Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دلالات السلام بين إثيوبيا وفصيل أورومي منشق

يرى مراقبون أن الاتفاق لن يسهم في تحقيق اختراق فعلي باتجاه تحقيق السلم الأهلي

توقيع اتفاق سلام بين عبديسا وناغاسا (موقع حكومة أروميا على فيسبوك)

ملخص

أعلن قائد المنطقة المركزية لجيش الأورومو ساغني ناغاسا في سبتمبر الماضي أن فصيله "لم يعد يعمل تحت قيادة قائد جيش التحرير الشعبي الأورومي كومسا ديريبا، المعروف أيضاً باسم ’جال مارو‘".

أعلنت الحكومة الإثيوبية عن توقيعها لاتفاق سلام مع مجموعة منشقة عن "جيش تحرير الأورومو" الذي يحارب الحكومات الإثيوبية المتعاقبة منذ عام 1975. ولم تكشف أديس أبابا عن تفاصيل الاتفاق الذي وقعه كل من رئيس حكومة إقليم أوروميا شيميليس عبديسا وقائد المنطقة المركزية لجيش تحرير الأورومو ساغني ناغاسا، لكنها اعتبرته "خطوة عملاقة نحو إنهاء جذوة التمرد".

وقال بيان صادر عن حكومة الإقليم إن الاتفاق يأتي "كتتويج لوعود السلام التي أطلقها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في خطاباته الانتخابية الأخيرة"، فضلاً عن تعهدات سابقة تتعلق بتصفير ملف النزاعات المسلحة في البلاد.

وكان ناغاسا صرّح في سبتمبر (أيلول) الماضي بأن فصيله "لم يعُد يعمل تحت قيادة قائد جيش التحرير الشعبي الأورومي كومسا ديريبا، المعروف أيضاً باسم ’جال مارو‘"، متهماً إياه بالاستبداد والانفراد بالقرارات المصيرية المتعلقة بمستقبل الأمة الأورومية ونضالات التنظيم المسلح الذي يقوده.

عضو ساخط

ويرى محللون إثيوبيون أن حدوث هذا الشرخ بين ديريبا وعدد من القادة في الجبهة سمح لأديس أبابا باستغلال الفرصة للدخول في محادثات مع المنشقين عن قيادة جيش تحرير الأورومو، بخاصة بعد فشل جولتي المفاوضات التي أجرتها الحكومة المركزية مع ممثلي الجيش الأورومي في دولة تنزانيا.

وكان مكتب العلاقات العامة التابع لجيش تحرير الأورومو أعلن في بيان له خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أن ساغني ناغاسا انشق عن الجبهة "بسبب التخريب والخيانة"، واصفاً إياه بـ"عضو سابق ساخط على قيادة التنظيم وخياراته النضالية الصعبة".

فيما لم تردّ حركة تحرير أوروميا حتى الآن على توقيع اتفاق السلام الذي أشارت إليه وسائل الإعلام المحلية باعتباره اتفاقاً موقعاً بين الحكومة الإقليمية والحركة.

 

 

وقال القائد المنشق عن جيش تحرير الأورومو إن هذا الاتفاق سيساعد على تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة ويجلب الرفاه لشعب الأورومو، لافتاً إلى أن حل الخلافات السياسية يكون بطريقة حضارية على الطاولة وليس بالسلاح.

وأشار رئيس الأركان العامة لقوات الدفاع الإثيوبية المشير برهانو جولا إلى أنه ستكون هناك سلسلة من الإجراءات المماثلة في مناطق أخرى خلال الفترة المقبلة لوقف الحرب والتمرد الداخلي في الولايات، بحسب وكالة الأنباء الإثيوبية.

اتفاق جزئي

ورأى الباحث المتخصص في الشؤون الإثيوبية مو جوتيما من جانبه أن الاتفاق الموقع بين الحكومة الإقليمية في أورومو وقائد سابق في جبهة تحرير الأورومو على رغم أهميته، فإنه لن يسهم في تحقيق اختراق فعلي باتجاه تحقيق السلم الأهلي في الإقليم، موضحاً أن الاتفاق لا يشمل القاعدة الأكبر من المسلحين الأوروميين، كما لا يخاطب وجدان الشباب الأورومي الغاضب من السياسات المتخذة بحقه.

وأضاف جوتيما أن "جبهة تحرير أوروميا تمثل رصيداً نضالياً مهماً لمعظم المتحدثين باللغة الأورومية بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية باعتبارها المعين الأول الذي تشكلت داخله معظم القوى الثورية الأورومية، مما يجعلها توصف بضمير الأمة الأورومية".

وأردف أنه "على رغم الانشقاقات التي شهدتها الجبهة وعودة قياداتها السياسية للداخل، وتخليهم عن العمل المسلح، فإن جيش تحرير الأورومو ظل يمثل الذراع الأقوى للتنظيم الأشهر في تاريخ الإقليم. كما أن عقد اتفاق مع فصيل منشق عن التنظيم الأم قد يثير مشاعر سلبية، ويأتي بنتائج عكسية أكثر من النتائج المتوقعة من مثل هذه الاتفاقات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورأى جوتيما أن الاتفاق جاء بعد واقع الانشقاقات التي شهدها التنظيم المعارض، كما يأتي في أعقاب انتهاء جولتي المفاوضات بين الحكومة المركزية في أديس أبابا وممثلي التنظيم من دون التوصل إلى تقدم ملموس، مشيراً إلى أن الفشل في التوصل إلى اتفاقات مبدئية مع التنظيم الأم لا ينبغي أن يقود الحكومة الفيدرالية إلى توقيع اتفاق مع منشقين لم يعُد لهم التأثير المباشر في الأحداث. وتوقع أن يزيد الإعلان عن هذه الصفقة من تعنت القيادات الميدانية داخل التنظيم المسلح، مما يرجح استمرار الوضع المضطرب في الإقليم.

ولاحظ الباحث الأورومي الذي يُعدّ كتاباً جديداً عن "تاريخ الحركة السياسية الأورومية خلال ثمانية عقود" أن الاتفاق الأخير تم إعلانه أولاً من خلال حكومة إقليم أوروميا وليس عبر الحكومة المركزية في أديس أبابا، كما هو دارج في الأعراف البروتوكولية المحلية في مثل هذه الاتفاقات، مضيفاً أن الموفد الذي وقع الاتفاق أيضاً هو رئيس حكومة إقليم أوروميا شيميليس عبديسا في غياب شخصيات أخرى تمثل السلطة المركزية أي أديس أبابا.

ونبه إلى أن كل ما سبق يؤشر إلى تحجيم الأزمة الأورومية ووضعها في إطار محلي أورومي - أورومي، في حين أن الخلاف الأساسي منذ ما يقارب خمسة عقود مضت يتعلق بحرب مباشرة بين المركز المتمثل في قصر "آرت كيلو" وبين من يدعون تمثيل الأمة الأورومية.

خطوة أولى

ورأى المحلل السياسي الإثيوبي بيهون غيداون أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع فصيل من الفصائل المسلحة يمثل خطوة نحو الاتجاه الصحيح، مشيراً إلى أن ذلك سيحيد جزءاً من المسلحين عن ساحة القتال، مما يعني في المحصلة حفظ جزء مهم من أرواح الإثيوبيين الأبرياء، سواء في إقليم الأورومو أو في أقاليم أخرى، وأكد أن توفير جزء ولو صغير من احتمالات المواجهة يعني بالضرورة فتح مساحة للحوار والتنمية.

وقال، "لا شك في أن هناك قصوراً في هذا الاتفاق الذي أضحى بعضهم يصفه بـ’صفقة قصيرة الأجل ومحدودة النتائج‘"، إلا أن ذلك القصور لا يمنع من الإشادة به باعتبار أنه يحقن دماء إثيوبيين في طرفي النزاع.

وأوضح غيداون أن التوصل إلى اتفاق مع هذا الفصيل يؤكد من جهة أخرى أن ثمة تيارات داخل جبهة الأورومو تسعى إلى حلحلة الخلاف، في حين أن التيار المسيطر الذي يقوده قائد الميليشيات كومسا ديريبا يستأثر بالقرار ويرفض أي خروج عن خط المواجهة المسلحة.

ورجح الباحث الإثيوبي أن ثمة منافع شخصية ومصالح ترتبط بمؤسسات ودول إقليمية تسهم في إبقاء ملف الأورومو من دون حل لعقود عدة.

لا يجيد عملاً سلمياً

وفي رؤية متكاملة، اعتبر غيداون أنه بمجرد وصول رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد إلى السلطة بدعم من جماعة "قيرو" الأورومية، سعى إلى التواصل مع جبهة تحرير الأورومو والتوصل إلى اتفاق أسمرة الذي أنهى خيار العمل المسلح. ووفقاً لهذا الاتفاق، تم إسقاط كل الأحكام والتهم الموجهة ضد قادة التنظيم الأورومي المسلح وضمن عودتهم لممارسة العمل السياسي السلمي.

وقال، "على رغم تلك الفرص الذهبية التي وفرتها حكومة التغيير عام 2019، فإن التنظيم الذي تأسس عام 1975 كحركة تحرير مسلحة، عاد مجدداً لساحة القتال بعد أقل من عام على توقيع الاتفاق، وكأنه لا يجيد ممارسة أي عمل آخر سوى القتال".

ونوه إلى أن جزءاً من الاستراتيجية التي يتبعها التنظيم مرتبط بمصالح دول أجنبية ضالعة في توجيهه وفي تقديم الدعم المادي والمعنوي له منذ منتصف السبعينيات وحتى الآن، مرجحاً أن يكشف هذا الاتفاق للشباب الأورومي عن الأطراف التي تقف ضد إحداث أي تطور سلمي في أوروميا.

 

 

وأعاد التذكير بأن خطاب جبهة تحرير أورومو لم يتغير منذ سبعينيات القرن الـ 20، إذ لا يزال يدور في فلك المظلومية والاضطهاد، في وقت من يسكن القصر الرئاسي كوزير أول للدولة، هو شخص أورومي وصل إلى السلطة بفضل تأييده لنضال الجبهة ذاتها ونشاطه داخل التحالف الذي حكم إثيوبيا 27 عاماً باعتباره سياسياً أورومياً ينحدر من قرية صغيرة تسمى "بشاشا" في إقليم الأورومو.

التخلص من الإرث

ورفض مو جوتيما التعاطي مع سياسات حكومة حزب الازدهار الحاكم باعتبارها ممثلة للأورومو، مؤكداً أن آبي أحمد بمجرد وصوله إلى القصر الرئاسي عمل على حل الأحزاب الأورومية التي أوصلته للسلطة، وعلى رأسها المنظمة الديمقراطية لشعوب أورومو، وأقام على أنقاضها حزباً وظيفياً لضمان بقائه في السلطة سماه "حزب الازدهار".

ورأى أن وصول الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إلى سدة السلطة في البيت الأبيض، لم ينهِ أبداً مطالب ومظالم السود الأميركيين في الولايات المتحدة لأن النظام أقوى من السمات الشخصية لأي رئيس أو خلفياته الثقافية والسياسية، ومن المؤسف أن آبي أحمد ومنذ وصوله إلى سدة الحكم اختار أن يخضع لشروط السلطة وليس لتاريخه النضالي.

ونوه إلى أن آبي أحمد تخلى عن أقرب رفاقه في النضال وعلى رأسهم وزير الدفاع السابق لما مجرسا لأسباب تتعلق بمطالبته بضرورة التزام مسار النضال الأورومي، ومن ثم فإنه يحاول التخلص من الإرث الذي أوصله إلى السلطة مقابل بقائه فيها عبر تحالفات جديدة.

وختم حديثه بالقول إن الاتفاق الذي تم توقيعه مع منشقين عن التنظيم الأم دليل آخر على عدم جدية الإدارة الإثيوبية في حل الملفات مع أصحاب الشأن الأساسيين والقوى التي تمثل ثقلاً حقيقياً في الساحة الإثيوبية.

المزيد من تقارير