ملخص
أسفر تفجير طائرة بان أميركا فوق لوكربي عن مقتل 270 شخصاً، بما فيهم ابنة جيم وجين سواير، ليبدأ جيم في البحث المستمر عن الحقيقة حول الهجوم والسعي للعدالة متحدياً الرواية الرسمية، وهو ما يتم استعراضه في المسلسل الدرامي "لوكربي: بحث عن الحقيقة".
في مساء يوم 21 ديسمبر (كانون الأول) من عام 1988، كان جيم وجين سواير يستعدان لاستقبال عيد الميلاد وسط أجواء دافئة في منزلهما الواقع في قرية فينستال الهادئة بمقاطعة ووسترشير. كانا قد ودعا للتو ابنتهما فلورا البالغة من العمر 23 عاماً، التي كانت متوجهة إلى نيويورك لقضاء العطلة مع حبيبها. بعد الساعة السابعة مساء بقليل، ظهر خبر عاجل على شاشة التلفزيون أمام الزوجين سواير ليعلن عن تحطم طائرة فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية. ومنذ تلك اللحظة، انقلبت حياتهما رأساً على عقب.
كانت فلورا واحدة من 270 شخصاً لقوا حتفهم في ما لا يزال حتى اليوم أعنف هجوم إرهابي في تاريخ بريطانيا. بعد 38 دقيقة فقط من إقلاع الرحلة 103 التابعة لشركة بان أميركان من مطار هيثرو باتجاه نيويورك، انفجرت قنبلة على متنها، ما أدى إلى مقتل جميع الركاب وأفراد الطاقم، بالإضافة إلى 11 شخصاً كانوا على الأرض.
الآن، وبعد مرور أكثر من 36 عاماً، يقوم مسلسل جديد تعرضه شبكة سكاي أتلانتك بعنوان "لوكربي: البحث عن الحقيقة" Lockerbie: A Search for Truth بإعادة تسليط الضوء على قصة جيم في بحثه المستمر عن إجابات حول ما حدث في تلك الليلة - وهي رحلة لم تتوقف بالنسبة للطبيب العام السابق، الذي بلغ من العمر الآن 88 عاماً. الممثل كولين فيرث، الذي يجسد دور جيم ذي الملامح الغارقة في حزن دائم، صرح بأنه شعر "بالعجز تحت وطأة الحزن المستمر الذي يطغى على رحلة جيم". المسلسل، الذي استغرق إنتاجه سنوات ويغطي عدة عقود، تشارك فيه أيضاً الممثلة كاثرين ماكورماك بدور جين، زوجة جيم، التي ظلت بجانبه حتى عندما كاد هوسه بالقضية أن يمزق ما تبقى من أسرتهما.
لا تزال قضية تفجير لوكربي تثير المزيد من الأسئلة بدلاً من تقديم الإجابات. حتى الآن، لم تتم إدانة سوى شخص واحد بتهمة تنفيذ الهجوم، وهو المواطن الليبي عبد الباسط المقراحي، الذي صدر حكم إدانته عام 2001. ومع ذلك، ظهرت شكوك عديدة منذ المحاكمة. فقد اتضح أن الحكومة الأميركية دفعت ملايين الدولارات لشاهدين رئيسيين للإدلاء بشهادتهما في المحكمة. إضافة إلى ذلك، تم التشكيك في مصداقية قطعة إلكترونية من لوحة الدائرة الكهربائية، التي كانت دليلاً جنائياً أساسياً في القضية، حيث أشار خبراء إلكترونيون إلى أنها قد زُرعت عمداً. بل تم طرح نظريات في البرلمان البريطاني تشير إلى تورط وكالة الاستخبارات الأميركية في تزوير هذا الدليل، بينما صرح شرطي اسكتلندي مجهول بأن الأدلة قد تم تلفيقها.
المقراحي، الذي قضى ثماني سنوات ونصف من عقوبة السجن المؤبد قبل أن يتم إطلاق سراحه لأسباب إنسانية في عام 2009، ظل متمسكاً ببراءته حتى وفاته في 2012 بسبب سرطان البروستاتا. وخلال فترة سجنه، نشأت علاقة غير تقليدية و(مثيرة للجدل) بينه وبين جيم، الذي اعتاد زيارته، مما أدى إلى اقتناع جيم تدريجياً بأن المقراحي كان ضحية مؤامرة وتلفيق. في البداية، كان جيم من أبرز الداعمين لترحيل المقراحي إلى المملكة المتحدة لمحاكمته، بل إنه سافر إلى ليبيا لإقناع العقيد معمر القذافي بتسليمه. لكن مع مرور الوقت وتزايد شكوكه، تحول جيم إلى مدافع عن إعادة محاكمة المقراحي وإطلاق سراحه.
فرضية جيم (التي يعتبرها البعض نظرية مؤامرة) تتلخص في أن إيران هي من كان وراء الهجوم فعلاً، حيث زرعت القنبلة في مطار هيثرو للانتقام بعد أن أسقطت مدمرات صواريخ أميركية في الخليج طائرة تجارية إيرانية مليئة بالمدنيين الأبرياء في وقت سابق من العام نفسه خلال الحرب العراقية الإيرانية. يعتقد جيم أنه تم استخدام المقراحي كأداة سياسية من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا؛ وهناك تكهنات بأنه، في ذلك الوقت، كان مناسباً لكل من البلدين إلقاء اللوم على ليبيا من أجل صرف الأنظار عن إيران، التي كانت بحاجة لدعم كلا الحكومتين أثناء صراعها مع العراق.
إلى يومنا هذا، لا تزال الحكومتان الأميركية والبريطانية تؤكدان أن القنبلة أُرسلت من مالطا وتم نقلها إلى هيثرو كجزء من مؤامرة ليبية، ربما كدافع للانتقام من القصف الأميركي للعاصمة الليبية طرابلس في عام 1986. وهناك مزاعم بأن مواطناً ليبياً آخر، يدعى أبو عقيلة مسعود، ساعد في صنع القنبلة، ومن المقرر أن يمثل للمحاكمة في الولايات المتحدة في مايو (أيار) هذه السنة لمواجهة ثلاث تهم ينفي تورطه فيها.
الممثل فيرث، الذي تحدث خلال عرض للسلسلة، قال إن النص كان له "أثر عاطفي" عليه منذ اللحظة الأولى. وأضاف: "لم يكن الأمر يتعلق بالتحقيق القانوني أو عنصر الإثارة في القصة بقدر ما كان يتعلق بالمشاعر التي أثارها بداخلي، ورؤية تصوير شخصيات جيم وجين إلى جانب عائلتهما، ورحلتهما في تحمل هذا العبء لفترة طويلة، والذي ما زالا يتحملانه".
أعرب فيرث عن دهشته من عدد "التحولات والمنعطفات" في القصة التي يعرضها المسلسل؛ عدد المرات التي كان جيم فيها يتبع مسار تحقيق واحداً ليتغير بباسطة و"تنقلب نظريته بالكامل، بعد أن كرس نفسه تماماً في البحث عن حل". وقد أبدى الممثل إعجابه بـ "شجاعة جيم وصدقه في السماح لهذا التحول أن يحدث، وعدم التمسك بنظريته الأولية ... لقد كان منفتحاً في وجه الأدلة والحقائق، حتى لو كان ذلك يعني تغيير المسار بشكل عميق. لقد أثر هذا فيّ حقاً".
التقى الممثل مع عائلة الزوجين سواير في منزلهما، حيث أدرك مدى "يقظة جيم ومرونته الفكرية"، و" ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه في تجسيد شخصية بهذا العمق". يقول: " عادةً ما تشعر بشيء من عدم الكفاءة عندما تبدأ مشروعاً جديداً ... لكن هذه المهمة جعلتني أشعر بأنني بعيد كل البعد عن مستوى التحدي".
كان إصرار جيم مصدر إلهام فيرث، لكنه في الوقت نفسه كان السمة التي كادت تفتك بعائلة جيم المكلومة. في المسلسل، نرى كيف يصبح جيم مهووساً بشكل متزايد ومعزولاً، مختبئاً في مكتبه، غائصاً بلا توقف في شبكة معقدة من المعلومات، وغائباً عملياً عن اللحظات المهمة في حياة أبنائه الآخرين. في إحدى اللحظات، تعلن جين التي تجسدها ماكورماك أنها ترغب في الانتقال من المنزل الكائن في فينستول، حيث علموا بوفاة فلورا. تقول: "أريد أن أكون في مكان يتحدث عن الحياة ... لا الموت ... لا الموت في كل دقيقة من اليوم".
عائلة جيم ليست الوحيدة التي ترغب في المضي قدماً. في أحد المشاهد، نرى الصحفي ماري غاثري (الذي يلعب دوره سام تروتن) يتحدث إلى جيم قائلاً: "يعتقد معظم الناس أن [المقراحي] هو الفاعل، ويرغبون في نسيان الأمر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حرص كاتب السيناريو ديفيد هارور على تجسيد الغضب الذي شعر به عديد من العائلات المنكوبة تجاه جيم، وحقيقة أن عديداً منها اعتبروه مجرد مؤامراتي متطرف. يقول الكاتب: "من المهم إيضاح أن هناك آراء أخرى ... نحن لا نروي فقط قصة رجل واحد أو عائلة واحدة لديها اعتقاد معين. لدينا أشخاص آخرون في القصة، وكان من المهم إظهار أن هناك جوانب أخرى لهذه القضية. نحن لا نروج ببساطة لطريقة تفكير واحدة".
هذا المسلسل الدرامي المستند إلى كتاب جيم "لوكربي: بحث أب عن العدالة"، قد تعرض بالفعل للإدانة من قبل المجموعة الناشطة الأميركية "ضحايا الرحلة 103 لشركة بان أم"، التي أعربت عن قلقها من أن المسلسل سيعزز "رواية زائفة".
هذا الانقسام بين عائلة سواير والعائلات المكلومة الأخرى قد عنى أن حزن الأسرة كان أكثر وحدة مما لو أن جيم كان قد قبل حكم إدانة المقراحي. في المسلسل نرى كيف تمر جين بتجارب مؤلمة من ذكريات مرعبة وكوابيس. وهناك مشهد مؤثر بشكل استثنائي، حيث تحتسب جين بعناية كل ثانية من الثواني الخمس عشرة التي كانت فلورا خلالها تدرك ربما أنها تسقط عبر السماء لتواجه حتفها.
تقول ماكورماك: "كانت جين تقرأ عن تفتت الطائرات ... واللحظات الأخيرة، إن صح التعبير، من حياة شخص ما إذا كان واعياً. وهكذا ظل هذا الأمر يؤثر فيّ".
من جانبه، يقول فيرث إن لحظة العدّ "تغير المشهد تماماً في لحظة قصيرة، لأن شخصيتي كانت حتى تلك اللحظة تتأرجح بين الانزعاج والإحباط ... لكن تلك العملية تخترق كل ذلك". شاهدت ماكورماك الكثير من المقاطع الصحفية والتوثيقية لـ جين على مدار السنين، في محاولة لالتقاط "عزة نفسها، ورونقها، وقوتها، وبالطبع، هشاشتها".
يقول هارور إن حادثة لوكربي تركت "ندبة حقيقية في نفسية الاسكتلنديين". سقط من الطائرة أطفال حديثو الولادة، بينما فقد صبي يبلغ من العمر 14 عاماً كان يعيش في لوكربي والديه وأخته الصغيرة عندما سقط حطام الطائرة على منزلهم. ومع ذلك، لا يزال هناك خطر من أن تصبح هذه القضية طي النسيان. في إحدى لحظات المسلسل، عندما نصل إلى العقد الثاني من الألفية، نرى صدمة جيم عندا اكتشف أن شابة اسكتلندية التقى بها أثناء عملها في المقهى، ليس لديها أي فكرة عن كارثة لوكربي.
لكن صناع هذه السلسلة يأملون أن سرد القصة من خلال الدراما قد يساعد في إعادة لوكربي، والبحث عن الحقيقة، إلى دائرة الاهتمام. ففي نهاية المطاف انطلق عرض هذه السلسلة بعد عام ويوم واحد بالضبط من عرض مسلسل "مستر بيتس ضد مكتب البريد" Mr Bates vs The Post Office في 2024، الذي أصبح واحداً من أكثر المسلسلات التلفزيونية البريطانية تأثيراً في كل العصور. يقول المنتج التنفيذي غاريث نيم: "أشعر أنه كان هناك نقاش لا نهاية له حول هذا الموضوع، ولكن بطريقة ما، يمكنك من خلال الدراما إيجاد منظور جديد لشيء ما ... نود أن نشعر أننا سلطنا الضوء على هذا الموضوع الغامض جداً، وأقصد بذلك أنه لم يتم تناوله بالشكل الكافي من قبل".
تتوفر حلقات مسلسل "لوكربي: بحث عن الحقيقة" للمشاهدة عبر منصة سكاي أتلانتيك.
© The Independent