ملخص
للمرة الأولى، تجرأت السينما على طرح الموضوع من خلال فيلم "سنو وايت" الذي عرض في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الأخير وأحدث كثيراً من الجدل، خصوصاً أن بطلته مريم شريف هي أول ممثلة من قصار القامة تقوم ببطولة فيلم طويل وروائي بصحبة عدد من النجوم مثل كريم فهمي ومحمد ممدوح ومحمد جمعة وخالد سرحان وصفوة
على رغم تعرض السينما العالمية ولو من خلال بعض الشخصيات مثل النجوم توبي جونز وبيتر دينكلاج لمشكلة قصار القامة في المجتمع،
لم تطرح السينما المصرية أو العربية من قبل قضية قصار القامة أو الأقزام في عمل فني كامل يتعرض للملف بدقة وبأنه الموضوع الأساسي، وفي معظم الأوقات عند ظهور هذه الفئة، بخاصة في عمل كوميدي يتم تناولها بصورة غير لائقة وهدفها السخرية واستدعاء الضحك.
وللمرة الأولى، تجرأت السينما على طرح الموضوع من خلال فيلم "سنو وايت" الذي عرض في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الأخير وأحدث كثيراً من الجدل، خصوصاً أن بطلته مريم شريف هي أول ممثلة من قصار القامة تقوم ببطولة فيلم طويل وروائي بصحبة عدد من النجوم مثل كريم فهمي ومحمد ممدوح ومحمد جمعة وخالد سرحان وصفوة والفيلم من تأليف وإخراج تغريد أبو الحسن، وحصلت مريم شريف بطلة الفيلم على جائزة "اليسر الذهبي" كأفضل ممثلة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي في جدة بالسعودية في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ المهرجانات عن فيلم "سنو وايت"، ليكون المهرجان هو أكبر داعم لهذه القضية بصورة غير مسبوقة من أي جهة أو مهرجان آخر يمنح جائزة أفضل ممثلة لفتاة قصيرة القامة.
ثلث النسبة العالمية
وكشفت الإحصاءات عن أن نسبة قصار القامة في مصر تمثل ثلث عدد الأقزام في العالم، حيث يتخطى عددهم 200 ألف قزم، وبذلك تحتل مصر المركز الأول عالمياً في الترتيب.
وبحسب الأبحاث الطبية، ترجع أسباب التقزم إلى نقص التعظم الغضروفي ونقص في هرمون النمو أثناء فترة الطفولة الذي يتم إفرازه بواسطة الغدة النخامية التي تعرف باسم "مايسترو"، وتكون وظيفة الهرمون التحكم في عملية التمثيل الغذائي.
وبموجب المادة 81 من الدستور المصري، ضُمّ الأقزام ضمن ذوي الاحتياجات الخاصة وتخصص لهم نسبة خمسة في المئة كاستثناء للحصول على الوظائف والرعاية الصحية والشؤون الاجتماعية والصحية كافة. وأنشئت رابطة للأقزام للمطالبة بحقوقهم القانونية والمجتمعية.
وعلى رغم ذلك، يعاني الأقزام مشكلات عدة مثل عدم توفير الأماكن المناسبة في المدارس، كما أن التنمر ونظرة بعضهم إليهم تصيبهم بالانطواء والإحساس السلبي بالاختلاف مما يؤثر في حالهم النفسية، وتزداد رغبتهم في تغيير نظرة المجتمع لهم وتقبلهم لحدوث الدمج الطبيعي والإنساني.
وربما كل ما سبق دفع المخرجة والمؤلفة تغريد أبو الحسن والمنتج محمد العجمي وبعض النجوم المهتمين بتلك القضية مثل كريم فهمي ومحمد ممدوح ومحمد جمعة إلى المغامرة بفتح هذا الملف غير المتداول فنياً.
وتناولت تغريد في فيلم "سنو وايت" حكاية شابة اسمها "إيمان" من قصار القامة ولدت في عائلة متوسطة الحال ولها شقيقة لا تعاني قصر القامة، فإيمان وحدها من ولدت بهذا الشكل، ويتوفى والدا إيمان وشقيقتها صفية فتكون إيمان هي العائل الوحيد بصفتها الشقيقة الكبرى.
تتميز إيمان بشخصية قوية وإرادة خاصة وتتمتع بكرامة وقدرة على التحكم في الظروف المحيطة على رغم كل ما تعانيه من نظرة مجتمعية غريبة يملؤها التنمر والإحساس بالاختلاف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحلم إيمان مثل أي فتاة تشعر بأنها أميرة أو "سنو وايت" تريد أن تحب ويقع فارس أحلامها في حبها، فتعشق كريم فهمي الممثل الشهير الرمز لفتى أحلامها البعيدة التي تريد الوصول إليها.
تخشى الفتاة من نظرة الرجال والمجتمع، فتخفي صورتها الحقيقية عبر صفحات التواصل الاجتماعي وتضع صورة لفتاة أخرى ليست بحالتها وتبدو طبيعية حتى تتحدث مع شاب يقع في غرام صورتها المزعومة، لكنه في الواقع يحب شخصيتها الحقيقية التي تتحدث بها معه وتكشف عن مدى تقاربهما العاطفي والنفسي.
تقابل إيمان مشكلة عندما يصر الشاب الذي قام بدوره الفنان محمد ممدوح على مقابلتها ليعرفها إلى عائلته ويتمم الزواج الذي يحلمان به.
تتهرب إيمان خوفاً من الصدمة التي قد يتعرض لها الحبيب الذي لا يعلم حقيقة أمرها ويعشق صورة امرأة أخرى على رغم عشقه لجوهر إيمان الذي وقع في غرامه.
تتم المواجهة وتحدث كارثة في اللقاء، فيتم فتح ملف الأزمة وكيف لا يعيش الأقزام حياة طبيعية حتى في الحب على رغم أنه من حقهم أن يتحابوا مع أشخاص طبيعيين ويتزوجون من يريدون.
ويمر العمل بمشكلات قصار القامة ونظرة المجتمع وخوف العائلات من مصاهرة أشخاص لهم شقيق أو قريب من قصار القامة خوفاً من توارث الجينات.
أزمة حقيقية
وفي لقاء مع مخرجة ومؤلفة العمل تغريد أبو الحسن مع "اندبندنت عربية" قالت إنها كانت تفكر كثيراً في مشكلة قصار القامة، خصوصاً أن هناك شخصاً تعرفه في الحقيقة عانى هذه المشكلة، إذ كانت لها صديقة مربيتها قصيرة القامة وكانت تعاني مشكلات في نظرة المجتمع إليها، كما لاحظت أن الأقزام يعانون كثيراً بصورة عامة فأرادت تناول الأزمة، وكان الأمر يحتاج إلى تحضير كبير لتناول الموضوع من دون تصدير صورة أن الأقزام أشخاص مختلفون بصورة سلبية أو يحتاجون إلى التعاطف، بل بالعكس كان الهدف تصويرهم على أنهم شخصيات قوية ولديهم استحقاق مجتمعي ولا يجب النظر إليهم بتنمر أو أنهم أشخاص يعانون أزمة الاختلاف التي تستدعي الانطواء أو النظرة الدونية من المجتمع.
وتابعت أبو الحسن رداً على سؤالنا أن شخصية إيمان لم تظهر ضعيفة أو تحاول الانطواء، بل حاولت التعرف إلى رجال طبيعيين بعيدين تماماً من قصار القامة وهو حلم أي فتاة طبيعية، في حين بعدت محاور الفيلم في بعض الأحيان من تجسيد معاناة مباشرة لها أو للفئة نفسها، وقالت "تعمدت إظهارها طبيعية وحالمة وشخصاً عادياً له أحلام مثل أي فتاة تشعر بأنها في داخلها ’سنو وايت‘ أميرة الأحلام التي تنتظر فارسها الجميل من دون الشعور بوجود أي مشكلة بسبب قصر القامة، فهي امرأة كاملة المشاعر والأحاسيس مثل أي فتاة جميلة.
وكشفت عن أنها أرادت أن تمر ضمن الحوار تفاصيل عن حالات لقصار القامة ومشكلاتهم من دون التركيز عليها كي لا يبدو فيلماً وثائقياً أو عملاً نحشد فيه المعلومات، كما أرادت أن يكون العمل يحمل طابعاً فكاهياً حتى لا يتم النظر إلى الـ"إفيهات" التي قد يتعرض لها قصار القامة على أنها كارثة تستدعي الانطواء، بل كل ما يقال لا يجب أن يأخذ أكثر من ثانية للضحك ليس أكثر مثل أي شيء أو "إفيه" يطلق على أي شخص طبيعي من باب المساواة حتى في الضحك.
وعن أسلوب العمل الذي يطرح قضية حساسة ومعلومات دقيقة بطريقة روائية وتوليفة سينمائية تجمع بين الدراما والكوميديا والغناء، قالت أبو الحسن "حاولت عمل تجربة ليست منتشرة بصورة كبيرة وهي أن أطرح المعلومات مثلما يحدث في الأفلام التسجيلية مع العرض على نحو الحكاية الروائية التقليدية مثل ’سنو وايت‘ و’سندريللا‘ وحاولت أن أبتعد من النمط التقليدي لأني أحب طرح القصص التي تعبّر عن حياتنا اليومية بصورة بسيطة ومن دون تعقيد، ومن الطبيعي أن تكون ’الحواديت‘ والقصص بها معلومات كبيرة ومهمة وتخص فئات خاصة مثل قصار القامة أو ذوي الاحتياجات الخاصة، فكلها أمور عادية يمر بها جميعنا في حياته، ومن منّا لا يملك قصة أو حكاية عن شخص له حال خاصة، وكان يحركني هدف رئيس وهو تقديم قصة تحمل عمقاً إنسانياً وتلامس قلوب الناس وتضيف إلى معلوماتهم، وحاولت في أحداث الفيلم دمج الواقع بالخيال".
وعن اختيار مريم شريف، قالت "قمت بتجارب أداء لممثلات كثيرات من قصيرات القامة، لكني لم أقتنع بأن فيهن شخصية تصلح لأداء دور إيمان، حتى تعرفت إلى مريم شريف بالصدفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقمنا بعمل تجربة تمثيل وأقنعتني جداً وبدأنا التدريب بواسطة ورش تمثيل متخصصة لها حتى تتشرب شخصية إيمان والحقيقة أنها أجادتها بإحساس كبير جداً".
حقيقة مريم
مريم شريف بطلة الفيلم التي حصلت على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي وقامت بدور إيمان هي خريجة كلية الصيدلة وتعمل في مجال التسويق الصيدلي ودرست في إحدى الجامعات الخاصة الكبرى.
وتحدثت عن التجربة وحماستها لتقديم أول فيلم عن قصار القامة والهدف من ذلك، وقالت "أستاء كثيراً من نظرات التنمر لقصار القامة والنظر إلينا على أننا حالات غير طبيعية، وكل أحلامي أن يفهم الناس أن الاختلاف لا يستدعي التنمر أو السخرية، وأن يصلوا إلى درجة وعي وأن يفهموا من خلالها حدود الاختلافات وتقبلها لدرجة أن يرى الناس قصار القامة كأشخاص عاديين في المجتمع على رغم الاختلاف الشكلي أو في الأقل لا يبالغون في التعجب أو يحاولون إبداء السخرية والاستغراب، وأتمنى أن تعي الأسر هذه التربية والثقافة ويعلّموها لأولادهم حتى تنتشر التوعية المجتمعية والإنسانية".
وبالنسبة إلى قيامها بالدور بصورة رومانسية لا تتطرق إلى فكرة الحالة الخاصة على نحو متعمق، فتحلم كأي فتاة تريد الزواج بفارس أحلام ورجل شديد التميز، كشفت مريم شريف "بالفعل كان متعمداً، فلم أكُن أعبر عن شخصية فتاة تشعر بأي نوع من النقص أو الاختلاف الذي يجعلها لا تحلم مثل أي فتاة، وأردنا تأكيد أن كل النساء متشابهات في المشاعر والأحلام، فالطويلة والقصيرة والبيضاء والسمراء وكل النساء باختلاف أشكالهن الخارجية التي لا دخل لهن فيها يحلمن بالطريقة نفسها والمشاعر نفسها وقلوبهن على الفطرة نفسها، فالشكل الخارجي لا يغير ما في القلب والأحلام، والأحلام لا تتحدد درجتها بحسب الشكل فمن حق الجميع أن يحلم وكلنا نتساوى داخلياً وهذه هي حكمة الله".
وأكدت شريف أنها لتصل إلى تلك الدرجة من التجسيد الواقعي للشخصية، تعرفت إلى فتاة تشبه شخصية إيمان وتعايشت معها ورأت كيف تتعامل في حياتها، كما قابلت سيدات أخريات متزوجات وفي الفئة نفسها وتعلمت كيف يدِرنَ حياتهن.