Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شرخ الديمقراطية والغياب السياسي لاتحاد الشغل التونسي

يرى مراقبون أنه فقد رأسماله الرمزي في ظل عدم تعاطي الرئاسة مع الأحزاب والمنظمات

تواجه القيادة الحالية للاتحاد العام التونسي للشغل معارضة قوية من عدد من النقابيين (اندبندنت عربية)

ملخص

بات غياب الاتحاد العام التونسي للشغل عن المشهد السياسي الراهن في تونس لافتاً خصوصاً مع خفوت دوره في الانتخابات الرئاسية المنتظرة أكتوبر المقبل.

لم يغب الاتحاد العام التونسي للشغل عن الشأن العام في البلاد، سواء كان اقتصادياً أم اجتماعاً أم سياسياً، ومنذ أربعينيات القرن الماضي كان حضوره لافتاً، وإن راوحت علاقته بالسلطة بين المشاركة والمهادنة والصدام، وكانت الحكومات المتعاقبة تقرأ حساب المنظمة الشغلية الأكبر في البلاد، بالنظر إلى ثقلها النقابي والعمالي، إذ تضم مليوني مشترك في القطاعين العام والخاص.

وإضافة إلى دوره النقابي في الدفاع عن مصالح العمال وحقوقهم، عمل هذا الاتحاد على إحداث التوازن بين السلطة السياسية والمعارضة، كما رتب الحوارات من أجل مساحة مشتركة بين الفرقاء السياسيين، كلما أحكمت الأزمة السياسية قبضتها على البلاد.

اليوم وتحديداً بعد الـ25 من يوليو (تموز) 2021، خفت صوت الاتحاد العام التونسي للشغل، وأفل بريقه في المشهد العام في تونس، كما لم يعد فاعلاً في المتغيرات السياسية في البلاد، فما أسباب ذلك؟ وكيف سيتفاعل الاتحاد مع الانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل؟

شرعية تاريخية ونقابية

لئن راكم الاتحاد العام التونسي للشغل تجربة سياسية استمرت لعقود وتواصلت بعد 2011، وهو ما عزز شرعيته التاريخية والنقابية، وبات رقماً صعباً في المعادلة السياسية في تونس، إلا أن فترة ما بعد الـ25 من يوليو لم تكن عادية في تاريخه، بالنظر إلى المتغيرات السياسية الطارئة في البلاد، وأيضاً بسبب التحولات الداخلية في المنظمة الشغلية، كحال الانقسام النقابي الناتج من المؤتمر الانتخابي الأخير الذي كشف عن خلافات نقابية حول تنقيح القانون الداخلي للاتحاد.

 

 

وتباينت آراء المتابعين للشأن العام في تونس، بين من يرى أن الاتحاد فقد رأسماله الرمزي الذي يتمحور حول دولة الرعاية الاجتماعية، وبين من يرى أن السلطة الحالية في البلاد لا تتعاطى مع الأحزاب والمنظمات، ويحمل القيادة الحالية مسؤولية تراجع دور الاتحاد في المشهد العام.

رأسمال الاتحاد الرمزي

يرى الكاتب الصحافي خالد كرونة أن "الاتحاد فقد بريقه وضمر دوره لأن السلطة السياسية الراهنة سحبت منه رأسماله الرمزي، عندما تبنى سردية الدولة الاجتماعية، وأصدر قانوناً يمنع المناولة بصرف النظر عن عوائق تطبيقه، فضلاً عن موقف النظام المعلن من القضية الفلسطينية، مما حول شعارات الاتحاد إلى خطاب رسمي للسلطة السياسية".

ويضيف كرونة أن "المنظمة الشغلية تعيش شرخاً كبيراً منذ أن عقد المؤتمر الانتخابي، الذي كشف عن خلافات حادة بسبب القفز على ما كانت تفخر به لعقود، وهي الديمقراطية الداخلية، إذ يرى شق كبير من النقابيين أن القيادة الحالية للاتحاد فقدت شرعيتها، كما أن بعض رموزها يخشون فتح ملفاتهم النقابية في إطار سياسة رئيس الجمهورية قيس سعيد، المناهضة للفساد التي قد تقودهم إلى المساءلة القانونية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبسبب انشغاله بأوضاعه الداخلية، تجنب اتحاد الشغل الدخول في مواجهات مباشرة مع الحكومة، على رغم تنامي حجم المطالب الاجتماعية، وتدهور القدرة الشرائية لعموم الإجراء.

ويرجح أن "يكتفي الاتحاد في الانتخابات الرئاسية المقبلة بمناكفة السلطة أو انتقاد المسار الانتخابي، مع ترك الحرية لمشتركيه في اختيار من يرونه"، بعد أن كان فاعلاً سياسياً بامتياز في مختلف المحطات السابقة، من خلال تأطير مشتركيه وإصدار البيانات، والدفع في اتجاهات سياسية بعينها.

تقاسم الأدوار بين السلطة والاتحاد

تاريخياً تقاسم الاتحاد الأدوار مع السلطة، وتداخل أداؤه النقابي مع أدواره السياسية، كما تصادم مع السلطة في مناسبات عدة من ذلك أحداث 1978، وأحداث الخبز في الثمانينيات، كما تعرضت المنظمة النقابية للتدجين زمن حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

وبعد ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2010 استعاد الاتحاد موقعه في التأطير والضغط، وفي رسم الملامح السياسية والاقتصادية في البلاد، كما تحول إلى شريك أساس في الحكم وفي تشكيل الحكومات وإدارة الحوار الوطني، وفي عام 2013 الذي جنب البلاد وقتها أزمة سياسية حادة، لذلك يعول التونسيون إلى اليوم على هذه المنظمة لتستعيد دورها الوازن في الحياة العامة في البلاد في ظل أزمات مزدوجة سياسية واقتصادية واجتماعية.

رؤية جديدة للعمل النقابي

وفي السياق يطالب أستاذ علم الاجتماع السياسي بلعيد أولاد عبدالله الاتحاد العام التونسي بـ"صياغة رؤية جديدة للعمل النقابي قائمة على مقاربة حديثة، منها تطوير الموارد البشرية للاتحاد والنهوض بأداء الإطارات النقابية، وبلورة رؤية عقلانية للمستقبل من خلال ضمان ديمومة المؤسسات، بالتوازي مع الدفاع عن حقوق العمال، والعمل على تطوير مردوديتهم في إطار مقاربة تنموية شاملة".

كما يدعو القيادة النقابية إلى "اعتماد خطة اتصالية حديثة تعيد ثقة التونسيين في المنظمة النقابية العريقة، حتى يستعيد دوره النقابي بعيداً من الشأن السياسي"، لكنه لا ينكر أن "بعض المنتسبين للاتحاد، أسهموا في ضرب صورة المنظمة النقابية، من خلال استخدام الحق النقابي لضرب عدد من القطاعات والمؤسسات، وهو ما كرس صورة سلبية لدى بعض التونسيين عن الاتحاد وبعض قياداته التي ارتبط لديها النضال النقابي بالمصلحة الشخصية الضيقة".

انقطاع التواصل

وتتقاسم النقابية المعارضة للقيادة الحالية للاتحاد منية بالنصر العيادي هذا الطرح، محملة القيادة الحالية للاتحاد "مسؤولية تراجع دور المنظمة النقابية في الشأن العام على رغم الحاجة الملحة إلى تحسين ظروف الإجراء وسط غلاء الأسعار وتدهور قدرة التونسيين الشرائية".

 

 

وتضيف العيادي أن "القيادة الحالية للاتحاد العام التونسي تريد أن تلعب دور الشريك مع السلطة، بعد أن كان الاتحاد لاعباً أساسياً في المشهد من خلال تعيين المسؤولين الكبار في الدولة، والضغط على الحكومات وابتزازها"، مشيرة إلى أن "قيادة الاتحاد فعلت ما بوسعها من أجل أن تكون في الواجهة، وفاعلة في مشهد ما بعد 25 يوليو، إلا أنها لم تنجح لأن السلطة الحالية ترفض التعامل مع جميع الأجسام الوسيطة، لذلك وجد الاتحاد نفسه خارج دائرة القرار السياسي".

روح وطنية للتهدئة

في المقابل لم يتسن لـ"اندبندنت عربية" الحصول على موقف رسمي من أحد أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد حول غيابه عن المشهد الراهن، إلا أن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي أكد في وقت سابق أن "الموقف الرسمي للاتحاد من الانتخابات الرئاسية سيتخذه المجلس الوطني الذي سينعقد من الخامس إلى السابع من سبتمبر (أيلول) 2024"، منتقداً ما سماه "توتر العلاقة بين السلطة والاتحاد"، وأضاف "حين نختلف حول مبادئ وتوجهات عامة، تكشر السلطة عن أنيابها، وتعمل كل ما في وسعها للتفرقة وخلق الأزمات الداخلية، والاستهداف المباشر لقيادات اتحاد الشغل".

ويرفض الطبوبي ما يروج حول صمته إزاء السلطة القائمة خوفاً من فتح تتبعات قضائية ضد قياداته، مؤكداً في كلمة خلال تحرك احتجاجي أمام رئاسة الحكومة أن "الاتحاد كانت لديه روح وطنية حكيمة للتهدئة، في ظل المنعطفات الخطرة والصعبة التي تمر بها البلاد، إلا أن السلطة اعتبرت ذلك ضعفاً".

يذكر أن اتحاد الشغل في البداية، لم يعارض الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيد في 2021، إلا أنه راجع موقفه، ولم يعد مؤيداً للرئيس في خياراته السياسية والاقتصادية.

وبينما يتمسك الاتحاد بالحوار كآلية للخروج من الوضع الراهن في البلاد، أكد رئيس الجمهورية قيس سعيد في تصريح سابق أنه "لا حاجة إلى الحوار ما دام ثمة برلمان منتخب ويمارس مهماته".

المزيد من تقارير