Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مومباي المجهولة بطلة فيلم الهندية بايال كاباديا

ثلاث ممرضات يواجهن تحديات يومية في بيئة غريبة الاطوار

مشهد من فيلم "كل ما نتخيله كضوء" (ملف الفيلم)

ملخص

نال "كل ما نتخيّله كضوء" للهندية بايال كاباديا اهتماماً لافتاً منذ عرضه في الدورة الأخيرة من مهرجان "كان"، حيث تُوِّج بـ"الجائزة الكبرى". بهذا الفوز، استطاعت المخرجة الشابة، التي تبلغ من العمر 38 سنة، إعادة السينما الهندية إلى دائرة الضوء بعد انقطاع دام ثلاثين عاماً عن مسابقة أكبر تظاهرة سينمائية في العالم.

يلج فيلم "كل ما نتخيّله كضوء"، حميميات المجتمع الهندي، من خلال التركيز على حياة ثلاث ممرضات يعشن في مدينة مومباي، وحياتهن عبارة عن سلسلة تحديات يومية يعبرها شعور بالعزلة وسط أجواء ضاغطة ومرهقة.

بدايةً، لا بد من التوقف عند مسألة مهمة: مومباي حيث تجري الأحداث. ليست مومباي المعروفة باكتظاظها إذ يسكن فيها ما لا يقل عن 13 مليون نسمة، مجرد بقعة جغرافية في الفيلم. وهذا ما أكدته كاباديا في حديث لي معها، بل تراها حضوراً حيّاً يحولها لشخصية في ذاتها. لا يمكن تصور العمل من دون هذه المدينة، فهي العمود الفقري الذي يدعم السرد بأكمله. تكشف كاباديا أنها لطالما رغبت في أن يكون الفيلم متجذراً في مومباي، تلك المدينة التي وُلدت فيها، على رغم أنها لم تقضِ فيها كافة مراحل حياتها. ولعل تنقّلها المتكرر بين مومباي ومدن أخرى منحها فرصة أن تنظر إليها من زاوية مختلفة، بل وجعلها تشعر بوضوح التغيرات التي طرأت عليها.

أما من يعيش فيها من دون انقطاع، فقد لا يدرك في نظر كاباديا هذه التحولات بسبب الاعتياد. تقول: "لدي مشاعر متناقضة تجاه مومباي. إنها مدينة مثيرة بقدر ما هي مرهقة، كلها تناقضات صارخة. توفّر قدراً من الحرية، بخاصة للنساء العاملات، وهذا ما لا نجده في العديد من المدن الأخرى.

ومع ذلك، تظهر فيها الفجوات الطبقية بشكل صارخ؛ الأثرياء يعيشون في رفاهية، بينما يواجه الفقراء معاناة يومية، والراحة تبقى حكراً على مَن يملك المال. أردتُ أن ألتقط هذا التباين العميق. مومباي تمنح الكثير، لكنها تأخذ منك شيئاً جوهرياً، كأنها تنتزع إنسانيتك. كثيراً ما يُشكرون سكان مومباي على لطفهم، لكن هذا اللطف يبدو أحياناً كاستجابة للبقاء في ظلّ قسوة الحياة. كيف يمكن للمرء أن يكون قاسياً عندما يواجه هذا القدر من التحديات اليومية؟ البعض يرى في فوضى القطارات المكتظة رمزاً لروح الهند، لكنني أجد هذا التبرير محاولة للتطبيع مع واقع صعب وغير إنساني. إنه أشبه بأن تشاهد منزلك يغرق، ومع ذلك تقف متفرجاً من دون أي شعور بالاستياء أو الحاجة للتغيير". 

الهجرة أحد المواضيع المهمة في الفيلم. زوج إحدى الممرضات سافر للعمل في ألمانيا وانقطعت أخباره منذ عام، إذ لم يتصل بزوجته منذ ذلك الحين. في أحد مشاهد الفيلم، نسمع امرأة تقول لصديقتها إن "الهنود الذين يهاجرون إمّا يفقدون عقولهم أو ذاكرتهم". سألت كاباديا عن هذا الكلام الصادم، فقالت: "قد يبدو هذا التصريح صادماً، لكنه قيل بروح فكاهية. على رغم ذلك، يعكس الواقع المعقّد لساحل الهند الغربي الذي ظلّ لقرون طويلة مركزاً للتجارة والهجرة. خذ كيرالا كمثال، فهي تمتلك تاريخاً عريقاً مرتبطاً بالهجرة يمتد لآلاف السنين. عندما وصل فاسكو دي غاما إلى الهند، كانت كيرالا محطته الأولى، تلك الأرض التي غالباً ما يُنظر إليها على أنها البوابة التي ينطلق منها الهنود إلى العالم الخارجي.

الهجرة من هذه المنطقة ليست جديدة؛ إنها نمط حياة مستمر. لكن، حين يترك الناس بلدهم لفترات طويلة، تبدأ العلاقات بين المغادرين والباقين بالتصدّع. النساء اللواتي يبقين وحيدات بسبب سفر أزواجهن للعمل يمثّلن إحدى هذه الحالات. ما أثار اهتمامي هو فكرة امرأة تعيش زواجاً غريباً، بحيث يصبح الزوج، على رغم وجوده الرسمي، غائباً فعلياً. كثير من النساء الهنديات يجدن أنفسهن في مثل هذه العلاقات، لا يشعرن بأي انجذاب تجاه شركائهن، لكنهن لا يملكن خياراً للمغادرة، إذ إن الطلاق أو الزواج مرة أخرى أمر معقّد بالنسبة لهن بسبب العادات والتقاليد. اكتشفت أن عدداً قليلاً جداً منهن يجرؤ على إنهاء هذه العلاقات، خوفاً من وصمة العار". 

شؤون عدة تتناولها كاباديا في الفيلم من دون أن يغلب أحدها على الآخر فتسحقه. المرأة حاضرة في هواجسها، لكن هناك أيضاً مقاربة للظروف التي تعيش فيها والقيود المفروضة عليها. النظام الطبقي مثلاً يجعل تمكين المرأة أكثر صعوبةً. فالهند، بحسب كاباديا، خليط معقّد يجمع بين النظام الطبقي والنظام الأبوي، وكلاهما متشابكان على نحو يعقّد الأمور. سألتها عن تفاؤلها بخصوص وضع النساء الذي يشغلها، فكانت صريحة: "لا أستطيع الجزم. قد يبدو الأمل موجوداً، لكنه لا يمنع شعوراً داخلياً بالتشاؤم. أحياناً أجد نفسي بين الاثنين، غير قادرة على تحديد موقفي بشكل قاطع. الأمل يحمل فكرة التغيير، لكنه يتطلب عملاً مستمراً، ولذلك أعتقد أن الطريق الوحيد هو الاستمرار في المحاولة بغض النظر عن العقبات". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من اللافت أن كاباديا اختارت تصوير الرجال والنساء بأسلوب متشابه، مع إظهار نفس قدر التعاطف تجاههم. تروي أن هذا الخيار كان متعمّداً، ذلك أنها لا ترى أي جدوى من تصنيف الناس ضمن قوالب جامدة مثل "الخير" و"الشر"، لأن ذلك يجعل الحوار سطحياً في نظرها. تشدد من دون لف ودوران: "الرجال ليسوا دائماً مذنبين. النظام الأبوي يؤثّر فيهم أيضاً، وغالباً بطرق لا يتم الحديث عنها كثيراً. لذلك، بدلاً من التركيز على الانقسام بين الجنسين، حاولتُ استكشاف منظومة اجتماعية أوسع تشمل الجميع وتأثيرها في حياتهم". 

أخيراً، تقر كاباديا بأن "كل ما نتخيله كضوء" فيلم سياسي بالمعنى العريض للكلمة. حتى لو دارت الأحداث في إطار العلاقات الإنسانية، فهي وددت أن تعكس الكثير ممّا يجري من حولها. بعض الشخصيات التي تمر في الفيلم مروراً سريعاً، تقول الكثير عن تفاصيل مستمدة من الواقع الهندي المعاصر، كحال السيدة التي ليس في حوزتها أوراق ثبوتية. تقول كاباديا في هذا الخصوص: "هذه مشكلة حقيقية في الهند. فأخيراً، سنّت الحكومة قانوناً يفرض على كل مواطن أن يعرّف عن نفسه. قد يكون هذا بديهياً في بلد أوروبي، لكن في الهند لا يملك الجميع مثل تلك الأوراق. استعنتُ بقصص صغيرة تعكس ما يزعجني".  

اقرأ المزيد

المزيد من سينما