Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تقسيم سوريا... هل تتوارى "الفزاعة" أم يدخل حيز التنفيذ؟

مع اقتراب نهاية الأسد برز الحديث مجدداً عن "الكيان السني" في إشارة إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة في إدلب

ملخص

أدت التحولات السياسية في سوريا إلى تبدل خرائط إقليمها ومساحته وأوزان اللاعبين المؤثرين فيه حتى شملت التغيرات ألوان علم البلاد وشعارها واسمها الرسمي، وقد شهدت الدولة السورية عمليات مختلفة ومستمرة لإعادة بناء الدولة وتشكيلها.

على خلاف ما روجت له الآلة الدعائية للنظام السوري على مدار 13 عاماً من أن سقوط نظام بشار الأسد سيعني تقسيم سوريا حتماً إلى دويلات وتفتيتها إلى كيانات طائفية وعرقية، كنتيجة طبيعية لتحول الثورة إلى حالة الحرب الأهلية على مدار سنوات، ولكن مع انهيار رأس النظام تبرز من جديد زاوية حاسمة في مراقبة اتجاهات الوضع السوري الراهن بعد إعلان المعارضة عن دخولها إلى العاصمة دمشق ورحيل بشار الأسد، ومتابعة مسارات إعادة بناء الدولة السورية لنفسها، وهو مدى تمسك قوى المرحلة الانتقالية بوحدة الدولة السورية ومركزيتها، في مقابل الدعوات إلى الفيدرالية. فهل ما حدث صبيحة أول من أمس الأحد الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الجاري يعد إعلاناً لنهاية فزاعة التقسيم التي استخدمها النظام وداعموه لتشويه المعارضة، أم بداية فعلية لتنفيذ مخطط الفيدرالية أو التقسيم الفعلي؟

تاريخياً أدت التحولات السياسية في سوريا إلى تبدل خرائط إقليمها ومساحته وأوزان اللاعبين المؤثرين فيه حتى شملت التغيرات ألوان علم البلاد وشعارها واسمها الرسمي، وقد شهدت الدولة السورية عمليات مختلفة ومستمرة لإعادة بناء الدولة وتشكيلها بداية من الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان وتقسيم البلاد عام 1920 وإخضاعها للحكم المباشر تحت "الاتحاد الفيدرالي السوري" عام 1922، مروراً بالوحدة بين دمشق وحلب داخل "الدولة السورية" عام 1925، مروراً، أيضاً، باستقلال لبنان عن سوريا الفرنسية عام 1943، ووصولاً إلى نهاية أولى محاولات الوحدة العربية، وخروج دمشق عن عباءة "الجمهورية العربية المتحدة" بانفصال سوريا عن مصر بعد انقلاب عسكري سوري عام 1961، ثم خسارة هضبة الجولان أمام إسرائيل التي تحتلها منذ حرب 1967، ليضاف كإقليم حدودي محتل داخل الدولة السورية جنباً إلى جنب مع خسارة إقليم لواء إسكندرون الحدودي السوري الذي تحول اسمه إلى "محافظة هاتاي" التركية.

 

ويرى مراقبون أن سوريا أمام أول تحول سياسي في تاريخها لا يتم من خلال انقلاب عسكري كما جرى خلال حقبة الخمسينيات والستينيات وما بعدها، وأن نهاية نظام الحزب الواحد الذي سيطر على الدولة المركزية السورية لمدة تجاوزت نصف قرن، وهرب رئيسه بشار الأسد عن العاصمة بعد 11 يوماً عن بدء الهجوم المفاجئ عليها بعد أن ظل ممسكاً بسلطته بها في وجه الثورة عليه لمدة زادت عن العقد، سيكون بمثابة نهاية للنظام وليس انهياراً للدولة السورية، كما يرى النظام، ويعتقد البعض أن نهاية النظام المفاجئة للبعض استغرقت سنوات وكانت متوقعة، ومن ثم فإن الحالة السورية مهيأة للانتقال إلى مرحلة جديدة يمكن أن يتحدد فيها شكل الدولة بناءً على دستورها المستقبلي، ولكنها تظل أمام سيناريوهات الأمر الواقع والتدخلات الإقليمية التي يمكن أن تؤدي إلى تصعيد وتفاقم الصراع، وبخاصة مع خسارة إيران أحد أقوى حلفائها من أنظمة وميليشياتها بالمنطقة على حد سواء، ووضع الميليشيات المدعومة منها في سوريا بعد سقوط الأسد، ودور وموقف ومستقبل الحضور والوجود العسكري للولايات المتحدة وروسيا في سوريا، ومسارات الصراع بين تركيا والأكراد.

فزاعة تقسيم سوريا

ظل الحديث عن "وحدة سوريا" مركزياً في خطاب النظام على مدار سنوات الأزمة تبريراً لما يقوم به من عمليات عسكرية وأمنية لقمع انتفاضة الشعب ومواجهة التنظيمات الإرهابية التي ظهرت على ساحة الفوضى السورية خلال السنوات الأخيرة، وفي اتصاله الهاتفي الأخير مع نظيره الإيراني مسعود بزشكيان، وقبيل أيام من رحيله عن قصره الرئاسي، حذر الرئيس السوري السابق بشار الأسد من أن الغرب يحاول تقسيم سوريا، واصفاً ما يجري من تصعيد في سوريا والمنطقة بـ"محاولات لتفتيت دول المنطقة وإعادة رسم الخرائط من جديد".

ومن خلال هذه "الفزاعة" تمكن النظام ليس فقط من سحق معارضيه، بل ساعدته في تحسين صورته إقليمياً ودولياً ومد الجسور نحو الخصوم من جيرانه الداعمين للثورة والمتوجسين من ظهور كيانات انفصالية على انقاض سوريا كما هي الحال بين تركيا والأكراد في شمال شرقي سوريا، لتبدأ مرحلة التقارب الأخيرة بين أنقرة ودمشق، فضلاً عن حشد مزيد من دعم مؤيديه عبر التخويف من ظهور كيان يسيطر عليه المتطرفون، والتأثير في مواقف دول المنطقة المتمسكة برفض سيناريو التفتيت، فضلاً عن مخاطبة مصالح بعض القوى الكبرى في العالم مثل روسيا والصين.

ويذهب حسام طالب الكاتب والباحث السياسي السوري إلى أن "النظام نجح لعقود في خداع الشعب السوري من خلال فزاعة تقسيم سوريا ونشرها للإرهاب في المنطقة، مما جعل هناك التفافاً حوله منعاً لتقسيم سوريا، لكن بعد سقوط النظام تبين أن النظام هو من أسس لتقسيم سوريا وجعلها ساحة للفوضى، بتطبيق شعاره إما أنا، وإما الفوضى، بعد دخول المعارضة وأدائها الأخلاقي والإنساني مع كل مكونات الشعب السوري، وكان هذا غائباً عن الشعب السوري، ما سهل دخول المعارضة لدمشق نتيجة انتهاء وهم هذه الفزاعة، ولكن ما زلنا في خطر التقسيم، وهناك حاجة إلى توحيد فصائل المعارضة وقوات الجيش لتجاوز خطر التقسيم، وتجاوز هذه المرحلة مبدئياً".

الكيان السني أم الكردي؟

مع اقتراب نهاية الأسد برز الحديث مجدداً عن "الكيان السني" في إشارة إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة السورية في إدلب، إضافة إلى مساحات تقدمها في محافظات حلب وحماة وحمص، وأن ما يجري أصبح إعلاناً لظهور هذا الكيان، لتعيد للأذهان تجربة ولادة "روج آفا" في شمال شرقي سوريا، حينما أعلن الأكراد في مارس (آذار) 2016 من محافظة الحسكة (شمال شرق)، عن إقرار النظام الفيدرالي في المناطق الخاضعة لسيطرتهم شمال البلاد، وهو ما رفضه النظام ومعظم المعارضة السورية آنذاك أيضاً، لكن هذا الموقف لم يمنع الأكراد من بقاء سيطرتهم على ثلث مساحة سوريا. يضاف إلى ذلك الآن، مما يشار إليه بالكيان العلوي في الساحل الذي قامت عليه سوريا الأسد وكرسته سنوات الحرب الأهلية والانقسام، وأخيراً يطل من جديد الكيان الدرزي في السويداء ذات الغالبية الدرزية، مع مشاركة التشكيلات المسلحة المحلية من السويداء ودرعا الجارتين في الجنوب السوري المحاذيتين للحدود مع الأردن في غرفة العمليات المشتركة لفصائل المعارضة السورية لإسقاط النظام.

بدوره يعتقد حسام طالب أن "سيناريو ظهور كنتونات طائفية في سوريا، بخاصة سنياً كان قائماً قبل فترة، وتعزز بتكريس الوضع الانقسامي الراهن الذي ظل لسنوات خلال سيطرة النظام، لكن هناك وضعاً مختلفاً مع تعامل المعارضة السورية في حمص وحلب وحماة مع الطوائف والإثنيات المختلفة بطريقة استيعابية وبداية حالة يمكن خلالها توحيد القوى السياسية السورية، والتفاف الشعب حول المعارضة، لكي لا يكون هناك كيان سوى الجمهورية العربية السورية لكل السوريين، لكن لا يزال خطر التقسيم قائماً إذا لم يتوحد السوريون في مؤسسات واحدة سواء الدفاع والأمن والبرلمان والحكومة، وبخاصة في ظل التدخلات الأميركية والتركية في شمال سوريا، والضربات الإسرائيلية المتكررة".

ويعتقد البعض أنه لم يعد هناك مبرر لوجود كيان سني في ظل تحول ميزان القوى نحو المكون السني ليصبح ممثلاً في معادلة السلطة والحكم في مستقبل سوريا، وأن هذا الفاعل الجديد في المشهد السوري يوازيه في القوة المكون الكردي الآن، وليس العلوي، ومن الممكن أن تنشب الخلافات بين الجانبين على أساس العلاقة بالنظام خلال الثورة والتباين الأيديولوجي بين الجانبين.

من جانبه يرى السيد عبدالفتاح الباحث في الشأن الكردي مدير "مركز القاهرة للدراسات الكردية" أن النظام السوري كان يتيح للأكراد هامش حرية وسلطة أكبر في ظل ضعف النظام، وفقدانه السيطرة على مساحة واسعة من شمال سوريا، ولكن الخطر الأكبر كان على مشروع الأكراد كان تركيا، ولذلك من الممكن أن تلجأ تركيا والفصائل المعارضة المدعومة منها، بصورة مباشرة، بمحاولة إزاحة السيطرة الكردية على بعض المناطق، بخاصة أن بعض التشكيلات المسلحة المدعومة مباشرة من تركيا دخلت في اشتباكات بالفعل مع "قسد" في بعض مناطق سيطرتها، وحالياً لا يمكن القول إن الأكراد هم أكبر الخاسرين بعد الأسد، طالما استمر تحالفهم مع الولايات المتحدة التي ستحافظ على مناطق نفوذها ووجودها العسكري في سوريا، ولكن وضع الأكراد لم يعد سهلاً بعد الآن، وبخاصة بعد تأكيد أنقرة على عدم قبولها شرعية أي فرع لـ"حزب العمال الكردستاني"، وإمكانية استعادة المعارضة بعض المناطق ذات الغالبية العربية التي تنتشر فيها "قوات سوريا الديمقراطية" ذات الغالبية الكردية مثل دير الزور ومنبج. ولفت الباحث، كذلك، إلى حدة الخلافات الأيديولوجية بين المعارضة والأكراد، إذ ينظر البعض من أطراف المعارضة ذات الخلفية الدينية للأكراد كطرف علماني أو يصل الأمر للاتهام الصريح "بالإلحاد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي مقابل الحديث عن الغلبة للمكون السني وقوى المعارضة، قال القائد بإدارة العمليات العسكرية في المعارضة السورية أحمد الشرع، عقب وصوله إلى دمشق إن "النصر الذي تحقق هو نصر لكل السوريين"، وشدد على أن "الرئيس المخلوع بشار الأسد نشر الطائفية واليوم بلدنا لنا جميعاً"، مع إعلانه بقاء رئيس حكومة النظام السوري السابق محمد غازي الجلالي مشرفاً على المؤسسات العامة حتى تسليمها.

وعلى أي حال، يؤكد عبدالفتاح أن التمسك بالإدارة الذاتية للمناطق الكردية التي تسيطر عليها "قسد" سيظل مطلباً أساساً للمكون الكردي في شمال سوريا، فالجميع يرفع شعار "سوريا الموحدة"، لكن سيتمسك الأكراد، إلى جانب ذلك، بالإدارة الذاتية أي الحكومة المحلية التي تدير المنطقة، إضافة إلى صيغة مناسبة لدمج ميليشيات "قسد" في الجيش السوري النظامي، وحتى الآن "يهدد تطور المشهد السوري بعض مكاسب القوى الكردية، لكنه يتيح أمامها فرصاً أخرى لم تكن قائمة في ظل النظام، مثل سيطرتها على مطار القامشلي بعد فقدان النظام له أخيراً، أما على المدى البعيد فهي تطمح إلى وضع يكون شبيهاً بسلطة إقليم كردستان العراق".

هل بدأ سيناريو التقسيم؟

لا يزال الصراع في سوريا مستمراً، ومن المبكر الحديث عن مآلات ما يحدث، ولكن مع ختام مشهد رحيل الأسد، ستدخل سوريا مرحلة جديدة من التجاذبات والاستقطابات التي تفرضها طبيعة الساحة السورية المتنوعة طائفياً وعرقياً ومناطقياً، إذ سيكون شكل الدولة السورية وتقاسم السلطة فيها ودور الجيش الوطني السوري النظامي المستقبلي، ومحددات أساسية في ما يتعلق بوحدة سوريا أرضاً وشعباً ومستوى مركزية نظام الحكم والإدارة.

وعلى رغم الضربات الإسرائيلية القاسمة التي تعرض لها "حزب الله" في لبنان، تثور التساؤلات في شأن موقف الحزب وحضوره السوري، وبخاصة في ظل تقدير واشنطن على لسان مبعوثها آموس هوكشتاين أن الوضع في سوريا يضعف "حزب الله" وإيران، مما يعني أن سوريا لا تزال في وجهة نظر واشنطن ساحة لتصفية الحسابات مع خصومها في المنطقة، ولا يختلف الموقف بالنسبة إلى الميليشيات العراقية المدعومة من إيران، وهذا ما عكسته مطالبة أبو محمد الجولاني قائد "هيئة تحرير الشام" الذي بدأ في استخدام اسمه الحقيقي، أحمد الشرع، لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بعدم تدخل ميليشيات "الحشد الشعبي" في سوريا، وأن "ينأى بالعراق من أن يدخل في أتون حرب جديدة".

وبينما ظهر الشرع في مقطع شهير خلال إدارته المعارك في مقطع مصور يحذر فيه من تدخل عراقي بعد اتصال السوداني بالأسد، أكد الناطق باسم الحكومة العراقية باسم العوادى أن بلده لا يسعى إلى التدخل العسكري في سوريا، محذراً من أن تقسيم سوريا "خط أحمر للعراق".

ويرى هيثم الربضي المحلل السياسي المتخصص في الشأن السوري "أن سيناريو شبح التقسيم لا يزال وارداً وخطراً حقيقياً يجب معالجته من الداخل السوري، بداية من قرار شعبي وحدوي، ومن قرارات الفصائل التي تدير عملية تحرير سوريا أو تغيير نظام حكمها، لأنه من الواضح توحد الفصائل بغاية واضحة وهي إسقاط النظام، ولكنها مختلفة في بقية الجوانب، سواء المشارب الفكرية والولاءات والتحالفات الإقليمية والدولية، والآن تقسيم سوريا خطر قائم فعلياً وأشد مما سبق بسبب الخوف من النزاعات الثأرية والطائفية والمناطقية أن تتغلغل داخل الثوار ومكونات الشعب السوري، ويكون هناك عدم صفح عن أخطاء الماضي من قبل كل الأطراف، فيلزم قرار شعبي بالمصالحة الوطنية العامة من دون استثناء، وقرار واحد من المعارضة السورية بالداخل والخارج حول شكل الدولة السورية المستقبلية، إضافة إلى الإرادة الدولية، فالقرار الدولي حالياً لا يطمئن كثيرين إلى أنه مع وحدة سوريا، وخلال الشهرين المقبلين سيتضح المشهد في سوريا بصورة واضحة مع بدء تشكيل حكومة انتقالية والولاية الجديدة للرئيس الأميركي دونالد ترمب".

هل تعود عجلة التاريخ؟

وينظر بعض المؤرخين إلى الحكم في سوريا وعلاقاتها بجيرانها كتاريخ من الانقسامات وتبدل التحالفات وأوزان القوى المسيطرة في الداخل وفقاً لعلاقاتها الإقليمية وتحالفاتها الدولية أيضاً، إذ تعود سوريا من جديد إلى سياق أشبه بمرحلة ظهورها وبدايات استقلالها، إذ تعود الانقسامات التاريخية لتفرض نفسها على المشهد، جنباً إلى جنب مع الانقسامات المتكرسة التي فرضتها سنوات الحرب السورية.

فعملية بناء الدولة السورية كانت أبرز تحولات السياسة في المشرق العربي خلال مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، هذا ما يراه جمال عبدالجواد المتخصص في "مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية" بالقاهرة، إذ يؤكد أن سيناريو تقاسم سوريا أو تقسيمها والطمع في السيطرة عليها كان قائماً دوماً سواء من القوى الإقليمية الجارة لسوريا أو من جانب الدول العظمى، "فمنذ ظهور الدول العربية حديثة الاستقلال، للمرة الأولى، بعد انتهاء الحكم العثماني، بقيت سوريا تحت الحكم الفرنسي المباشر، بينما كانت هناك دولتا العراق والأردن، تحت حكم الهاشميين، وتنافسوا في ما بينهم للفوز بسوريا، مرة باسم الوحدة السورية، وأخرى تحت شعار وحدة الهلال الخصيب، كخطوات تمهيدية لوحدة عربية. كانت هناك أيضاً دولتا مصر والسعودية، اللتان قاومتا هذه الخطط خوفاً من ظهور دولة تهيمن على المنطقة".

وطوال تاريخ سوريا انقسم السياسيون إلى وحدويين واستقلاليين، لكن هذه الانقسامات ظلت انعكاساً لصراعات النفوذ بين الدول الناشئة في المنطقة، وتعاظم الانقسام خلال فترة الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن، ومرحلة الانقلابات العسكرية المدعومة سوفياتياً في سوريا، في مقابل التهديد المتكرر بغزو تركي مدعوم أميركياً، وصولاً إلى وقوعها في قبضة نظام الرئيس الراحل حافظ الأسد، للتحول إلى لاعب إقليمي بالمنطقة، وتنتقل من مرحلة الدولة المخترقة، إلى الدولة المتدخلة في شؤون دول المشرق العربي وبخاصة بعد فرضه سيطرة كاملة على لبنان ظلت حتى اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري عام 2005، وفقاً لعبدالجواد.

ويستطرد الباحث "التحولات في ميزان القوى الدولية نتيجة انشغال روسيا في أوكرانيا والهزيمة التي لحقت بـ"حزب الله" وإيران على يد إسرائيل، أفقدت النظام أهم داعميه، ومع تراجع هذا المعسكر، وتحرك الميليشيات لتخليص دمشق من التعبية لطهران، ربما ستبحث سوريا ما بعد الأسد عن اللجوء إلى حليف جديد".

من جانبه يحذر إبراهيم كابان الكاتب والباحث السياسي من عدم العقلانية في التعامل مع التناقضات السورية، سواء من جانب المعارضة أو المجتمع الدولي، واحتمال تكرار تجربة فشل المعارضة السورية في السيطرة على نحو 70 في المئة من الأراضي السورية خلال السنوات الماضية، مشيراً إلى الخشية من التنوع الديني والقومي داخل المجتمع السوري مع وصول تيار يصنف على أنه "من السلفية والإخوان" إلى السلطة.

ويستكمل الكاتب، "إذا لم تتجه القوى التي غيرت النظام نحو العقلانية سنكون أمام استنساخ لحال العراق مجدداً في سوريا، وإذا لم يتجاوز التغيير الحاصل محنة الصراع الطائفي والقومي، سندخل في مرحلة خطرة جداً، وإذا لم تتوجه السلطة الجديدة إلى حل وطني سوري للقضية الكردية سندخل في صراعات جديدة، وعلينا أن نفهم الواقع الذي أوصل سوريا لهذا الحد، مثل الصراع المذهبي، وإنكار الآخر، وإنكار المسألة الكردية، والانفراد بالسلطة، في مقابل المأمول من دولة تحترم الحق الكردي ضمن إطار الدولة السورية واحترام التنوع الديني بالمجتمع، ويمكن لتجربة كهذه أن تنجح في دعم الدول العربية والمجتمع الدولي".

المزيد من تحلیل