ملخص
تشن السلطة الفلسطينية عملية أمنية داخل مدينة جنين ومخيمها لمحاولة إنهاء المظاهر المسلحة وإلزام الفصائل ببرنامج منظمة التحرير، إلا أن ذلك دونه محاذير وعوائق عدة، في حين أن الفشل كما النجاح ستترتب عليه نتائج وخيمة.
مع دخول العملية الأمنية في مدينة جنين ومخيمها أسبوعها الثالث ووصول الاشتباكات بين قوات الأمن الفلسطيني ومسلحي الفصائل إلى وسط المخيم، يبدو أن محاولات وقف تلك العملية تبوء بالفشل والأمور تتجه نحو "الحسم الميداني". فالسلطة الفلسطينية تسعى من وراء عمليتها الأمنية إلى إلزام الفصائل المسلحة وعلى رأسها "حركة الجهاد الإسلامي" ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية الرافض للعمل المسلح.
وترفض السلطة المظاهر المسلحة، وبخاصة في مخيمات اللاجئين شمال الضفة الغربية.
وأدت الاشتباكات إلى قتل ثلاثة فلسطينيين، هم فتيان ومسلح من "كتيبة جنين".
وتتواصل الاشتباكات بين الجانبين، وانتقلت إلى داخل مخيم جنين بعد أن بقيت لأيام طويلة على أطرافه في ظل دعم إسرائيلي نادر لتحرك السلطة الفلسطينية.
دعم إسرائيلي
وصدق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت) على توصية للجيش الإسرائيلي "لتعزيز التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية لتمكينها من بسط سيطرتها على شمال الضفة الغربية".
وبحسب الجيش الإسرائيلي "تقرر بحث نقل معدات عسكرية إضافية إلى أجهزة الأمن الفلسطينية لمساعدتها في التعامل مع الفصائل، بما في ذلك وسائل إبطال مفعول العبوات الناسفة، والحماية الشخصية".
برنامج منظمة التحرير
وبحسب وزير الداخلية الفلسطيني زياد هب الريح فإن "الشرق الأوسط يمر بمرحلة حساسة ويجب علينا ترتيب أوراق الشعب الفلسطيني، وفقاً للأولويات المعلنة للبرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية".
وعن أسباب اللجوء إلى الحسم العسكري أوضح هب الريح أنه جاء "بعد استنفاذ الحوار، ومحاولات الاحتواء بالحكمة خلال الأعوام الماضية".
وشدد على أن الحوار "سيستخدم في الوقت المناسب حقناً للدماء"، من أجل الوصول إلى مرحلة "يلتزم خلالها الجميع بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير".
مبادرة لنزع فتيل الأزمة
وأطلقت العشرات من مؤسسات المجتمع المدني وفصائل فلسطينية مبادرة "لنزع فتيل الأزمة".
وتقوم المبادرة على التزام جميع الأطراف بـ"إنهاء جميع صور الاشتباك والتوتر بصورة فورية، وسحب القوات الأمنية الفلسطينية من محيط المخيم، تزامناً ووقف المظاهر المسلحة في المخيم والمدينة".
وتطالب المبادرة بـ"فتح حوار وطني فوري يجمع المؤسسات والفعاليات والقوى السياسية كافة لوضع خطة شاملة للخروج من الأزمة الحالية، وصياغة ميثاق وطني يضمن عدم تكرار الأحداث الحالية في جنين وباقي المحافظات".
وتدعو المبادرة إلى "احترام القانون الفلسطيني، وتحريم الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة أو المقار والمركبات والعناصر الأمنية والمؤسسات الرسمية".
وحول حق المقاومة ضد إسرائيل، أكدت المبادرة أن "مقاومة الاحتلال هي حق مشروع لشعبنا، يُمارس في إطار الالتزام بالقانون الدولي الإنساني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إشارات إيجابية
وكشف مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار الدويك لـ"اندبندنت عربية" عن وجود "إشارات إيجابية من الطرفين" في شأن المبادرة، لكنه أشار إلى أن "القضية تحتاج إلى نقاش طويل حول التفاصيل، وسبل التنفيذ". وقال الدويك إن السلطة الفلسطينية "هي المسؤولة عن فرض القانون وحماية الفلسطينيين، ويجب عليها إنهاء الحال الموجودة في مخيم جنين، لكن من دون الاعتماد على الحل الأمني فقط".
وبحسب الدويك فإن "هناك أشخاصاً ارتكبوا جرائم بحق الممتلكات العامة والخاصة ويجب التعامل معهم وفق القانون، إضافة إلى وجود حال وطنية تحتاج إلى التعامل معها بالحوار الوطني".
وأوضح الدويك أن السلطة الفلسطينية لديها "مشروع سياسي له وجاهته، ويحظى بتأييد قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني، لكن فرض تلك الرؤية بالقوة لن ينفع وسيؤدي إلى نتائج عكسية". ورأى أن المشكلة تكمن في "غياب اتفاق وطني على برنامج سياسي، وسبل تنفيذه".
منطق الحوار غائب
وفي المقابل عدَّ المحلل السياسي جهاد حرب أن منطق الحوار "غير متوافر حالياً، فالمواقف الصادرة عن السلطة الفلسطينية تشير إلى أنها ماضية في عمليتها الأمنية حتى إنهاء المظاهر المسلحة".
وعن المبادرة لنزع فتيل الأزمة في جنين، أشار حرب إلى أنها "مهمة لأنها تطالب بالحوار الوطني حول آليات المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، وضرورة إنفاذ سلطة القانون ومنع خرق القانون الفلسطيني والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة".
واستبعد حرب إمكانية نجاح "الحسم العسكري لنزع سلاح الفصائل في جنين، فإسرائيل فشلت في ذلك خلال الأعوام الثلاثة الماضية على رغم الاقتحامات المتواصلة".
وعدَّ حرب أن "استخدام القوة لإنهاء ظواهر مسلحة فلسطينية لديها خلفية سياسية مقاومة للاحتلال صعب مهما كانت القوة، فالحوار هو الوسيلة الوحيدة لمعالجة ذلك".
وعن أهداف السلطة الفلسطينية من عمليتها الأمنية في جنين، قال حرب إنها تعود إلى "خشية السلطة الفلسطينية من تكرار إسرائيل ما فعلته في قطاع غزة بالضفة الغربية، وسحب المبررات منها".
والهدف الثاني وفق حرب هو "محاولة السلطة الفلسطينية القول للإدارة الأميركية القادمة إنها تستطيع العمل، ولديها القدرة على تنفيذ مهامها في الضفة، ولديها طموح لإطلاق إطار سياسي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي".
أما الهدف الثالث وفق حرب فهو "بعث رسالة للجميع بأن السلطة الفلسطينية لديها القدرة على العمل لفرض الأمن والقانون في قطاع غزة إذا عادت لإدارة الأوضاع فيه".
تحت المجهر الأميركي
من جهته، لفت الباحث السياسي سليمان بشارات إلى أن الحملة الأمنية الفلسطينية في جنين "مختلفة هذه المرة عن المرات السابقة، فهي محاولة من قبلها لإظهار قدرتها على فرض السيطرة الأمنية الكاملة على مخيم جنين".
ووفق بشارات فإن السلطة الفلسطينية "تحت المجهر الأميركي، وتخضع للاختبار في نتيجة تحركاتها داخل جنين".
ورأى بشارات أن عملية جنين هدفها أن "تثبت فيها السلطة الفسطينية قدرتها على تعزيز سلطتها، فإذا نجحت سيؤدي ذلك إلى انقسام مجتمعي، وإذا فشلت تراجعت الثقة الدولية بها".
لكن بشارات أشار إلى أن الإشكالية التي تواجه السلطة الفلسطينية هي "توقيت عمليتها الأمنية، والتي تأتي في ظل حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على غزة، إضافة إلى عجزها عن وقف الممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية".