Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"قيصر" سوريا: هناك مئات آلاف الضحايا التي لم تكتشف بعد

يتحدث المصور الذي التقط أكثر من 53 ألف صورة توثق فظائع نظام الأسد عن مخاطرته بحياته كي يكشف أمام العالم ما يحدث وخوفه من كل ما لم يكتشف بعد

زائرة في معرض "صور قيصر: داخل سجون سوريا السرية" المنعقد في العاصمة واشنطن في 2015 (غيتي)

حذر العسكري المنشق عن الجيش السوري، والملقب بـ"قيصر"، والمسؤول عن تهريب أكثر من 53 ألف صورة مرعبة لجثث معتقلين سوريين مصابين بالهزال وعلى أجسادهم آثار تعذيب - وهي الإثباتات التي أفضت إلى فرض عقوبات تاريخية - أن هذه الصور مجرد "لمحة موجزة" عن حجم وكم الجرائم الكاملة التي ارتكبها نظام الأسد.

وفي حديث حصري إلى "اندبندنت" كشف المصور كيف نجح في إخراج الصور من سوريا وفي إخفاء محرك أقراص محمول وضع عليه الأدلة في ملابسه الداخلية قبل أن يتم تهريبه بمساعدة الثوار في شاحنة تنقل الطحين من سوريا إلى الأردن، ثم أبلغت عائلته باختطافه ومقتله على يد إرهابيين كي توفر له غطاءً للهرب.

المصور السابق في الجيش الذي لم يكشف عن هويته كان قد أدلى بشهادته أمام حكومات العالم حول الأدلة على الوحشية التي رآها، ودعا إلى تضافر جهود العالم في مساعدة سوريا على محاسبة المسؤولين عن "أسوأ جرائم القرن الـ21".

تحدثت "اندبندنت" عبر الهاتف مع قيصر الذي يعيش تحت غطاء من السرية التامة منذ عقد، أثناء زيارة مراسلتنا للمستشفى العسكري 601 في حي المزة بدمشق، وهو المكان عينه الذي التقط فيه عدداً كبير من الصور المرعبة التي هزت العالم. ويعد المبنى الذي بات فارغاً بعد إسقاط بشار الأسد بصورة صادمة خلال نهاية الأسبوع الماضي معلماً مرعباً يشهد على فظائع ارتكبها النظام السابق على نطاق واسع.

وفَّرت الصور التي التقطها "قيصر" وتضمنت صوراً لمواقع هجمات وجثث مقاتلين مسلحين أو مدنيين قتلوا في الهجمات، أول لمحة موسعة على الفظائع التي ارتكبتها حكومة الأسد بعد انطلاق الثورة في عام 2011 التي تحولت بعد ذلك إلى حرب أهلية دموية. وتأكدت منظمات معنية بحقوق الإنسان ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي من صحة الصور التي تظهر جثثاً هزيلة ومشوهة اقتلعت أعين بعضها وخطت أرقام على أذرعها أو رؤوسها.  

 

وقال المصور لـ "اندبندنت" من منفاه في أول مقابلة يجريها منذ سقوط نظام الأسد، "التقطت الصور بين عامي 2011 و2013. وخلال هذه الفترة رأيت بأم العين 11 ألف جثة في الأقل لرجال ونساء وأطفال ومسنين". وأضاف، "التقطت نحو 55 ألف صورة لأشخاص تعرضوا للتعذيب. وكل ذلك في مكان واحد فقط - في دمشق فحسب. كان هذا مجرد لمحة مقتضبة عن الزمان والجغرافيا والمكان... يمكنني أن أقول إن هذا كان يحدث في كل الأماكن الأخرى، لذلك إن أحصينا عدد الذين عذبوا حتى الموت، ستبلغ الحصيلة مئات آلاف الأشخاص".

وأضاف أنه عاش في "خوف ورعب" طوال ثلاث سنوات كان يلتقط فيها هذه الصور ويهربها إلى الخارج، لعلمه أنه إن اكتشفت الحكومة فعلته "سوف أتحول إلى جثة من بين هذه الجثث". وعلى رغم ذلك عبر عن استعداده للعودة بغية المساعدة في التحقيقات في سوريا، ودعا المجتمع الدولي إلى دعم هذه المساعي.

تحدثت "اندبندنت" إلى قيصر برفقة مؤسس المنظمة السورية للطوارئ معاذ مصطفى، وهي هيئة غير حكومية مقرها الولايات المتحدة، ساعدت في تهريب الصور من سوريا عبر وحدات تخزين USB وأسهمت في نشر الوعي بالقضية حول العالم.

وقف مصطفى الذي فقد بعض أفراد عائلته وأصدقائه وسط ساحة وعرة سجيت فيها الجثث في ما مضى، إذ يتم ترقيمها وتوثيقها وتصويرها، وكانت وجوههم وأجسادهم مشوهة وهزيلة بسبب الجوع والمرض.

خلال مقابلتنا تحدث مصطفى إلى "قيصر" عبر الهاتف للتأكد من الموقع المحدد - مع أن بعض المباني قد تغيرت منذ فترة التقاط الصور التي مر عليها أكثر من 10 سنوات. وشرح أن "قيصر" قضى سنتين ونصف السنة وهو يحمل الصور التي يلتقطها في عمله على وحدة تخزين اعتاد أن يخبئها في ملابسه الداخلية أو جواربه كل يوم أثناء مروره بنقاط التفتيش في طريق العودة إلى المنزل. أرسلت بعض الصور عبر الإنترنت، لكن ضخامة الملفات جعلت من إرسال كل شيء بهذه الطريقة مهمة مستحيلة.

وفي النهاية يقول مصطفى إنه جرى تهريب "قيصر" عبر المناطق التي يسيطر عليها الثوار في دمشق قبل أن يخرج من سوريا بعدما اختبأ داخل شاحنة تنقل الطحين إلى الأردن، وحمل معه الأقراص الصلبة التي خزن عليها الصور وصور الوثائق التي تبين المسؤوليات القيادية وأدلة على عمليات الإخفاء القسري.

وقال مصطفى إن عائلة "قيصر" أبلغت السلطات بعد أسبوع باختطافه ومقتله على يد الإرهابيين، وطلبت السماح لها بحضور مراسم الدفن في جنوب سوريا، مما منحها غطاءً للهرب. بعد ذلك شق "قيصر" رحلة صعبة وقاسية عبر بلدان مختلفة في المنطقة قبل أن يصل أوروبا في نهاية المطاف، حيث منح حق اللجوء.

منذ فراره من سوريا من 10 سنوات، جال "قيصر" العالم دون أن يفصح عن هويته - وهو يخفي وجهه وصوته - ليقدم شهادته أمام الحكومات والبرلمانات. وحذر مراراً وتكراراً من احتمال أن يلقى 150 ألف شخص يعتقد أنهم لا يزالون معتقلين في سوريا، مصيراً مشابهاً لمصير الأشخاص الموجودين في صوره. وتبين أن هذا التحذير دقيق بصورة مخيفة، إذ توافدت عائلات المفقودين في البلاد إلى السجون والمشارح والمستشفيات التي فتحت للمرة الأولى منذ إسقاط نظام الأسد الدرامي الأسبوع الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أسفرت صوره عن إقرار "قانون قيصر" التاريخي في الولايات المتحدة، في عام 2019، الذي فُرضت بموجبه عقوبات على مسؤولي النظام والجهات الداعمة لجهود الأسد العسكرية خلال الحرب الأهلية السورية، ومن بينها شركات أجنبية. ومنح القانون كذلك السلطة لوزير الخارجية الأميركي كي يدعم الجهات التي تجمع الأدلة وتعمل على مقاضاة الأفراد الذين ارتكبوا جرائم حرب في سوريا.  

ومن داخل المستشفى شرح مصطفى كيف كانت جثث المعتقلين الذين كتبت على جبينهم أرقام، تنقل إلى المكان بالشاحنات على مرأى من القصر الرئاسي الذي لا يبعد سوى كيلومتر واحد من المكان، إذ يقع على تلة مجاورة. وأضاف، "تحدثنا إلى أطباء شرحوا لنا أنه بعد تصوير قيصر الجثث في هذه المنطقة، حملت داخل شاحنات اقتادتها بعيداً. ولفترة طويلة لم نعلم أين ذهبت حتى اكتشفنا القبور الجماعية حين التقينا بحفاري القبور".

عرض "قيصر" الذي لا تزال هويته مجهولة العودة إلى سوريا لمساعدة السلطات القادمة على جمع الأدلة. وقال لـ"اندبندنت"، "قضيت حياتي في خدمة الشعب السوري. وحتى بعدما أنهيت موضوع الصور، جلت في أنحاء العالم، فقصدت كونغرس الولايات المتحدة، وكشفت ما يحدث. في ذلك الوقت والآن وفي المستقبل، سأواصل خدمة سوريا". وأصاف، "إذا طلبت مني الحكومة السورية الجديدة القدوم والمساعدة في المحاسبة والمساءلة، سأكون أول الحاضرين. بلا أي شك. سأتدخل". وشدد على ضرورة سعي العالم إلى العثور على المسؤولين ومحاكمتهم، حيث ذكر أن "على العالم أجمع أن يتذكر أن الشعب السوري قاسى أفظع جرائم القرن الـ21، والذي نراه اليوم فيما يستكشفون فروع الاستخبارات والسجون المحررة، هو أسوأ أنواع التعذيب... من المهم جداً أن يحاسب نظام الأسد والمرتزقة الذين ارتكبوا جرائم الإبادة الجماعية هذه. فقد ظلت العدالة مفقودة لفترة طويلة جداً".

© The Independent

المزيد من حوارات