ملخص
يتوقع أن تشهد تجارة الترانزيت مع سوريا عبر ميناء العقبة ومعبر جابر- نصيب الحدودي الأردنيين زيادة تصل إلى 1000 في المئة خلال الفترة المقبلة وبما يحمله هذا النشاط من عوائد كتنشيط قطاع النقل والخدمات اللوجيستية.
تمثل سوريا تاريخياً شريكاً تجارياً مهماً للأردن، وبعد أعوام طويلة من توقف التجارة البينية وتراجعها بسبب إغلاق المعابر، تتوقع عمان أن تجني مكاسب اقتصادية عدة بصورة مباشرة وغير مباشرة، إثر سقوط نظام بشار الأسد في البلد المجاور وبدء الاستقرار في البلاد التي شهدت حرباً أهلية امتدت لـ14 عاماً.
وطوال أعوام مضت تأثر الميزان التجاري بين البلدين بالظروف السياسية والأمنية وانخفض حجم الواردات والصادرات، إذ تراجع حجم التجارة بين الأردن وسوريا من 617 مليون دولار عام 2010 إلى 146.6 مليون دولار عام 2023.
لكن هذه المكاسب المتوقعة محكومة بتحديات عدة، من بينها المنافسة مع دول أخرى مثل تركيا ولبنان ومدى الاستقرار السياسي والأمني للنظام الجديد.
من الازدهار إلى الانكماش
وفقاً للتسلسل التاريخي للعلاقات التجارية بين الأردن وسوريا خلال الـ15 عاماً الماضية فإن الأعوام (2008-2011) شهدت تجارة بينية مزدهرة، فبلغ حجم التبادل التجاري بينهما 617 مليون دولار عام 2010.
أما الأعوام من (2012-2018) فاتسمت بأنها مرحلة الانكماش والتوقف، إذ تدهورت العلاقات الاقتصادية بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، ومن ثم إغلاق معبر جابر- نصيب عام 2015 مما أدى إلى توقف شبه كامل للتجارة البينية.
واتسمت الفترة من (2018-2021) بأنها مرحلة العودة الحذرة، وذلك بعدما أعيد فتح المعبر الحدودي من دون أن تعود التجارة إلى مستوياتها السابقة.
طاقة كهربائية واستئناف التجارة
رسمياً، يقول رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان، إن بلاده ستقدم كل الدعم الذي تحتاج إليه سوريا الجديدة، بخاصة في ما يتعلق ببناء القدرات المؤسسية، إضافة إلى التدريب والتطوير في قطاعات الصحة والنقل والكهرباء والمياه. ولفت إلى أن الحكومة اتخذت، منذ التحولات التي شهدها البلد المجاور، إجراءات فورية مرتبطة بالأمور اللوجيستية وفتح الحدود وتقديم المساعدات الإنسانية وبدء التجارة، بينما أكد وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي أن عمان ستسهم في إعادة إعمار المدن السورية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما وزير الطاقة والثروة المعدنية صالح الخرابشة فأكد قدرة بلاده على تزويد السوريين بجزء من حاجاتهم من الطاقة الكهربائية فضلاً عن التعاون في مجال المشتقات النفطية، لتُستورد من طريق الأردن وتخزينها ونقلها إلى الجانب السوري.
وقال وزير الصناعة والتجارة والتموين يعرب القضاة، إنه عُمل على فتح المعابر وتسهيل تبادل البضائع ودخول الشاحنات إلى سوريا، إضافة إلى الموافقة على طلب السوريين نقل بضائعهم إلى معظم دول العالم عبر الأردن، وبلغ عدد الشاحنات التي عبرت بين البلدين في الاتجاهين نحو 1000 شاحنة أردنية وغير ذلك.
أهمية الترانزيت
ولعل من بين أهم المكاسب الاقتصادية التي تعول عليها عمّان هي استعادة الترانزيت، فالطريق البري بين الأردن وسوريا يعتبر ممراً تجارياً مهماً للمنطقة، بخاصة لجهة نقل البضائع بين الأردن ودول الخليج وأوروبا وتركيا، وفي شأن الاستقرار بسوريا أن يعاد تنشيط هذا الطريق بما يعزز حركة التبادل التجاري.
ووفقاً لبيانات وزارة التجارة والصناعة في عمان، فإن أبرز الصادرات الأردنية إلى سوريا هي المنتجات الزراعية والأدوية والمستحضرات الطبية، والأسمدة والمنتجات الكيماوية. أما أبرز المستوردات الأردنية من سوريا فهي المنتجات الزراعية والمنتجات الغذائية المصنعة والمنسوجات والملابس.
وبلغت قيمة الصادرات الأردنية إلى سوريا 50 مليون دولار فقط خلال الأشهر التسعة من العام الحالي، والواردات منها نحو 59 مليون دولار.
وتشير دراسات اقتصادية أردنية إلى أهمية الترانزيت باعتباره ممراً تجارياً مهماً إلى أوروبا وشرياناً حيوياً للتجارة الأردنية وربط الأسواق الدولية بسوريا عبر المملكة.
ويتوقع أن تشهد تجارة الترانزيت مع سوريا عبر ميناء العقبة ومعبر جابر- نصيب الحدودي زيادة تصل إلى 1000 في المئة خلال الفترة المقبلة، وبما يحمله هذا النشاط من عوائد كتنشيط قطاع النقل والخدمات اللوجيستية.
ماذا عن إعادة الإعمار؟
يتطلع الأردن باهتمام إلى المشاركة في ملف إعادة إعمار سوريا، إذ يتوقع أن تلعب شركات البناء والهندسة الأردنية دوراً مهماً في هذا الاتجاه خصوصاً ما يتعلق بالبنية التحتية، بما في ذلك الطرق والجسور والمباني المدمرة التي تحولت خلال 14 عاماً مضت إلى أنقاض.
ويقول اقتصاديون إن الأردن قد يتحول إلى مركز إقليمي للخدمات اللوجيستية المتعلقة بإعادة الإعمار، بخاصة مع وجود ميناء العقبة والبنية التحتية القوية في النقل، فضلاً عن إحياء مشاريع إقليمية مشتركة، مثل خط الغاز العربي أو مشاريع الكهرباء، مما يُعزز دور الأردن كمركز لنقل الطاقة.
من جهته، يوضح الناطق باسم وزارة الزراعة الأردنية، لورنس المجالي، أن الاستقرار في سوريا الجديدة سينعكس بصورة إيجابية على القطاع الزراعي في المملكة، مشيراً إلى أن الصادرات الزراعية عبر الأراضي السورية وصلت خلال 2011 إلى أكثر من 218 ألف طن، وبما نسبته 30 في المئة من إجمالي الصادرات الزراعية، لكنها تراجعت بصورة كبيرة وانخفضت إلى الصفر في 2016.
الأقرب إلى سوريا
ويرى رئيس غرفة التجارة الأردنية، خليل الحاج توفيق، أن العلاقات الاقتصادية مع سوريا تراجعت كثيراً لأسباب عدة، من بينها قرارات اتخذها نظام بشار الأسد أدت إلى منع استيراد 1900 سلعة إلى بلاده، لكن اليوم بعد رحيله يتطلع الأردن إلى مرحلة جديدة مع وجود فرص اقتصادية واستثمارية واعدة بخاصة عودة حركة الترانزيت التي كانت تعود على الأردن بنحو 500 مليون دولار.
يضيف الحاج توفيق، "نحن أقرب إلى سوريا من تركيا أو من غيرها فلا يجوز أن نترك الساحة لدول أخرى، والسوق السورية اليوم بحاجة إلى بضائع كثيرة بعد الانقطاع الطويل والأحداث الأمنية"، مشيراً إلى إمكانية توفير فرص عمل للأردنيين من خلال إعادة الإعمار فضلاً عن استقطاب رأس المال السوري وإعادة الحياة إلى قطاع النقل الذي تضرر كثيراً، وتنشيط التبادل السياحي بين البلدين.
ويشير الحاج توفيق إلى أن معظم المستثمرين السوريين في الأردن لن يتركوا الأردن ولن تُغلق مصانعهم واستثماراتهم، لأن الصناعات السورية لم تكن تستطيع دخول السوق الأميركية لكنها اليوم أصبح بإمكانها ذلك بعدما أصبحت ذات منشأ أردني بموجب اتفاق التجارة الحرة.
ويطالب الكاتب الصحافي مالك عثامنة الحكومة الأردنية بالإسراع في فتح الملف الاقتصادي مع سوريا الجديدة وعدم التأخر، مستشهداً بمقولة متداولة بين الأردنيين مفادها "من الموجع أن يصل الأسمنت التركي إلى درعا وهي الأقرب إلينا".
ويدعو عثامنة إلى مبادرات اقتصادية وتجارية عملية تحقق المصالح الأردنية مع متطلبات كثيرة، أهمها وجود تشريعات جديدة تنهض بالقطاع الخاص والاستثمار المحلي والأجنبي، ومراجعة الاتفاقات الثنائية بين دمشق وعمان لتتناسب والأوضاع الجديدة.