ليس اتفاقاً"

ويسود انطباع في لبنان بأن "اسرائيل تواصل الحرب رغم إعلان وقف الأعمال العدائية، وسط تساؤلات حول دور الراعي الأميركي في ردع التصعيد الإسرائيلي"، هذا ما يعكسه كلام نائب كتلة "حركة أمل" في البرلمان، محمد خواجة الذي تحدث عن "جهد استثنائي" يبذله رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مع الرعاة الدوليين، وتحديداً الضامنَين الأميركي والفرنسي من أجل منع سقوط وقف إطلاق النار. وقال خواجة، إن "الجيش الإسرائيلي يوسع دائرة التسلل البري، ودخول القرى وتدميرها، كما حصل في قرية الناقورة التي بدأ تدميرها".
واتهم خواجة إسرائيل بارتكاب "انتهاكات بالجملة" في الجنوب، وتدمير الأملاك، واستهداف الجيش اللبناني، وإطلاق النار على تحركات المواطنين بين القرى، كما يستخدم الطيران المسير والطيران الحربي"، معتبراً أن "الإسرائيلي يريد نسف الاتفاق لأنه ليس لمصلحته". وطالب ببدء النائب عن "حركة أمل" عمل "اللجنة الخماسية"، رافضاً تحولها إلى فريق لعد الخروقات، وتنظيم تنفيذ الإعلان، وتلقي الشكاوى، وتحميل الإسرائيلي مسؤولية الخرق من طرف واحد. ولفت خواجة إلى أن "لبنان و'المقاومة'، لم يقوما بأي خرق، وانسحبت 'المقاومة' من القرى من أجل تطبيق الاتفاق، في المقابل، يكمل الإسرائيلي الحرب من جهة واحدة، ويستغل الوقت لتحقيق مكاسب"، مضيفاً، "لسنا أمام اتفاق، بل نحن أمام ما يشبه العقد، الذي يتضمن إجراءات تنفيذية للقرار الأممي 1701، بالتفاهم مع الجانب الأميركي".
ويخشى خواجة وجود تواطؤ أميركي مع الخروق الإسرائيلية، جازماً "نحن وافقنا على الاتفاق، ولا علاقة لنا بما يحكى عن ورقة ضمانات أميركية. ونحن من جهتنا طبقنا التزاماتنا بالكامل، فيما تستهدف إسرائيل القرى التي لم تكن ساحة مواجهة، على غرار شبعا ومحيطها، وتمنع سكان 62 قرية من العودة إلى قراهم".
وتحدث خواجة عن "ضغوط على 'المقاومة' لعدم الرد، ولكن لا يجب أن يُفهم ذلك ضعفاً"، قائلاً "نحن لسنا مهزومين لترك الإسرائيلي يفعل ما يشاء". وأضاف، "لا نريد التهويل، لكن لكل شيء نهاية في حال استمر الإسرائيلي في الخروق، ونحن قادرون على تعطيل الحياة عندهم"، متسائلاً عن "الموقف الدولي فيما لو كان الطرف اللبناني هو من ينتهك القرار".
وعلّق النائب محمد خواجة على التهديد الإسرائيلي بمهاجمة المرافق العامة الحكومية والحزبية في حال سقوط وقف إطلاق النار، بالحديث عن "استهداف إسرائيل لكل شيء ومهاجمة عناصر الجيش والمدنيين، إذ أبادت عائلات بالكامل في الليلة الأخيرة قبل وقف إطلاق النار، كما حصل مع عائلتي مشيك وطليس في البقاع"، ولفت إلى أن "'المقاومة' موجودة، وانسحبت من بعض النقاط لتجنب الاحتكاك، ولكن في حال استمرار الاستفزازات قد نكون أمام عودة للحرب، وسيكون لنا حق الدفاع عن النفس الذي تكفله الشرائح كافة"، مشدداً على "أهمية وحدة اللبنانيين لأن إسرائيل لا تعطي أي قيمة لكافة الاتفاقيات الدولية والقرارات الجنائية الدولية، حيث أسقطت حرب غزة وما يروّج له عن وجود دول راعية لحقوق الإنسان".   

بنود ضمنية

وتأتي خروقات إسرائيل لتفرض وقفاً لإطلاق النار وفق مصالحها الخاصة، مع اعتراف أميركي ضمني بحق الجانب الإسرائيلي في منع استعادة 'حزب الله' قوته وتنظيمه، وترميم قدراته العسكرية، حيث شهدت الأيام القليلة الماضية استهدافاً متكرراً للمعابر الحدودية بين لبنان وسوريا، وقصف أماكن واقعة شمال نهر الليطاني (جنوب). ووصف الباحث في معهد "كارنيغي" مهند الحاج علي، الواقع الراهن بالقول، "لسنا أمام وقف لإطلاق نار بالصيغ التقليدية، حيث نشهد حرية حركة إسرائيلية واضحة مبنية على عملية رصد تحركات 'حزب الله' بذريعة منع تهريب السلاح، وتحقيق انسحاب الحزب من مناطق جنوب الليطاني. وفي سبيل ذلك، تريد إسرائيل فرض شروطها لوقف إطلاق النار تحت النار، وتضع الطرف الآخر تحت الضغط"، مشدداً على أن "الاعتداءات الإسرائيلية هي خرق لوقف النار، ولكنه هل تُعد خرقاً لورقة الضمانات الأميركية؟".


الضامن الأميركي والخروقات  

تطرق الباحث مهند الحاج علي إلى "ورقة الضمانات الأميركية"، التي جاءت نتيجة تفاهمات أميركية- إسرائيلية، لم يكن لبنان طرفاً فيها، حيث ستستغل إسرائيل مهلة 60 يوماً لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، وأعمال التدمير، والعمل على منع العودة. ولفت إلى أنه "لا يمكن تجاهل تلقي الحزب لسلسلة ضربات قاسمة خلال الحرب من دون أن يتمكن من الرد عليها سوى بصورة غير فعالة وغير متناسبة، وتداعي قواعد الاشتباك منذ اغتيال القيادي في حركة حماس صالح العاروري، وصولاً إلى المواجهات حيث كانت الخسائر الإسرائيلية ضئيلة جداً مقارنة بالجانب اللبناني، وهو سيستمر بتلقي الضربات واستيعابها إلى حد ما، لأنها ستظل أفضل من الحرب القاسية". وأضاف الحاج علي أنه "بحسب التقديرات سقط للحزب أكثر من 3500 مقاتل، أي أضعاف ما خسره في حرب عام 2006، ناهيك عن آلاف الضحايا المدنيين، والجرحى الذين يحتاجون رعاية دائمة، والدمار الهائل في لبنان". من هذا المنطلق، يفضل التنظيم المدعوم من إيران الحفاظ على السلم، بدل عودة الحرب، ومواجهة التحديات المستجدة كالتعاطي مع الجيش اللبناني، و"التكيف مع واقعه أن يكون هدفاً أصم لا يمكنه الرد، وألا يستهدف".
وأشار الحاج علي إلى "الخروق التي يمكن أن يتسامح الحزب فيها، وتلك التي تشكل خرقاً للخطوط الحمراء"، وتحدث عن "معركة غير متكافئة بسبب عدم امتلاك قدرات تدميرية، وامتلاك إسرائيل بنك أهداف كبيراً"، مستدركاً أنه "في المقابل، يمكن للحزب استغلال الخروق الإسرائيلية لتحقيق مكاسب سياسية، واتهام خصومه بعدم بذل الجهد الكافي لردع إسرائيل". وعبر عن اعتقاده بأن "أي انفلاش جديد لـ'حزب الله' والتوجه إلى سوريا، هو أمر مرحب فيه، لأنه يكشف الحزب، ويعيد إثارة الخلاف السني- الشيعي، ويبعد مقاتليه عن الجبهات".
كما لا يستبعد الباحث "استغلال إسرائيل الهدنة من أجل جمع المعلومات، وتجنيد مزيد من العملاء، وتكوين بنك أهداف محدث، والعودة إلى سياسة الاغتيالات، مستغلة المرحلة السابقة لعودة سكان الشمال إلى بيوتهم"، إلا أن ذلك لا يقفل الباب أمام العمليات الأمنية على غرار ما فعلته في السابق، واللجوء إلى العمليات الاستخباراتية كما حصل مع حسان اللقيس، وغالب عوالي".          

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الاتفاق وسلطة تأويل النص

وأرخت البنود الغامضة في "إعلان وقف الأعمال العدائية" بظلالها على إمكانية التنفيذ، ومن ثم وضع حدود للانتهاك والاختراق، في ظل تأخير آلية تشكيل لجنة المراقبة وصلاحياتها على أرض الواقع بانتظار قدوم ممثلي الجهتين الضامنتين، الفرنسي والأميركي. وهو ما أسهم في ازدياد منسوب الخوف والقلق من إمكانية العودة إلى المرحلة السابقة لـ27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تاريخ التوصل إلى اتفاق وقف النار لمدة 60 يوماً. ويشير العميد المتعاقد بسام ياسين، العضو السابق في فريق لبنان للتفاوض التقني لترسيم الحدود البحرية، إلى أن "إسرائيل تخالف ولا تلتفت لأحد، رغم عدم وجود بنود تسمح لها بشن طلعات الجوية والاستطلاع وخرق جدار الصوت"، مؤكداً أن "لبنان غير معني بوجود ورقة ضمانات أميركية لإسرائيل من عدمه". وذكر العميد الركن بسام ياسين أن "على إسرائيل واجب الامتناع عن العمليات الهجومية في لبنان وتحديداً ضد المؤسسات الشرعية، والمدنيين"، لافتاً إلى أن "المشكلة تكمن بلفظة هجومية، وما يمكن أن تحتمله من تأويل وتفسير لأن النص لا يمنع العمليات الإسرائيلية على الإطلاق"، و"لذلك، يتلاعب الإسرائيلي بتفسير النص الإنجليزي، ويتحدث عن القيام بعمل دفاعي ضد آليات أو قواعد عسكرية"، حيث استهدفت إسرائيل مواقع في قرية البيسرية، أثناء تخزين "حزب الله" أسلحة مسحوبة من منطقة جنوب الليطاني استجابة للاتفاق.
وانطلق ياسين من الإدانة الفرنسية- الأميركية للخروق الإسرائيلية، ليشير إلى تبلغ الجانب الإسرائيلي بضرورة وقف الانتهاكات. وأوضح أنه "خلال فترة الـ60 يوماً الحالية، نحن أمام وقف أعمال عدائية، وبعد ذلك سنكون أمام وقف لإطلاق النار"، متخوفاً من "إمكان أن تؤدي الخروق إلى عودة الأعمال الحربية، وهنا ضرورة تدخل الإرادة الدولية لكبح الخروقات وتحميل إسرائيل المسؤولية" وتفعيل عمل لجنة المراقبة من أجل تلقي الشكاوى، ومنع الإسرائيلي من تطوير الأعمال والقيام بإجراءات تدميرية تعيق عودة اللبنانيين إلى قراهم. ويعلق على استهداف المعابر من الجانب السوري، حيث تدعي إسرائيل أنها لا تخرق السيادة اللبنانية.
وتطال الإعلان جملة شكوك لناحية فقدانه الآليات التنفيذية، ويعتقد ياسين "بوجود آليات تنفيذية، لم يأت الرعاة على ذكرها"، حيث "تُقسم مدة الـ60 يوم إلى ثلاثة أجزاء، ويفترض تطبيق التزامات محددة مع مضي كل 20 يوماً، وبعد انقضاء المهلة يجب أن تكون إسرائيل خارج الحدود، من دون منطقة عازلة، وإلا سنكون أمام استعادة للمشكلة، وعودة لبنان إلى الدفاع عن النفس بدءاً بالطرق الدبلوماسية، ومن ثم الجيش اللبناني، وفي النهاية المقاومة الشعبية". في المقابل، يتولى الجيش الإسرائيلي عملية تدمير البنى التحتية، فيما يتعهد الحزب بالانسحاب إلى شمال الليطاني.      

بعد مهلة الـ60 يوماً

وفي انتظار انقضاء الـ60 يوماً، يستمر السجال في لبنان حول النصر والهزيمة. ومن وجهة العميد المتقاعد أندريه بو مشعر "يتحدد النصر الحقيقي بعد 60 يوماً"، ومن ثم فإن معيار النصر والهزيمة يعتمد على "اكتمال الانسحاب الإسرائيلي وراء حدود لبنان المعترف فيها دولياً، والامتناع عن أي شكل من أشكال استباحة السيادة". في الموازاة، تلتزم السلطة اللبنانية والجيش اللبناني بتطبيق كامل بنود اتفاق وقف إطلاق النار، وبسط سيادتها وسلطتها وحدها في منطقة جنوب نهر الليطاني.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات