Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جيمي كارتر: صانع سلام في الشرق الأوسط ومهندس أعظم إخفاقاته

تعرض الرئيس الذي حكم لولاية واحدة إلى الإذلال على يد الثوريين الإيرانيين مطلقاً بذلك شعوراً عميقاً ودائماً بالاستياء والعداء في الرأي العام والسياسي الأميركي تجاه إيران، والذي استمر لعقود من الزمن.

طُبعت رئاسة جيمي كارتر بالنجاحات والفشل الدبلوماسي (أ ب)

ملخص

رغم تحقيق كارتر اختراقاً دبلوماسياً كبيراً في اتفاقات كامب ديفيد، إلا أن الثورة الإيرانية وحصار السفارة الأميركية في طهران غطت على إنجازه، ما أدى إلى فشل سياسي داخلي وخارجي، وتوتر طويل الأمد في العلاقات الأميركية الإيرانية.

على رغم كل الثناء والمديح اللذين أغدقهما الناس على جيمي كارتر، لم يتول الرئاسة سوى لولاية واحدة وكانت أعوامه الأربعة في البيت الأبيض فاشلة في معظمها وشابها كثير من الإخفاقات، وإن غطت عليها بصورة كبيرة جهوده الخيرية البارزة بعد تقاعده.

بيد أن إدارة كارتر نجحت في تحقيق نجاح أو خرق دبلوماسي واحد كان من الممكن أن يحظى بمزيد من التقدير لولا ما حدث من بعده، وتمثل هذا النجاح في توقيع "اتفاق كامب ديفيد" في سبتمبر (أيلول) 1978، أي بعد مرور ثلث فترة ولايته، وشكل ذلك خرقاً دبلوماسياً من الدرجة الأولى.

فقد منح هذا الاتفاق إسرائيل قدراً من الأمن ربما لم تنعم به منذ إنشائها عام 1948، كما جلب السلام ولو لبرهة إلى الشرق الأوسط.

يصعب تذكر ذلك الآن، لكن الصراع الرئيس قبل ذلك كان يدور بين إسرائيل وكل العالم العربي، وكانت مصر في الطليعة كأقوى قوة عسكرية.

وفي ذلك الوقت أيضاً كانت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات قد نظمت وأطلقت هجمات على أهداف مدنية، بما في ذلك عمليات اختطاف الطائرات والسفن في ستينيات القرن الماضي والفترة التي تلتها، وفي هذا السياق شرع كارتر في إحياء العملية التي بدأها هنري كيسنجر بعد وقت قصير من دخوله البيت الأبيض، وأثمر ذلك "اتفاق كامب ديفيد".

ونصت هذه الاتفاقات على اعتراف مصر بإسرائيل وإنهاء حال الحرب بينهما، وتم جراء ذلك توقيع معاهدة سلام رسمية عام 1979 وتسليم إسرائيل لشبه جزيرة سيناء التي احتلتها منذ حرب عام 1973.

وشكلت صور كارتر وهو يستضيف الرئيس المصري أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن خلال حفل توقيع الاتفاق في البيت الأبيض مشاهداً سعى كل رئيس أميركي خلَفه إلى تكرارها.  

يصعب تقدير حجم الإنجاز الذي حققه كارتر عام 1978 من دون الإشارة إلى الأخطار الكبيرة التي تحملها كلا القائدين بتوقيعهما على هذه الاتفاقات.

وبعد مرور ما يربو عن ثلاثة أعوام لقي السادات حتفه حين اغتيل أثناء عرض عسكري وفيما نجا بيغن لكن إسحاق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي خلفه وحاول بجدية تحقيق السلام وهذه المرة مع الفلسطينيين، اغتيل عام 1995 بعد مسيرة سلمية في تل أبيب.

وبناء على كل ما سبق ذكره لا يمكن المبالغة في تقدير أهمية "اتفاقات كامب ديفيد" للسلام، سواء باعتبارها أساساً للسلام في الشرق الأوسط أو بالنسبة إلى الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة هناك كوسيط للسلام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لو لم تندلع الثورة الإسلامية في إيران في العام التالي لكان من الممكن أن يتصدر "كامب ديفيد" الواجهة في حملة إعادة انتخاب كارتر باعتباره الإنجاز التاريخي الذي تحقق، ولكان من الممكن أن يساعد في تعويض بعض الإخفاقات في السياسة الداخلية التي أفسدت آماله في الفوز بولاية ثانية.

ولكن الثورة الإيرانية حدثت بالفعل، وكادت "اتفاقات كامب ديفيد" أن تختفي من ذاكرة الناخبين الأميركيين، ليس بسبب الثورة وحسب، بل أيضاً بسبب اقتحام السفارة الأميركية في طهران من قبل مجموعة من الطلاب الثوريين الذين احتجزوا أكثر من 50 رهينة من الأميركيين لمدة ناهزت 444 يوماً.

وتفاقم الوضع السيئ أصلاً عندما فشلت مهمة إنقاذ أذن بها كارتر، مما تسبب في مقتل ثمانية من أفراد الجيش الأميركي، فلاقت العملية ردود فعل غاضبة ومحبطة في الولايات المتحدة، وتُرك كارتر يتخبط في تداعيات ذلك حين احتُجز مواطنون أميركيون، معظمهم من الدبلوماسيين، في سفارة بلادهم في الخارج، وفشل الجيش الأميركي في إنقاذهم في وقت كانت الانتخابات على الأبواب، وبعدها فرضت الولايات المتحدة عقوبات صارمة على إيران ولكن من دون جدوى، وكان رونالد ريغان هو من نال الفضل في إعادة الرهائن لديارهم.

استمرت تداعيات حصار السفارة حتى يومنا الحالي، وما كان يُنظر إليه من قبل الرؤساء المتعاقبين على أنه إذلال للولايات المتحدة من قبل إيران، وتحديداً من قبل الملالي، خلق حقداً شديداً ضد النظام الإيراني مما منع أي تقارب حقيقي لأكثر من خمسة عقود.

لم تقم الولايات المتحدة أية علاقات دبلوماسية مع إيران منذ عام 1980، لتفقد تقريباً أي فهم أو معرفة حقيقية لما يحدث في إيران من تطورات داخلية، وجرت كل التعاملات من خلال دول أطراف ثالثة. وبغض النظر عن الجهود الفاترة نسبياً التي بذلها باراك أوباما وألغاها دونالد ترمب خلال ولايته الأولى لمنع إيران من تطوير الأسلحة النووية (من خلال خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015)، كانت العلاقات الأميركية مع إيران متعثرة ومضطربة، إذ فضلت الولايات المتحدة اعتماد القوة، الاغتيالات وما شابه ذلك، على أية مشاركة دبلوماسية، حتى مع اعترافها بأن إيران هي القوة الرئيسة ومصدر التهديد الأساس في المنطقة.

لكن ومع سقوط بشار الأسد في سوريا تغيرت الديناميكية وبرزت إيران باعتبارها الخاسر الأكبر، مع إضعاف جناحيها العمليين المتمثلين في "حزب الله" في جنوب لبنان و"حماس" في غزة أمام إسرائيل التي نجحت في تقطيع أوصالهما، فهل من الممكن أن يمنح هذا الأمر حافزاً لترمب للنظر في إمكان الانفتاح على إيران؟

قد يبدو هذا الأمر مشكوكاً فيه نظراً إلى أنه سعى خلال ولايته الأولى إلى انتهاج سياسة الاغتيالات ذاتها التي تبناها أسلافه، ولكن إيران الضعيفة والمنهكة التي لا تزال على رغم ذلك مفتاحاً للصراع المستقبلي أو السلام في المنطقة، قد تقود ترمب للتساؤل عن الجهة المستفيدة من استمرار واشنطن في ملاحقة إيران؟

© The Independent

المزيد من تقارير