ملخص
في الفترة الواقعة بين عامي 1968 و2011، أجرت إسرائيل مع الفصائل الفلسطينية 10 صفقات تبادل، تمخضت عن إطلاق سراح آلاف المعتقلين الفلسطينيين، من ضمنهم مَن لعبوا دوراً أساسياً في تصعيد العمل المسلح وشكلوا الجزء الأكثر تأثيراً في قيادة الفصائل الفلسطينية خلال العقد الماضي، وفي المقابل أُفرج عن عشرات الأسرى الإسرائيليين، كما تضمّنت عمليات التبادل جثثاً ورفاتاً من الجانبين.
بعد عام كامل من المفاوضات بين إسرائيل وحركة "حماس"، والتي لم تفضِ إلى شيء حتى الآن، لا تزال عائلات الأسرى الإسرائيليين تواصل حراكها الاحتجاجي وسط حملاتٍ إعلامية وجماهيرية ضخمة في عدد من المدن الإسرائيلية، بهدف الضغط على المستوى السياسي لاستعادة الأسرى "بأي ثمن"، وتطالب الحكومة الإسرائيلية بالالتزام بالعقد غير المكتوب بين الجندي والدولة، والذي تتعهد فيه إسرائيل "بعدم تركه في أسر العدو، وبذل كل جهد ممكن ودفع الثمن من أجل استعادته". وفي ظل كثرة التسريبات الإعلامية الغربية والإسرائيلية التي تتحدث عن "التفاؤل الكبير" والزخم المتزايد بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة وإبرام صفقة مرتقبة، تصرّ عائلات القتلى الإسرائيليين على رفض صفقات التبادل لاعتبارها في نظر كثيرين من الإسرائيليين مكسباً "للإرهاب"، ومساساً "بقوة الردع الإسرائيلية". وفي ذروة الجدل الدائر حول الثمن الذي على إسرائيل أن تدفعه مقابل استعادة جنودها أو مواطنيها من قبضة "حماس" في غزة، تثير قضية خطورة صفقات التبادل وآثارها بعيدة المدى في تركيبة المجتمع الإسرائيلي وتكوينه، وتدلل، مرة أخرى، على مدى حساسية القضية وتداعياتها أمنياً وأخلاقياً وسياسياً واستراتيجياً.
في الفترة الواقعة بين عامي 1968 و2011، أجرت إسرائيل مع الفصائل الفلسطينية 10 صفقات تبادل، تمخضت عن إطلاق سراح آلاف المعتقلين الفلسطينيين، من ضمنهم مَن لعبوا دوراً أساسياً في تصعيد العمل المسلح وشكلوا الجزء الأكثر تأثيراً في قيادة الفصائل الفلسطينية خلال العقد الماضي، وفي المقابل أُفرج عن عشرات الأسرى الإسرائيليين، كما تضمّنت عمليات التبادل جثثاً ورفاتاً من الجانبين، وخرائط ألغام والكشف عن مفقودين، وكثيراً ما كانت صفقات التبادل تمرّ عبر الصليب الأحمر الدولي.
أولى الصفقات
وشكّل خطف طائرة إسرائيلية تابعة لشركة "العال"، للمرة الأولى، عام 1968 على أيدي يوسف الرضيع وليلى خالد من "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، نقطة تحولٍ في تاريخ الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وبدأت الفصائل الفلسطينية مذاك اتخاذ منحى جديد في مسار تحرير المعتقلين الفلسطينيين، وبعد أن حوّل الخاطفون مسار الطائرة التي كانت متجهة من روما إلى إسرائيل نحو الجزائر وعلى متنها ما يزيد على 100 راكب، طالب الخاطفون بتحرير جميع الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، الأمر الذي أجبر السلطات الإسرائيلية على الدخول في صفقة تبادل بوساطة الصليب الأحمر خلصت إلى الإفراج عن 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيون كانوا قد اعتقلوا قبل عام 1967، مقابل إطلاق سراح المختطَفين.
وبعد نجاح العملية، كررت "الجبهة الشعبية" التجربة ذاتها في أغسطس (آب) 1969، ونجحت في اختطاف طائرة ركاب أميركية تابعة لشركة "تي دبليو أي" في الرحلة رقم 840 المتجهة من مدينة لوس أنجليس الأميركية إلى تل أبيب. وأرغم الخاطفون الطيار على توجيهها إلى العاصمة السورية، دمشق، حيث أُنزِل ركابها البالغ عددهم 116 شخصاً ثم فُجِّرَت، وهو ما أجبر تل أبيب على الدخول في صفقة تبادل أفضت للإفراج عن عدد من المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وطيارين سوريين إثنين هبطا اضطرارياً في إسرائيل، في العام السابق، نتيجة خطأ ملاحي مقابل تحرير جميع الركاب.
وفي سبتمبر (أيلول) من عام 1970 أعادت ليلى خالد برفقة باتريك أرغيلو من نيكاراغوا، عملية خطف طائرة تابعة لشركة "العال" الإسرائيلية، في رحلة بين أمستردام ونيويورك، إلا أن الطائرة حطت في بريطانيا، وقُتل على إثر العملية أرغيلو، واعتُقلت ليلى خالد في لندن. وهو ما دفع مجموعة تتبع للتنظيم نفسه بعد أقل من شهر، إلى اختطاف طائرة بريطانية، أجبرت على التوجه نحو بيروت ثم الأردن، وتمكّن الخاطفون من خلالها من الضغط على بريطانيا لإطلاق سراح ليلى خالد في عملية تبادل.
أسير مقابل أسير
وعند الحدود الشمالية لفلسطين، تمكّن تسعة مسلحين ينتمون لحركة "فتح" في يناير (كانون الثاني) من عام 1970، من اختطاف حارس مستوطنة "ميتولا" شموئيل فايز عند الحدود مع لبنان، وطالبت الحركة حينها بالإفراج عن 100 أسير يتبعون لها في السجون الإسرائيلية مقابل الإفراج عنه، لكن المفاوضات التي جرت آنذاك عبر الصليب الأحمر لمدة عام كامل تمخّضت عن صفقة مبادلة "أسير مقابل أسير". وأفرج عنه في 28 يناير من عام 1971 مقابل الإفراج عن الأسير محمود بكر حجازي، الذي كان يواجه حكماً بالإعدام، ويعدّ أول أسير فلسطيني في الثورة الفلسطينية التي انطلقت عام 1965. وخلال العملية العسكرية الإسرائيلية لجنوب لبنان في مارس (آذار) 1978، والتي عُرفت بعملية "الليطاني"، تمكّنت القيادة العامة لـ "الجبهة الشعبية"، بعد نصب كمين لشاحنة إسرائيلية، من قتل أربعة جنود إسرائيليين وأسر الجندي أبراهام عمرام في عملية عرفت بكمين "النورس"، وأدت الصفقة التي عقدتها إسرائيل مع "الجبهة الشعبية" آنذاك في قبرص عام 1979، إلى إخلاء سبيل الجندي الإسرائيلي، مقابل إطلاق سراح 76 معتقلاً فلسطينياً من فصائل فلسطينية مختلفة، بينهم 12 فتاة. وفي عام 1980، وبعد أن احتجزت حركة "فتح" أمينة المفتي، التي اعترفت بعملها كجاسوسة لمصلحة الاستخبارات الإسرائيلية "الموساد" في لبنان، تمت عملية تبادل عبر الصليب الأحمر في قبرص، وأُطلق سراحها في العام نفسه، مقابل الإفراج عن المعتقلين مهدي بسيسو ووليام نصار اللذين كانا ينتميان لحركة "فتح". وما إن شنت إسرائيل حرباً على لبنان عام 1982، تحت شعار "عملية سلامة الجليل"، واجتاحت المدن والقرى والمخيمات، نجحت حركة " فتح" في سبتمبر 1982 من أسر ثمانية جنود إسرائيليين من قوات "ناحال" الخاصة، بمنطقة بحمدون في لبنان، اثنان منهم تم تسليمهما للقيادة العامة لـ "الجبهة الشعبية" لمساعدتهما آنذاك على إجلاء الأسرى الإسرائيليين إلى منطقة البقاع. وأفضت عملية التبادل بين حركة "فتح" والحكومة الإسرائيلية، عبر الصليب الأحمر، في ميناء طرابلس بشمال لبنان في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1983 ، لتسليم الجنود الستة الإسرائيليين المحتجزين لدى "فتح" مقابل إطلاق سراح جميع معتقلي "معسكر أنصار" في الجنوب اللبناني، الذين اعتقلوا خلال الاجتياح، وعددهم 4700 معتقل فلسطيني ولبناني، إضافة إلى معتقلين آخرين في النبطية وصيدا وصور، وكذلك أُطلق سراح 65 أسيراً من السجون الإسرائيلية، مع إعادة أرشيفات "منظمة التحرير الفلسطينية"، التي استولت عليها إسرائيل أثناء اجتياح بيروت عام 1982، حيث اختار 3500 أسير منهم البقاء في لبنان، فيما نُقل الباقون إلى الجزائر عبر مطار "بن غوريون" بطائرات فرنسية. إلا أن إسرائيل، خلال عملية التبادل، أخلّت بالاتفاق، فاختطفت نحو 100 معتقل من "معسكر أنصار" المدرجة أسماؤهم ضمن الصفقة، وأبقت على آخرين كانوا مشمولين بعملية التبادل في السجون الأخرى، كما أُنزلت خمسة أسرى من الناقلات بعد كشف الصليب الأحمر عليهم، واقتادتهم إلى جهة مجهولة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مفاوضات شاقة
إلى جانب الجنديين الإسرائيليين، يوسف عزون ونسيم شاليم اللذين بقيا مع القيادة العامة لـ "الجبهة الشعبية"، تمّ، في 11 يونيو (حزيران) عام 1982، أسر الجندي حازي يشاي حينما ضلّ طريقه بينما كان يقود إحدى الدبابات بالقرب من قرية السلطان يعقوب في البقاع اللبناني، وهو ما مكّن "الجبهة الشعبية" من فرض شروطها على إسرائيل بهدف التوصل إلى اتفاق، فطلبت معرفة مصير جميع المفقودين في الصفقة التي تمت عام 1983 مع حركة "فتح"، وأن توافق تلّ أبيب على عدد الأسرى المطلوب تحريرهم قبل تقديم قائمة بأسمائهم، مع عدم ردّ أي اسم يُطرح في القائمة. وبعد مفاوضات شاقة تمّت عبر منظمة الصليب الأحمر، قدّمت إسرائيل قائمة تضم 128 اسماً من الأسرى المفقودين، وأطلق على عملية التبادل التي تمت بين الطرفين في 20 مايو (أيار) 1985 وفقاً للشروط الفلسطينية "عملية الجليل"، وهي تعدّ من أقوى صفقات التبادل التي أجبرت إسرائيل بموجبها عدم ترحيل أو إبعاد الأسرى المفرج عنهم من ذوي الأحكام العالية ومنهم محكومون بمؤبدات، وتم إطلاق سراح 1155 معتقلاً في السجون الإسرائيلية، كان من بينهم أحمد ياسين، مؤسس حركة "حماس" في ما بعد، و99 أسيراً من دول عربية، وستة من دول أخرى من بينهم الياباني كوزو أوكوموتو، قائد عملية مطار اللدّ في 30 مايو 1972، والذي طالبت إسرائيل مقابله 100 أسير، لكن قوبل عرضها بالرفض، وأصرّت "الجبهة الشعبية" على تحريره .
وعلّق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في كتابه "مكان تحت الشمس" على صفقة تبادل عام 1985 حينما كان يشغل منصب سفير إسرائيل في الأمم المتحدة أنها "ضربة قاتلة لكل الجهود التي تبذلها إسرائيل في بلورة جبهة موحدة دولياً في مواجهة الإرهاب"، وأنها "مخجلة وتعتبر خضوعاً للإرهاب"، وأنه سيترتب عليها "تصعيد أمني ورفع مستوى العنف"، إضافة إلى أن المحررين في الصفقة "سينظر لهم على أنهم أبطال"، وهذا الأمر فيه تحفيز على تقليدهم ومحاكاتهم وبعث أمل لدى الآخرين. وختم نتنياهو بأن اعتبر أن إحدى النتائج المباشرة لهذه الصفقة هي "اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987"، جراء رفد الميدان بمئات المعتقلين الفلسطينيين من ذوي الخبرة والاحترام لدى الجمهور الفلسطيني.
وعلى رغم أن الحكومة الإسرائيلية لم تُعر قضية الجندي الدرزي سمير أسعد الذي خطفته مجموعة من "الجبهة الديمقراطية" عام 1983 أي اهتمام في البداية، إلا أنها خضعت لضغوط الطائفة الدرزية من أجل تحريره، خصوصاً بعدما أعلن الخاطفون مقتله خلال غارة إسرائيلية على القواعد الفلسطينية في مدينة طرابلس اللبنانية. إلا أن المفاوضات في حينه لم تسفر عن أي اتفاق، وتوقفت حتى عام 1989، إذ عاد الصليب الأحمر للتفاوض من جديد. وتمت صفقة التبادل بين "الجبهة الديمقراطية" وإسرائيل بعد ثماني سنوات، وفي المقابل سمحت الأخيرة بعودة أحد مبعدي "الجبهة الديمقراطية" الذي أبعدته عام 1986.
فصل جديد
وبعد أن توقفت عمليات التبادل أكثر من عقد، وساد هدوء نسبي بين الفلسطينيين والإسرائيليين على إثر اتفاق "أوسلو" عام 1993 بين "منظمة التحرير الفلسطينية" وإسرائيل، نفّذ الجناح العسكري لحركة "حماس" يوم 25 يونيو (حزيران) عام 2006 بالتعاون مع فصائل فلسطينية مختلفة في قطاع غزة، عملية عسكرية نوعية على أحد مواقع الإسناد والحماية التابعة للجيش الإسرائيلي في منطقة "كيريم شالوم" عند الحدود الشرقية لمدينة رفح جنوب القطاع، أسفرت عن مقتل قائد دبابة ومساعده، وإصابة آخرين وأُسر الجندي جلعاد شاليط. وبهدف حصول إسرائيل على شريط فيديو لمدة دقيقتين يظهر فيه شاليط بصحة جيدة، وافقت إسرائيل عام 2009 على عملية تبادل مع "حماس" للمرة الأولى، عبر وسيط ألماني، أطلقت بموجبها سراح 20 أسيرة فلسطينية من الضفة الغربية وقطاع غزة. وعلى رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها إسرائيل عبر أكثر من وسيط في سبيل تحرير شاليط وشنت حرباً طاحنة على القطاع في نهاية عام 2008 ومطلع عام 2009، إلا أنها لم تفلح في الوصول إلى مكانه، ما اضطرها بعد أكثر من خمس سنوات من التفاوض إلى الرضوخ للمطالب الفلسطينية والذهاب لصفقة تبادل عبر وسيط مصري، تضمّنت الإفراج عن 310 معتقلين يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد، والإفراج عن جميع النساء المعتقلات في السجون الإسرائيلية، ومنهنّ خمس معتقلات يقضين أحكاماً بالسجن المؤبد، وإطلاق سراح جميع الأسرى من كبار السنّ والمرضى و45 معتقلاً من مدينة القدس، وستة ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية. وتمكنت "حماس" آنذاك من تقليص عدد المحررين الذين كانت إسرائيل تطالب بإبعادهم من 500 إلى 203، إذ أُبعِد 163 معتقلاً من الضفة الغربية إلى قطاع غزة بينهم 15 معتقلاً من القدس. وأبعدت إسرائيل 40 معتقلاً إلى الخارج، سوريا والأردن وقطر وتركيا، منهم 29 معتقلاً من الضفة، و10 من القدس وواحد من غزة. وأطلق سراح المعتقلين الفلسطينيين المشمولين في صفقة التبادل على مرحلتين، الأولى عند الإفراج عن شاليط وتسليمه للسلطات المصرية يوم 18 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، والثانية يوم 18 ديسمبر (كانون الأول) 2011، عند إعادته إلى إسرائيل.