Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خطط حرب روسية ضد اليابان وكوريا الجنوبية... ما السر؟

أصبحت آسيا عنصراً مركزياً في استراتيجية بوتين الرامية إلى تحدي الغرب بأوكرانيا وموقفه الأوسع تجاه "الناتو"

قوات روسية خلال توجهها إلى مناطق الصراع على الجبهة الأوكرانية (رويترز)

ملخص

التعاون الوثيق بين حلف شمال الأطلسي وكوريا الجنوبية واليابان سيكون مفيداً على المستوى الاستراتيجي لـ"الناتو" وتحدياً جديداً في وجه الصين وروسيا، لذلك ليس من المستغرب أن تمتلك موسكو وبكين بنك أهدف في كلا البلدين.

اشتدت المنافسة الجيوسياسية العالمية بين روسيا والصين من جهة، والدول الغربية بقيادة أميركا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) شمال شرقي آسيا خلال العقد الماضي من جهة أخرى. وانطلاقاً من ذلك، شكلت الولايات المتحدة وحلفاؤها تحالفاً في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، بحجة الدفاع عما سمته واشنطن القيم والحريات التي تقوم عليها المجتمعات الديمقراطية.

تعزيز التعاون الثلاثي بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية بدا محاولة لتشكيل محاولة جديدة لتجاوز التحالفات الثنائية، وإنشاء هيكل من شأنه أن يوحد في نهاية المطاف التحالفين الرئيسين اللذين شكلتهما واشنطن شمال شرقي آسيا.

وفي المقابل، أصبحت آسيا عنصراً مركزياً في استراتيجية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرامية إلى تحدي الغرب في أوكرانيا على نطاق واسع وموقفه الأوسع تجاه حلف شمال الأطلسي، وتوسعه باتجاه الشرق وصولاً إلى الحدود الغربية لروسيا نفسها.

وإضافة إلى اعتمادها الاقتصادي المتزايد على الصين ضمن استراتيجية بوتين في آسيا، جندت موسكو 12 ألف جندي من كوريا الشمالية للقتال في أوكرانيا مع دعم بيونغ يانغ اقتصادياً وعسكرياً. وبعد إطلاق الصاروخ الباليستي التجريبي "أريشنيك" على أوكرانيا خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 قال بوتين إن "الصراع الإقليمي في أوكرانيا اتخذ عناصر ذات طبيعة عالمية".

تصعيد غربي في آسيا

خلال يونيو (حزيران) 2024 تحقق نجاح رمزي مهم عندما أجرت القوات الأميركية واليابانية والكورية الجنوبية أول مناورة متعددة المجالات على الإطلاق بعنوان "حافة الحرية"، والتي شملت المجالات البحرية والجوية والسيبرانية. وبموجب الخطة التي اتفق عليها خلال ديسمبر (كانون الأول) 2023، أنشأت واشنطن وطوكيو وسيول أيضاً نظام تحقق ثلاثي للتبادل السريع للمعلومات حول إطلاق كوريا الشمالية للصواريخ الباليستية.

ومع ذلك، فإن تنفيذ هذه المبادرات بالكاد يتطلب بنية دبلوماسية معقدة. وكان من الممكن تنفيذ مثل هذه الأحداث خلال وقت سابق باستخدام القدرات الحالية للقوات المسلحة. وفي هذا السياق، بدا ربط التدريبات العسكرية بالصورة الدبلوماسية الجديدة أشبه بعنصر من عناصر العلاقات العامة. وما لم تعمل البلدان على تعميق تعاونها إلى مستوى أكثر موضوعية فإن الاتفاقات الموقعة قد تظل مجرد إجراء صوري.

 

 

ومن ثم، هناك قضايا عملية مختلفة لا تزال تحظى حالياً بالاهتمام الواجب من العواصم الثلاث. ويتمثل التحدي الرئيس المستمر الذي يواجه المؤسسات الدفاعية والعسكرية، في الافتقار إلى الاهتمام بتطوير الخطط العسكرية القادرة على ضمان التعاون الثلاثي الفعال الحقيقي في حال الطوارئ داخل شبه الجزيرة الكورية أو تايوان. ولا توجد برامج تدريب على مستوى الأقسام لتمكين هذا التنسيق عند الحاجة.

وفقط عندما وُضعت خطط أكثر تفصيلاً وتأسيس نظام تدريب ليصبح ممارسة عملياتية رئيسة للقوات المسلحة في الدول الثلاث، فإن الالتزامات الرمزية التي تم التعهد بها في مختلف القمم يمكنها أن تتحول إلى تعاون أمني ثلاثي فعال حقاً. لذلك فإن القيادة العسكرية لليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة تركز حالياً على هذا الأمر.

الرد الروسي

صحيفة "فايننشال تايمز" قالت في تقرير لها الأسبوع الماضي، إن الجيش الروسي أعد قوائم مفصلة بالأهداف لحرب محتملة مع اليابان وكوريا الجنوبية، والتي شملت محطات الطاقة النووية وغيرها من البنية التحتية المدنية، وفقاً لملفات سرية من عام 2013 إلى عام 2014 اطلعت عليها الصحيفة.

وتغطي خطط الضربة التي لُخصت في مجموعة مسربة من الوثائق العسكرية الروسية 160 هدفاً، مثل الطرق والجسور والمصانع لوقف "إعادة تجميع القوات في مناطق العمليات".

سُلط الضوء على مخاوف موسكو الحادة في شأن جناحها الشرقي في الوثائق التي عرضتها مصادر غربية على "فايننشال تايمز"، ويخشى الاستراتيجيون العسكريون الروس أن تنكشف الحدود الشرقية للبلاد في أي حرب مع حلف شمال الأطلسي، وتكون عرضة لهجمات الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين.

وتأتي الوثائق من مخبأ يضم 29 ملفاً عسكرياً روسياً سرياً، تركز معظمها على تدريب الضباط على صراع محتمل على الحدود الشرقية للبلاد من عام 2008 إلى عام 2014، ولا يزال يُنظر إليها على أنها ذات صلة بالاستراتيجية الروسية.

وأكدت الصحيفة أن الوثائق تحوي تفاصيل غير معروفة سابقاً حول مبادئ استخدام الأسلحة النووية، وحددت كذلك سيناريوهات عسكرية لغزو صيني وضربات في عمق أوروبا.

 

 

وقال المسؤول السابق في مجال الحد من الأسلحة بحلف شمال الأطلسي ويليام ألبيرك والذي يعمل الآن في مركز ستيمسون، إن الوثائق المسربة والانتشار الأخير لكوريا الشمالية أثبتا "مرة واحدة وإلى الأبد أن مسرحي الحرب الأوروبي والآسيوي مرتبطان بصورة مباشرة لا تنفصم". وأضاف "لا يمكن لآسيا أن تنتظر حتى انتهاء الصراع في أوروبا، ولا يمكن للقارة العجوز أن تقف مكتوفة الأيدي إذا اندلعت الحرب داخل آسيا".

وضُمِّنت قائمة الأهداف الروسية في اليابان وكوريا الجنوبية خلال عرض تقديمي يهدف إلى شرح قدرات صاروخ كروز التقليدي من طراز "كي أتش 101"، وقال المحللون الذين راجعوا التقرير لمصلحة "فايننشال تايمز" إن المحتويات تشير إلى أنه تم تداوله عام 2013 أو عام 2014، وجرى تمييز الوثيقة بعلامة أكاديمية الأسلحة المشتركة، وهي مؤسسة تعليمية لكبار الضباط.

وتمتلك الولايات المتحدة قوات كبيرة تتركز في كوريا الجنوبية واليابان. وفي أعقاب بدء الحرب الشاملة داخل أوكرانيا خلال فبراير (شباط) 2022، انضم البلدان إلى تحالف مراقبة الصادرات بقيادة واشنطن للضغط على آلة الحرب في الكرملين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال ألبيرك إن الوثائق تظهر كيف تنظر روسيا إلى التهديد الذي يمثله الحلفاء الغربيون في آسيا، والذي يخشى الكرملين من أنه يسمح للولايات المتحدة بمهاجمة قواته العسكرية في المنطقة، بما في ذلك ألوية الصواريخ. وأضاف "في حال كانت روسيا على وشك شن هجوم مفاجئ على إستونيا، فسيتعين عليها أيضاً ضرب القوات الأميركية وحلفائها في اليابان وكوريا الجنوبية". ولم يستجب المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف لطلبات التعليق.

وكانت روسيا هددت سابقاً بنشر صواريخ نووية متوسطة المدى في آسيا، رداً على تصرفات الولايات المتحدة. وأعلن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف خلال الـ25 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، أن "ظهور الأنظمة الأميركية المناسبة في أية منطقة من العالم سيحدد مسبقاً خطواتنا الإضافية، بما يشمل مجال تنظيم ردنا العسكري والفني".

وقال ريابكوف إن لدى الولايات المتحدة نية أكيدة لنشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بحلول نهاية عام 2024. وشدد الدبلوماسي الروسي على أن هذا الموقف الأميركي لا رجعة فيه، لأن الأميركيين يريدون "اكتساب مثل هذه الإمكانات واستخدامها في إطار مفهوم ما يسمى الردع المزدوج".

وبرر ريابكوف لروسيا مراجعة قرارها السابق بوقف نشر الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى. ومع ذلك، أعرب نائب الوزير عن رغبته في أن يتم كل شيء "من دون مزيد من بناء القدرات" التي قامت الولايات المتحدة بإنشائها باستمرار خلال الأعوام الأخيرة، وإلا فإن موسكو سترد بـ"مقاومة مضاعفة".

وعندما سئل عما إذا كان ظهور مثل هذه الأنظمة الأميركية على أراضي الولايات المتحدة نفسها في جزيرة غوام سيكون سبباً لروسيا لمراجعة وقفها الاختياري الأحادي الجانب لنشر الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، أجاب ريابكوف بالإيجاب "بالطبع، بالطبع".

وقالت وزارة الخارجية الروسية إن خطط واشنطن لنشر الصواريخ النووية متوسطة المدى في آسيا قد تؤدي إلى زعزعة استقرار الوضع داخل المنطقة والعالم.

أهداف روسية في اليابان وكوريا الجنوبية

لعل أول 82 موقعاً على قائمة الأهداف الروسية هي ذات طبيعة عسكرية، مثل مراكز القيادة المركزية والإقليمية للقوات المسلحة اليابانية وكوريا الجنوبية، ومنشآت الرادار والقواعد الجوية والمرافق البحرية.

إضافة إلى ذلك، خططت روسيا لشن هجمات على البنية التحتية المدنية، بما في ذلك أنفاق الطرق والسكك الحديد في اليابان مثل نفق كانمون الذي يربط بين جزيرتي هونشو وكيوشو. وتعد البنية التحتية للطاقة أيضاً من الأولويات، إذ توجد 13 محطة للطاقة في القائمة بما في ذلك المجمعات النووية في توكاج، إضافة إلى مصافي النفط، فضلاً عن محطات إعادة معالجة الوقود.

وفي كوريا الجنوبية الأهداف المدنية الرئيسة هي الجسور، لكن القائمة تشمل أيضاً مواقع صناعية مثل مصنع بوهانغ للصلب ومصانع الكيماويات داخل بوسان. وخُصص جزء كبير من العرض التقديمي لكيفية تنفيذ ضربة افتراضية باستخدام القصف التقليدي بصواريخ "كي أتش 101"، والمثال الذي اختير كان أوكوشيريتو وهي قاعدة رادار يابانية تقع على جزيرة ساحلية جبلية. وتم توضيح إحدى الشرائح المخصصة لمثل هذا الهجوم بصورة متحركة لانفجار كبير.

 

 

وتظهر الوثائق العناية التي تعاملت بها روسيا مع اختيار قائمة الأهداف. ويحتوي بنك الأهداف مخبأين للقيادة والسيطرة في كوريا الجنوبية، ويتضمن تقديرات للقوات اللازمة لاختراق دفاعاتهم. وتشير القوائم أيضاً إلى تفاصيل أخرى مثل الحجم والقدرة المحتملة للشركات.

وتتضمن هذه الوثائق أيضاً صوراً فوتوغرافية للمباني في أوكوشيريتو التُقطت داخل قاعدة الرادار اليابانية، إضافة إلى قياسات دقيقة للمباني والهياكل المستهدفة. ومن المهم أن نفهم أن تدريب الضباط الروس على الحرب المحتملة على الحدود الشرقية للاتحاد الروسي استمر من عام 2008 إلى عام 2014.

وعلى رغم ذلك لا تزال هذه الخطط ذات صلة باستراتيجية الاتحاد الروسي، لذا لا يزال من الممكن استخدامها في المستقبل.

وقال ميتشيتو تسوروكا الأستاذ المشارك في جامعة كيو والباحث السابق في وزارة الدفاع اليابانية، إن الصراع مع روسيا يمثل مشكلة خاصة بالنسبة إلى طوكيو إذا كان نتيجة لنشر روسيا الصراع من أوروبا نحو ما يسمى "التصعيد الأفقي".

ففي حال نشوب صراع مع كوريا الشمالية أو الصين ستتلقى اليابان إنذاراً مبكراً، وقد يكون لديها الوقت الكافي للاستعداد ومحاولة اتخاذ الإجراءات اللازمة. ولكن عندما يتعلق الأمر بالتصعيد الأفقي من أوروبا، فإن وقت التحذير بالنسبة إلى طوكيو سيكون أقصر وستكون قدرة اليابان أقل على منع الصراع بمفردها.

تهديد غير محسوب

في حين أن الجيش الياباني والقوات الجوية على وجه الخصوص يشعران بالقلق منذ فترة طويلة في شأن التهديدات الآتية من الكرملين، وقال تسوروكا إن روسيا "لا ينظر إليها في كثير من الأحيان على أنها تهديد أمني من قبل اليابانيين العاديين".

ولم توقع روسيا واليابان مطلقاً على معاهدة سلام رسمية لإنهاء الحرب العالمية الثانية بسبب النزاع حول جزر الكوريل. واستولى الجيش السوفياتي على جزر الكوريل في نهاية الحرب عام 1945 وطرد اليابانيين من الجزر التي يعيش فيها الآن نحو 20 ألف روسي.

وقال فوميو كيشيدا رئيس وزراء اليابان آنذاك خلال يناير (كانون الثاني) 2024، إن حكومته "ملتزمة كاملاً" المفاوضات في شأن هذه القضية.

لكن دميتري ميدفيديف الرئيس الروسي السابق نائب رئيس مجلس الأمن الروسي حالياً، رد على ذلك قائلاً "نحن لا نهتم بمشاعر اليابانيين... هذه ليست مناطق متنازع عليها، بل أراض روسية".

وتظهر خطط روسيا ثقة في أنظمتها الصاروخية وهي ثقة مبالغ فيها في بعض الأحيان، إذ تضمنت المهمة الافتراضية ضد أوكوشيريتو استخدام 12 صاروخاً من طراز "أكس 101" أُطلقت من قاذفة ثقيلة واحدة من طراز "تو 160" وتقدر الوثيقة احتمالية إصابة الهدف بـ85 في المئة.

 

 

ومع ذلك قال الباحث في جامعة أوسلو فابيان هوفمان إنه خلال الحرب الواسعة النطاق في أوكرانيا أثبتت صواريخ "أكس 101" أنها أقل قدرة على التخفي مما كان متوقعاً، وواجهت صعوبة في اختراق المناطق ذات الدفاعات الجوية المتعددة الطبقات.

وأضاف هوفمان "أن ’أكس 101‘ مجهزة بمحرك خارجي وهي سمة مشتركة بين صواريخ كروز السوفياتية والروسية. ومع ذلك، فإن اختيار التصميم هذا يزيد بصورة كبيرة من البصمة الرادارية للصاروخ.

وأشار أيضاً إلى أن الصاروخ كان أقل دقة مما كان متوقعاً. وأضاف "بالنسبة إلى الأنظمة الصاروخية ذات القدرة المحدودة التي تعتمد على الدقة العالية لضرب الأهداف، فهذه مشكلة واضحة".

أما العرض الثاني المتعلق باليابان وكوريا الجنوبية، فيقدم لمحة نادرة عن عادة روسيا المتمثلة في اختبار الدفاعات الجوية لجيرانها بصورة منتظمة.

ويلخص التقرير مهمة زوج من القاذفات الثقيلة من طراز "تو 95" التي أرسلت لاختبار الدفاعات الجوية لليابان وكوريا الجنوبية خلال الـ24 من فبراير 2014. وتزامنت العملية مع ضم روسيا شبه جزيرة القرم وإجراء مناورات عسكرية أميركية - كورية جنوبية مشتركة تحت مسمى "فرخ النسر" عام 2014.

وبحسب الملف، غادرت القاذفات الروسية قاعدة قيادة الطيران بعيدة المدى داخل أوكرانيا في أقصى شرق روسيا، وحلقت لمدة 17 ساعة حول كوريا الجنوبية واليابان لتسجيل الرد.

يشار إلى أنه أُجريت 18 عملية اعتراض لـ39 طائرة، وهي أطول مواجهة كانت عبارة عن مرافقة لمدة 70 دقيقة لزوج من طائرات الفانتوم اليابانية من طراز "أف 4"، والتي وفقاً للطيارين الروس "لم تكن مسلحة". ونفذت مقاتلات تحمل صواريخ "جو-جو" سبع عمليات اعتراض فحسب.

ويشبه هذا المسار تقريباً المسار الذي سلكته طائرتا دورية بحرية روسية من طراز "تو 142" في الحرب المحتملة مع اليابان وكوريا الجنوبية.

هل بإمكان روسيا خوض الحرب على جبهتين؟

تزعم صحيفة "فايننشال تايمز" أن "الجيش الروسي يخشى أن تكون الحدود الشرقية للبلاد معرضة للخطر في حرب مع حلف شمال الأطلسي، ومفتوحة أمام هجوم مفاجئ من الولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين.

لكن الصحافي الروسي المعارض وعالم الاجتماع إيغور ياكوفينكو يقترح النظر في ما إذا كانت موسكو قادرة على بدء حروب جديدة غير الحرب التي تخوضها في أوكرانيا منذ نحو ثلاثة أعوام. ووفقاً له، كل شيء يعتمد على تطور الأحداث في الحرب داخل أوكرانيا.

وقال في مقابلة مع صحيفة "غلافريد" الأوكرانية إن "السؤال هو ما المقصود بالحرب بالضبط؟ إذا اعتبرنا الحرب التخريبية الهجينة حرباً فإن إجابتي إيجابية. بوتين قادر على شن حرب هجينة مع قوى المخربين والجماعات الأخرى حتى داخلياً في سياق العمليات العسكرية ضد الأوكرانيين". وشدد على أن بوتين بالطبع لن يتمكن من شن حربين واسعتي النطاق.

 

 

ومضى في تحليله "ليس لديه كثير من الموارد وجيش احتياط. لا أستطيع أن أتخيل أن روسيا بالتوازي مع الحرب ضد أوكرانيا سترسل طوابير دبابات وقاذفات صواريخ على سبيل المثال إلى اليابان أو ليتوانيا أو بولندا، ولكنها قادرة على تنظيم هجمات تخريبية هجينة". وأضاف ياكوفينكو "من الناحية التقنية، من شأنه أن يعطل الاتصالات ويقوض الكابلات ويمكن للروس أن يفعلوا ما يريدون" في هذا المجال.

وكتبت صحيفة "فايننشال تايمز" خلال وقت سابق عن استنتاجات أخرى يمكن استخلاصها من هذه الوثائق، لا سيما أن عتبة استخدام روسيا للأسلحة النووية التكتيكية أقل مما اعترفت به موسكو على الإطلاق، وأن البحرية الروسية استعدت لشن ضربات نووية على أوروبا في أي صراع محتمل مع "الناتو".

"الناتو"

وكما ذكرت صحيفة "غلافريد"، يقوم حلف شمال الأطلسي بتحديث استراتيجيته لمواجهة التهديدات الهجينة في مواجهة خطر الهجمات من روسيا، لأن التخريب أو الحرق المتعمد الذي قد يلجأ إليه الروس يهدد بخسائر "كبيرة".

ومن المعروف أيضاً أن روسيا تأخذ في الحسبان احتمالات شن هجوم على فنلندا والنرويج ودول البلطيق إذا ما تجاوز التوتر مع حلف شمال الأطلسي الخطوط الحمراء. وحال وقوع هجوم فمن الممكن أن يشارك في العملية عشرات الآلاف من الجنود الروس.

وفي السياق، قال رئيس جهاز الاستخبارات الاتحادية الألمانية برونو كال إن روسيا قد تهاجم حلف شمال الأطلسي (الناتو) خلال الأعوام المقبلة، ويستطيع الكرملين تنفيذ عملية عسكرية محدودة ضد الحلف، ولا يوجد حديث عن هجوم واسع النطاق.

قد تبرم أوكرانيا اتفاق سلام مع روسيا خلال عام 2025، ولكن لهذا الغرض سيتعين على الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأميركية دونالد ترمب زيادة دعمه لأوكرانيا والضغط على الكرملين، بحسب ما كتبت صحيفة "فايننشال تايمز" في توقعاتها.

ووفقاً للمنشور، فإنه لإنهاء حرب واسعة النطاق في أوكرانيا سيتعين على الولايات المتحدة تهديد روسيا بعقوبات أكثر صرامة وزيادة الدعم لكييف، مما سيقنع الكرملين بأخذ مفاوضات السلام على محمل الجد.

ويكتب المحللون أن حلفاء الولايات المتحدة سيقنعون ترمب بعدم حذف مسألة عضوية أوكرانيا في "الناتو" من جدول الأعمال خلال المرحلة الأولية.

وبدوره، سيضطر الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي وفقاً للصحيفة للموافقة على سيطرة روسيا الفعلية، ولكن ليس القانونية على الأراضي الواقعة تحت سيطرة موسكو موقتاً، مقابل ضمانات أمنية أوروبية بدعم من الولايات المتحدة، بشرط أن يكون انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) غير مجمد.

تمدد "الأطلسي" في آسيا

التقارب بين كوريا الجنوبية واليابان، فضلاً عن الشراكة الأمنية مع الدولتين الواقعتين شرق آسيا يعني مزايا استراتيجية معينة بالنسبة إلى حلف شمال الأطلسي. أما بالنسبة إلى كوريا الجنوبية، فإن استخدام قوة الجيوش سيكون مفيداً لها، أولاً، بالنظر إلى استمرار تعزيز الصين قوتها.

ولعل العسكرة المستمرة من جانب جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية تجبر الجيش الكوري الجنوبي على البقاء في حال تأهب دائماً، إضافة إلى أنه يشارك سنوياً في تدريبات استفزازية مع الولايات المتحدة. وثانياً، تستطيع كوريا الجنوبية أن تنقل أسلحة عالية الجودة إلى حلف شمال الأطلسي كجزء من التعاون العسكري. وتتجلى القدرة التنافسية التي تتمتع بها صناعتها الدفاعية في حقيقة مفادها أن الحرب الروسية ضد أوكرانيا دفعت بولندا إلى طلب الدبابات والمدافع ذاتية الدفع من سيول.

أما ثالثاً، فإن كوريا الجنوبية تستطيع أن تعمل بصورة كبيرة على تعزيز الأمن السيبراني لحلف شمال الأطلسي، بما في ذلك الدفاع ضد الهجمات من روسيا والصين (وكذلك كوريا الشمالية). ورابعاً، تمتلك سيول أكبر الشركات المصنعة للرقائق الدقيقة إلى جانب اليابان وتايوان، مما يجعلها عضواً مهماً في التحالف الذي تسعى الولايات المتحدة إلى إخراج الصين منه بالكامل من سلسلة توريد الرقائق الدقيقة إلى دول "الناتو". وفي الواقع، من المقترح أن تأخذ كوريا الجنوبية مكانها كشريك أكثر موثوقية.

 

 

وتعتزم الحكومة اليابانية زيادة موازنة الدفاع إلى اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بحلول عام 2027 وشراء 500 صاروخ توماهوك كروز. إن مثل هذه الزيادة الكبيرة في القدرات الدفاعية اليابانية ستمنح "الناتو" قدرات أكبر لمواجهة الصين وروسيا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وهذه على وجه التحديد هي فائدة الشراكة الاستراتيجية مع حلف شمال الأطلسي بالنسبة إلى دول الشرق الأقصى، استجابة أكثر فاعلية للتهديد العسكري الصيني والروسي. وبادئ ذي بدء يمكن إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين حلف شمال الأطلسي ودول شرق آسيا في منطقة المحيط الهادئ الهندية، إذ توجد بالفعل قوات أميركية وفرنسية وبريطانية وألمانية أو في أوروبا، مما من شأنه أن يجعل من الممكن تأمين الحركة في المنطقة.

وقد تكون الخطوة التالية هي إنشاء تحالف استخباراتي على غرار "العيون الأنغلوسكسونية الخمس". وهذا من شأنه أن يسهل تبادل المعلومات بين دول الشرق الأقصى وحلف شمال الأطلسي، من ثم تطوير استراتيجيات مشتركة لمواجهة الصين وروسيا. وفي المرحلة الثالثة، من الممكن إنشاء تحالف غير رسمي لزيادة تعزيز الأمن الجماعي.

وكان القرار الذي اتخذه حلف شمال الأطلسي خلال أغسطس (آب) عام 2023 بقبول طلب كوريا الجنوبية بفتح بعثة دبلوماسية في الحلف بمثابة إشارة طيبة لتطوير شراكة استراتيجية وثيقة. ونظراً إلى التوترات المتصاعدة في منطقة المحيط الهادئ، وبخاصة تهديد الصين بالحرب ضد تايوان، فإن تعاون كوريا الجنوبية مع حلف شمال الأطلسي لا يشكل عاملاً للردع (من ثم منع الحرب) فحسب، بل إنه أيضاً علامة على استعداد الجانبين للدفاع عن القيم الغربية دولياً.

تحدي روسيا والصين

إن التعاون الوثيق بين حلف شمال الأطلسي وكوريا الجنوبية واليابان سيكون مفيداً على المستوى الاستراتيجي لحلف شمال الأطلسي، وتحدياً جديداً في وجه الصين وروسيا، لذلك ليس من المستغرب أن تكون موسكو وبكين تمتلكان بنك أهدف في كلا البلدين اللذين لا يخفيان تحالفهما مع "الناتو" بقيادة الولايات المتحدة.

وشكل عام 2022 نقطة تحول بالنسبة إلى الغرب، وبخاصة بالنسبة لحلف شمال الأطلسي العسكري. وكان الهجوم الروسي على أوكرانيا والتهديد المتزايد المتمثل في قيام الصين بشن حرب ضد تايوان سبباً في إجبار "الناتو" على إعادة تقييم الأخطار.

اليابان بدورها تتصرف منذ فترة طويلة في اتجاه مؤيد للغرب باعتبارها عضواً في مجموعة السبع، لكن انحياز كوريا الجنوبية إلى الغرب عامة وحلف "الناتو" خاصة كانت بمثابة مفاجأة لروسيا. وعلى رغم أن سيول كانت شريكة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) منذ عام 2006، كان هذا التعاون حتى وقت قريب ذا طبيعة دبلوماسية.

وتمت دعوة كوريا الجنوبية مراراً وتكراراً لحضور اجتماعات وزراء خارجية "الناتو"، لكن هذا لا يعني أي التزامات جيوسياسية للبلاد تجاه الحلف أو أوروبا. والآن تغيرت الظروف، وأصرت الولايات المتحدة شريكتها وزعيمة "الناتو" على مشاركة سيول في جهود الحلف العسكرية. فهل يعني هذا أن اليابان وكوريا ستلعبان دوراً أكثر أهمية في السياسة الأمنية لكل من أوروبا والشرق الأقصى؟

يعد دعم الرأي العام الأميركي في ظل رئاسة دونالد ترمب أمراً أساساً لضمان استمرار الولايات المتحدة في الانغماس العسكري داخل شرق آسيا ومنطقة المحيط الهادئ والهندي. وهذا يعني في المقام الأول تعزيز التعاون بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية. ولا ينبغي لطوكيو وسيول أن تعملان على تعزيز التعاون داخل بلديهما فحسب، بل يتعين عليهما أيضاً أن تبحثا عن سبل لزيادة مستوى الدعم لدى الرأي العام الأميركي لضمان استمرار المؤسسة العسكرية الأميركية في الاضطلاع بدور رئيس في القضايا الأمنية داخل شرق آسيا.

وكثفت اليابان والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية جهودها لتعزيز التعاون الدفاعي الثلاثي، بهدف تنسيق الإجراءات المشتركة لمواجهة مساعي روسيا والصين إلى زعزعة الاستقرار في منطقة شرق آسيا، لكن على طوكيو وسيول أن تتذكرا دوماً ما ذكرته مجلة "فوربس" خلال الـ من19 سبتمبر (أيلول) 2024، من أن روسيا قادرة على إنتاج ما بين 42 إلى 56 صاروخاً باليستياً ومن 90 إلى 115 صاروخاً طويل المدى شهرياً، على رغم العقوبات التي فرضها الغرب عليها.

وعلى هذا التحالف الناشئ أن يتذكر ما كشفه ممثل مديرية الاستخبارات الرئيسة بوزارة الدفاع الأوكرانية أندريه يوسوف، عن أن روسيا تمتلك الآن نحو 1400 صاروخ بعيد المدى.

المزيد من تقارير