ملخص
يبدو أن المتغيرات المتسارعة الحاصلة في العالم، لا سيما مع الأحداث التي يشهدها الشرق الأوسط إثر سقوط نظام بشار الأسد، بالتوازي مع حرب غزة، وما تبعه من اهتزازات سياسية وأمنية واقتصادية جعلت التحذيرات تتصاعد من عودة موجات "الربيع العربي"، وحركت الطبقة السياسية في الجزائر التي تستعجل إطلاق حوار وطني والعمل على تحقيق شراكة سياسية مع السلطة.
أصبح تنظيم حوار وطني في الجزائر أمراً عاجلاً بعد ارتفاع أصوات الأحزاب السياسية وإلحاحها على الخطوة من أجل تحصين الجبهة الداخلية وإذابة جليد الاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي لا تزال يشوبها "سوء التفاهم".
ويبدو أن المتغيرات المتسارعة الحاصلة في العالم، لا سيما مع الأحداث التي يشهدها الشرق الأوسط إثر سقوط نظام بشار الأسد، بالتوازي مع حرب غزة، وما تبعه من اهتزازات سياسية وأمنية واقتصادية جعلت التحذيرات تتصاعد من عودة موجات "الربيع العربي"، وحركت الطبقة السياسية في الجزائر التي تستعجل إطلاق حوار وطني والعمل على تحقيق شراكة سياسية مع السلطة.
سعياً لحوار وطني
في السياق طالب الأمين العام لحركة النهضة محمد ذويبي بتقديم موعد الحوار الوطني الذي يعتزم الرئيس تبون إجراءه، معبراً عن أمله في أن يؤدي هذا الحوار إلى تحصين الجبهة الداخلية والدفع إلى حركية وطنية سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية تحمل كلها رسالة جزائر آمنة مستقرة ومزدهرة تحفظ الحقوق والحريات الفردية والجماعية وصاحبة سيادة وقرار. ودعا الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي مصطفى ياحي الرئيس تبون إلى تقديم موعد الحوار الوطني الذي أعلن عنه سابقاً، مبرراً ذلك بطبيعة التغيرات والتطورات المتسارعة على المستوى الإقليمي والدولي والمناخ السياسي الساخن في العالم بما يفرض تحديات جديدة تواكب المسار الدولي المتغير.
من جانبه شدد رئيس حركة مجتمع السلم عبدالعالي حساني، على أنه "ينبغي أن يكون هناك حوار وطني جامع يستوعب المتغيرات الحاصلة في العالم، ويجب ألا نمارس سياسة الهرب إلى الأمام وكأنه لا توجد أية تهديدات تواجهنا، بينما هي تحديات واقعية يقوم بها محور الشر"، مضيفاً أنه "يجب الذهاب إلى حوار يستشرف هذه المتغيرات وآثارها على بلدنا ووطننا، وتأثيراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن السنوات المقبلة "ستكون سنوات عجافاً، ولابد أن نتجهز لها، وهناك صعوبات اقتصادية تحتاج إلى مواجهتها بالحقيقة والعمل المشترك لتوفير السكينة للمجتمع الجزائري، وهذا يستدعي وجود حوار حقيقي وتوافق جماعي ونقاش مفتوح في إطار الحريات بين كل الجزائريين لتجاوز كل الصعوبات وتحقيق الاستقرار بإسهام من قبل الجميع".
إلى ذلك شدد السكرتير الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش على أنه يتعين على السلطة السياسية في الجزائر تغيير المقاربات القائمة بانفتاح سياسي واحترام الحريات العامة، مشيراً إلى ضرورة تبني وتشجيع الحوار، والاستعداد الدائم لتقديم التنازلات وتشكيل التوافقات من أجل الحفاظ على البلاد، ولـ"مواجهة محاولات تقويض سيادتنا وتهديد وحدتنا الترابية في ظل التغيرات الجيواستراتيجية الكبرى التي يشهدها العالم".
وحذر أوشيش من استمرار التسيير الأمني لشؤون المجتمع بحجة الحفاظ على النظام العام، والذي لن يؤدي إلا إلى إضعاف أسس المجتمع الجزائري وتغذية مناخ الشك والخوف والانقسام، مضيفاً "تعلمنا التجارب أن سياسات الغلق تولد التوترات التي تؤدي في نهاية المطاف إلى أزمات اجتماعية وسياسية أكثر خطورة"، ومبرزاً أهمية وضع حد للتسيير الأمني والأحادي لشؤون البلاد، والانتظام في عملية إصلاحات كبرى قادرة على ضمان الديمقراطية السياسية والتنمية الاقتصادية والازدهار الاجتماعي.
الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، قالت إن خلاص الدول والشعوب متعلق بالحوار الداخلي الذي يؤدي إلى تحصينها سياسياً وثقافياً واجتماعياً، ووجهت رسالة إلى السلطة السياسية في بلادها بأن البلاد معنية أيضاً بضرورة إقامة الحوار لتحقيق الانسجام الداخلي، محذرة من سياسة الهرب إلى الأمام.
وفي آخر بيان له أكد حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، أن هناك حاجة سياسية ماسة في الجزائر إلى إقامة النقاش الحر الذي هو السبيل الوحيد لتعزيز وحدة الشعب والدفاع عن الوطن، وإلى الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي، موضحاً أنه في ظل الأخطار الدولية والإقليمية يرى الحزب أن أية حكومة تتمتع بشرعية شعبية كانت ستدعو إلى مؤتمر وطني يحدد معالم السياسة الخارجية بصورة تضمن مصالح البلاد وتحقق إجماعاً بين مختلف القوى الوطنية.
الرئيس تبون يرد
لم تنتظر الطبقة السياسية كثيراً لتستقبل رد الرئيس تبون الذي أوضح الأحد الماضي في خطاب أمام أعضاء البرلمان بغرفتيه أن "المرحلة المقبلة ستشهد إطلاق الحوار السياسي كما التزمت بذلك، وسيكون في مستوى الرهانات الداخلية"، مضيفاً "وعدت الطبقة السياسية بفتح حوار لتقوية الجبهة الداخلية، وسيكون ذلك بصفة منظمة، ونأمل في أن يكون الحوار الوطني عميقاً وجامعاً بعيداً من الاستنساخ الخطابي".
وأشار الرئيس الجزائري إلى أن الحوار السياسي المرتقب يستهدف الحقوق الأساسية من خلال القوانين المكرسة في الدستور والقانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية والجمعيات، كما "سنشرع في مراجعة قوانين الجماعات المحلية حتى ننطلق في إعادة بناء دولة الحق والديمقراطية الحقة".
تعليقاً على مطالبات الأحزاب السياسية يقول القيادي بحزب اتحاد القوى الديمقراطية والاجتماعية لحبيب لعليلي لـ"اندبندنت عربية" إن تأخر الرئيس تبون بإطلاق الحوار الوطني حرك الطبقة السياسية، غير أن التطورات الأخيرة المتسارعة في سوريا لها أيضاً دور في عودة الحديث عن ضرورة فتح أبواب الحوار، مضيفاً أن وظيفة الأحزاب هي ممارسة السياسة من دون تهميش ومضايقات بسبب منشورات على "فيسبوك" أو تصريح إعلامي، والتسيير الأمني لملفات سياسية واجتماعية أثبت فشله في الجزائر سابقاً وفي دول عديدة.
ويتابع لعليلي أن النظام أمام مسؤولية تاريخية وأخلاقية لإطلاق حوار وطني يجمع كل الجزائريين، مع إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين الموجودين في السجون بتهم كيدية، موضحاً أن المشكل السياسي يجب حله سياسياً، ولا يمكن تسيير بلد بحجم قارة انطلاقاً من نظرية المؤامرة.
في المقابل يرى الناشط السياسي حليم بن بعيبش لـ"اندبندنت عربية" أن مطالبة الأحزاب باستعجال حوار شامل مع السلطة هي مطالب قديمة جديدة أملتها الظروف الدولية الحالية، بخاصة مع سقوط النظام في سوريا، وكذا محاولة بعض الأطراف في الداخل والخارج إثارة الفوضى في البلاد، لا سيما مع تداول فيديوهات محرضة على مواقع التواصل الاجتماعي، مشدداً على أن خطوة الطبقة السياسية تأتي في سياق تمتين ورص الجبهة الداخلية لمنع أي اختراق على اعتبار أن الدول تسقط داخلياً. وختم بأن هذه المطالب تقليدية باعتبار أن الأحزاب الجزائرية منذ 15 عاماً تشدد على ضرورة إطلاق حوار جدي.
وعلمت "اندبندنت عربية" من مصادر مطلعة أن الرئيس تبون سيلتقي قادة عدد من الأحزاب السياسية في غضون الأيام المقبلة بصورة منفردة في إطار حوار يناقش قضايا سياسية والأوضاع الداخلية والإقليمية. وأوضحت المصادر أن الرئاسة الجزائرية أبلغت زعماء تشكيلات سياسية ممثلة في البرلمان والمجالس المنتخبة ببرمجة لقاءات مع الرئيس عبدالمجيد تبون بداية من هذا الأسبوع.
وكان الرئيس الجزائري أعلن في خطاب عقب أدائه اليمين الدستورية إثر فوزه بولاية رئاسية ثانية، عن رغبته في فتح حوار وطني مع كافة القوى الوطنية لإشراكها في صياغة الخطط المرتبطة بالنهج السياسي والاقتصادي للبلاد، والقيام باتصالات كثيفة واستشارات مع كل الطاقات الحية للبلد، و"الدخول في حوار وطني مفتوح لنخطط معاً للمسيرة التي سننتهجها".
ومن أجل توفير بيئة ملائمة تجعل الحوار المرتقب يحظى بثقة الجميع، استفاد عديد من النشطاء وسجناء الحراك الشعبي من تدابير عفو رئاسي شمل نحو 4 آلاف معني بالقرار من المحكوم عليهم نهائياً في قضايا القانون العام والقضايا المخلة بالنظام العام، وهي من الملفات التي كانت الأحزاب السياسية والطبقة الحقوقية تتمسك بحلها قبل أية خطوة أخرى، مما جعل المراقبين يعدون القرار عربون حسن نية قدمه الرئيس تبون تحضيراً لحوار وطني شامل.