Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أين تتوزع "فاغنر" في أفريقيا وكيف تنشر الروايات الروسية هناك؟

موسكو تعزز وجودها العسكري والاقتصادي والإعلامي في القارة الغنية بالثروات الطبيعية

قام جنود من مجموعة "فاغنر" بتأمين مختلف الحقول في مالي ودول أفريقية أخرى لأعوام عدة (أ ف ب)

ملخص

تنقسم دعوات إلى نوعين: إما صور بأعلام الشركة من مدن مختلفة في روسيا، أو دعوات "للعمل" في أفريقيا.

وجاء في الدعوة أن "فريق المتخصصين المؤهلين تأهيلاً عالياً يطلب مقاتلين يرغبون في الذهاب إلى أفريقيا الدافئة والمشمسة، وعلى استعداد لتجريب مهاراتهم القتالية وصقلها".

تقدم "فاغنر" للمتقدمين راتباً شهرياً قدره 240 ألف روبل (2400 دولار)، ولكن لن تكون هناك أوامر وميداليات حكومية - فقط "إشادات داخلية".

الأشخاص الذين لديهم المهارات اللازمة للتحكم في الطائرات من دون طيار هم الأكثر طلباً، ويمكن لهؤلاء أن يتقاضوا راتباً يصل إلى 300 ألف روبل (3000 دولار).

فجّرت الخسائر التي منيت بها المجموعة شبه العسكرية الروسية "فاغنر" في أفريقيا خلال الفترة الأخيرة، جدلاً واسعاً في روسيا حول مصير هذه الشركة الأمنية الخاصة وعناصرها الذين خاضوا أشرس المعارك في شرق أوكرانيا، قبل أن يتعاظم الخلاف بقرنه بينهم وبين وزارة الدفاع الروسية ويعلنوا تمردهم عليها، مما حدا بالكرملين لسحبهم من هناك وتشتيت صفوفهم وتكليفهم بمهمات خارجية مشكوك بشرعيتها، لا سيما في القارة السمراء، ليصبحوا أذرعاً روسية خفيّة ملطخة بالدماء والذهب والمطامع الدفينة، في أصقاع الأرض التي تختزن الكثير من الثروات والمواد الخام الباطنية التي تحتاجها الصناعات العسكرية والمدنية، في البلاد الواقعة تحت نير حصار وعقوبات غربية قاسية لا مثيل لها في التاريخ.

فقد أفادت وكالة "بلومبيرغ" يوم 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن ما لا يقل عن ستة مقاتلين من شركة "فاغنر" العسكرية الخاصة قتلوا في مالي على يد مسلحين من الجماعات الإرهابية، في كمين نصبته "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، المرتبطة بتنظيم "القاعدة" يوم 21 نوفمبر في منطقة موبتي.

وهاجم المسلحون المرتبطون بـ"القاعدة" قافلة تابعة لمجموعة "فاغنر" العسكرية الخاصة، مما أدى إلى مقتل عدد من الجنود. كما دمر المسلحون مركبات عدة من القافلة. وأعلنت الجماعة رسمياً مسؤوليتها عن الهجوم.

وبحسب مسؤول أمني مالي، كان مقاتلو "فاغنر" يحرسون نقطة تفتيش في الجزء الأوسط من البلاد، حين تعرضوا للهجوم ما أدى إلى مقتل عدد منهم.

وفي نهاية يوليو (تموز) 2024، واجهت قوات "فاغنر" العسكرية الخاصة قتالاً عنيفاً ضد المسلحين في منطقة تينزاوتين في مالي، ونتيجة ذلك فقد 23 جندياً وتم أسر عدد آخر. وذكرت وكالة "رويترز" أن من بين المقاتلين محاربين قدامى شاركوا في اشتباكات في أوكرانيا وليبيا وسوريا.

"فاغنر" في أفريقيا!

وبناءً على البيانات المفتوحة ورسائل المسلحين والأقارب والمقابلات مع أقارب عائلات "فاغنر" وتحليل تسجيلات الفيديو من مكان الحادث باستخدام برنامج التعرف إلى الوجوه، تم تحديد هوية 23 مقاتلاً مفقوداً من مجموعة "فاغنر" العسكرية الخاصة وتم أسر اثنين آخرين في منطقة مدينة تينزاوتين في مالي.

وقالت مارغريتا غونشاروفا، والدة فاديم إيفسيوكوف البالغ من العمر 31 سنة، إن ابنها واجه عقوبة تتعلق بالمخدرات، وفي عام 2022 أصبح مقاتلاً في الشركات العسكرية الخاصة، وقاد قوة من 500 شخص في معارك أوكرانيا. وقالت المرأة إن إيفسيوكوف، بعد عودته من منطقة الحرب، عمل خياطاً، وفي أبريل (نيسان) الماضي توجه سراً إلى أفريقيا للانضمام إلى قائده السابق على رغم محاولاتها ثنيه عن ذلك.

وزارة الدفاع الروسية ووزارة الخارجية ومجموعة "فاغنر" التزمت الصمت المطبق حول الخسائر في أفريقيا، ولم تستجب لطلبات وكالات الأنباء للتعليق على هذه القضية.

وقام جنود من مجموعة "فاغنر" بتأمين مختلف الهياكل والحقول في مالي ودول أفريقية أخرى لأعوام عدة. وفي 28 يوليو، أفادت حركة التمرد في مالي بأنه في منطقة تنزاوتين بالقرب من الحدود مع الجزائر، أقدم الانفصاليون الطوارق على قتل وإصابة العشرات من جنود الحكومة وجنود "فاغنر"، كما أسروا العديد منهم. وأكدت اللجنة العسكرية الخاصة وقوع خسائر في صفوف مقاتلي الجماعة والقوات المسلحة المالية، لكنها لم تذكر العدد الدقيق للقتلى أو الجرحى أو الأسرى. وأفادت السلطات المالية بمقتل اثنين من جنودها وإصابة 10 آخرين.

وقال مسؤول محلي لوكالة "الصحافة الفرنسية" إن "ما لا يقل عن 15 من مقاتلي ‘فاغنر‘ قتلوا وأسروا". لكن مصادر روسية غير رسمية تحدثت عن مقتل 84 مسلحاً من قوات "فاغنر" و47 جندياً حكومياً خلال القتال. وأعلن مصدر لوكالة "تاس" الروسية مقتل مدير قناة "غراي زون" القريبة من "فاغنر" نيكيتا فيديانين في الاشتباك.

وحددت "رويترز" هوية 23 مقاتلاً من مجموعة "فاغنر" العسكرية الروسية الخاصة الذين فقدوا في مالي بعد كمين بالقرب من بلدة تنزاوتين على الحدود مع الجزائر، ويتم احتجاز اثنين آخرين من قبل مقاتلي الطوارق المحليين. وتبين أن معظمهم من المحاربين القدامى، وقد شاركوا سابقاً في حملات عسكرية في ليبيا وسوريا وأوكرانيا.

في 29 يوليو، قال الممثل الرسمي لمديرية الاستخبارات الرئيسة في أوكرانيا، أندريه يوسوف، إن "المتمردين الماليين تلقوا من أوكرانيا جميع المعلومات اللازمة التي سمحت لهم بتنفيذ عملية عسكرية ضد الشركات العسكرية الروسية الخاصة. وقال لاحقاً إنه لم يتحدث عن تورط استخبارات بلاده في الهجوم.

وكتبت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن أوكرانيا تقوم بتدريب الطوارق على استخدام الطائرات من دون طيار. وذكرت صحيفة "التايمز" البريطانية أن مدير الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، كيريل بودانوف، كان يخطط لهجوم على شركة "فاغنر" في مالي منذ العام الماضي.

وعلى هذه الخلفية، قطعت مالي والنيجر علاقاتهما الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتقدمتا مع بوركينا فاسو بطلب إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، متهمة كييف بـ"دعم الإرهاب". وقد رفضت كييف مثل هذه الاتهامات. وأكدت وزارة الخارجية الأوكرانية أنها تلتزم بمعايير القانون الدولي، وحرمة سيادة الدول الأخرى ووحدة أراضيها.

ومن جهتها، أعلنت الممثلة الرسمية لوزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، قرار أوكرانيا فتح "جبهة ثانية" في أفريقيا.

وبعد محاولة التمرد التي قام بها مؤسس المجموعة يفغيني بريغوجين عام 2023، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن السلطات المالية أقامت اتصالات رسمية مع موسكو، لذلك واصل المدربون الروس العمل هناك.

البحث عن "فاغنر"

على إثر الخسائر التي منيت بها المجموعة في أفريقيا، انشغلت شبكات التواصل الاجتماعي خلال الشهرين الأخيرين مرة أخرى بالبحث عن مصير "فاغنر" وقواتها، وكتبت القنوات الروسية شبه العسكرية على تطبيق "تيليغرام" أن الشركة ستنضم إلى هياكل الحرس الروسي، وأنها فتحت باب التجنيد مرة أخرى في ثلاث مدن كبيرة هي بيرم ونوفوسيبيرسك وموسكو. في حين تحدثت قنوات مقربة من الكرملين عن التحاق عدد من مقاتلي "فاغنر" بصفوف قوات "أحمد" الشيشانية بعد مصرع قادة المجموعة في حادث تحطم طائرة غامض صيف 2023.

خلال العام ونصف العام الأول من الهجوم الروسي على أوكرانيا، تحول مؤسس "فاغنر"، يفغيني بريغوجين، من سحابة رمادية غامضة إلى أحد الوجوه الأكثر شهرة في الحرب. بدا للنظرة الأولى أن الأمور تسير على ما يرام بالنسبة لرجل الأعمال: فقد اعترفت الدولة علناً بدور "طبّاخ بوتين" وصديقه في النجاحات العسكرية وسمحت له بتجنيد المساجين والمحكومين وكل المجرمين فضلاً عن أسرى الحرب.

وكانت "فاغنر" وما زالت تتمتع بسمعة طيبة في الشارع الروسي باعتبارها الوحدة الأكثر كفاءة. لكن انتقادات بريغوجين للقيادة العسكرية ووزارة الدفاع، أدت إلى صراع واسع النطاق مع وزير الدفاع السابق، سيرغي شويغو، وهيئة الأركان العامة. واتهم بريغوجين الوزير ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف، بتعمد عدم إعطاء ذخيرة لعناصر مجموعته الذين اقتحموا مدينة باخموت الأوكرانية ودفعوا فيها نحو 10 آلاف قتيل وحولوها في النهاية إلى أنقاض.

العدّ التنازلي!

وعقب مقتل قادة "فاغنر" ومؤسسيها، يفغيني بريغوجين وديمتري أوتكين وفاليري تشيكالوف، في حادث غامض حين تحطمت طائرة مدنية كانوا يستقلونها، بعد شهرين بالتمام والكمال من تمردهم على وزارة الدفاع والكرملين في صيف عام 2023، أصبح مصير الشركة وعناصرها وضباطها غير واضح. وينتشر جزء من "جيش بريغوجين" في معسكرات عسكرية في بيلاروس، والجزء الآخر في أفريقيا، وبعض قادتها توزعوا في مشارق الأرض ومغاربها، لا سيما في دول "بريكس" كمبعوثين سريين لبوتين.

تشير وصية بريغوجين، المؤرخة في عام 2023، إلى أن جميع الممتلكات يجب أن تذهب إلى ابنه بافيل، الذي كان مقاتلاً في مجموعته العسكرية الخاصة، لكنه لم يكن جزءاً من دائرة القادة. وبين الحين والآخر، تنشر وسائل الإعلام أخباراً على مستوى إشاعات عن عودة "الفاغنريين" إلى أوكرانيا، أو أنهم ينتقلون إلى هياكل وزارة الدفاع، أو أنهم يغادرون إلى شركات عسكرية خاصة جديدة. من الصعب تأكيد أو دحض هذه التقارير، لأن التفاعل مع وسائل الإعلام في شركة "فاغنر" كان دائماً تحت السيطرة الصارمة ليفغيني بريغوجين، لكن القادة الباقين على قيد الحياة هم أشخاص غير معروفين ولا مشهورين.

تواصل شركة "فاغنر" العمل في أفريقيا، فإن "هذا المكان مجرد حلم"، كما يقول المسلحون أنفسهم، ولكن لا يمكن "الذهاب للحمامات الشمسية" و"القيام بأعمال الرجال السرّيين" إلا من خلال شركة "فاغنر" وأذرعها السرّية.

تنقسم دعوات التجنيد التي تصدرها قناة "إنلويدينغ فاغنر" على "تيليغرام" بعد تمرد بريغوجين ووفاته إلى نوعين: إما صور بأعلام الشركة من مدن مختلفة في روسيا، أو دعوات "للعمل" في أفريقيا.

وجاء في الدعوة أن "فريق المتخصصين المؤهلين تأهيلاً عالياً يطلب مقاتلين يرغبون في الذهاب إلى أفريقيا الدافئة والمشمسة، وعلى استعداد لتجريب مهاراتهم القتالية وصقلها".

الجيش الخاص بحاجة إلى رجال أعمارهم تتراوح بين 22 و55 سنة لا يتعاطون المخدرات وغير مصابين بمرض الأيدز أو التهاب الكبد الوبائي.

تقدم "فاغنر" للمتقدمين راتباً شهرياً قدره 240 ألف روبل (2400 دولار). وبناءً على نتائج العمل، يتم توفير المكافآت والتأمين ومدفوعات الإصابات والوفيات في المعركة. ولكن لن تكون هناك أوامر وميداليات حكومية - فقط "إشادات داخلية"، بحسب ما روى مراسل "سيرفير ريالي" عندما حاول هو نفسه الالتحاق بإحدى الشركات العسكرية الخاصة التابعة لـ"فاغنر".

وأوضح المجند: "نحن لا نتعاون مع أي تشكيلات ونقوم بأنشطة مستقلة في البلدان الساخنة. حتى الآن لا يوجد أي اتصال على الإطلاق بـ ‘مينكا‘ (أي وزارة الدفاع في الاتحاد الروسي) وأفريقيا تحتاج إلى متخصصين من الطهاة إلى الطيارين".

الأشخاص الذين لديهم المهارات اللازمة للتحكم في الطائرات من دون طيار هم الأكثر طلباً، ويمكن لهؤلاء أن يتقاضوا راتباً يصل إلى 300 ألف روبل (3000 دولار).

الآن تقوم "فاغنر" باستخدام ثلاثة أرقام هواتف على الأقل، يتم عرض اثنين منها باسم "فاغنر" والثالث باسم "ليتش رونا".

القتال في أوكرانيا

تضاربت المعلومات حول مشاركة "الفاغنريين" بالمعركة في منطقة كورسك. ففي 8 أغسطس (آب)، عندما بدأ القتال العنيف في منطقة كورسك الحدودية بعد هجوم القوات المسلحة الأوكرانية ظهرت معلومات على الإنترنت حول وصول مقاتلين من شركة "فاغنر" العسكرية الخاصة إلى منطقة كورسك.

كما تحدث المراسل العسكري إيغور جوزينكو عن إرسال مقاتلين من الشركات العسكرية الخاصة إلى المنطقة الروسية. ونشر على "تيليغرام" مقطع فيديو يُزعم أنه يُظهر "الفاغنريين" في الجزء الخلفي من شاحنة. ويظهر في اللقطات رجال يرتدون ملابس مموهة ويحملون أسلحة، يقولون إنهم سيقاتلون في منطقة كورسك، بينما وجوههم مخفية.

صرح قادة الشركات العسكرية الخاصة "فاغنر" أنهم على استعداد لصد هجوم القوات المسلحة الأوكرانية في منطقة كورسك، بعد ذلك أعلن مجلس قادة السرية العسكرية أن "الفاغنريين" مستعدون لمساعدة الجيش الروسي. وأشار ممثلو الهيئة العسكرية الخاصة في رسالتهم إلى أنهم سيأتون عند النداء الأول، "كما كانت الحال دائماً".

وقالوا "منذ اليوم الأول، منذ المهمة القتالية الأولى، كان لدينا هدف واحد فقط: الدفاع عن مصالح الوطن الأم، والمساعدة في ازدهار روسيا وحماية الشعب الروسي". وأضافت المنظمة "نحن مستعدون للوقوف من أجل ذلك حتى آخر قطرة دم".

ونشر مجلس قادة المجموعة العسكرية الخاصة "فاغنر" بياناً حول الوضع في منطقة كورسك، على قناتهم على "تيليغرام"، التي يستخدمها قادة الشركات العسكرية الخاصة للتواصل، يتحدث عن استعداد المقاتلين لصد هجوم القوات المسلحة الأوكرانية. وقال قادة "فاغنر" إنهم سيدافعون عن مصالح روسيا.

وكانت قناة "آر تي في"، قد نقلت عن مقاتلة من الشركة العسكرية الخاصة، قولها إنه تم إرسال "الفاغنريين" من مالي إلى منطقة كورسك. وأكد هذه البيانات أيضاً إيغور جوزينكو، المراسل العسكري المقرب من الشركات العسكرية الخاصة.

وقد تم بالفعل نقل مقاتلي الشركات العسكرية الخاصة السابقين الذين تم إلحاقهم بقوات "أحمد" في منطقة كورسك.

ويوم الخميس الـ8 من أغسطس، أفيد بأن مقاتلين من "فاغنر" موجودون بالفعل في منطقة كورسك، و"تم إرسالهم إلى المنطقة لصد هجوم القوات المسلحة الأوكرانية". نحن نتحدث عن أفراد عسكريين انضموا إلى قوات "أحمد" الخاصة تحت قيادة قائد سابق لشركة عسكرية خاصة.

انتشار عالمي وتجارة دولية!

يعد الجنرال سيرغي سوروفيكين، الذي تحب الصحافة أن تطلق عليه لقب "الجنرال هرمجدون"، أحد أكثر الشخصيات التي تمت مناقشتها في الهجوم الروسي على أوكرانيا. لبعض الوقت، قاد سوروفيكين المجموعة الروسية، ولكن بعد ذلك تمت إزاحته من هذا المنصب، ثم أصبح من الواضح أنه كان متحالفاً مع بريغوجين.

وفي بداية مايو (أيار) 2023، وجه بريغوجين إنذاراً لقوات الأمن: إما أن يزودوا "فاغنر" بالقذائف والذخائر المطلوبة، أو أنه سيسحب مقاتليه من منطقة باخموت. لم ينفذ بريغوجين تهديده أبداً، لكنه أعلن بعد أيام قليلة أنه تم تعيين سوروفيكين مسؤولاً عن التعامل مع "فاغنر".

فشل سوروفيكين في إثبات هذا التفاعل، وتصاعد الصراع إلى تمرد. وفي يوم أعمال الشغب، طلب سوروفيكين من بريغوجين من دون جدوى إيقاف المقاتلين. ومباشرة بعد التمرد اختفى تماماً من الفضاء العام وفقد منصبه كقائد أعلى للقوات الجوية الفضائية الروسية. ظهرت منشورات في وسائل الإعلام الروسية والغربية تزعم أن سوروفيكين كان على علم بالتحضيرات لتمرد "فاغنر" على وزارة الدفاع، وبالتالي انتهى به الأمر لبعض الوقت إما في مركز الاحتجاز السابق للمحاكمة أو تحت الإقامة الجبرية، لكن هذا بالفعل غير معروف على وجه اليقين.

وبعد بضعة أشهر، تم العثور على سوروفيكين في الجزائر. وكتبت صحيفة "كوميرسانت" أن الجنرال جاء إلى هناك مع وفد من وزارة الدفاع. وربط مصدر المنشور الرحلة بحقيقة أن "القيادة العسكرية السياسية للبلاد تولي أهمية كبيرة للاتجاه الشرقي في تنفيذ السياسة الخارجية"، وأن السلطات الروسية لا تزال تثق في سوروفيكين.

ولم يتم الإبلاغ عن أي تعيين جديد للجنرال منذ ذلك الحين، على رغم ظهور صور جديدة لسوروفيكين في أفريقيا، وهو أنحف بشكل ملحوظ وتنمو لحيته.

الجنرال الآخر يونس بك يفكوروف، شخصية مهمة في السياسة الروسية. هذا رجل ذو مسيرة عسكرية طويلة، الرئيس السابق لإنغوشيتيا، الذي نجا من محاولة اغتيال. منذ عام 2019، يشغل يفكوروف منصب نائب وزير الدفاع.

في يوم التمرد، كان من بين أولئك الذين أسرهم بريغوجين في مقر المنطقة العسكرية الجنوبية في روستوف أون دون. هذا لم يعق مسيرته. علاوة على ذلك، بعد انهيار إمبراطورية بريغوجين ووفاته، أصبح الإرث السابق لرجل الأعمال، أي ليبيا وسوريا، تحت إشراف يفكوروف.

وكما كشف الصحافي الاستقصائي أندريه زاخاروف، أن يفكوروف وبعد تمرد "فاغنر"، سافر شخصياً إلى سوريا وليبيا لإقناع قيادة هذه الدول باستبدال عناصر بريغوجين بهياكل وزارة الدفاع الروسية.

وفي أفريقيا، تم استبدال "فاغنر" في نهاية المطاف بما يسمى "أفريكا كوربس"، وهو هيكل مرتبط بوزارة الدفاع الروسية. وكتبت وسائل الإعلام الروسية أن يفكوروف أصبح زعيمها غير الرسمي.

"فاغنر" وأذرعها الإعلامية!

الصحافي إفريم ياليكي، الذي عمل في نظام الدعاية الذي أنشأته مجموعة "فاغنر" في جمهورية أفريقيا الوسطى، يقول إن الهياكل التي أنشأها يفغيني بريغوجين تواصل العمل في جمهورية أفريقيا الوسطى في ثلاثة مجالات: العسكرية والاقتصادية والإعلامية. وفي هذا المجال الأخير، طور الروس أدوات المراقبة ونشر المعلومات الخاصة بهم.

وعلى رغم أن الهياكل التي أنشأها الروس في جمهورية أفريقيا الوسطى والنيجر ومالي وبوركينا فاسو والسودان وليبيا لا تزال غامضة للغاية، ولا تزال التغييرات المحتملة بعد وفاة يفغيني بريغوجين في أغسطس 2023 غير واضحة، إلا أن شيئاً واحداً لم يتغير هناك - وهو الارتباط والتفاعل الوثيقين بين رجال "فاغنر" السابقين وجهاز الدولة في هذه الجمهوريات.

أفضل شخص يرمز إلى هذا التفاعل والتداخل هو ديمتري سيتوي. توجه هذا المترجم السابق، الذي ترأس حملات الدعاية في مكتب الإعلام والاتصال التابع لحكومة جمهورية أفريقيا الوسطى، للعمل في البيت الروسي.

يقوم دميتري سيتوي أيضاً بتنسيق الأنشطة التجارية لـ "مجموعة فاغنر" في أفريقيا ويشرف على عمل الشركات التي تجري تعديناً واسع النطاق للذهب والألماس والأخشاب، والتي غالباً ما تعمل بشكل غير قانوني ومن دون دفع أي ضرائب للدولة. وقد توصلت العديد من التحقيقات إلى أن السلع الخام يتم تصديرها مباشرة بالطائرة أو عبر ميناء دوالا في الكاميرون، ويتم تزوير شهادات الألماس والأخشاب الخاصة بها بشكل روتيني لتسهيل توزيعها.

إن دور دميتري سيتوي كبير جداً لدرجة أنه، وفقاً لبعض المصادر، طلب منه رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، فوستين آركانج تواديرا، شخصياً البقاء في بانغي في الوقت الذي كانت فيه الدولة الروسية تتولى السيطرة المباشرة على العمليات الخارجية لـ "مجموعة يفغيني بريغوجين".

ديمتري بودولسكي، الذي وصل أخيراً إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، هو المسؤول عن القضايا الأمنية. هذا الرجل العسكري المحترف، الذي تم تجنيده في شركة "فاغنر" العسكرية الخاصة، قاتل ضد أوكرانيا، وأصيب في الحرب، وتم تعيينه مستشاراً أمنياً لرئيس جمهورية أفريقيا الوسطى.

ويعمل بودولسكي بالتنسيق مع دينيس دريدني، المسؤول عن العمليات العسكرية، ولكنه يشارك أيضاً في المشاريع التجارية، وهو أيضاً، وفقاً لصحيفة "جون أفريك"، المسؤول عن تجنيد المسلحين.

في هذا الهيكل، دور دينيس بافلوف جدير بالملاحظة بصورة خاصة، فقد تم إرسال هذا الموظف في جهاز الاستخبارات الخارجية إلى السفارة الروسية في جمهورية أفريقيا الوسطى العام الماضي.

ويُنظر إلى وصوله إلى جمهورية أفريقيا الوسطى كدليل على أن جهاز الدولة الروسي يضع أنشطة هياكل بريغوجين تحت سيطرته. يُعتقد أن بافلوف هو جهة الاتصال لاثنين من كبار المسؤولين العسكريين الروس المسؤولين عن سياسة الكرملين في أفريقيا: نائب وزير الدفاع يونس بك يفكوروف وأندريه أفريانوف، أمين عمليات التخريب السرية والعمليات الهجينة للاستخبارات العسكرية الروسية، الذي قام بجولة في البلدان الأفريقية بعد وفاة يفغيني بريغوجين.

ولا يزال عدد العناصر الروس الموجودين حالياً في أفريقيا عامة وفي جمهورية أفريقيا الوسطى على وجه الخصوص غير واضح. ويشمل هيكل الوجود الروسي في جمهورية أفريقيا الوسطى أيضاً دبلوماسيين ذوي خبرة عملوا في البلاد لأعوام عدة منهم السفير الروسي ألكسندر بيكانتوف والقائم بالأعمال فلاديسلاف إيلين.

بعض مواطني جمهورية أفريقيا الوسطى هم أيضاً عناصر أساسية في هذا النظام: على سبيل المثال، وزير الشباب والرياضة هيريتييه دونينغ، الذي يزور موسكو بانتظام، أو بعض الناشطين ومنظمي الاحتجاجات المناهضة لفرنسا.

ومن بين كبار السياسيين في جمهورية أفريقيا الوسطى، الذين يُنظر إليهم على أنهم على علاقات وثيقة مع الروس، فيدل غواندجيكا، مستشار الرئيس تواديرا الذي نشر صوراً علنية لنفسه وهو يرتدي قميصاً كتب عليه "أنا فاغنر"، ورئيس الوزراء السابق فيرمين نغريبادا الذي لا تزال مزرعته في بوالي تحت حراسة مسلحي "فاغنر".

وتضم هذه القائمة أيضاً عدداً من وزراء الحكومة أبرزهم حسن بوبا الذي يشغل منصب وزير الثروة الحيوانية، وكان في الماضي الرجل الثاني في قيادة الجماعات المسلحة المسماة "الوحدة من أجل السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى"، ويظهر حسن بوبا بانتظام في وسائل الإعلام المحلية التي تمولها روسيا، لدرجة أنه وفقاً لبعض التقارير، أصبح الرئيس تواديرا يشعر بعدم الثقة والحذر بصورة متزايدة بوزيره.

أدوات التأثير والدعاية الروسية في أفريقيا

توضح شهادة الصحافي إفريم ياليكي إنشاء الروس في أفريقيا وفي جمهورية أفريقيا الوسطى تحديداً، نظام دعاية مستقل يعتمد على عدد من الممارسات، منها:

نشر أخبار مضللة على مواقع التواصل الاجتماعي.

نشر مقالات مدفوعة في الصحف المحلية أو المواقع الإلكترونية.

التلاعب بالرأي العام من خلال التظاهرات المنظمة والمدفوعة الأجر بصورة خاصة.

توظيف خبراء للتحدث إلى وسائل الإعلام.

إنشاء وسائل الإعلام أو دعمها بصورة مباشرة.

على سبيل المثال، تم إطلاق محطة الراديو "آر أل أس" في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 على يد من كانوا يُطلق عليهم آنذاك "المدربون الروس" في جمهورية أفريقيا الوسطى، الذين استثمروا نحو 10 آلاف دولار في المشروع، وفقاً لـ"بي بي سي". ثم وصف مدير المحطة الإذاعية فريد كروك التوجهات الرئيسة لعملها بدعم "التماسك الاجتماعي" و"التجديد" بما يتماشى مع "السياسة الجديدة" و"الخط السياسي للرئيس فوستين-آركانج تواديرا".

يؤكد الصحافي إفريم ياليكي، أن مكتب تحرير "آر أل أس" أصبح مركزاً في هذا النظام البيئي للدعاية الروسية. التقى ياليكي بانتظام هناك مع أمينه ورئيسه ميخائيل ميخائيلوفيتش برودنيكوف، الذي، على حد قوله، كان يعقد اجتماعات منتظمة في مكتب التحرير. هناك، التقى ياليكي مع ألكسندر إيفانوف من "جمعية الضباط"، وهي منظمة تنتمي إلى النظام الذي أنشأه بريغوجين.

تتلقى محطة الراديو "آر أل أس" دعماً من شركة "لوبايي إنفستمنت"، المسؤولة عن جزء من التعدين الروسي في جمهورية أفريقيا الوسطى. تم إدراج المحطة الإذاعية في قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي لأنه، وفقاً للاتحاد الأوروبي، "هدفها النهائي هو التلاعب بالرأي العام". وفي أوائل نوفمبر، تعرضت هذه المؤسسة الإعلامية أيضاً للعقوبات البريطانية، كما تم إدراج العديد من الروس العاملين في بانغي ضمن "القائمة السوداء" البريطانية.

خلال الاجتماعات في مكتب تحرير "آر أل أس"، تمت مناقشة الخطوط الرئيسية للدعاية الروسية بشكل مباشر. وتحدث أحد صحافيي قسم الأخبار على قناة "آر أف آي" عام 2023 عن ذلك، وأكد أن أحد طوابق مبنى المحطة الإذاعية يستخدم لاجتماعات إدارتها مع الروس، "إنهم يجبروننا على إنتاج مواد عن الشركاء الروس لسلطات جمهورية أفريقيا الوسطى، على سبيل المثال، لتمجيد عملياتهم العسكرية، على رغم أننا نعلم أن هذا غير صحيح. وعندما يفعلون أيضاً أشياء خاطئة، فلا ينبغي لنا أن نتحدث عنها. إنهم يزودوننا بمعلومات كاذبة نضطر إلى نشرها، مثل المعلومات الموجهة ضد المنظمات غير الحكومية أو بعثة الأمم المتحدة، مينوسكا. إنهم (الروس) متورطون في عمليات احتيال لاتهامهم ببعض الأفعال. على سبيل المثال، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بالقرب من السفارة الفرنسية في بانغي، اصطدمت سيارة روسية بدراجة نارية ولاذت بالفرار. وعندما بدأ الغضب طلبوا منا أن نكتب مقالاً يقول إن الجاني فرنسي. لقد شهدت تدخلاً مباشراً من الخارج في شؤون التحرير. نحن نعلم أنهم يكسبون المال، على رغم أنني لم أر المعاملات بأم عيني".

كما أوضح الصحافي إفريم ياليكي، كيف قام، بناءً على تعليمات من القيمين الروس، "بتجنيد خبراء" للمشاركة في بث محطة إذاعة "آر أل أس".

الموقع الإخباري "ندجوني سانغو"، المرتبط بمحطة الراديو "آر أل أس"، لم "يُنشأ" من قبل الروس، بل تم "شراؤه" من مؤسسه، الصحافي إريك نغابا، الذي أطلقه بعد تخرجه من الجامعة. لقد نفى مؤسس الموقع دائماً تلقي أي تمويل خارجي. وعلى رغم أن خطه التحريري لم يترك مجالاً للشك، فإن الوثائق التي تم الحصول عليها نتيجة تسرب البيانات من مجموعة "فاغنر" تثبت حدوث المدفوعات، كما يظهر في فيلم وثائقي أصدرته قناة "آر تي" التلفزيونية في فبراير (شباط) 2023.

ولوسائل الإعلام المحلية هذه في أفريقيا تأثير مباشر على السكان. وتستكمل هذه الأدوات بأدوات الدعاية الروسية التي تركز على عموم أفريقيا، مثل المبادرة الأفريقية، التي تقدم نفسها باعتبارها "وكالة أنباء".

في مقابلة مع إذاعة فرنسا الدولية، يتحدث الباحث البولندي جيدرزيج تشيريب عن "هيكل المظلة" الذي يرأسه أرتيم كوريف، "إنه يأتي من جهاز الأمن الفيدرالي ويرتبط بنادي فالداي، ما يسمى بنادي المناقشة الدولي ومركز الفكر، وهو مركز نفوذ قريب جداً من بوتين. تعمل منظمتان، المبادرة الأفريقية والبيوت الروسية، بشكل وثيق في أفريقيا لنشر الروايات الروسية بين السكان المحليين. لقد نجح هذا التعاون بصورة جيدة للغاية، على سبيل المثال، في الأسابيع التي سبقت وصول رجال الفيلق الأفريقي إلى بوركينا فاسو".

وفي مقال نشر أخيراً، أوضح الباحثان الفرنسيان ماكسيم أودينيت وكولين جيرارد، أن المبادرة الأفريقية مع منصة "آفرينز رو" تنتمي إلى شركة "مبادرة – 23"، المسجلة في السجل الروسي للكيانات القانونية في 21 سبتمبر (أيلول) 2023.

يتحدث المؤلفون أيضاً بالتفصيل عن مشاركة موظفي مشروع "لاختينسكي" والهياكل الإعلامية ليفغيني بريغوجين في هذا العمل الجديد. وتظهر أيضاً كيف توقفت بعض هذه الحسابات عن النشر بعد وفاة الأخير ثم استأنفت أنشطتها في الأشهر التالية، على الأرجح بعد "استيلاء" الدولة عليها.

ويشير ماكسيم أودين وكولين جيرارد أيضاً إلى حقيقة مثيرة للاهتمام للغاية، وهي العدد المتزايد لاتفاقيات الشراكة بين وسائل الإعلام الحكومية الروسية مثل شبطة "آر تي" ووكالة "سبوتنيك" مع وسائل الإعلام الوطنية الأفريقية. وفقاً لمصادر عدة، نحن نتحدث رسمياً عن "مشاركة المحتوى". لكن هذا "التبادل" في الواقع أحادي الجانب، فهو بالنسبة لوسائل الإعلام في البلدان الأفريقية مصدر دخل، ويتطور مخطط "الشراكة" هذا بسرعة في منطقة الساحل.

ويوضح الخبيران ماكسيم أودينيت وكولين جيرارد أن "14 من أصل 25 اتفاقاً أو مذكرة تعاون وقعتها اثنتان من وسائل الإعلام الروسية مع وكالات أنباء أو وسائل إعلام أفريقية - بشأن التبادل للمحتوى - تم إبرامها بعد الهجوم على أوكرانيا".

أداة أخرى للتأثير هي القناة التلفزيونية الكاميرونية "أفريك ميديا"، التي أصبح خطها التحريري مؤيداً لروسيا بصورة متزايدة مع توقيع رئيسها جوستين تاجوه على المزيد والمزيد من الاتفاقيات مع موسكو. والضيف الدائم لهذه القناة هو مستشار رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى تواديرا، الكاميروني جول نجاوي، الذي لا يبخل في خطاباته بالهجمات "المناهضة للإمبريالية". ولا يزال من غير الواضح ما هو الجمهور الحقيقي لهذه القناة، التي، بحسب زميلنا من بانغي، "لا يشاهدها أي شخص من سكان جمهورية أفريقيا الوسطى".

من ناحية أخرى، تعد جمهورية أفريقيا الوسطى منطقة خطيرة ومعادية للصحافيين الذين ينتقدون سياسات موسكو، وبالطبع أنشطة مجموعة "فاغنر". وهكذا، في يوليو 2018، بالقرب من مدينة سيبوت، وسط جمهورية أفريقيا الوسطى، قُتل الصحافيون الروس ألكسندر راستورجيف وأوركان جمال وكيريل رادشينكو، الذين أتوا إلى البلاد للتحقيق في أنشطة مجموعة "فاغنر". ونسبت السلطات في بانغي جريمة القتل إلى بعض المسلحين "الأجانب" و"مجموعة من الرجال المعممين الذين يتحدثون العربية". وخلص تحقيق أجراه مركز الملفات المرتبط بميخائيل خودوركوفسكي إلى أن الصحافيين "تعرضوا لكمين نصبه محترفون" وأن جريمة القتل كانت مخططة ومتعمدة.

وفي فبراير 2022، توفي في جمهورية أفريقيا الوسطى، الصحافي جان سان كلير مباكي غبوسوكوتو، الذي حاول في عمله مواجهة المعلومات المضللة المنتشرة في البلاد. وبحسب الرواية الرسمية، فقد توفي لأسباب طبيعية، لكن أقاربه يشتبهون في أنه تعرض للتسمم.

ويقول الصحافي إفريم ياليكي، إن السرية والتكتم هما من المبادئ الأساسية للعمليات الروسية في أفريقيا. وقد ذكّره بذلك أمينه الروسي السابق ميخائيل برودنيكوف ذات مرة في بانغي.

"أنت على دراية بنظامنا بأكمله. لذلك إذا تسربت أي معلومات، فسنعلم أنها تسربت منك. لذلك أطلب منك توخي الحذر حتى في محادثاتك مع زوجتك. لأنك تعلم: كل ما نقوم به ينطوي على أخطار متزايدة. هذه أمور تؤثر في مصالح بلدكم وتعاوننا مع بلدكم".

أوضح صحافي من جمهورية أفريقيا الوسطى في مقابلة مع "هيومن رايتس ووتش" في أبريل 2023، أن "هناك مواضيع يصعب تغطيتها"، قائلاً إن العديد من وسائل الإعلام المحلية تضطر إلى ممارسة الرقابة الذاتية.

وتشمل هذه المواضيع "الجماعات المتمردة المدعومة من روسيا في تشاد، وعمل منجم الذهب التابع لمجموعة ‘فاغنر‘ في نداسيما (وسط جمهورية أفريقيا الوسطى)، والذي يكاد يكون من المستحيل الحديث عنه. قرر أصحاب العمل لدينا أنه يجب علينا أن نكون حذرين للغاية. وقال محاور ‘هيومن رايتس‘: إذا قتل الروس مواطنيهم، فلن يقفوا في حفل مع مواطني أفريقيا الوسطى".

ويشير إفريم ياليكي، إلى أن الروس، في رأيه، فازوا في "حرب المعلومات" في أفريقيا بفضل "الأموال المستثمرة فيها"، وأن الأهداف الدائمة للحملات الإعلامية الروسية تظل بالطبع فرنسا.

"فاغنر" في العالم!

الآن أصبحت "فاغنر" موجودة في بيلاروس، حيث تقوم بتدريب قوات الأمن المحلية - القوات الداخلية والـ"كي جي بي". كما أن "فاغنر"، التي أعيدت تسميتها رسمياً إلى قوة التجريدة الروسية، تدعم الأنظمة العسكرية في أفريقيا: مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى والنيجر وبوركينا فاسو وليبيا.

في مالي، خلال الانقلاب الأخير في مايو 2021، وصل الجيش إلى السلطة بقيادة عاصمي غويتا، الذي أصبح الآن الزعيم الفعلي لمالي. لقد طردوا قوات حفظ السلام الفرنسية من البلاد ويستخدمون مساعدة شركة "فاغنر" مقابل التعدين - مالي غنية بالأخشاب الثمينة والذهب واليورانيوم والليثيوم.

وفي مالي، شاركت "فاغنر" في عملية تحرير أحد أحياء مدينة مورا من المسلحين، وقتل خلال هذه العملية نحو 500 مدني. من المفترض أن "الفاغنريين" أطلقوا النار على جميع الأشخاص الذين أثاروا شكوكهم. "نحن نشعر بالقلق بشكل خاص إزاء التقارير الموثوقة التي تفيد بأن القوات المسلحة المالية، على مدار أيام عدة في أوائل مارس (آذار) 2022، أعدمت، إلى جانب أعضاء مزعومين في مجموعة ‘فاغنر‘، عدة مئات من الأشخاص في قرية مورا الواقعة في وسط مالي". وقالت الوثيقة التي تم توزيعها نيابة عن عدد من خبراء الأمم المتحدة المستقلين "جميع ضحايا هذه الجرائم، كما ذكرنا هنا، ينتمون إلى أقلية عرقية".

وفي المقابل، تعد جمهورية أفريقيا الوسطى تقليدياً أكثر الدول الصديقة لـ"فاغنر". وهناك يقوم أتباع "فاغنر" بتدريب الجيش والشرطة ويشاركون في حماية النظام الحالي. جمهورية أفريقيا الوسطى غنية بالألماس واليورانيوم والذهب والنفط.

وفي ليبيا، تدعم "فاغنر" جيش الجنرال خليفة حفتر. ليبيا اليوم هي أقرب إلى كونفيدرالية، حيث يوجد لعدد من المناطق اقتصاداتها الخاصة وليست تابعة للعاصمة في جميع الأمور. وتسيطر الآن قوات حفتر على نحو 90 في المئة من أراضي البلاد، لكن المنطقة الرئيسة العاصمة طرابلس تسيطر حكومة المجلس الوطني والوحدة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة باعتبارها السلطة الشرعية في ليبيا. تمتلك ليبيا احتياطيات كبيرة من الغاز والنفط.

أثناء محاولة الاستيلاء على طرابلس، أُدين مسلحو "فاغنر" بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك قتل المدنيين واستخدام الألغام المضادة للأفراد في المباني السكنية.

منذ بداية العام، عززت روسيا وجودها العسكري في ليبيا. يتم نقل الأفراد العسكريين العاملين في وزارة الدفاع إلى هناك تحت ستار شركات أمنية، إضافة إلى المجندين من الاتجاه "الأفريقي" لشركة "فاغنر" العسكرية السابقة.

كما حدث انقلاب عسكري في النيجر عام 2021، وتم إنشاء نظام عسكري بحكم الأمر الواقع هناك بقيادة عبد الرحمن تشياني. وتمتلك النيجر احتياطيات ضخمة من اليورانيوم وكذلك النفط والغاز.

تتمتع بوركينا فاسو أيضاً بحكم عسكري بحكم الأمر الواقع. وتوفر "فاغنر" التدريب العسكري والدعم الأمني هناك. البلاد غنية برواسب خامات المنغنيز والنحاس والذهب والفوسفوريت والنيكل والتيتانيوم.

وفي عام 2023، اتهمت وزارة الخزانة الأميركية عناصر "فاغنر" بارتكاب عمليات إطلاق نار جماعي واغتصاب واختطاف أطفال في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي.

كما تم تسجيل تواجد مدربين ومستشارين من "فاغنر" في السودان وموزمبيق وفنزويلا ومدغشقر.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات