ملخص
في تقريره الأخير يشير المعهد إلى أن الزيادة في أسعار الأغذية ستكون أكبر التحديات أمام الأسر البريطانية العام المقبل وستأتي على ثلاث مراحل. المرحلة الأولى مع بداية السنة المالية الجديدة مطلع أبريل (نيسان) حين يبدأ تطبيق الزيادة في مساهمات التأمينات الاجتماعية وفي مستوى الأجر المعيشي
لم تكد تمر ستة أشهر على حكومة حزب العمال في الحكم ببريطانيا حتى بدأت الأخبار الاقتصادية السلبية تتوالى، على رغم وعود زعيم الحزب ورئيس الوزراء كير ستارمر ووزيرة خزانته راتشيل ريفز بجعل النمو والانتعاش الاقتصادي أولوية. وأبى العام الحالي 2024 أن ينتهي من دون مجموعة من البيانات والأرقام السلبية التي عزا بعض المحللين السبب فيها إلى أول موازنة لحكومة ستارمر التي أعلنتها ريفز نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وتضمنت زيادة الضرائب بما يصل إلى 40 مليار جنيه استرليني (50.5 مليار دولار).
ومع أن وزيرة الخزانة حذرت من احتمال الأنباء السيئة بإعلانها فور تولي الحكومة الجديدة السلطة إثر فوز حزب العمال بانتخابات يوليو (تموز) الماضي من أنها وحدت فجوة في المالية العامة تركتها حكومة حزب المحافظين بنحو 22 مليار جنيه استرليني (27.8 مليار دولار)، إلا أن الاقتصاديين والمحللين يرون أن سياسات العمال حتى في الأشهر القليلة الماضية أو تصريحاتهم بشأن السياسة الاقتصادية هي المسؤولة عن التراجع الاقتصادي.
لكن أسوأ كابوس هو ما أعلنه معهد توزيع البقالة هذا الأسبوع من أن أسعار الأغذية للأسر البريطانية سترتفع بنسبة 5 في المئة في الأقل العام المقبل 2025. ترجع أهمية ارتفاع معدلات التضخم في أسعار الغذاء إلى بعض الإجراءات التي تضمنتها الموازنة الأخيرة إضافة إلى بدء تطبيق معايير اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست).
ارتفاع أسعار الغذاء
في تقريره الأخير يشير المعهد إلى أن الزيادة في أسعار الأغذية ستكون أكبر التحديات أمام الأسر البريطانية العام المقبل وستأتي على ثلاث مراحل. المرحلة الأولى مع بداية السنة المالية الجديدة مطلع أبريل (نيسان) حين يبدأ تطبيق الزيادة في مساهمات التأمينات الاجتماعية وفي مستوى الأجر المعيشي.
تأتي المرحلة الثانية في يوليو مع توقع ارتفاع كلفة استيراد الأغذية نتيجة تطبيق "إطار وندسور" ضمن اتفاقية البريكست مع الاتحاد الأوروبي. وفي اكتوبر ستزيد كلفة التعبئة والتغليف.
سيتمكن قطاع تصنيع وإنتاج الأغذية ما بين نسبة 20 و40 في المئة من تلك الزيادات، أما البقية فسيتم تحميلها على المستهلك النهائي، ما يعني زيادة معدل التضخم في أسعار الغذاء بنسبة 4.9 في المئة في أقل تقدير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في مقابلة مع إذاعة "أل بي سي" يقول كبير الاقتصاديين بمعهد توزيع البقالة جيمس والتون: "لا نرى أن أسعار الغذاء ستنخفض في المستقبل المنظور. فارتفاع تكاليف المعيشة مع زيادة معدلات التوظيف والتكاليف الإجرائية ستبقي معدلات التضخم مرتفعة... سيبحث المستهلكون عن طرق للتوفير، لكن تأثير ضغوط هذه التكاليف سيكون ملموساً في كل قطاعات الاقتصاد".
ويضيف والتون: "بالنسبة لقطاع الأغذية فإن الزيادة في الأعباء المالية أصبحت أكبر من قدرة القطاع على امتصاصها، بخاصة الشركات الصغيرة في القطاع. وبالتالي فإن التغيرات المتعددة في وقت قصير ستزيد من الكلفة على كل قطاع الأغذية في بريطانيا".
يأتي ذلك في الوقت الذي تتراجع فيه قدرة الأسر البريطانية على تحمل أعباء تكاليف المعيشة المتزايدة. يقول تقرير المعهد إن هناك "تراجعاً واضحاً في أعداد الأسر المؤمنة غذائياً (أي قدرة كل الناس في كل الأوقات على الوصول إلى الغذاء الكافي لحياة صحية ونشطة). تزامن ذلك مع زيادة الضغوط المالية على موازنات الأسر البريطانية نتيجة ارتفاع معدلات التضخم بشكل عام وأسعار الغذاء بشكل خاص".
توقعات سلبية
كان وعد كير ستارمر في حملته الانتخابية أن حكومته ستجعل الاقتصاد البريطاني الأسرع نمواً بين دول مجموعة السبع. لكنه تخلى عن هذا التعهد هذا الشهر حين أعلن هدفاً آخر وهو زيادة الدخل الحقيقي للأسر البريطانية. ثم جاءت أرقام مكتب الإحصاء الوطني يوم الجمعة التي أظهرت انكماش الاقتصاد بشكل مفاجئ في أكتوبر بنسبة 0.1 – في المئة. ويشكل ذلك ضغطاً على بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) كي يخفض سعر الفائدة مجدداً حتى في ظل مخاوف عودة الضغوط التضخمية.
كان ذلك ثاني شهر ينكمش فيه الاقتصاد (أي نمو سلبي)، ويعني أيضاً أنه منذ تولت حكومة حزب العمال السلطة وباستثناء أغسطس (آب) لم يحقق الاقتصاد البريطاني أي نمو شهري. فهو إما لم يتغير معدل نموه أو انكمش. كان المحللون والاقتصاديون يتوقعون نمواً إيجابياً للاقتصاد الشهر قبل الماضي بنسبة 0.1 في المئة.
إلا أن صحيفة "الديلي تلغراف" ذكرت في تقرير لها أن الموازنة الأخيرة التي أعلنتها راتشيل ريفز سببت قدراً من الضبابية التي جعلت المستثمرين والأعمال في حالة حذر وتردد. وتراجعت ثقة الأعمال والمستهلكين بوضوح نتيجة التكهنات والتخمينات بشأن مسار الاقتصاد وسياسات حكومة العمال المقبلة. ونقلت الصحيفة عن كبير الاقتصاديين في "بانثيون ماكرو إيكونوميكس" روب وود قوله إنه "لا شك أن الموازنة والرسوم والتعرفة الجمركية التي يعتزم ترمب فرضها أضرت بثقة الأعمال (في بريطانيا) للشهر قبل الماضي والشهر الماضي مما أسهم في تباطؤ النمو في النصف الثاني من العام".
تراجع الإنتاج في الاقتصاد بوضوح نتيجة انخفاض نشاط المصانع وشركات التعدين بنسبة 0.6 في المئة لشهر أكتوبر بعد انخفاضه بنسبة 0.5 في المئة لشهر سبتمبر (أيلول). كما تراجع نشاط شركات البناء والإنشاء بنسبة 0.4 في المئة، وهو ما يعد أيضاً فألاً سيئاً آخر لحكومة حزب العمال التي وعدت ببناء 1.5 مليون مسكن في فترة البرلمان الحالي لحل أزمة السكن في بريطانيا.
وهكذا يعود احتمال الركود للاقتصاد البريطاني، إذا استمر منح الانكماش في الناتج المحلي الإجمالي للربع الأخير من هذا العام إلى الربع الأول من العام المقبل. ويحذر كبير الاقتصاديين في "دويتشه بنك" سانجاي راجا من أن كير ستارمر وراتشيل ريفز يواجهان "احتمال المزيد من الأخبار السيئة التي تتجمع في الأفق". ويرى راجا وغيره من المحللين والاقتصاديين أن الشركات والأعمال تتوقع وضعاً أسوأ للاقتصاد من تقديرات بنك إنجلترا ومكتب مراقبة الموازنة.