Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران تدخل في ظلام أزمة الطاقة وسط غضب شعبي

الإنتاج الصناعي يفقد النصف خلال الأسبوع الأخير والرئيس يعتذر

تحتاج شبكة الكهرباء الإيرانية لتعمل بشكل طبيعي 350 مليون متر مكعب يومياً (رويترز)

ملخص

سنوات من العقوبات وسوء الإدارة والبنية المتهالكة والاستهلاك المفرط والهجمات الإسرائيلية تقف وراء الأزمة

أغلقت المكاتب الحكومية في إيران أو خفضت ساعات عملها، فيما تحولت المدارس والجامعات إلى التعليم عبر الإنترنت فقط، وغرقت الطرق السريعة ومراكز التسوق في الظلام، وانقطعت الكهرباء عن المصانع، مما أدى إلى توقف شبه كامل في الإنتاج الصناعي.

وعلى رغم أن إيران تمتلك واحدة من أكبر احتياطات الغاز الطبيعي والنفط الخام في العالم، فإنها تواجه أزمة طاقة شاملة يمكن إرجاع أسبابها إلى سنوات من العقوبات، وسوء الإدارة، والبنية التحتية المتهالكة، والاستهلاك المفرط، والهجمات المستهدفة من قبل إسرائيل.

وقال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في خطاب تلفزيوني مباشر هذا الشهر "نحن نواجه اختلالات خطيرة للغاية في الغاز والكهرباء والطاقة والمياه والمال والبيئة، فجميعها وصلت إلى مستوى قد يتحول إلى أزمة."

وعلى رغم أن إيران كانت تعاني من مشكلات في بنيتها التحتية منذ سنوات، فإن الرئيس حذر من أن المشكلة وصلت إلى نقطة حرجة.

خسائر بعشرات المليارات من الدولارات

وخلال معظم أيام الأسبوع الماضي، كانت البلاد مغلقة تقريباً لتوفير الطاقة، وبينما أعرب الإيرانيون العاديون عن استيائهم، حذر قادة الصناعة من أن الخسائر المصاحبة تُقدر بعشرات المليارات من الدولارات، وبأنه لم يكن لدى الرئيس بزشكيان حل سوى تقديم اعتذار.

وقال الرئيس "علينا أن نعتذر للشعب أننا في وضع يتحملون فيه العبء... بإذن الله، سنحاول العام المقبل ألا يحدث ذلك."

وصرح المسؤولون بأن الفجوة في كمية الغاز التي تحتاجها البلاد لتعمل بشكل طبيعي تبلغ نحو 350 مليون متر مكعب يومياً، لكنه مع انخفاض درجات الحرارة وارتفاع الطلب، اضطرت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات صارمة لترشيد الغاز.

وواجهت الحكومة خيارين صعبين، إما قطع إمدادات الغاز عن المنازل السكنية أو إغلاق الإمدادات عن محطات توليد الكهرباء، لكن الحكومة اختارت الخيار الثاني، إذ إن قطع الغاز عن المنازل السكنية كان سيترتب عليه أخطار سلامة كبيرة وسيحرم معظم الإيرانيين من مصدر التدفئة الأساس.

إغلاق 17 محطة لتوليد الكهرباء بالكامل

وقال عضو لجنة الطاقة بغرفة التجارة سيد حميد حسيني، في مقابلة مع "نيويورك تايمز"، "سياسة الحكومة هي منع قطع الغاز والتدفئة عن المنازل بأي ثمن. إنهم يسارعون لإدارة الأزمة واحتواء الأضرار، لأن هذا الوضع أشبه ببرميل بارود يمكن أن ينفجر ويتسبب في اضطرابات في جميع أنحاء البلاد."

وبحلول يوم الجمعة الماضي، أُغلقت 17 محطة لتوليد الكهرباء بالكامل، بينما كانت المحطات الأخرى تعمل بشكل جزئي فقط.

من جانبها، حذرت شركة "توانير"، الشركة الحكومية للطاقة، المنتجين في قطاعات مختلفة مثل الصلب والزجاج والأغذية والأدوية من استعدادهم لانقطاعات كهربائية واسعة النطاق قد تستمر لأيام أو أسابيع، وأدى ذلك إلى حالة من الفوضى في الصناعات التي تديرها الدولة والخاصة على حد سواء.

وقال رئيس مجلس تنسيق الصناعات في البلاد مهدي بوستانجي، وهي هيئة وطنية تعمل كحلقة وصل بين الصناعات والحكومة، إن الوضع كارثي وغير مسبوق في تاريخ الصناعات.

وقدّر بوستانجي أن الخسائر التي وقعت خلال الأسبوع الماضي وحده قد تؤدي إلى انخفاض الإنتاج الصناعي في إيران بنسبة تراوح ما بين 30 و50 في المئة، وتصل إلى عشرات المليارات من الدولارات، مشيراً إلى أن جميع المؤسسات تأثرت، لكن المصانع الصغيرة والمتوسطة كانت الأكثر تضرراً.

وقال "بطبيعة الحال، فإن الأضرار الناتجة من انقطاع التيار الكهربائي الواسع والمفاجئ الذي استمر طوال الأسبوع ستكون شديدة للغاية على الصناعات."

 أزمة الطاقة في إيران وتوقيت جيوسياسي صعب

وتأتي أزمة الطاقة على إيران في وقت جيوسياسي بالغ الصعوبة، إذ تدهورت مكانتها الإقليمية كقوة مؤثرة بشكل كبير بعد انهيار نظام الأسد في سوريا وتدمير إسرائيل لـ"حزب الله" في لبنان، ومن المتوقع أن تؤدي عودة الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى زيادة الضغط الأقصى على النظام، مع سياسات من شأنها أن تضغط أكثر على الاقتصاد.

وشهدت العملة الوطنية، الريال الإيراني، انهياراً هذا الأسبوع، إذ وصلت إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق أمام الدولار، وكل هذه العوامل جعلت الحكومة عرضة للخطر وهي تكافح للسيطرة على كل أزمة جديدة.

أزمة الغاز

هناك عامل أقل شهرة أسهم في تفاقم أزمة الطاقة هذا العام، ففي فبراير (شباط) الماضي، دمرت إسرائيل اثنين من خطوط أنابيب الغاز في إيران كجزء من حربها السرية مع البلاد. ونتيجة لذلك، اضطرت الحكومة إلى اللجوء سراً إلى الاحتياط الطارئ من الغاز لتجنب انقطاع الخدمة عن ملايين الأشخاص، وفقاً لمسؤول مطلع من وزارة النفط وعضو لجنة الطاقة في غرفة التجارة، السيد حسيني.

وقال الرئيس بيزشكیان، الذي أُنتخب رئيساً في يوليو (تموز) الماضي، إن حكومته ورثت مخزوناً طاقياً متهالكاً لم تتمكن من تجديده.

ويشكل الغاز الطبيعي نحو 70 في المئة من مصادر الطاقة في إيران، وهي نسبة أعلى بكثير مما عليه الحال في الولايات المتحدة وأوروبا، وفقاً للدراسات الدولية للطاقة. ونفذت الحكومة مشروعاً طموحاً لنقل الغاز إلى جميع أنحاء إيران، بما في ذلك القرى الصغيرة، والآن يعتمد نحو 90 في المئة من المنازل الإيرانية على الغاز للتدفئة والطهي.

ونسب المحللون الأزمة الحالية إلى عديد من المشكلات، بما في ذلك البنية التحتية المتهالكة عبر سلسلة الإنتاج والإمداد، وبسبب العقوبات، تجد إيران صعوبة في جذب الاستثمارات الأجنبية لتوسيع وتحديث قطاع الطاقة، وفقاً للمحللين، علاوة على أن سوء الإدارة والفساد والأسعار الرخيصة التي تشجع على الاستهلاك المفرط تعد من العوامل الأخرى.

وقال الرئيس التنفيذي لمؤسسة "بورصة وبازار"، إسفنديار باتمانغيليدج، وهي مؤسسة فكرية اقتصادية مقرها لندن وتتتبع الاقتصاد الإيراني، للصحيفة "على طول السلسلة، ترى في الأساس تحديات حيث لا تستطيع إيران إنتاج الكهرباء بالقدر الذي تحتاجه، وفي الوقت نفسه لا تستطيع تقليص استهلاكها، لذا من الصعب جداً الاستمرار في هذا الوضع".

انقطاع مبرمج للكهرباء في إيران

بدأت إيران في تطبيق انقطاع مبرمج للكهرباء مدة ساعتين يومياً في المنازل منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكن ذلك لم يكن كافياً، إذ أصبحت انقطاعات الكهرباء الآن أكثر عشوائية وتستمر لفترات أطول. ولأيام عدة الأسبوع الماضي، أغلقت المدارس والجامعات والبنوك والمكاتب الحكومية في جميع المحافظات إلا ثلاث من أصل 31 محافظة إيرانية، مع إشعار ليوم واحد فقط لتوفير الطاقة.

وبحلول يوم الخميس الماضي، قالت الحكومة إن جميع المدارس والتعليم العالي سينتقلان إلى التعليم عن بُعد، وهو إجراء لم يتخذ منذ جائحة كورونا، لبقية الفصل الدراسي الذي يستمر نحو ثلاثة أسابيع أخرى، ثم في يوم الجمعة، قال محافظ طهران إن المدارس ستفتح يوم السبت بسبب الامتحانات النهائية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأعلن رئيس شركة الغاز الوطنية، سعيد توكلي، قطع خدمة الغاز عن نحو 73 ألف وحدة سكنية بعدما حدد الوكلاء، الذين جابوا الأبواب، المنازل بوصفها منازل عطلات ثانية في الجبال قرب طهران وعلى شواطئ بحر قزوين في الشمال.

ويستيقظ الإيرانيون يومياً وهم لا يعرفون إذا كانوا سيتمكنون من الذهاب إلى العمل أو إرسال أطفالهم إلى المدرسة، أو إذا كانت المصاعد أو إشارات المرور ستعمل.

وقالت سفيضة، التي طلبت أن يُستخدم اسمها الأول فقط خوفاً من الانتقام من السلطات، وهي معلمة تبلغ من العمر 32 سنة في طهران، للصحيفة، إن "انقطاع الكهرباء أثر بشدة على الحياة اليومية والعمل، وعندما تنقطع الكهرباء، ينقطع الماء أيضاً وتُطفأ الغلايات، ونتيجة لذلك تتعطل جميع أجهزة التدفئة". وأشارت إلى أن دروسها عبر الإنترنت في اللغة الإنجليزية تُلغى بشكل روتيني لأن الإنترنت ينقطع.

وقال نادر، وهو طبيب أسنان طلب أيضاً أن يُعرف باسمه الأول فقط، إنه في بعض الأحيان كان مضطراً لإيقاف علاج المرضى منتصف الطريق بسبب انقطاع الكهرباء.

وقال مالك أحد أكبر مصانع المواد الإنشائية في إيران في مقابلة من طهران إن عمله نجا من الثورة والحرب والعقوبات، لكن لم يكن أي من هذه الأمور فوضوياً ومجهداً. وأضاف أن شعوراً ساحقاً بعدم اليقين بدأ ينتشر بين القطاع الخاص، مع انزلاق البلاد إلى المجهول، فمع كل أزمة جديدة يبدو أن الحكومة عاجزة عن السيطرة عليها.

وقال سهيل، وهو مهندس يبلغ من العمر 37 سنة في مصنع لإنتاج الأجهزة المنزلية في أصفهان، إن انقطاعات الكهرباء ستجبر المصنع على تسريح العمال وتقليص حجم العمل لأن الانقطاعات أدت إلى زيادة كلفة الإنتاج.

وبدأ الرئيس الإيراني حملة فيديو تضم مسؤولين ومشاهير يحثون الإيرانيين على تقليل استهلاك الطاقة من خلال خفض درجة حرارة منازلهم بمقدار درجتين على الأقل، وأظهرت مقاطع الفيديو في وسائل الإعلام الحكومية المجمع الرئاسي بلا أضواء في الليل.

اقرأ المزيد