ملخص
يقدر أن نحو 75 في المئة من السكان يعيشون على أقل من 3.65 دولار للفرد في اليوم
تركت الحرب الأهلية التي امتدت لأكثر من عقد الاقتصاد السوري في حال من الفوضى العارمة، وخسرت البلاد مليارات الدولارات من صادرات النفط، وأجبر التضخم المواطنين على حمل كميات كبيرة من النقود لشراء الضروريات الأساسية، فيما يُقدر أن نحو ثلث السكان يعيشون في فقر مدقع.
الآن، مع سعي القادة الجدد في سوريا إلى إعادة البناء، يواجهون تحديات كبيرة، بما في ذلك إقناع القوى الغربية برفع العقوبات واستعادة السيطرة على قطاع النفط، ولتحقيق ذلك، سيحتاجون إلى دعم من الشركات والدول الأجنبية، إضافة إلى الاستفادة من ملايين السوريين الذين غادروا البلاد خلال الحرب.
ويقول صاحب شركة تجارية عائلية للأغذية ونائب رئيس غرفة تجارة دمشق، محمد حلاق، لصحيفة "وول ستريت جورنال"، "نحن بحاجة إلى المعرفة اللازمة لإدارة الأعمال، وإلى التكنولوجيا، وإلى الكثير من الأمور، لكن الأهم هو رفع العقوبات لتفعيل النظام المصرفي والتقدم للأمام".
وفي شوارع دمشق، أسهم سقوط نظام الأسد في خلق شعور جديد بالتفاؤل في شأن مستقبل البلاد، وبدأت الأسعار في الانخفاض، والناس أصبحوا قادرين على إجراء معاملات بالعملات الأجنبية للمرة الأولى منذ سنوات، وردهات فنادق دمشق أصبحت تعج برجال الأعمال الأتراك الذين يبحثون عن فرص لإبرام صفقات مع السوريين".
في وقت يؤكد القادة الجدد، الذين يمثلون "هيئة تحرير الشام"، عزمهم على بناء اقتصاد سوق حرة، وإحياء صناعة النفط، وتأسيس شراكات دولية، تواجه هذه الطموحات عقبات كبيرة، منها استمرار التشرذم داخل البلاد، وتنافس القوى الأجنبية على النفوذ، وتردد الغرب في التعامل مع جماعة نشأت كفرع لتنظيم "القاعدة".
قطعت "هيئة تحرير الشام" علاقاتها علناً مع تنظيم "القاعدة" قبل سنوات وسعت إلى تصوير نفسها كجماعة إسلامية أكثر اعتدالاً، لكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ما زالت تصنفها كمنظمة إرهابية، وأبقت هذه الدول على العقوبات التقييدية، مما منحها نفوذاً بينما تراقب كيف تدير الحكومة الجديدة السكان المتنوعين في البلاد وتتعامل مع قضايا مثل حقوق المرأة.
وبالنسبة لأنقرة، التي تربطها علاقات بـ"هيئة تحرير الشام"، فإن الدور في إعادة بناء سوريا من شأنه أن يعزز صناعة البناء الخاصة بها، ويواجه القوات الكردية التي تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي على طول الحدود التركية.
وقال أستاذ الاقتصاد في كلية هامبشاير في ماساتشوستس، عمر ضاحي، "برزت تركيا باعتبارها الفائز الصافي والقوة الرئيسة في سوريا... الصناعة والبنية التحتية التركية هي الأفضل في الاستفادة من إعادة الإعمار".
ويعاني المتمردون السابقون الذين يحاولون إدارة هذه التحديات لبلد يزيد عدد سكانه على 20 مليون نسمة من نقص الموظفين وقلة الخبرة، إذ حكموا محافظة واحدة فقط قبل أن يجدوا أنفسهم في السلطة، ويتقاسم المسؤولون الحكوميون الجدد من "هيئة تحرير الشام" المكاتب مع بعض الموظفين من المستوى المنخفض والمتوسط من عهد الأسد، إذ يتعلمون كيفية التعامل مع البيروقراطية واسعة النطاق.
سوريا والنفط وأزمة الكهرباء
وقبل الحرب الأهلية، التي بدأت في عام 2011، كانت سوريا دولة سريعة النمو ومتوسطة الدخل منخفضة ولا تعاني من الفقر المدقع تقريباً، وفقاً للبنك الدولي.
أدى نقص الوقود، إلى انقطاعات متكررة للكهرباء، مما يشكل تحدياً كبيراً، على رغم أن سوريا كانت ذات يوم مصدراً صافياً للنفط - كانت تكسب من 3 إلى 5 مليارات دولار سنوياً، أي ما يقرب من نصف عائدات صادراتها - من خلال المبيعات بشكل رئيس إلى أوروبا، لكن ذلك انهار بعد عام 2011، عندما بدأ نظام الأسد حملة دموية للبقاء في السلطة في أعقاب الاحتجاجات ضد حكمه، وأدت العقوبات إلى خفض المبيعات، وفقد النظام السيطرة على عديد من حقول النفط خلال الحرب الأهلية. وساعدت إيران، الشريك الوثيق لنظام الأسد، في سد الفجوة لكنها أوقفت شحنات النفط بعدما استولت المعارضة عليها، وعلى طول معبر الحدود بين سوريا ولبنان، يمكن رؤية العشرات من الأشخاص وهم يهربون عبوات البنزين.
في الوقت نفسه، لا تسيطر "هيئة تحرير الشام" على شمال شرقي سوريا، موطن الجزء الأكبر من احتياطات النفط في البلاد، والتي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" بقيادة الأكراد.
الفقر شل جزءاً كبيراً من البلاد
أدى الفقر منذ ذلك الحين إلى شلل جزء كبير من البلاد، ويقدر أن نحو 75 في المئة من السكان يعيشون على أقل من 3.65 دولار للفرد في اليوم، وفقاً للبنك الدولي، و33 في المئة على أقل من 2.15 دولار، وهو ما يعد فقراً مدقعاً.
وقال طارق عصفور، الذي يشرف على تخزين الوقود ونقله لشركة مملوكة للدولة تدير توزيع الوقود، والتي تخضع الآن لسيطرة "هيئة تحرير الشام"، "إذا تمكنا من السيطرة على حقول النفط في البلاد، يمكننا الحصول على مستوى من الاستقلال في مجال الطاقة، بدلاً من الاعتماد بشكل شبه كامل على واردات الوقود كما نحن الآن".
وقال عصفور في مقابلة، بينما كان رجال مسلحون يرتدون الزي العسكري يتنقلون داخل وخارج مكتبه، "هناك أيضاً الكثير من العمل الذي يتعين فعله لإصلاح الأضرار التي لحقت ببنيتنا التحتية للنفط والغاز التي أهملت منذ فترة طويلة".
وقال زعيم "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع إن المحادثات مع الجماعات التي يقودها الأكراد والتي تسيطر على حقول النفط جارية، في حين لم يستجب وزير النفط السوري الموقت لطلبات التعليق من الصحيفة.
تضخم عقابي
جلبت الحرب الأهلية وسنوات العزلة الدولية تضخماً عقابياً، ففي السنوات التي سبقت الحرب، كان نحو 50 ليرة سورية يمكن أن تشتري دولاراً واحداً، وفي أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كان يكلف 13 ألف ليرة سورية، في حين يستخدم عديد من الشركات آلات إلكترونية لحساب الأكوام السميكة من النقود التي يستخدمها المستهلكون لدفع ثمن أي شيء من وجبة إلى ملابس.
والآن، بدأت العملات الأجنبية، التي كانت مقيدة من قبل نظام الأسد، في التداول، لكنها تعاني من نقص المعروض. وتقول الزميلة البارزة في معهد الشرق الأوسط، وهو مركز أبحاث في واشنطن، راندا سليم "يحتاج البنك المركزي إلى احتياطات، واحتياطاته الأجنبية منخفضة للغاية الآن، ليس فقط لدفع رواتب الحكومة ودعم العملة، بل أيضاً للمساعدة في تمويل إعادة الإعمار".
الآن أصبحت العملات الأجنبية مفضلة لدى بعض الشركات، ويجوب صرافو العملات المستقلون الشوارع ويوقفهم أشخاص يطلبون منهم التقاط صور شخصية مع أوراق نقدية أميركية كانت نادرة في السابق.
وقال حلاق، إن أي عمليات تبادل للعملات الأجنبية في السابق، عند التعامل مع شركات أو أفراد دوليين، كان لا بد أن تنجز من خلال كيانات خاضعة لسيطرة الدولة، والتي كانت تفرض رسوماً بنحو 10 في المئة. وأضاف "أدى ذلك إلى ارتفاع الكلفة، حتى الأشخاص في الخارج الذين كانوا يرسلون الأموال لمحاولة مساعدة أسرهم في سوريا اضطروا إلى دفع هذا المبلغ. والآن بعد أن أصبح بإمكاننا إجراء المعاملات بالدولار بحرية، أصبحنا في وضع أفضل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن هناك علامات على التحسن، إذ قال عديد من أصحاب الشركات السورية من مختلف الأحجام في مقابلات أجريت معهم إن الأسعار انخفضت منذ سقوط نظام الأسد، ويرجع ذلك جزئياً إلى إلغاء الرسوم والرشاوى التي كان النظام يفرضها، وأن المتاجر التي كانت تخفي في السابق البضائع الأجنبية المهربة تعرضها الآن بشكل بارز.
وقال صالح مصطفى، صاحب محل لبيع التبغ في دمشق، مشيراً إلى رف زجاجي مليء بالسجائر الأجنبية "اختر ما تريد، ما زلت أشعر بالغرابة لأن هذا لا يوقعني في مشكلات".
وتقول الشركات والمستهلكون إنهم متفائلون بحذر في شأن المستقبل الاقتصادي. وقالت ريما صبيحة، وهي صيدلانية في دمشق، إن العملاء سعداء بالقدرة على الوصول إلى العلامات التجارية الأجنبية للأدوية بأسعار أرخص منذ سقوط نظام الأسد. وأضافت "كانت هناك سمعة مفادها أن الأدوية السورية ليست فعالة أو عالية الجودة... كانت الأدوية الأجنبية التي نبيعها تحت الطاولة وأكثر كلفة، والآن، أصبحت في متناول الجميع".
سوريا ومستقبل تخفيف العقوبات
وقال شخص مطلع على الأمر إن الولايات المتحدة تدرس أشكالاً مختلفة من تخفيف العقوبات الموقتة لتوفير المساعدة اللازمة. والتقت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، بالحكومة الجديدة في دمشق في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الجاري، من دون أن تعلق على رفع العقوبات، إلا أنها قالت إن الولايات المتحدة لديها حرية تقديم بعض المساعدة المبكرة لتعافي البلاد.
سعى الاتحاد الأوروبي إلى الحصول على ضمانات من "هيئة تحرير الشام" قبل رفع العقوبات، لكنه قال أيضاً إنه سيعزز جهود المساعدات الإنسانية.
وقال أستاذ الاقتصاد ضاحي، إن الإبقاء على العقوبات قد يبقي الحكومة المركزية ضعيفة ومعتمدة على الدول القادرة على تمويل المشاريع. وأضاف "من المرجح أن نشهد ظهور "قطاعات عامة" مزدوجة أو متعددة"، واصفاً سيناريو تتجاوز فيه الدول التي تمول المشاريع الكبيرة الحكومة المركزية في اتخاذ بعض القرارات داخل سوريا.
وقال ضاحي إن "السلام في سوريا في الوقت الراهن هش للغاية، خصوصاً في ظل الحاجات الاقتصادية الماسة".