Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"نهضة" اليمين المتطرف المهددة لمستقبل أوروبا  

الأحزاب الشعبوية وصلت إلى الحكومة في 7 دول أوروبية وتؤثر في سياسات دول القارة  

قادة اليمين المتطرف يحتفلون بنتائج جيدة لأحزابهم في الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأوروبي (غيتي) 

ملخص

شهد عام 2024 نهوضا لأحزاب وجماعات اليمين المتطرف في القارة العجوز، فوصلت إلى السلطة في دول عدة وأصبحت قوة مؤثرة ومهددة في أخرى، لتكون المحصلة تحول هذا التيار إلى لاعب رئيس في السياسات الأوروبية الداخلية والخارجية، ومن المحتمل أن يزداد حضور أفرادها خلال العام الجديد بتأثير عودة "عراب الشعبوية في العالم" الرئيس الأميركي دونالد ترمب للبيت الأبيض.

بعد عروض قوية في الانتخابات البرلمانية عام 2024، وصلت أحزاب يمينية متطرفة إلى الحكومة في سبع دول أوروبية هي كرواتيا والتشيك وفنلندا والمجر وإيطاليا وهولندا وسلوفاكيا، إضافة إلى نجاح الشعبويين في التحول إلى أرقام صعبة في المعادلة السياسية في دول أخرى مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، فلا يستبعد أن يصل "التجمع الوطني" إلى رأس السلطة في باريس بعد أعوام، ولا يستهجن انتصار "البديل من أجل ألمانيا" في استحقاق فبراير (شباط) عام 2025، كذلك تشير استطلاعات الرأي في المملكة المتحدة إلى أن شعبية "ريفورم" الذي دخل البرلمان البريطاني للمرة الأولى العام الحالي باتت تتفوق على حزب العمال الحاكم.

الزخم الذي حققته أحزاب اليمين المتطرف شعبياً وبالتالي انتخابياً، وضعت الديمقراطيات الراسخة في القارة العجوز أمام تحديات كبيرة للحفاظ على الفضاء المدني وصون الضوابط والتوازنات القانونية والقضائية والليبرالية في مجتمعات تمتعت بمساحات واسعة من الحريات بعد الحرب العالمية الثانية، كما واجهت الخطط المناخية والبيئية معارضة شديدة، وتصاعدت خطابات كراهية الأجانب والمهاجرين تحت عناوين مثل "استعادة الهوية الوطنية" و"حماية القيم الغربية" من المد الديني والاختلافات الثقافية للأقليات في دول أوروبا.   

ووفق معهد "غلوبال إنسايت" للدراسات، ما يزيد من خطر اليمين المتطرف هو تقدمه حتى في البرلمان ومؤسسات الاتحاد الأوروبي المختلفة، مما يعطي أحزاب التيار الشعبوي قدرة أكبر على التخطيط والتنسيق لمستقبل التكتل والقارة بصورة عامة وفق توجهاتها، خصوصاً أنها تجاوزت خلافات جوهرية كانت بينها في السابق، كما أن تنازلها عن أفكار الانفصال والتخلي عن الوحدة الأوروبية زاد من شعبيتها وقربها أكثر للناس في دول القارة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

منافسة الأحزاب التقليدية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، فاز حزب "البديل من أجل ألمانيا" بنحو ثلث الأصوات في ولاية تورينجيا شرق البلاد، وهي المرة الأولى التي يفوز فيها حزب يميني متطرف في انتخابات برلمان الولاية منذ الحرب العالمية الثانية، وفي اليوم نفسه حل الحزب في المرتبة الثانية ضمن انتخابات ولاية ساكسونيا المجاورة.

هذه النتائج الدراماتيكية وقعت على رغم صدور حكم في مايو (أيار) الماضي يسمح لأجهزة الأمن بالاستمرار في معاملة "البديل من أجل ألمانيا" كحزب يميل إلى التطرف ويمنحها حق إبقائه تحت المراقبة، ليؤكد بذلك قراراً قضائياً صدر عام 2021 وتؤكد محكمة في كولونيا أنه لا ينتهك الدستور أو القانون المدني الأوروبي أو المحلي، مما يثير تساؤلات كثيرة حول شعبية الحزب المتزايدة على رغم هذا التصنيف القضائي له.

يقول المدير التنفيذي لاتحاد الحريات المدنية في أوروبا ومقره برلين بالاز دينيس إن "هناك علاقة بين سيادة القانون وصعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، فالزيادة المطّردة في شعبية هذه الأحزاب ستكون لها في النهاية عواقب على حقوق الإنسان والحريات الأساسية"، لكن "البديل من أجل ألمانيا" يرفض وصفه بالتطرف ويقول إنه سيستأنف الحكم القضائي ضده في أسرع وقت ممكن، على رغم أن رئيسه في منطقة تورينجيا بيورن هوك غرم مرتين خلال عام 2024 بسبب استخدامه لشعارات نازية خلال تجمعات عامة.

ويقدم نجاح "البديل من أجل ألمانيا" أيضاً مثالاً على استقطاب اليمين المتطرف للشباب في أوروبا، حيث صوت أكثر من ثلث الذين تراوح أعمارهم ما بين 18 و24 سنة لمصلحته في تورينجيا وساكسونيا، ويقول الخبير القانوني في جامعة "باساو" هانز جورج ديدر إن "مزيجاً من وسائل التواصل القوية مثل ’تيك توك‘ ومهارات الخطابة والاتصال، ساعدت الحزب على جذب الشباب الغاضب إزاء قضايا كالهجرة والاقتصاد".

وبرأي ديدر، فإن "البديل من أجل ألمانيا" يقوم بعمل أفضل بكثير من أي حزب ديمقراطي قديم في البلاد، حتى إنه أجبر الأحزاب التقليدية على تبني نهج يلتقي مع خطاباته في التعامل مع الهجرة والأمن الداخلي وغيرهما من الشؤون التي تثير غضب العامة، مما يدفع الشباب إلى السؤال، ما الخطأ في ذلك الحزب اليميني إذا كانت الحكومة المدارة من الأحزاب التقليدية بدأت تخطط سياستها لمعالجة الأخطاء والمشكلات التي يتحدث هو عنها، أي إنه على صواب في ما يدعو إليه ويحذر منه في المستقبل، على حد تعبيره.  

 

الميدان الأوروبي والوطني

ترددت أصداء نجاحات "البديل من أجل ألمانيا" شرق البلاد خلال انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو (حزيران) الماضي، إذ استقطب الحزب أكثر من ثلاثة أضعاف أصوات الشباب التي كانت مؤيدة له قبل الاستحقاق الذي مثّل مفاجأة سياسية أخرى للقارة العجوز عام 2024، فتوجه الأوروبيون إلى صناديق الاقتراع في أول اختبار انتخابي كبير منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ووباء كورونا والهجوم الروسي على أوكرانيا، وحققت فيها تحالفات اليمين 156 مقعداً من إجمالي 720 نائباً يشكلون برلمان التكتل. 

وفي الانتخابات الأوروبية، تقدم "البديل من أجل ألمانيا" على حزب الديمقراطي الاجتماعي الذي يتزعمه المستشار أولاف شولتز، بينما حصل "الحرية" الشعبوي على أكثر من ربع أصوات النمسا، وحصد شقيقه "إخوة إيطاليا"، حزب رئيسة وزراء روما جورجيا ميلوني، على أكثر من 28 في المئة من أصوات الإيطاليين، أما في فرنسا ففاز "التجمع الوطني" بنسبة 31.4 في المئة كانت كافية لإخافة الرئيس إيمانويل ماكرون ودفعه إلى حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة خسرها أيضاً أمام اليمين بقيادة مارين لوبن.

وأشارت التقارير إلى أن الناخبين في استحقاق البرلمان الأوروبي عبروا بوضوح عن تزعزع ثقتهم بقدرة الأحزاب الوسطية واليسارية على إدارة قضايا كالهجرة والتضخم والبيئة، وتحت وطأة الحضور الواضح لليمين المتشدد في البرلمان الجديد، لم تجرؤ أورسولا فون دير لاين التي فازت بولاية ثانية مدتها خمسة أعوام كرئيسة للمفوضية الأوروبية، على قول إنها لن تعمل مع مجموعات هذا التيار في أكبر مؤسسات التكتل.

وعلى رغم أن مكاسب اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية كانت أقل من التوقعات، يتفق المعلقون على أن أداءهم مقلق في ما يتعلق بالتراجع عن سيادة القانون في المنطقة، فتلك الانتخابات تدلل على المسار السياسي الوطني في دول التكتل، وفق روبرت سترانغ، المدير التنفيذي لمعهد مبادرة القانون لأوروبا الوسطى والشرقية في براغ.

 

"تطبيع التطرف"

من وجهة نظر الزميلة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ورئيسة برنامج "القوة الأوروبية" سوسي دينيسون، دفع تمدد اليمين الشعبوي في دول القارة إلى ما يمكن وصفه بـ"تطبيع التطرف"، وتلفت إلى أن الأحزاب الرئيسة في أوروبا أغفلت أن السياسات والخطاب اليميني المتطرف أدّيا إلى تآكل حقوق الإنسان تدريجاً، لا سيما المهاجرين.

وتستشهد دينيسون بإيطاليا التي جعلت حكومتها الشعبوية ترحيل المهاجرين واحتجازهم منطقاً مقبولاً أوروبياً ولا تعكر صفوه مناشدات المنظمات الحقوقية والإنسانية، وبرز هذا التوجه على نحو فج بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، حيث سارعت حكومات أوروبية عدة إلى تعليق طلبات اللجوء المقدمة لها من حملة الجنسية السورية حتى قبل أن تتضح ملامح المرحلة المقبلة في الدولة المتوسطية، متجاهلة بهذا التحذيرات الأممية والحقوقية من مغبة الاستعجال في هذه الخطوة التي تمهد لإعادة السوريين إلى بلادهم.

تبدل الأوضاع في سوريا خفف من ضغوط اليمين المتطرف على حكومات اليسار والوسط في ملف الهجرة، ولكن الأمر بات يتجاوز بكثير إعادة المتقدمين بطلبات لجوء أو منع آخرين من الوصول أصلاً إلى القارة العجوز، فاليمين الشعبوي حوّل المهاجرين إلى خصوم يهددون الهوية والثقافة والقيم الأوروبية وأعلن الحرب على هذا التهديد.

وفي يوليو (تموز) وأغسطس (آب) الماضيين، أثار الخطاب المناهض للهجرة الفوضى في أجزاء من إنجلترا وإيرلندا الشمالية عقب مقتل ثلاث فتيات في مدينة ساوثبورت شمال غربي بريطانيا، ففجرت معلومات مضللة حول القاتل انتشرت عبر الإنترنت، أعمال عنف استهدفت المساجد وفنادق تضم طالبي لجوء في البلاد، كما شجعت منشورات لأعضاء من اليمين المتطرف عبر وسائل التواصل على مهاجمة مكاتب محاماة ومراكز مشورة للمهاجرين.

ويرى الشريك المؤسس لمؤسسة "هوارد كينيدي" مارك ستيفنز أن أعمال الشغب التي وقعت في بريطانيا لم تترك أي شك في أن اليمين المتطرف يمكن أن يستغل أحداثاً مأسوية لدعم روايته، لافتاً إلى أن "الشعبويين يسعون إلى مهاجمة كامل نظام الهجرة وليس فقط الأشخاص غير الشرعيين الوافدين إلى دول القارة العجوز بطرق مختلفة".

 

"صوت المغيبين"

يقول الصحافي المتخصص في شؤون جماعات اليمين المتطرف إيان دونت إن الأحزاب الشعبوية تناشد بصورة متزايدة الناس الذين يشعرون بأنهم "غير مسموعين" من قبل الأحزاب السياسية الرئيسة، وبعدما تنبهت الحكومات اليسارية والوسطية أخيراً لهذه المشكلة أصبح لزاماً عليها تعديل أجندتها الاجتماعية والاقتصادية لتلتقي مع أفكار الشعبويين، أي إن أجندة اليمينيين باتت أرضية المعارك السياسية في أوروبا.

ويلفت دونت إلى أن اليمين المتطرف "ليست لديه خطة اقتصادية كبيرة، لكن الناخبين على استعداد لمنحه فرصة"، وقد بدا هذا جلياً برأيه، في فرنسا التي فاز فيها الشعبويون بالمرتبة الثالثة خلال الانتخابات العامة الأخيرة، وبعدها بأشهر أسقطوا حكومة ميشال بارنييه بحجة فشل مشروع الموازنة الي تقدمت بها على رغم أن اليمين المتطرف لا يقترح أية حلول للأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد مثلها مثل كثير من دول القارة.

ويشدد دونت على أن عدم الرضا عن السياسة السائدة لا يقتصر على فرنسا، ومجمل الضغوط الاقتصادية التي تعيشها دول أوروبا منذ وباء كورونا وما تلاه من تداعيات حرب أوكرانيا كلها عززت السخط الشعبي على الأحزاب التقليدية وحكوماتها، وفتحت الأبواب أمام تيارات اليمين الشعبوي للحشد وراء قضايا اقتصادية واجتماعية عدة.  

والمشكلة برأي دونت أن "الناس لا يدركون كيف يضع الشعبويون الديمقراطية الأوروبية في خطر باستخدام ذرائع اجتماعية واقتصادية مختلفة"، وهو قلق من اشتداد عود اليمين المتشدد في أوروبا عام 2025 بعد وصول الرئيس الأميركي دونالد ترمب للبيت الأبيض، فهو بمثابة عراب هذا التيار عالمياً ومن المتوقع أن تزداد المشكلات الاقتصادية في القارة العجوز خلال ولايته الممتدة على أربع سنوات، كما أنه سيقود حرباً على المهاجرين ستتردد أصداؤها في استحقاقات انتخابية عدة في دول الغرب قريباً.

ويعتقد دونت بأنه في أوائل القرن الـ20، كان الخطر الذي يواجه أوروبا يتمثل في الفاشية، أما اليوم فهو الشعبوية اليمينية، لافتاً إلى أن التعمق في التفاصيل الدقيقة لما يميز كلّاً منهما، يشير بوضوح إلى أنهما يشتركان في الجذور الأيديولوجية نفسها، كما يتعاملان مع أفكار عدة بالطريقة ذاتها، مما يجعلهما يحملان الأخطار نفسها.

 

أدوات وأسلحة

ما يزيد خطورة اليمين المتطرف اليوم مقارنة بالفاشيين في القرن الماضي هو تعدد الأدوات (الأسلحة) التي يعتمد عليها الشعبويون اليوم، وعلى رأسها التكنولوجيا، إذ نشرت صحيفة "ذا غارديان" أخيراً مطولة حول استخدام اليمينيين المتشددين للذكاء الاصطناعي في الترويج لتوجهاتهم ونشر أفكارهم المتطرفة، إضافة إلى شيطنة قادة وسطيين ويساريين في قارة أوروبا ضمن سياق التشكيك في جدوى ونجاعة سياساتهم المختلفة.

ثمة تحقيقات رسمية تجرى وفقاً للصحيفة البريطانية، حول هذه الاستخدامات من قبل أحزاب اليمين المتطرف مع مراعاة أن وسائل التواصل الاجتماعي التي تنتشر عبرها منتجات الذكاء الاصطناعي من صور ونصوص في هذا المجال، هي بحد ذاتها باتت تشكل أزمة للحكومات اليسارية والوسطية التي تحاول مواجهة الشعبوية في أوروبا.

ولعل أحداث الشغب التي وقعت في بريطانيا خلال عام 2024 كانت أبرز الأسباب التي دفعت العواصم الأوروبية إلى مراجعة مدى التزام وسائل التواصل القيم الديمقراطية والحقوقية الأوروبية وتجنب نشر ما يهدد الأمن في القارة، بخاصة بعدما وقف مالك منصة "إكس" الملياردير الأميركي إيلون ماسك مع الشعبويين الذين حرقوا وخربوا في بريطانيا، وانتقد سياسات رئيس الوزراء في لندن كير ستارمر في التعامل معهم.

والخشية من ماسك لا تنتهي عند حدود منصته المفتوحة أمام الشعبويين، بل تشمل أيضاً احتمال دعمه المباشر لأحزاب اليمين المتشدد في الاستحقاقات الأوروبية المقبلة، وزعيم حزب "ريفورم" اليميني البريطاني نايجل فاراج تحدث عن ذلك صراحة، فدفع السلطات المختصة في القارة العجوز إلى العمل بسرعة على تعديلات قانونية وتشريعية تمنع ذلك بحجة أنه يشكل تدخلاً خارجياً مباشراً في الشؤون الداخلية للدول.  

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير