Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

فرنسا وإسرائيل... بين التضاد والتقارب في القضايا العربية

يعد مراقبون أن تل أبيب لا ترى في باريس حليفاً استراتيجياً بل مجرد دولة صديقة

نتنياهو وماكرون في مؤتمر صحافي مشترك سابق (أ ب)

ملخص

تبقى العلاقة بين إسرائيل وفرنسا نموذجاً معقداً يتأرجح بين التعاون السياسي والتباين في المواقف. وفي وقت تسعى فيه فرنسا إلى الحفاظ على موقفها المتوازن، يظل تأثيرها في مسار الصراع العربي - الإسرائيلي محدوداً أمام تعقيدات الواقع الإقليمي.

تتميز العلاقات بين إسرائيل وفرنسا بالتعقيد، إذ تجمعهما روابط سياسية واقتصادية عدة، لكنها تتخللها أيضاً توترات وصراعات في مواقف البلدين تجاه قضايا إقليمية حساسة. على رغم التعاون بينهما في مجالات عدة، فإن الخلافات حول القضية الفلسطينية وحرب غزة أدت إلى فتور في العلاقة. في الأعوام الأخيرة، اتخذت فرنسا مواقف انتقدتها إسرائيل، مثل منع بيع الأسلحة الفرنسية لتل أبيب أو منع الشركات الإسرائيلية من المشاركة في مؤتمرات دولية، مما أثار استياء إسرائيلياً واسعاً. هذه التوترات تؤثر بصورة واضحة على تطورات العلاقة الثنائية، وتلقي بظلالها على عدد من الملفات الإقليمية، مما يجعل من فهم هذه الديناميكيات أمراً بالغ الأهمية في سياق التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.

الخلافات في شأن غزة لا لبنان

وعبر المحلل السياسي الإسرائيلي، إيال زيسر في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، عن اعتقاده أن رفض إسرائيل مشاركة فرنسا في اللجنة المكلفة تنفيذ القرار 1701 في جنوب لبنان يعود إلى أسباب عدة، أولها سياسة فرنسا تجاه إسرائيل، التي شملت منع بيع الأسلحة لإسرائيل، إضافة إلى منع الشركات الإسرائيلية من المشاركة في بعض المؤتمرات التجارية داخل فرنسا. كما أشار إلى أن فرنسا اعتمدت على قرار صادر عن المحكمة الدولية قبل التوقيع على اتفاق معين، مما جعلها تتبع سياسة أثارت استياء الحكومة الإسرائيلية. هذه الإجراءات أسهمت في رفض إسرائيل مشاركة فرنسا في لجنة متابعة خاصة بلبنان.

ويرى الباحث زيسر أن "الفارق بين مواقف إسرائيل وفرنسا في شأن لبنان ليس كبيراً". ووفقاً لرؤيته، فإن "التوتر بين الدولتين يتركز بصورة أساسية حول قضية حرب غزة ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حل الدولتين".
ويعد زيسر أن "الانتقادات الفرنسية تجاه إسرائيل في ما يخص لبنان كانت أقل حدة مقارنة بالانتقادات التي وجهتها فرنسا حول الأحداث في غزة". كما يتوقع زيسر "تشكيل اللجنة التي اتفق عليها لمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، مع وجود الجنرالين الأميركي والفرنسي في بيروت، كما هو مقرر". ويضيف إيال زيسر، أنه "إذا بدأ الجيش اللبناني بتطبيق الاتفاق، ستنسحب إسرائيل من جنوب لبنان إلى الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة".
أما بالنسبة إلى المطلب اللبناني بترسيم الحدود البرية، فيتوقع زيسر أن تُجرى مفاوضات في شأن هذا الموضوع، لكنه لا يعتقد أنها ستؤثر في قرار إسرائيل بالانسحاب من الجنوب. كما أوضح أنه "إذا تأكدت إسرائيل من أن الاتفاق يتم تنفيذه كما هو منصوص عليه، فإن الانسحاب الإسرائيلي سيتم خلال 60 يوماً".


أسباب فرنسية داخلية

وعلى جانب آخر يؤكد الباحث إيال زيسر أن "التصريحات الفرنسية تعزى بصورة أساسية إلى أسباب داخلية"، مشيراً إلى أن "مواقف الرئيس إيمانويل ماكرون توجه بدرجة كبيرة إلى الشق المسلم والعربي داخل فرنسا. ومع ذلك، لا ينظر إليها على أنها مواقف جدية، بل تعد تصريحات ذات طابع استهلاكي سياسي".

وفي شأن العلاقات بين فرنسا وإسرائيل، يوضح زيسر أن "هناك توتراً يعود إلى خلافات جوهرية تتعلق بالقضية الفلسطينية. إسرائيل لا تعد فرنسا حليفاً استراتيجياً، بل تراها دولة صديقة تربطها بها علاقات مهمة، لكنها لا تعدو كونها أكثر من ذلك. بالنسبة لإسرائيل، يظل الحليف الأساسي هو الولايات المتحدة".

تباين حول حل الدولتين والقضية الفلسطينية

للبحث بصورة أعمق حول هذا الموضوع، صرح الباحث في الشأن الفرنسي رامي خليفة العلي بأن "فرنسا حرصت على مدى العقود الماضية، منذ عهد الجنرال ديغول وحتى الآن، على أن يكون لها موقف متوازن تجاه الصراع العربي- الإسرائيلي، سواء في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو غيرها من القضايا العربية". وأضاف أن "هذا الموقف الفرنسي كان في بعض الأحيان يصطدم بالموقف الإسرائيلي، من ثم كانت هناك بعض التوترات. على سبيل المثال، عندما زار الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك بيت الشرق في القدس الشرقية، تعرض لمضايقات من عناصر وزارة الأمن الإسرائيلية". وبيّن العلي أن "إسرائيل كانت ترغب في أن يكون هناك دعم فرنسي لها مماثل للدعم الأميركي، بينما يسعى الجانب الفرنسي للحفاظ على موقف متوازن".

كما يشير الباحث إلى أن "التوجهات العامة للسياسة الفرنسية كانت محل رفض من قبل الجانب الإسرائيلي، خصوصاً في ما يتعلق بمبدأ حل الدولتين. ففي حين يرى الجانب الفرنسي أن حل الصراع يتمثل في إقامة دولتين، مع دولة فلسطين قابلة للحياة، من خلال المفاوضات، يرفض الجانب الإسرائيلي هذا الطرح".
وبخصوص تأثير فرنسا على مجرى القضية الفلسطينية، يعتقد الباحث رامي خليفة العلي أن هذا التأثير محدود للغاية. فمنذ نهاية الحرب الباردة، أي منذ التسعينيات، بدأت إسرائيل بمحاولة عزل الأطراف الخارجية عن التأثير في المفاوضات بين إسرائيل والدول العربية. كما سعت إسرائيل جاهدة للتأثير في الولايات المتحدة، مما أسهم في إضعاف عملية السلام". وأكد العلي أن "هذا الوضع كان له تأثير كبير في قدرة فرنسا في التأثير الفعلي على مجريات الأمور".

اقرأ المزيد


فرنسا من دون "مخالب" بالنسبة لقضية فلسطين

كما أكد رامي خليفة العلي أن الجانب الفرنسي ليس لديه تأثير حقيقي على مجرى القضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن فرنسا لا تمتلك "مخالب" يمكن أن تؤثر بصورة كبيرة في التطورات المتعلقة بالقضية. وقال العلي، إن "فرض فرنسا عقوبات قاسية على إسرائيل يعد أمراً غير ممكن، لأن ذلك ستكون له انعكاسات داخلية حادة، وقد يؤدي إلى انحياز واضح لمصلحة فلسطين على حساب إسرائيل، وهو ما يتعارض مع السياسة الفرنسية التقليدية التي تسعى للحفاظ على التوازن في مواقفها".

وتحدث الباحث في الشأن الفرنسي عن التغيرات في المواقف الفرنسية، مشيراً إلى أن "باريس خلال الحرب في قطاع غزة كانت تميل بشدة لمصلحة إسرائيل، لدرجة أن الرئيس الفرنسي دعا إلى إقامة 'تحالف المواجهة' ضد ’حماس’. لكن سرعان ما تراجع عن هذا الموقف، وعاد إلى سياسته التقليدية التي تدعو إلى تبادل المختطفين الإسرائيليين مقابل إيصال المساعدات والدعوة لوقف إطلاق النار. هذا التغير في الموقف الفرنسي لم يرض إسرائيل وزاد من غضبها، خصوصاً عندما دعا الرئيس ماكرون إلى وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، كما امتنعت فرنسا عن دعوة الشركات الإسرائيلية للمشاركة في المعارض العسكرية. هذه المواقف المتغيرة أدت إلى توتر العلاقات بين الطرفين".

وفي اعتقاد الباحث رامي خليفة العلي، لا توجد أزمة حقيقية بين فرنسا وإسرائيل، ولكن هناك تباينات في المواقف، إذ رفضت فرنسا تطبيق قرار محكمة الجنائية الدولية القاضي بالقبض على كل من نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت. ويعتقد العلي أن هذه الخلافات بين الجانبين هي "زوبعة في فنجان" أكثر منها خلافات حقيقية وجوهرية.

إسرائيل وفرنسا: توازن هش في ظل التحولات الإقليمية

ختاماً، تبقى العلاقة بين إسرائيل وفرنسا نموذجاً معقداً يتأرجح بين التعاون السياسي والتباين في المواقف. وفي وقت تسعى فيه فرنسا إلى الحفاظ على موقفها المتوازن، يظل تأثيرها في مسار الصراع العربي - الإسرائيلي محدوداً أمام تعقيدات الواقع الإقليمي. ومع استمرار التحولات السياسية والدولية، يبقى التساؤل قائماً: هل ستتمكن فرنسا من لعب دور مؤثر في عملية السلام، أم إن تأثيرها سيظل خاضعاً للضغوط السياسية والتحديات الكبرى في المنطقة؟

المزيد من تقارير