ملخص
حدد محللو أسواق المال ستة عوامل رئيسة دفعت مستويات السيولة في سوق الأسهم السعودية (تداول) إلى الهبوط لأدنى مستوى خلال 22 شهراً، أي ما يقارب عامين تقريباً، أبرزها سيطرة السلوك المضاربي على الأداء العام مع حلول أعياد الميلاد وموسم الإجازات السنوية
لعل التساؤل المقلق هو لماذا انحسرت السيولة في السوق السعودية على رغم ضخ عجلة التنمية ونشاط الشركات والقطاعات الرئيسة من النفط والطاقة حتى البنوك؟
إلى ذلك مرت السوق بتحولات مهمة خلال الأعوام الماضية بعد أن وضع فيها بصورة واسعة أنظمة وتشريعات حفزت على زيادة الإدراجات في السوق الرئيس، وفي الوقت نفسه استطاع القطاع المالي السعودي تطوير أدائه مؤثراً في زيادة الناتج الإجمالي من خلال إتاحة الفرصة لشريحة واسعة من الشركات للتمويل، فماهي معضلة السوق؟
سوقنا أكثر قوة
وكل العوامل الجاذبة للسيولة موجودة بل إنها عميقة جداً وتفوق غالبية الأسواق، بل تخطت أسواقاً عالمية في قطاع الاكتتابات والإدراج، حتى إنها تفوقت على سوق لندن المالية، وفق المؤشر الذي نشرته صحيفة "فايننشال تايمز".
وبحسب تحليل الرسوم البيانية المصاحبة لمؤشر " فايننشال تايمز" فقد تضاعف عدد الكيانات المسجلة في بورصة الهند ما بين عامي 2022 و2024، بينما تراجع في الصين أكثر من النصف.
وبالنسبة إلى عدد التسجيلات الجديدة في البورصة الأميركية فقد تراجعت 2023 عن عام 2022 لتعاود الارتفاع عام 2024، لكنها تظل أقل بنحو الثلث عن عدد التسجيلات الجديدة في الهند، ولم تشهد أعداد التسجيلات الجديدة تغيرات كبيرة عن مستواها قبل عامين في بقية الدول التي شملها الإحصاء، وهي بالترتيب اليابان وهونغ كونغ والاماارت .
وبالتأكيد فإن أية سوق تتعرض لتقلبات حادة لكن بنهاية المطاف لدينا سؤال موجه إلى إدارة السوق السعودية، لماذا هذا الانحسار الحاد في السيولة؟
نجاح أدوات السوق كثيرة من دون شك، فقد جذب مئات الشركات للإدراج وأصبحت الأسهم السعودية الأبرز إقليمياً، لكن ما يحدث يحتاج إلى تفسير لمعرفة الأسباب، فاقتصادنا السعودي فيه معدلات نمو في القطاع غير النفطي، وخريطة التنمية المرتبطة بالمشاريع الكبرى تتقدم وفق رؤية واضحة، بل إنها تفوق جميع الخطط التنموية في الإقليم، ولن نحتاج للتفصيل فالمشاريع الكبرى تحكي عن نفسها.
وشركة "تداول" بحكم مسؤوليتها المباشرة عن الحركة والنشاط في سوق الأسهم عليها أن تنظر بعين الباحث إلى العوامل التي مرت على مستوى التداول، فمن غير المقبول أن تصل التداولات لمستوى بسيط والسيولة لمستوى متدن جداً.
ماذا يقول المحللون؟
وحدد محللو أسواق المال ستة عوامل رئيسة دفعت مستويات السيولة في سوق الأسهم السعودية (تداول) إلى الهبوط لأدنى مستوى خلال 22 شهراً، بل وصلت لمستوى متدن جدا .. جدا .. جدا أي ما يقارب قرب عامين تقريباً، أبرزها سيطرة السلوك المضاربي على الأداء العام مع حلول أعياد الميلاد وموسم الإجازات السنوية.
وتراجعت مستويات السيولة في السوق السعودية الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بنهاية جلسة أول من أمس الأربعاء لأدنى مستوياتها منذ فبراير (شباط) 2023، أي خلال "22 شهراً أو عامين تقريباً"، بالغاً قيمة 2.8 مليار ريال (746 مليون دولار)، تزامناً مع انخفاض المؤشر العام "تاسي" 0.2 في المئة ليغلق عند 11892 نقطة، وذلك بضغط من هبوط سهم "أرامكو السعودية" على رغم ارتفاع معظم الشركات المدرجة وبدء موسم الإجازات في عشرات الدول.
وعدد المتخصصون عوامل أخرى تتضمن ارتفاع الرغبة في المشاركة بالطروحات الأولية المتتالية، إضافة إلى ترقب المستثمرين سياسات الرئيس الأميركي المعاد انتخابه دونالد ترمب الاقتصادية نحو الصين، والتي تعد أكبر شريك تجاري للسعودية، واتجاه المستثمرين الأجانب للعزوف عن المتاجرة بالأسهم مع نهاية عام 2024، وسط التخطيط لقضاء عطلة أعياد الكريسماس، إضافة إلى تفضيل بعض المتعاملين الذين يملكون ملاءة مالية كبيرة اقتناص الفرص الثمينة في سوق العملات المشفرة وأسواق المال العالمية، خصوصاً في "وول ستريت" التي سجلت مكاسب كبرى منذ انتهاء الانتخابات الأميركية وحتى الآن.
وأشاروا إلى أن من تلك العوامل المؤثرة أيضاً متابعة المتعاملين لتطورات الأوضاع الجيوسياسية وانعكاساتها على أسعار النفط العالمية ومدى التزام تحالف "أوبك+" بخفض إنتاج الخام في السعي لزيادة إنتاج الخام الأميركي وتوسعه نطاق مبيعاته عالمياً.
وفي هذا الصدد قال المستشار الاقتصادي والرئيس التنفيذي لمركز التنمية والتطوير للاستشارات الاقتصادية بالرياض علي بوخمسين إن "ما مرت به سوق الأسهم السعودية خلال الجلسات الأخيرة طبيعي جداً، وذلك يعود لعوامل عدة أبرزها اقتراب نهاية السنة الميلادية، وعام 2024 بصورة عامة كان صعباً على السوق بعد تلقيه ضغوطاً قوية من ظروف داخلية وخارجية، تمكن من تجاوزها واستقراره عند مستويات العام قبل الماضي 2023.
وأوضح بوخمسين أن "انحسار حجم السيولة إلى مستوى متدن لم تشهده السوق المالية السعودية منذ عامين تقريباً وهبوطها دون مستوى 3 مليارات ريال (799 مليون دولار) خلال جلسة أول من أمس الأربعاء يؤكد حدوث حال عزوف عن التداول لدى المتعاملين الكبار والصغار بصورة كبيرة على حد سواء.
ولفت إلى أن انخفاض المؤشر العام لـ "تاسي" وانحسار حجم السيولة في السوق يظهر أيضاً فقدانه الوقتي لجاذبيته الاستثمارية ومروره بفترة ركود لحين بداية العام الجديد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن هبوط حجم السيولة لهذا المستوى يشير إلى تسرب المتداولين إلى أسواق مالية استثماريه أخرى لأنها لم تجد فرصاً مجدية، موضحاً أن بعض المستثمرين فضلوا انتقال سيولتهم من السوق المالية السعودية منذ مطلع الشهر الجاري إلى أداوت استثمارية أخرى جاذبة، أبرزها أسواق العملات المشفرة ولا سيما "بيتكوين"، بعد أن سجلت أرقاماً قياسية مع احتمال زيادة مكاسبها التاريخية على المدى القصير الأجل، خصوصاً مع اقتراب موعد تنصيب ترمب، الداعم الأكبر لرؤية الاستثمار الحكومي في تلك العملات بصورة عامة.
وأشار بوخمسين إلى أن أحد العوامل التي دفعت بعض المستثمرين لنقل سيولتهم من السوق السعودية إلى العملات المشفرة هو إعلان موسكو استثمار الحكومة في عملة "بيتكوين" واعتمادها كوسيلة تداول، مما يرفع حجم الإقبال عليها ومن ثم يؤدي لزيادة قيمتها لمستويات قياسية جديدة.
وقال إن من الأسواق المالية التي اتجهت إليها سيولة بعض المستثمرين بعض الأسواق العالمية، ولا سيما سوق الأسهم الأميركية التي حقق فيها مؤشر "داو جونز" مستويات قياسيه هذا العام متجاوزاً سقفه التاريخي، متوقعاً "عودة تلك السيولة مع بداية العام وتحسن الإقبال على سوق الأسهم السعودية وبدء إفصاح الشركات المدرجة عن إعلانات نتائج الأعمال السنوية".
تباين واضح
وفي هذا الصدد أوضح المستشار الاقتصادي في الأسواق المالية محمد الشميمري أن سوق الأسهم السعودية تعكس تبايناً واضحاً ما بين أداء المؤشر وحركة الشركات، إذ تعتمد بصورة كبيرة على خمس شركات تشكل نصف وزنها.
ورجح الشميمري هيمنة المضاربات السريعة وقصيرة الأجل على أداء سوق الأسهم السعودية حتى نهاية عام 2024، متوقعاً تغير الاتجاه مع بداية 2025، ومشيراً إلى أن "الطروحات الجديدة ونتائج الشركات الإيجابية التي من المرجح أن يفصح عنها حول أداء العام ككل ستعزز مكاسب السوق من جديد، ولا سيما في قطاعات مثل البتروكيماويات والأسمنت التي ستستفيد من المشاريع الكبرى".
عودة الضغوط
بدوره يرى رئيس أبحاث السوق في "OW Markets" عاصم منصور أن الضغوط على سوق الأسهم السعودية خلال الجلسات الأخيرة عادت بسبب تزايد عمليات جني الأرباح وضعف السيولة، مع تداول المؤشر العام "تاسي" في نطاق عرضي، مشيراً إلى أن "هناك عوامل أساس مثل توالي الطروحات الأولية الكبيرة، إضافة إلى خفض الفائدة على رغم تقليل مرات تنفيذها، وكذلك المشاريع التنموية الخاصة برؤية 2030".
وتابع أن "الاستعدادات لاستضافة مونديال كأس العالم 2034 من المرجح أن تمكن أداء سوق الأسهم السعودية من التحسن خلال الربع الأول من 2025 وتجاوز 'تاسي' مستوى 12400 نقطة".
ويأتي ذلك فيما تعزز الاكتتابات الجديدة عمليات مقارنة التقييمات بين أسهم القطاع الواحد في السوق، إذ سجل قطاع إدارة وتطوير العقارات رابع أفضل أداء بين قطاعات سوق الأسهم السعودية منذ بداية العام، بعدما ارتفع بأكثر من 19 في المئة.
وأخيراً كشفت هيئة السوق المالية عن موافقتها على طرح أكثر من تسعة في المئة من أسهم شركة "أم القرى للتنمية والإعمار" المسؤولة عن تطوير وجهة "مسار مكة المكرمة" للاكتتاب العام الأولي.
موجة تراجع
من جانبه أكد المستشار المالي محمود عطا أن "سوق الأسهم السعودية لا تزال تحافظ على تماسكها السعري بعد موجة التراجع خلال الأسبوعين الأخيرين"، لافتاً إلى أن "استمرار هذا التماسك سيبقي فرص عودة تحسن الأداء ممكنة وقريبة، خصوصاً مع ارتفاع أسعار النفط الذي يقلل الضغوط من سهم أرامكو السعودية".
وأكد أن تحركات سوق الأسهم السعودية كانت تعتمد على البنوك والبتروكيماويات بصورة كبيرة، مشيراً إلى أن توالي الطروحات الجديدة التي تقلل من الاعتماد على هذه القطاعات قد انخفض السيولة بصورة كبيرة، لافتاً
إلى أنه وعلى رغم عودة الزخم للأسواق العالمية لكن الأسهم القيادية في السوق السعودية لا تزال تحت وطأة الضغوط البيعية وعمليات جني الأرباح.
وذكر عطا أن سوق الأسهم السعودية شهدت خلال أولى جلسات الأسبوع تحركات إيجابية على مؤشر "تاسي" وسط تحسن في معنويات المستثمرين، إذ ارتفع المؤشر العام للسوق 0.5 في المئة، موضحاً أن هذا الارتداد الموقت أتى حينها تزامناً مع التحركات الإيجابية في الأسواق العالمية وأسعار النفط لترتد السوق السعودية من 11868 نقطة، وهي نقطة دعم جيدة من الناحية الفنية.
السيولة عنصر حيوي للسوق
من جانبه أوضح أستاذ المالية محمد القحطاني أن السوق المحلية واجهت خلال معظم فترات العام تراجعاً في السيولة كان أكثرها خلال جلسة الـ 25 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري التي لم تتجاوز 2.7 مليار ريال (719.18 مليون دولار) عند أدنى مستوى منذ فبراير 2023، مما يلقي بظلال على أداء المستثمرين وإقبالهم على الشراء، إذ تعد السيولة من العناصر الحيوية في أسواق المال، وتشير إلى سهولة تحويل الأصول لنقد من دون التأثير الكبير في قيمتها، وأنها تسهل السيولة العالية عمليات التداول مما يعزز كفاءة الأسواق واستقرارها.
وأضاف القحطاني أنه "عندما تنخفض السيولة في السوق تزداد صعوبة تنفيذ الصفقات بسرعة وبأسعار مستقرة، وهذا الانخفاض يؤدي إلى تقلبات أكبر في الأسعار ويزيد كلف التداول نتيجة اتساع الفجوة ما بين أسعار العرض والطلب"، ولذلك فقد يواجه المستثمرون صعوبات في تصفية أصولهم مما يزيد أخطار الاستثمار وبالتالي مزيداً من الإحجام عن التداول.
عوامل مؤثرة في السوق
وحول التوقعات في شأن مستويات السيولة أكد مدير إدارة استثمار الموارد المالية في مؤسسة الاستثمار الدولي في الشرق الأوسط إلياس العبدي أن مستويات السيولة تتأثر بعوامل عدة رئيسة، من أبرزها حجم التداول، إذ إن زيادته تعكس نشاطاً أكبر في السوق مما يسهل عمليات البيع والشراء ويعزز السيولة، وأيضاً فإن ارتفاع عدد المستثمرين والمتداولين يؤدي إلى تنوع العرض والطلب مما يسهم في تحسين السيولة، إضافة إلى الشفافية وتوافر المعلومات التي تعزز ثقة المستثمرين وتشجعهم على المشاركة بفعالية أكبر، واللوائح التي تسهل عمليات التداول وتحفز الاستثمار، بينما قد تؤدي القيود الصارمة إلى تقليصها، مبيناً أن ثقة المستثمرين ومعنويات السوق في الأداء الاقتصادي تحفزان ضخ مزيد من الأموال في السوق مما يرفع مستوى السيولة.
النظرة المستقبلية
وعن أداء المستثمرين ونظرتهم للسيولة خلال الفترة المقبلة أشار المصرفي جمال الهيثم إلى أنه يمكن للمستثمرين والمحللين مراقبة مؤشرات اقتصادية ومالية عدة، من بينها حجم التداول، إذ إن ارتفاعه يشير عادة إلى سيولة أعلى، بينما يعتبر الانخفاض دليلاً على تراجع السيولة مع اتساع الفجوة ما بين أسعار العرض والطلب لتتجاوز 2.7 مليار ريال.
وأضاف أن "الأحداث الاقتصادية والسياسية والتطورات الكبرى مثل الأزمات المالية أو التغيرات السياسية يمكن أن تؤثر بصورة مباشرة في مستويات السيولة، كما تلعب السياسات النقدية دوراً محورياً في تحديد مستويات السيولة، فعلى سبيل المثال قد يؤدي رفع أسعار الفائدة إلى تقليل السيولة المتاحة في الأسواق، إذ يتجه المستثمرون نحو الادخار بدلاً من الاستثمار".
وشدد على مراعاة تأثير السيولة في إستراتيجيات الاستثمار داخل الأسواق ذات السيولة المنخفضة والتي تعني أنه من الحكمة للمستثمرين تبني إستراتيجيات طويلة الأجل، نظراً إلى صعوبة تنفيذ الصفقات السريعة من دون التأثير في الأسعار.
وشدد الهيثم على أن "السيولة عنصر أساس لضمان كفاءة واستقرار أسواق المال وقد يؤدي انخفاضها إلى زيادة الأخطار والتقلبات، مما يستدعي من المستثمرين والمحللين مراقبة المؤشرات المرتبطة بها واتخاذ القرارات الاستثمارية بناء على توقعات مدروسة لمستويات السيولة المستقبلية".
أسباب غير واقعية
بالطبع قد تكون هناك أسباب واقعية ورئيسة وهناك عوامل غير مباشرة من المحتمل أن تحرم السوق من السيولة ولعل أبرزها فترة نهاية العام، وسط ترقب المستثمرين نتائج الشركات التي من المتوقع ألا تكون بمستوى الطموح المرتقب، إذ إن ذلك سيظهر في قطاعات عدة ومن بينها قطاع البتروكيماويات الذي ينتظر أن يكون الأكثر تبايناً، باعتباره القطاع الرئيس في السوق، فقد يفضل كثيرون الحذر نظراً إلى توقعاتهم غير المشجعة للنتائج .
في الوقت ذاته، ينظر عدد من المستثمرين أيضاً إلى المفاجآت التي تتحضر لهم في قطاع البنوك، عامل آخر أيضاً يجدر النظر إليه أنه مع نهاية العام يفضل بعض المستثمرين الذهاب في عطلة طويلة، وغالباً ما تكون رحلاتهم مرتبطة بالأسواق العالمية، فيعملون على تجميد حساباتهم في البيع والشراء، كما أن الجو "السياسي العالمي" في دائرة التوتر الجيوسياسي، مما ينعكس على الأسواق.
وبحسب متخصصون في أسواق المال، فإن عنصر الاكتتابات وكثرتها بمثابة عامل فرعي في سحب السيولة وهو كثرة الاكتتابات، ونحن نعرف كيف تجذب هذه الاكتتابات السيولة بقوة، ويشير إلى أن تردد المستثمرين قد يكون بسبب انتظار السنة الجديدة، خصوصاً أن السوق خسرت ما لا يقل عن واحد في المئة، وقد تكون هناك علامات مشجعة في السوق مع تزايد الثقة بالاقتصاد، خصوصاً مع إعلان السعودية الفوز بتنظيم كأس العالم.