ملخص
يتزايد لجوء النساء العازبات للتلقيح الاصطناعي لتحقيق حلم الأمومة، على رغم التحديات المالية والاجتماعية، لكن في نظرهن تبدو المصاعب الماثلة أمام الأمهات العازبات أسهل من الحياة من دون أطفال.
تقول ليف ثورن إن رحلة التلقيح الاصطناعي تبدأ ببعض الاختيارات البسيطة، على موقع التبرع بالحيوانات المنوية، يوجد عدد من الخيارات لتحديد البحث مثل الطول والوزن ولون الشعر. بحسب ليف بإمكانك التصفح والاختيار، هل تريدين أن تكون عيون والد طفلك زرقاء أو بنية؟ ما اللون المفضل لهذا الرجل. "تتمنين التوفيق، وتضغطين أضف إلى السلة"، وتعقب "السلة هنا هي عربة أطفال".
وليف هي واحدة من النساء العازبات في المملكة المتحدة اللاتي اخترن أن يصبحن أمهات عازبات من خلال التلقيح الاصطناعي أو التلقيح في المختبر. وبحسب بيانات صادرة شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عن "هيئة الإخصاب البشري وعلم الأجنة" في بريطانيا Human Fertilisation and Embryology Authority، تضاعف عدد النساء العازبات اللاتي اتجهن للحصول على التلقيح الاصطناعي ثلاث مرات خلال العقد الماضي.
وبحسب التقرير، لجأت 4800 امرأة عزباء في عام 2022 للحصول على التلقيح الاصطناعي من متبرعين في محاولة للإنجاب، مقارنة بـ1400 امرأة قبل 12 عاماً. ويبلغ متوسط عمر النساء اللاتي لجأن إلى هذا العلاج 36 سنة، وهو العمر نفسه الذي بدأت فيه ليف رحلتها انطلاقاً من "غوغل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في البداية بحثت عن "متبرع بالحيوانات المنوية" ثم "عيادات التلقيح الاصطناعي"، لكنها سرعان ما شعرت بالارتباك. طلبت بعض النصائح من صديق يعمل في هذا المجال، وأجرت بعض فحوص الدم في العيادة المحلية. ولم يمض وقت طويل قبل أن تتخذ القرار، إذ قالت ليف: "اخترت أول عيادة خصوبة في لندن ظهرت [بنتائج البحث]".
واتخذت قراراتها بسرعة، مثل اختيار العيادة التي ستستخدمها ومتبرع الحيوانات المنوية (من بنك تبرع في أوروبا)، لتجنب كثرة التفكير. تقول: "هناك كثير من الأشياء التي يجب التفكير فيها إلا أنه لا إجابات صحيحة لها. هل اخترت المتبرع الصحيح؟ من يدري. الأمر ليس وكأنك 'تضيف إلى السلة' ويبدأ بعدها الاحتفال 'أحسنت، خيارك هو الأنسب لك!'".
اختارت ليف استخدام التلقيح داخل الرحم كالطريقة التي تفضلها في التلقيح الاصطناعي، إذ إنه أقل كلفة وأبسط من الناحية الطبية، حيث توضع الحيوانات المنوية للمتبرع في الجزء العلوي من عنق الرحم أثناء مرحلة الإباضة، وتصفه ليف بأنه "مثل اختبار مسحة الرحم"، وقطعت وعداً على نفسها بأنها ستحاول أربع مرات. وعندما فشلت المحاولات الثلاث الأولى، شعرت بخيبة الأمل.
وعن قرارها تقول ليف: "أردت هذا الشيء [الأمومة] طوال حياتي، افترضت أنه سيحدث في المستقبل. أخبرت نفسي طوال سنوات أنني ربما سأقابل شخصاً مناسباً في العام المقبل، ربما يحدث الأمر حينها، لكنه لم يحدث. في أواخر العشرينيات من عمري، كنت أمازح أصدقائي بالقول أنني سأفعلها بمفردي باستخدام حقنة الديك الرومي turkey baster [أداة تُستخدم عادة في المطبخ لتوزيع السوائل على الديك الرومي أثناء الطهي. في سياق الحمل أو التلقيح الاصطناعي، يُستخدم كتعليق فكاهي للإشارة إلى فكرة التلقيح المنزلي أو غير الطبي بطريقة بسيطة وغير رسمية.]. ولكن مع بلوغي الـ36، لم يعد الأمر مزحة، فقد رغبت فيه بشدة".
وأضافت قائلة: "كنت أذهب إلى العيادة كل شهر، أرتدي سروالاً يجلب الحظ وأقوم بالاعتناء بأظافري وغير ذلك من الطقوس، مقتنعة بأني سأحمل في ذلك اليوم. وفي كل مرة بعدها اضطر إلى مواجهة أصدقائي، الذين كانوا داعمين للغاية، وإخبارهم أن الأمر لم ينجح. أخذت إجازة من العمل لبضعة أشهر، ومع حلول موعد المحاولة الرابعة والأخيرة لم أكن أبذل جهداً".
هذه المرة نجحت المحاولة، إذ حملت ليف عام 2017، وقضت الأسابيع الـ42 التالية "شديدة المرض" ولكنها كانت سعيدة جداً. والأمر كان مشابهاً بالنسبة إلى ميل جونسون، التي أنجبت ابنتها ديزي عن طريق التلقيح الاصطناعي من متبرع بالحيوانات المنوية، ولم تمانع أن تخوض التجربة وحدها. تشرح ميل: "لقد وجدت الموضوع إيجابياً أثناء الحمل، كنت متعبة جداً ومرهقة، وذلك [الحمل وحدها] يعني أنني أستطيع العودة من العمل والذهاب مباشرة إلى السرير من دون الاضطرار إلى الثرثرة مع أحد".
كانت ميل، من بلدة ساوثبورت، تبلغ من العمر 36 سنة أيضاً عندما اتخذت قرار الأمومة بمفردها قبل 10 سنوات من الآن، إذ إنها لم تلتق بالشخص المناسب لتكوين أسرة معه. كانت حياتها شبه مكتملة، لديها مهنة رائعة في مجال التسويق، وعاشت لفترة خارج البلاد، كما أن لديها مجموعة كبيرة ورائعة من الأصدقاء، لكن الأمومة كانت الشيء الوحيد المفقود من حياتها.
وتوضح ميل: "أردت أن أفعل ذلك مع شريك، ذلك كان خياري المفضل، لكنني بدأت أشعر بالقلق من أنني سأفوت فرصة أن أكون أماً لأنني لم أتمكن من العثور على شريك. كان ذلك قبل سنوات، وقتها لم أكن أعرف أحداً قرر أن ينجب طفلاً بمفرده. شعرت بالوحدة، في النهاية أصبح خوفي من القيام بالأمر بمفردي أقل من خوفي من أن تفوتني الفرصة".
تقول كلتا السيدتين إنه في حين قد ينظر الآخرون إلى قرارهن باعتباره خياراً صعباً من شأنه أن يجعل الحياة كأم أكثر صعوبة، إلا أنه ليس مختلفاً تماماً عن تجارب عدد من صديقاتهن [الأمهات اللاتي أنجبن من شركائهن العاطفيين]. في الواقع، في كثير من النواحي، الأمر أسهل، كما تقول ليف، التي توضح "إنه صعب، لكنني أعتقد أنه في 90 في المئة من الوقت فإن تربية الأبناء مع شريك أمر صعب أيضاً".
وبحسب ليف: "مع شريك، قد يكون لديكم آراء مختلفة، أو قد يكون ثمة خلاف أو سوء تفاهم بينكما. إذا فكرت أن ابني يجب أن يتلقى دروساً في البيانو أو يحصل على بلاي ستيشن، فلن أضطر إلى مناقشة قراري مع أحد. لكن بالطبع، هذا يعني أن هناك ضغوطاً أكبر عند اتخاذ القرارات، كما أن الأمر أحياناً يكون صعب جداً من الناحية المالية".
وظهر لها مقدار فداحة قرارها عندما ولد ابنها، هيرب. بلغت كلفة الإجراءات الطبية والتكاليف الأخرى، مثل الشحن "الفاخر" للحيوانات المنوية 12 ألف جنيه استرليني، التي دفعتها من خلال إعادة رهن منزلها، تقول ليف مازحة: "إذا اخترت حيواناً منوياً، فأنا بحاجة إلى شحنه على وسادة مخملية أرجوانية". وباعتبارها أم عازبة لم تستطع تحمل كلفة الحصول على إجازة أمومة طويلة، كذلك فإن تكاليف الحصول على رعاية الأطفال كانت باهظة.
ونظراً إلى أن والدي ليف توفيا عندما كانت في سن المراهقة، لم تستطع الاعتماد على دعم أجداد الأطفال المعتاد، لذلك في النهاية قامت ببيع منزلها والانتقال إلى مكان آخر لتحمل تكاليف رعاية هيرب خلال السنوات القليلة الأولى. والآن هي تتحكم بموازنتها بدقة، وتخلت عن الرفاهيات والعطلات من أجل الحفاظ على سلامتهما وسعادتهما.
وأشارت مرات عدة إلى أن رحلة الأمومة المنفردة تتطلب ميزات خاصة، تقول: "لم أتمكن من القيام بالأمر سوى لأنني كنت أمتلك منزلاً. وفي الواقع، عند البدء في الموضوع، لم أكن بحثت الموضوع من الجانب المالي بصورة كافية. يعتقد الناس أن العواطف المتعلقة بتربية طفل بصورة منفردة هي الأصعب، لكن في معظم الأحيان فإن النواحي العملية هي الأصعب. لأكون صادقة، أنا سعيدة لأنني لم أبحث في الموضوع، لأنني ربما لم أكن لأقوم به. ما عليك أن تتذكريه هو أن كل شيء سيسير على ما يرام في النهاية، ذلك حصل بالفعل وسيحصل".
ليف، التي تبلغ من العمر 44 سنة، قادرة الآن على إدارة أمورها بأريحية أكبر، لأنها تمتلك وكالة تصميم ولذلك تتمتع بمرونة في ساعات العمل. كما أنها ألفت كتاباً عن تجاربها بعنوان "ليف وحدها: مغامرات مبتدئة في الأمومة المنفردة" Liv’s Alone: Amateur Adventures in Solo Motherhood. وتعتبر العثور على مجتمع من الآباء والأمهات الذين يربون أولادهم بمفردهم أكبر عامل مساعد لها، وهو ما توافق عليه ميل أيضاً.
تعتبر ميل، التي لديها بودكاست وتدير مجموعات دعم للأشخاص الذين يفكرون في هذا المسار نحو الأبوة والأمومة، أن "الآباء والأمهات المنفردين الآخرين يفهمون وضعك جيداً لدرجة أنك تشعر برابط وثيق معهم على الفور". وتشرح بالقول: "نحن جميعاً ندعم بعضنا بعضاً. نذهب في العطلات معاً، أخطط لرحلة تخييم كل سنة، وفي العام الماضي ذهب 25 من الآباء والأمهات المنفردين. كما أننا نحتفل بعيد الميلاد معاً، ولأنني اضطررت إلى الانفتاح على الناس وطلب المساعدة، أنشأت شبكة دعم ضخمة حولي. وهذا حقاً أمر رائع، ومفيد جداً لديزي".
تبلغ ديزي الآن من العمر ست سنوات، وهيرب سبع سنوات، وكلاهما يعرفان تماماً كيف جاءا إلى العالم ولا يشككان في تكوين أسرتيهما غير التقليدي. تقول ليف إنها سألت هيرب قبل أسبوعين عما إذا كان أي شخص يسأله عن والديه في المدرسة، مضيفة: "قال إنه يخبرهم فقط: ’ليس لدي أب، لدي متبرع‘، ويمشي. هو يعرف كل شيء، لا أريد أبداً أن يعتقد أن كيفية مجيئه إلى الحياة عبارة عن سر قذر أو شيء يجب أن يخجل منه".
كلتا العائلتين غير نادمتين، ليف وميل تطالبان بتوفير مزيد من علاج التلقيح الاصطناعي للنساء العازبات عن طريق هيئة الخدمات الصحية الوطنية [التي تقدم الرعاية الصحية المجانية غالباً]، إذ إنه في الوقت الحالي من المستحيل تقريباً الحصول على ذلك. وتريدان أن تعرف الأمهات المحتملات الأخريات أن حلمهن لا يزال من الممكن تحقيقه، ولو أنه [الأمومة] قد يكون مختلفاً بعض الشيء.
تقول ميل: "واجهت صعوبة كبيرة في التخلي عن الحكاية الخيالية، شاهدت كثيراً من الأفلام الكوميدية الرومانسية في العشرينيات من عمري، ومن دون أن أعي أصبحت فكرة النهاية السعيدة راسخة جداً في تفكيري. أتمنى لو أنني تمكنت من التخلي عن فكرة ما ’يجب أن يحصل‘ لتقبلت الأمور بطريقة مختلفة في وقت أبكر بكثير، ولو أنني رأيت أشخاصاً آخرين خاضوا هذه التجربة بنجاح".
وتختتم بالقول: "حينها لم أكن لأقضي كثيراً من مرحلة الثلاثينيات من عمري في القلق حول الأمر، كنت عشت كل هذا الفرح بدلاً من ذلك".
© The Independent