Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

سهولة الاقتراض تدفع المصريين إلى "فخ الديون"

سوق التمويل الاستهلاكي تنمو 16.7 في المئة في الربع الثاني من العام الحالي ومحللون يحذرون من التوسع في الشراء خوفاً من التعثر

 وصلت معدلات التضخم في مصر إلى مستويات قياسية عند 39 في المئة في سبتمبر 2023 (أ ف ب)

ملخص

يقول سليمان حمدي، موظف بالقطاع الخاص، إنه بات يعتمد على كارت الائتمان الشخصي في دفع مصروفات المدارس لأولاده في كل عام. ويضيف، "أخيراً تقدمت بطلب للحصول على قرض بقيمة 15 ألف جنيه (301 دولار) من إحدى شركات التمويل الاستهلاكي لسداد رسوم وغرامات تجديد رخصة السيارة الخاصة بي على أن أسدد المبلغ على أقساط"

تقول م ص، "بدأت في الحصول على قروض أو تمويل من إحدى شركات التمويل الاستهلاكي عندما أقدم ابني الأكبر على الزواج بزميلته في الجامعة، وكان لا بد من الوقوف إلى جانبه، خصوصاً بعد فشله في الحصول على فرصة عمل جيدة تدر له راتباً شهرياً معقولاً".

وتضيف السيدة الأربعينية، "مع إلحاح ابني على الزواج اضطررت إلى الذهاب إلى إحدى شركات التمويل الاستهلاكي بصحبة بعض الصديقات للحصول على قرض بقيمة 100 ألف جنيه (2007 دولاراً) خصوصاً مع ضعف الدخل الشهري لزوجي، وبذلك دفعت مقدماً لشقة إيجار وجهزت ابني ببعض الأجهزة حتى تم الزواج".

وبنبرة حزينة وعينين شاردتين تابعت، "كنت أعتقد أنني سأسدد القسط الشهري بنجاح، وهذا ما حدث بالفعل لمدة لا تزيد على 8 أشهر، حتى أصيبت ابنتي الوسطى بمرض نادر، مما استلزم نفقات كثيرة، ودفعني إلى الاقتراض ثانية من شركة أخرى، وشيئاً فشيئاً تعددت القروض وزادت الأقساط وتراكمت الفوائد حتى وصلت إجمالي المديونية مستحقة الدفع إلى 400 ألف جنيه (8002 دولار) وأقساط شهرية متضمنة الفوائد ما لا يقل على 20 ألف جنيه (401 دولار) شهرياً، وأصبحت غير قادرة على السداد ومهددة بالسجن بعدما أقامت الشركة دعاوى قضائية ضدي ومطالبتي بالدفع أو السجن".

ما هو التمويل الاستهلاكي؟

شركات التمويل الاستهلاكي في مصر تقدم أداوت مالية حيوية تسهم في تمكين الأفراد من شراء السلع المعمرة كالأجهزة الإلكترونية والأثاث والسيارات، مع سداد ثمنها على فترات زمنية ممتدة، مما يجعله خياراً جذاباً للأسر من مختلف الطبقات، خصوصاً القطاع العائلي.

ومنذ عام 2020 أصبح التمويل الاستهلاكي أحد أهم الأنشطة المالية غير المصرفية في السوق المصرية، بعدما خضع لرقابة الهيئة العامة للرقابة المالية التي تنظم هذا النشاط بموجب قانون تنظيم نشاط التمويل الاستهلاكي رقم 18 لسنة 2020، مما يضمن تقديم هذه الخدمات وفق ضوابط ومعايير تحمي المستهلكين، وتعزز من ثقتهم في هذه السوق المزدهرة.

ومع ارتفاع معدلات التضخم وتآكل القوة الشرائية وسط الغلاء المستشري أصبح الاقتراض ونظام التقسيط المنقذ، وبات التمويل الاستهلاكي بمثابة طوق النجاة الذي يلجأ إليه المصريون للحصول على حاجاتهم من السلع المعمرة والأجهزة الإلكترونية مع تقسيط المدفوعات على فترات.

وفي السنوات الأخيرة تطور استخدام نظم التمويل الاستهلاكي عند المصريين، فإلى جانب اقتناء السلع المعمرة أصبحوا يستخدمونه في سداد نفقات أخرى بالتقسيط أبرزها سداد نفقات ورسوم التعليم والمدارس لأبنائهم، وبعضهم يسدد المخالفات والغرامات ورسوم تجديد رخص السيارات، بل إن البعض بدأ في شراء الملابس الموسمية في الشتاء والصيف لأبنائهم عبر القروض وكروت الائتمان البنكية.

يقول سليمان حمدي، موظف بالقطاع الخاص، إنه بات يعتمد على كارت الائتمان الشخصي في دفع مصروفات المدارس لأولاده في كل عام. ويضيف، "أخيراً تقدمت بطلب للحصول على قرض بقيمة 15 ألف جنيه (301 دولار) من إحدى شركات التمويل الاستهلاكي لسداد رسوم وغرامات تجديد رخصة السيارة الخاصة بي على أن أسدد المبلغ على أقساط". ويشير إلى أن هذا الأمر أصبح روتينياً عنده منذ ثلاث سنوات تقريباً بسبب الغلاء المرتفع والتضخم.

وعلى رغم أن الكروت الائتمانية وأدوات التمويل الاستهلاكي باتت إحدى أهم الأدوات التي يلجأ إليها المستهلكون عن الحاجة، فإن الإفراط في استخدام تلك الوسائل قد يقود صاحبها إلى السجن في حالة التعثر لأسباب قد تكون خارجة عن الإرادة وسط التحديات الاقتصادية المحيطة.

من جانبه يقول أحد الموظفين بإحدى شركات التمويل الاستهلاكي الذي لم يرد ذكر اسمه، إن "سوق التمويل الاستهلاكي في مصر تتطور عاماً بعد عام وتشهد إقبالاً كبيراً من المستهلكين مع ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم التي قفزت بصورة كبيرة منذ عام 2022"، مضيفاً أنه "على رغم أن هناك زيادة غير مسبوقة في الاعتماد على القروض من الشركة التي أعمل بها في العام الحالي، فإن نسبة التعثر من بين العملاء لا تقل عن 25 في المئة تقريباً، بينما ارتفع عدد الدعاوى القضائية التي أقامتها الشركة على المقترضين المتعثرين زادت أيضاً بنسبة لا تقل عن 10 في المئة في العام الحالي".

اقرأ المزيد

ووصلت معدلات التضخم في مصر إلى مستويات قياسية خلال العام الماضي، بعدما سجل التضخم خلال سبتمبر (أيلول) 2023 نحو 39 في المئة، قبل أن تتراجع تلك النسبة بصورة تدريجية خلال العام الحالي 2024 حتى هبط إلى 26.40 في المئة في الشهر نفسه من العام الحالي.

وكافح البنك المركزي المصري التضخم المرتفع بصورة غير مسبوقة باتخاذ عدد من الإجراءات التي دفعت معدلات التضخم إلى النزول، ومنها رفع أسعار الفائدة، إذ رفع البنك أسعار الفائدة 11 مرة منذ مارس (آذار) 2022 بإجمالي 19 في المئة، منها ثمانية في المئة خلال اجتماعات 2022 على أربع مرات وثلاثة في المئة خلال اجتماعات عام 2023 على مرتين، وثمانية في المئة خلال العام الحالي على مرتين، منها ستة في المئة دفعة واحدة خلال مارس الماضي.

بينما أبقت لجنة السياسة النقدية في آخر اجتماعاتها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسة للبنك المركزي عند 27.25 في المئة و28.25 في المئة و27.75 في المئة على الترتيب، والإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند 27.75 في المئة.

وجاء هذا التثبيت وفق توقعات غالبية بنوك وشركات الاستثمار التي كانت ترجح أن يتجه البنك المركزي المصري إلى تثبيت أسعار الفائدة في ظل انحسار الضغوط التضخمية.

نمو ملحوظ في الربع الثاني والأجهزة الكهربائية في الصدارة

ووفقاً لبيانات الهيئة العامة للرقابة المالية شهدت سوق التمويل الاستهلاكي نمواً ملحوظاً بنحو 16.7 في المئة، ليصل إلى 12 مليار جنيه (240 مليون دولار) خلال الربع الثاني من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023. وارتفع عدد العملاء المستفيدين بنسبة 12.9 في المئة ليصل إلى 963.9 ألف عميل في الربع الثاني من 2024، مقابل 854.1 ألف عميل في الفترة نفسها من العام الماضي، مما يدل على زيادة الاعتماد على خدمات التمويل الاستهلاكي لاقتناء الحاجات الأساسية للمواطنين.وأوضحت البيانات مشتريات الأجهزة الكهربائية والإلكترونيات بنظام التمويل الاستهلاكي جاءت في المقدمة، بعدما استحوذا على 28.46 في المئة من حجم التمويلات خلال الربع الثاني من عام 2024 بقيمة 3.4 مليار جنيه (68 مليون دولار)، ثم حل تمويل السيارات والمركبات في المركز الثاني بنسبة 23.37 في المئة، وبقيمة 2.8 مليار جنيه (56 مليون دولار).

ويصل حجم سوق التمويل الاستهلاكي في مصر إلى نحو 50 مليار جنيه سنوياً (نحو مليار دولار)، ويضم نحو 40 شركة مرخصة من أشهرها "كونتكت" و"أمان" و"فاليو" و"بلينك" و"مصاري"، وغيرها.

وتتنافس تلك الشركات فيما بينها على تقديم مزايا تنافسية تجذب المستهلكين، مثل برامج التقسيط بفوائد مخفضة أو من دون فوائد لفترات معينة، مما يسهم في جذب شريحة أكبر من العملاء.

أداة تمويلية ضرورية

من جانبه يقول أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة هشام إبراهيم إن "هذا النوع من التمويل يحفز الاستهلاك ويسهم في تحريك عجلة الاقتصاد"، مضيفاً في تصريحات صحافية، "يتيح أيضاً للأسر الحصول على حاجاتها من دون الشعور بالضغط المالي الكبير، خصوصاً في ظل تراجع قيمة العملة المحلية وارتفاع أعباء الحياة"، معتبراً أن "التمويل الاستهلاكي يشكل حلاً مالياً سريعاً وفعالاً يتيح للمواطنين اقتناء السلع التي يحتاجون إليها من دون الحاجة إلى دفع كامل ثمنها مقدماً".

أخطار التعثر عن السداد

من جانبه يحذر المحلل الاقتصادي مصطفى بدرة من أخطار التعثر وعدم القدرة على سداد الأقساط في المواعيد المحددة". ويشير إلى أن "كل الخطر عن تراكم الديون والفوائد المتأخرة، مما يجعل من الصعب على العملاء الوفاء بالتزاماتهم المالية".

ويطالب بدرة عملاء التمويل الاستهلاكي بعدم التوسع غير المحسوب في الاعتماد على التمويل، إذ إنه يمكن أن يكون عبئاً مالياً للأسر إذا لم يتم التعامل معه بحذر، لذلك يجب على المستهلكين تقييم قدرتهم على السداد قبل الإقدام على الاقتراض، مع تجنب اللجوء إلى التمويل الاستهلاكي إلا في حالات الضرورة الملحة".