ملخص
تنظر تركيا إلى وحدات حماية الشعب الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة، بوصفها امتداداً لمسلحي حزب العمال الكردستاني الذين خاضوا تمرداً ضد الدولة التركية لمدة 40 عاماً وتعدهم أنقرة وواشنطن والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية.
تعهد القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع اليوم الأحد بأن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذاً "سلبياً" في لبنان، وستحترم سيادة هذا البلد المجاور.
وأكد الشرع الذي تولى السلطة إثر إطاحة بشار الأسد قبل أسبوعين أن "سوريا لن تكون في حال تدخل سلبي في لبنان على الإطلاق، وستحترم سيادة لبنان ووحدة أراضيه واستقلال قراره واستقراره الأمني".
وأضاف خلال استقباله وفداً برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط أن بلاده "تقف على مسافة واحدة من الجميع"، مشيراً إلى أنها "كانت مصدر قلق وإزعاج" في لبنان.
إغلاق دفتر الماضي
ودخل الجيش السوري لبنان عام 1976 كجزء من قوات عربية للمساعدة على وقف الحرب الأهلية آنذاك، لكنه تحول إلى طرف فاعل في المعارك قبل أن تصبح لدمشق "قوة الوصاية" على الحياة السياسية اللبنانية وتتحكم في كل مفاصلها حتى عام 2005، وهو تاريخ خروج قواتها من لبنان تحت ضغط شعبي بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في انفجار، وجهت أصابع الاتهام فيه إليها ولاحقاً إلى حليفها "حزب الله".
وجنبلاط الذي وصل إلى دمشق اليوم على رأس وفد كبير يضم نجله تيمور ونواباً من كتلته البرلمانية ورجال دين دروزاً، هو أول زعيم لبناني يلتقي رئيس القيادة السورية الجديد.
وجرى اللقاء في القصر الرئاسي مع أحمد الشرع الذي ظهر للمرة الأولى اليوم الأحد، مرتدياً بدلة وربطة عنق.
ويتهم جنبلاط دمشق باغتيال والده كمال عام 1977 خلال الحرب الأهلية، في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد.
ونسبت اغتيالات عديد من المسؤولين اللبنانيين الآخرين المناهضين لسوريا إلى السلطة السورية السابقة.
وتعهد أحمد الشرع بأن "يكون هناك تاريخ جديد في لبنان نبنيه معاً من دون حالات استخدام العنف والاغتيالات. وأرجو أن تمحى الذاكرة السورية السابقة في لبنان".
بعيداً من الطائفية
وفي محاولة جديدة لطمأنة الأقليات بأنها ستحظى بالحماية، قال الشرع إن سوريا لن تشهد بعد الآن استبعاد أية طائفة، مضيفاً أن عهداً جديداً "بعيداً من الحال الطائفية" بدأ.
ويخشى بعض السوريين والقوى الأجنبية من أن يفرض الشرع حكماً إسلامياً متشدداً في الدولة التي تضم عديداً من الأقليات مثل الدروز والأكراد والمسيحيين والعلويين.
وقال خلال اللقاء مع جنبلاط في تعليقات بثتها قناة "الجديد" اللبنانية "مع اعتزازنا بثقافتنا وبديننا وإسلامنا. فلا يعني وجود الإسلام إلغاء الطوائف الأخرى، بل على العكس من الواجب علينا حمايتهم".
وقال جنبلاط وهو سياسي مخضرم وزعيم درزي كبير خلال الاجتماع إن إطاحة الأسد ستفتح الباب أمام علاقات بناءة جديدة بين لبنان وسوريا.
وقال الشرع إنه سيرسل وفداً حكومياً إلى مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية في جنوب غربي البلاد. وأضاف "سنقدم خدمات كثيرة، نراعي خصوصيتها ونراعي مكانتها في سوريا"، وتعهد بتسليط الضوء على ما وصفه بأنه تنوع غني للطوائف في سوريا.
وفي محاولة لتهدئة المخاوف في شأن مستقبل سوريا استضاف الشرع عدداً كبيراً من الزوار الأجانب خلال الأيام القليلة الماضية، وتعهد بمنح الأولوية لإعادة إعمار البلاد التي دمرتها الحرب الأهلية على مدى 13 عاماً.
عناق ومصافحات
وقالت وزارة الخارجية التركية اليوم إن وزير الخارجية هاكان فيدان التقى قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في دمشق، ولم تذكر مزيداً من التفاصيل.
وأظهرت صور ولقطات نشرتها الوزارة فيدان والشرع القائد العام لإدارة العمليات العسكرية في سوريا وزعيم جماعة "هيئة تحرير الشام" التي قادت عملية إطاحة الأسد، وهما يتعانقان ويتصافحان.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الجمعة، إن بلاده ستساعد الإدارة السورية الجديدة على تشكيل هيكل الدولة وصياغة دستور جديد، وإن فيدان سيتوجه إلى دمشق لإجراء مناقشات حول هذا الهيكل الجديد. ولم يشر أردوغان إلى موعد زيارة وزيره.
كما زار إبراهيم كالين رئيس جهاز الاستخبارات التركي دمشق في 12 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، بعد أربعة أيام من إطاحة الأسد.
ودعمت أنقرة لسنوات مقاتلي المعارضة الذين سعوا لإطاحة الأسد، ورحبت بنهاية حكم عائلته الوحشي الذي دام خمسة عقود بعد حرب أهلية استمرت 13 عاماً. وتستضيف تركيا كذلك ملايين المهاجرين السوريين الذين تأمل أن يبدأوا في العودة إلى ديارهم، وتعهدت بالمساعدة في إعادة بناء سوريا.
وتأتي زيارة فيدان بينما يدور قتال في شمال شرق سوريا بين مقاتلين سوريين تدعمهم تركيا ووحدات "حماية الشعب الكردية" التي تقود قوات "سوريا الديمقراطية" المتحالفة مع الولايات المتحدة، والتي تعتبرها أنقرة جماعة إرهابية.
وفي وقت سابق اليوم، قال وزير الدفاع التركي يشار غولر إن تركيا تعتقد أن حكام سوريا الجدد، بما في ذلك فصيل "الجيش الوطني السوري" الذي تدعمه أنقرة، سيطردون مسلحي وحدات "حماية الشعب" الكردية من جميع الأراضي التي يحتلونها شمال شرق سوريا.
المسألة الكردية
وشنت أنقرة وحلفاؤها في سوريا هجمات عدة عبر الحدود ضد الفصيل الكردي في شمال سوريا، بينما تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي السورية على الحدود، وطالبت واشنطن مراراً بوقف دعم المقاتلين الأكراد.
ومع حشد جماعات معادية مدعومة من تركيا ضدها في شمال سوريا وسيطرة جماعة صديقة لأنقرة على دمشق، تقف الفصائل الكردية الرئيسة في سوريا في موقف دفاعي بينما تسعى للحفاظ على مكاسب سياسية حققتها خلال الحرب على مدى 13 عاماً.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان اليوم الأحد، إن اشتباكات مسلحة اندلعت بين عناصر إدارة العمليات العسكرية ومجموعة من "اللصوص وفلول نظام بشار الأسد" في مدينة حمص وسط سوريا.
وأكد المرصد، وقوع الاشتباكات ضمن شارع الستين بين حيي دير بعلبة والبياضة وسط حالة من الاستنفار الأمني لدى دوريات إدارة العمليات العسكرية المسؤولة عن ضبط الأمن في حمص.
وبحسب ما نقله المرصد عن مصادر محلية فإن الاشتباكات أتت على خلفية إطلاق قيادة العمليات العسكرية حملة أمنية تهدف لجمع السلاح الذي تم الاستحواذ عليه من داخل الثكنات العسكرية وأفرع الأمن التابعة لنظام الأسد المخلوع، في وقت رفضت فيه مجموعة تسليم السلاح الذي استحوذوا عليه من داخل فرع الاستخبارات الجوية ومبنى السجن المركزي القريب من مكان وجودهم.
وبعد نحو ساعة ونصف الساعة من عملية تمشيط المنطقة والاشتباك بين الطرفين، تمكن عناصر القيادة العسكرية من دخول الخيام التي استحوذت عليها المجموعة كموقع للإقامة، وانتزعت الأسلحة والذخائر التي كانت موجودة ضمن المكان من دون تسجيل أي إصابة في صفوف الطرفين.
جنبلاط في سوريا
من ناحية أخرى وصل الوزير اللبناني السابق وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي برفقة نواب اللقاء الديمقراطي والمشايخ الدروز إلى قصر الشعب في دمشق للقاء القائد العام للإدارة السورية أحمد الشرع.
تحفظات تركية
قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أمس السبت، إن أنقرة ستفعل "كل ما يلزم" لضمان أمنها إذا لم تتمكن الإدارة السورية الجديدة من معالجة مخاوف بلاده في شأن الجماعات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة، التي تعدها جماعات إرهابية.
وتنظر تركيا إلى وحدات حماية الشعب الكردية، المجموعة المسلحة التي تقود قوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع الولايات المتحدة، بوصفها امتداداً لمسلحي حزب العمال الكردستاني الذين خاضوا تمرداً ضد الدولة التركية لمدة 40 عاماً وتعدهم أنقرة وواشنطن والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية.
وتصاعدت الأعمال القتالية منذ الإطاحة ببشار الأسد قبل أسبوعين، حيث سيطرت تركيا والجماعات السورية التي تدعمها على مدينة منبج من قوات سوريا الديمقراطية في التاسع من ديسمبر (كانون الأول). وترك سقوط الأسد الفصائل الكردية في موقف دفاعي إذ تسعى إلى الاحتفاظ بالمكاسب السياسية التي حققتها في السنوات الـ13 الماضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي مقابلة مع قناة "فرانس 24" قال فيدان، إن الخيار المفضل لدى أنقرة هو أن تعالج الإدارة الجديدة في دمشق المشكلة بما يتماشى مع وحدة الأراضي السورية وسيادتها وسلامتها، مضيفاً أنه يتعين حل وحدات حماية الشعب على الفور.
وأضاف "إذا لم يحدث ذلك، فيتعين علينا حماية أمننا القومي".
وعندما سئل عما إذا كان ذلك يشمل العمل العسكري، رد فيدان "كل ما يلزم".
ورداً على سؤال حول تصريحات قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي حول إمكانية التوصل إلى حل تفاوضي مع أنقرة، قال فيدان إن المجموعة يجب أن تسعى إلى مثل هذه التسوية مع دمشق، لأن هناك "واقعاً جديداً" الآن.
وأضاف، "الواقع الجديد، نأمل أن يعالج هذه القضايا، ولكن في الوقت نفسه، تعرف وحدات حماية الشعب الكردية/حزب العمال الكردستاني ما نريده. لا نريد أن نرى أي شكل من أشكال التهديد العسكري لنا. ليس التهديد الحالي، ولا أيضاً التهديد المحتمل".
ولعبت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة دوراً رئيساً في هزيمة مسلحي تنظيم "داعش" في الفترة من 2014 إلى 2017 بدعم جوي أميركي، ولا تزال تحرس مقاتلي التنظيم في معسكرات الاعتقال. وحذر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من أن التنظيم المتشدد سيحاول إعادة تأسيس قدراته في هذه الفترة.
وقال فيدان، إنه لا يجد زيادة عدد القوات الأميركية في سوريا في الآونة الأخيرة "قراراً صحيحاً"، مضيفاً أن الحرب على تنظيم "داعش" كانت "ذريعة" للحفاظ على الدعم لقوات سوريا الديمقراطية.
وتابع، أن "الحرب على داعش لها مهمة واحدة فقط وهي إبقاء سجناء التنظيم في السجون، وهذا هو كل شيء".
وقال فيدان أيضاً، إن هيئة تحرير الشام التي اجتاحت دمشق للإطاحة بالأسد، كان لها "تعاون ممتاز" مع أنقرة في المعركة ضد تنظيمي "داعش" و"القاعدة" في الماضي من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية.
وأضاف أيضاً أن تركيا لا تؤيد بقاء أي قواعد أجنبية، بما في ذلك القواعد الروسية، في سوريا، لكن الاختيار يعود للشعب السوري.