ملخص
في وقت يطالب فريق من السوريين بمنح الإسلاميين فرصة ثلاثة أشهر في إدارة شؤون البلاد بعدما حكم الأسد لنصف قرن، تسيطر على فريق المعارضة فكرة تلاشي الديمقراطية في واقع يبدو أنه لا يعترف بأصوات تهتف للحرية والديمقراطية على رغم أنها بحت حناجرها منذ انطلاق تظاهرات الحراك الشعبي ضد نظام الأسد في عام 2011 وكانت بداية شرارتها في درعا وامتدت إلى بقية المحافظات السورية.
"الجدران لها آذان" العبارة الأكثر تداولاً بين السوريين على مدار عقود طويلة استمرت لأكثر من نصف قرن، لا سيما حين تدور أحاديث جانبية في البيوت والغرف الضيقة بأصوات خافتة تتناول حكم عائلة الأسد وتجاوزات أفرادها، ومن شدة الخوف المعشش في نفوس الناس كان الجميع يحرص ألا يعلو صوته، وإن حدث ذلك ينبه بعضهم بعضاً بخفض الصوت لأدنى مستوياته لكثرة المخبرين والوشاة، بل تخطى الأمر ذلك أحياناً باستحضار لغة الإشارة والإيماءات السائدة في حواراتهم عن الحكم في سوريا.
ونجحت القبضة الأمنية عبر بث الرعب، في خنق الأصوات العالية وكم الأفواه، وحجز حرية التعبير وشطب الديمقراطية من قواميس المجتمعات، وأدلجة الأحزاب بحسب رؤية الحاكم، وتراجعت الصحافة والإعلام وكل ذلك أفضى إلى كبت تفجر منذ أول يوم تنحى به رئيس النظام السوري بشار الأسد واتجه برحلة لجوء إلى روسيا في الثامن من ديسمبر (كانون الأول)، في مشهد لا يُمحى من تاريخ سوريا.
حرية التعبير على المحك
وإذا ما كانت قريحة السوريين تفجرت بسيل عارم من الانتقادات لعائلة الأسد الحاكمة لمدة ناهزت نصف قرن من تاريخ البلاد، وارتفعت الأصوات تحكي فيضاً من قصص تجاوزات النظام وانتهاكاته، فإن حرية التعبير تبدو على المحك في الأيام المقبلة، حيث ترتفع الأصوات حيال ما يسود دمشق من مشهد ضبابي أخذ يخيم على أجواء السياسة الداخلية، في حين يواجه زعيم "هيئة تحرير الشام"، أحمد الشرع الملقب بـ "أبو محمد الجولاني" انتقادات واتهامات بتحويل حكم البلاد نحو اللون الواحد في ظل خشية أوساط سياسية من تمدد الإسلاميين وفرض قوانين صارمة تحد من حريات الناس الدينية والاجتماعية على اختلاف مشاربهم وطوائفهم ومللهم.
من جهته، تحدث المحامي والناشط في شؤون الحريات العامة، قتيبة عواد عن "ارتفاع مستوى الحريات العامة والتعبير عن الرأي خلال هذه الفترة"، ويقصد بها إزاحة الأسد عن السلطة بعدما نجحت الثورة السورية بتحقيق أهدافها، وتمكن الثوار من انتزاع الحكم، بيد أنه يعرج إلى "وجود تخوف من ما بعد حكم الأسد على المستوى السياسي". ويتابع "كل المؤشرات تدل على خوف الناس من القادم، وإن كان الاقتصاد هاجسهم الأول بعد عقد كامل من العقوبات الاقتصادية، لكن ما يدور في فلك طريقة الحكم الجديد بدأ يخيفهم شيئاً فشيئاً، لا سيما في ما يخص الديمقراطية التي سعى إليها الثوريون والمعارضون والتي يتمنى الجمهور المحايد تحقيقها، بل أن كل السوريين يحتاجونها، فأين هي في بيانات الهيئة وأحاديث ولقاءات الجولاني؟ من الواضح أن الاستئثار بالسلطة غير مقبول ولا بد من إعادة تشكيل حكومة تضم كل المكونات، وتنتج أعمالاً وقرارات مفيدة لكل البلد".
عدم الإقصاء
في المقابل كشف رئيس "الإئتلاف الوطني السوري"، هادي البحرة عن عدم الاجتماع مع قائد غرفة العمليات العسكرية، أحمد الشرع، لكنه قال إن تواصلاً جرى مع "أطراف في إدارة الحكومة وأطراف مقربة". وأضاف البحرة خلال مؤتمر صحافي عقده في إسطنبول يوم الأربعاء 18 ديسمبر الجاري، أن الائتلاف سيعود إلى البلاد وسينشئ مقراً هناك، مضيفاً أنه ينوي شخصياً العودة أيضاً. وأشار إلى أنه ينبغي العمل على ترتيب الأمور اللوجستية وضمان حرية التعبير.
واعتبر البحرة أن "حكومة تصريف الأعمال في سوريا يجب أن تكون ذات مصداقية ولا تقصي أي طرف، ولا تقوم على أساس طائفي"، بينما لم يتوقف زعيم الهيئة، أحمد الشرع عن بث تطميناته للسوريين عن استتباب الأوضاع لا سيما الأمنية، وعدم المساس بالمكونات السورية، والحفاظ على العادات والتقاليد.
دعوة إلى التريث
في المقابل، يطالب فريق من الشارع السوري بالتريث لمعرفة توجهات النظام الجديد، ويرى الناشط المعارض، المهندس بسام عرب أنه "من الضروري عدم الانجرار للخوف بل طمأنة الناس إلى الإدارة الجديدة والتعاون مع بعضنا البعض للعمل في كل القطاعات".
وفي وقت يطالب فريق من السوريين بمنح الإسلاميين فرصة ثلاثة أشهر في إدارة شؤون البلاد بعدما حكم الأسد لنصف قرن، تسيطر على فريق المعارضة فكرة تلاشي الديمقراطية في واقع يبدو أنه لا يعترف بأصوات تهتف للحرية والديمقراطية على رغم أنها بحت حناجرها منذ انطلاق تظاهرات الحراك الشعبي ضد نظام الأسد في عام 2011 وكانت بداية شرارتها في درعا وامتدت إلى بقية المحافظات السورية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ترقب عربي ودولي
في موازاة ذلك، ذلك يستقبل زعيم "هيئة تحرير الشام" وفوداً دولية ومحلية، ومنها المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، وسط صمت وترقب من قبل المحيط العربي والدولي عما تضمره إدارة البلاد الجديدة، بخاصة ما تحمله من فكر إسلامي متشدد وسلفي، ما يثير جملة تحديات بالاعتراف الدولي ورفع العقوبات مستقبلاً، علاوةً عن مطالبة الأمم المتحدة بتطبيق القرار 2254 الدولي وما يلوح من بوادر اختلاف بين بقية المعارضين من "الإئتلاف" والجولاني، الذي قال في رد على سؤال طُرح عليه حول إذا ما يرغب بالترشح للرئاسة، إنه قد يقدم على هذه الخطوة "إذا طُلب منه ذلك".
جمعية تأسيسية
وفي الأثناء، طالب مؤسس "تيار مدني" حديث العهد في سوريا، أمجد حسن بدران في بيان أول صادر في 16 ديسمبر الجاري، الأمم المتحدة بتشكيل "لجنة قانونية تضع قانوناً انتخابياً في سوريا لانتخاب جمعية تأسيسية أو هيئة انتقالية تتمثل فيها القوى السورية وفقاً لقرارات الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدستوري والدولي وآراء فقهاء القانون، من دون الاعتداد بمن يملك سلاحاً أكثر، لأن السلطة الحالية على الأرض إقصائية غير جامعة للسوريين، ولا يحق لها التفرد بصياغة قوانين انتخابية. كما أن قوانين النظام السابق غير صالحة". وأضاف أنه يجب "تسمية ممثلي الفكر المدني وفق العدد المطلوب بالتعاون مع جميع التيارات المدنية لخوض الانتخابات ككتلة مدنية واحدة".