Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"بيتلز 64"... عندما وصل الهوس بالفرقة البريطانية إلى أميركا

يعود الوثائقي الجديد بالذاكرة إلى الأيام الأولى المرهقة والمثيرة للدهشة لغزو البيتلز للولايات المتحدة، وبثها الأمل في أمة كانت تعيش حداداً على اغتيال الرئيس جون كينيدي

تمكن وثائقي "بيتلز: عودوا" التي عرضتها منصة "ديزني+" من جذب الجمهور بعد سنوات من إطلاقها (شركة أبل المحدودة)

ملخص

يوثق وثائقي "بيتلز 64" وصول ظاهرة "الهوس بالبيتلز" إلى أميركا خلال جولتهم الأولى عام 1964، حيث أعادوا الأمل للأمة بعد اغتيال كينيدي، وتحولوا إلى رمز ثقافي عالمي خالد.

"كأن النور قد سطع بعد ظلام دامس"، هكذا وصف الكاتب جو كوينان وصول ظاهرة "الهوس بالبيتلز" إلى أميركا مع مطلع عام 1964. ليس الوحيد الذي اعتبر ظهور هؤلاء الشباب الأربعة الآتين من ليفربول البداية الحقيقية لعقد الستينيات، ولعصر حديث شكّلته موسيقى هؤلاء الشبان وكلمات أغانيهم وأفعالهم. لكن إذا كنتَ مراهقاً في أميركا عندما صدرت أغنية "أريد الإمساك بيدك" I Want to Hold Your Hand في اليوم التالي لعيد الميلاد في عام 1963، فسيكون الأمر بالنسبة لك شخصياً للغاية. وإذا حضرتَ أي حفلة ضمن جولتهم الأميركية الأولى في فبراير (شباط) من 1964، أو شاهدتَ ظهورهم على برنامج "إد سوليفان" أو حتى انتظرت خارج فندق بلازا في مانهاتن على أمل الحصول على توقيع، فعلى الأرجح أن تأثيرهم لم يُمحَ من ذاكرتك.

يفتح الفيلم الوثائقي الجديد "بيتلز 64" Beatles 64 نافذة تستكشف بعمق هذه الجولة الأميركية الأولى والعلاقة الخاصة التي جمعت البيتلز بأميركا. تصف المنتجة مارغريت بود التجربة بقولها: "كانت الرحلة بمثابة حلم تحقق [بالنسبة لهم]... لطالما عشقوا الموسيقى الأميركية، والآن ها هم يزورون موطن كل الأشياء التي حلموا بها".

كانت أميركا حينها تعيش فترة من التحديات الكبرى، حيث أمضت الأمة شتاء كئيباً في حدادها على رئيسها جون أف كينيدي الذي كان أشبه بأمير واغتيل في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام السابق في دالاس. يقول مخرج الفيلم ديفيد تيديسكي: "كان جون كينيدي رمزاً للأمل، والشباب، والمستقبل... حلّت الكآبة على الولايات المتحدة. كشف لنا أحد المشاركين في الوثائقي أن صديقته حبست نفسها في غرفتها لمدة أربعة أيام عقب الاغتيال". وبينما خيّم الحزن بلا أفق، جاءت أغنية "أريد الإمساك بيدك" لتتصدر قوائم الأغاني. يقول تيديسكي: "وسط ذلك الحزن... ظهرت شرارة من الحياة والتفاؤل والبهجة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يروي الفيلم اللحظة الثقافية الفارقة من خلال كلمات عضوي فرقة البيتلز اللذين ما زالا على قيد الحياة، بول مكارتني ورينغو ستار (ومن خلال لقطات أرشيفية للراحلين جون لينون وجورج هاريسون). كما يقدم مقابلات مع رموز موسيقية كبيرة ارتبط اسمها بالفرقة مثل سموكي روبنسون ورون أيلي، ومع معجبين كانوا في مراهقتهم آنذاك مثل جو كوينان وجيمي برنشتاين (ابنة المؤلف الموسيقي ليونارد برنشتاين). يرتكز جزء كبير من الفيلم على لقطات وثقها ألبرت وديفيد مايسلز أثناء جولة البيتلز، اللذان أصبحا لاحقاً من رواد الوثائقيات الحديثة مثل "أعطني ملجأً" Gimme Shelter و"حدائق رمادية" Grey Gardens، لكنهما كانا حينها في بداية مسيرتهما المهنية عندما كلفتهما قناة غرناطة التلفزيونية البريطانية بتصوير الفيلم الوثائقي الصادر عام 1964 "ماذا يحدث! البيتلز في أميركا" What’s Happening! The Beatles in the USA.

يقول تيديسكي: "لم يكونا بعد الأخوين مايسلز الشهيرين... كانا قد قدما فيلماً قصيراً واحداً فقط، ولم يكونا الخيار الأول لشبكة غرناطة. لكن المادة المصورة كانت مذهلة. منذ البداية، كان هناك نوع من الألفة بينهما وبين الفرقة. أشار بول مكارتني إلى أن الفرقة سألت الأخوين مايسلز ’ماذا تريدان منا؟‘ فكان الرد ’فقط كونوا على طبيعتكم‘. ليجيب بول ’أوه، هذا أمر يسير علينا. يمكننا فعل هذا‘. لقد كان فريق البيتلز فنّانين بطبيعتهم، وكذلك الأخوان مايسلز، وبدا تعاونهم سوية وكأنه ضربة حظ رائعة".

رافق الأخوان الفرقة في كل مكان، من المؤتمرات الصحافية إلى الحفلات الموسيقية وحتى الجلسات الخاصة في غرف الفنادق، بينما كانت الكاميرات تعمل بلا توقف. صورا نحو 11 ساعة من اللقطات، والتي شاهدها تيديسكي مرات عدة. يقول: "كان التحدي الحقيقي ... هو اختيار ما يجب تركه. ببساطة، كانت مشاهدة أعضاء البيتلز حتى وهم يجلسون بلا حراك في غرفهم مثيرة للحماسة جداً".

مشاهدة "بيتلز 64" تجعل فهم سحر الفرقة الذي اجتاح أميركا أكثر سهولة. هناك مقاطع حية مذهلة تماماً، على وجه الخصوص أداء ناري لأغنية "سالي الطويلة النحيلة" Long Tall Sally في قاعة واشنطن كوليسيوم، حيث أظهر مكارتني الشاب حيوية وصوتاً جريئاً ينافس حتى مثله الأعلى ليتل ريتشارد. وفي أحد المؤتمرات الصحافية في بداية الجولة، تم وصفهم بأنهم "أربعة من ألفيس بريسلي"، لكنهم كانوا أشبه بأربعة من [الممثل الكوميدي الأميركي] غراوتشو ماركس؛ مرحون بلا حدود، ينثرون الفوضى بروح عفوية، لا يكلّون عن إضحاك الإعلام بعبثية ساحرة، لكن في الوقت ذاته يسخرون من وسائل الإعلام التي أغرمت بهم سريعاً. يضيف تيديسكي: "على مدار أيام قبل وصولهم، كانت هناك تقارير ساخرة تستهزئ بتسريحات شعرهم... بدا الإعلام مستعداً للانقضاء عليهم". لكن سرعان ما أدرك الجميع أن البيتلز ليسوا مجرد أيقونات بالنسبة للمراهقين تتم إدارة ظهورها على المسرح بإتقان، بل كانوا أذكياء ومضحكين وقادرين على مواجهة الصحافة بثقة. ومع مرور الوقت، تحول الإعلام ليكون في صفهم.

تضيف بود: "حضور جموع من الشباب لاستقبالهم في المطار وملاحقتهم في الشوارع منحا البيتلز الثقة أثناء تعاملهم مع الصحافيين الأميركيين... أما سحرهم، فلم يكن شيئاً يمكنهم تشغيله أو إيقافه كما يشاؤون. كانوا ببساطة على طبيعتهم. كانت أصالتهم جزءاً كبيراً من جاذبيتهم".

إضافة إلى تصويرهما أعضاء الفرقة، نجح الأخوان مايسلز في التقاط الظاهرة المحيطة بالبيتلز بحنكة، بدءاً من الصراخ المتواصل من الجماهير وصولاً إلى أولئك المتشبثين برأيهم الذين رفضوا الانجذاب لهذا الغزو البريطاني. هنا، نرى عالماً لم تكن البيتلز قد غزته بعد، مليئاً برجال مسنين من الطبقة الأرستقراطية يستهزئون بالفرقة ويصفونها بأنها "مريضة"، ويسخرون من الفتيات المراهقات اللاتي يفقدن عقولهن فرحاً. كانوا كالديناصورات التي تستهزئ بالمذنبات التي ستقضي عليها، إذ كان ظهور "الهوس بالبيتلز" أمراً حتمياً. تقول بود: "لطالما كان هناك رجال في منتصف العمر يعارضون كل شيء جديد في التاريخ... إنها الفجوة التقليدية المتعلقة بالثقافة وصراع الأجيال".

أما الفتيات المراهقات، فقد كدن يسرقن أضواء الفيلم من البيتلز بلكنتهم النيويوركية، وروح الدعابة الذكية، وولائهن الشديد للفرقة. بينما كان الأخان مايسلز يتابعان محاولاتهن التسلل إلى فندق بلازا للبحث عن فرائسهن، أصبح من الواضح أن الفصل بين أم دبة وصغارها أسهل بكثير من الاقتراب من تلك المعجبات وأعضاء البيتلز الذين يعشقن. التأمل في هذا الولاء الشديد، بعد 60 عاماً من تلك الفترة، يقدم بعضاً من أبرز المقابلات المعاصرة في الفيلم التي تكشف عن تأثير تلك الظاهرة الذي لا يزال حاضراً حتى اليوم.

تقول بود: "كان من الرائع أن تتاح لنا الفرصة لإعطاء صوت لهؤلاء المعجبات... طالما جرى تجاهلهُنّ كفتيات مراهقات لا يفعلن سوى الصراخ، لكنهن كنَّ في طليعة الجميع، وكان لديهن شيء مختلف. لقد تحدثن عن مفاهيم الجندرية والرومانسية والاندفاعات. كنَّ يعرفن أن هذه الفرقة كانت مختلفة... وصحيح أن البيتلز كانوا لا يزالون متمردين ثقافياً، ولكن الفتيات الصغيرات استطعن الارتباط بهم ولم يشعرن بأنهم يشكلون تهديداً. كانت ظاهرة يمكن أن تشعر الفتيات الصغيرات بالحماسة الشديدة لها، كأنها ملكهن. كانت هذه فرقتهن".

خلال جولتهم الأميركية هذه، بدأ البيتلز يشعرون حقاً بقوتهم وتأثيرهم على العالم. كان جون لينون بشكل خاص يقدر القوة المدمرة لأسلوب الروك أند رول. يوضح تيديسكي: "كان يحب كيف كان هذا النوع متجذراً في الموسيقى السوداء... كانت القوى السائدة تحاول قمع الروك أند رول منذ البداية، بسبب التلميحات في كلمات الأغاني والطريقة التي يتحرك بها الشباب، مما كان يسبب الإزعاج للجماعات التقليدية". نجح البيتلز في زعزعة العنصرية السائدة في تلك الفترة، وتجاوزوا الفصل الذي وصلت تأثيراته إلى الساحة الموسيقية". يتابع المخرج: "كان هناك نوع من الرفقة بين البيتلز والفرق التي كانوا يحبونها، حيث قاموا بأداء أغاني موتاون، وبدورهم، قام فنانو موتاون بأداء أغاني البيتلز [أسلوب موسيقى الإيقاع والبلوز (R&B) الذي نشأ من شركة موتاون ريكوردز. أصبحت موتاون ظاهرة ثقافية، حيث أحدثت ثورة في الموسيقى الشعبية في الستينيات والسبعينيات] أخبرنا سموكي روبنسون كيف أن هذه المحبة التي جمعته بهم تجاوزت التحيز والفصل العنصري. وكان ممتناً للغاية لأن البيتلز قاموا بأداء أغنياته".

إذا كان البيتلز يمثلون قوة تحررية في أميركا، فإنهم شعروا أيضاً بقوة التحرر في بلد لا يُحكم عليهم فيه بناء على طبقتهم الاجتماعية أو خلفياتهم. هناك لحظة دالة عندما حضروا حفلاً تكريمياً لهم في السفارة البريطانية، حيث تمت إساءة معاملتهم من قبل الموظفين، إذ تم لمسهم وتهديدهم ووصفهم بـ "الشبان الأوغاد". تقول بود: "يبدو أن تلك الطبقية التي اختبروها في السفارة هي جزء من ’عالم قديم’ جداً... في أميركا، على الأقل من الناحية النظرية، يُقيّم الشخص بناء على ’ما يمكن أن يقدمه، وما هي مهاراته وموهبته‘ بدلاً من السؤال ’من هم والداك‘؟". يلاحظ تيديسكي أن الجولة كانت بداية علاقة خاصة بين البيتلز وأميركا، علاقة استمرت حتى بعد تفكك الفرقة. يقول: "انتقل جون إلى نيويورك، ويعيش رينغو بشكل أساسي في لوس أنجليس. تزوج بول من امرأة نيويوركية. وجورج تزوج من امرأة من هاواي".

ينقل لنا الفيلم أسبوعين من الجنون والإرهاق والانبهار في حياة فريق البيتلز، مستحضراً مدى شدة التجربة وضخامتها. الراحلة روني سبيكتور، قائدة فرقة "ذا رونيتس" The Ronettes، تستعيد ذكرى تهريب الفرقة من فندق بلازا إلى النوادي الليلية في منطقة سبانيش هارلم، حيث تمكنوا لفترة قصيرة خلال الليل من الهروب من ملاحقة الإعلام والجماهير، "لأن الجميع هناك ظنّوا أنهم مجرد كلاب إسبانية". في وقت لاحق، يظهر رينغو في لحظة من الارتباك، معتذراً لمجموعة من مصوري التلفزيون الذين كانوا يلاحقونه على رصيف محطة قطار، بعد أن قال: "من الرائع أن أكون في نيويورك"، بينما كان في الواقع في واشنطن العاصمة. وعندما تم إحراجه بالحقيقة، رد ببساطة: "أنا أتحرك بسرعة كبيرة".

يصف تيديسكي كيف كان جون لينون يعبر عن غرابة تلك الفترة قائلاً: "كانوا يُنقلون من غرفة إلى أخرى، وفي بعض الأحيان يستيقظ فجأة ويتساءل ’كيف وصلت إلى هنا؟‘". وأضاف المخرج: "كانت لحظات سريالية، الواحدة تلو الأخرى". 

كان رد فعل البيتلز على هذا الجنون المحيط بهم بسيطاً ولكنه عميق: صنعوا البهجة لأنفسهم من خلال الضحك والاستمتاع بسخافة كل ما يحدث حولهم. كما يقول جورج هاريسون في الفيلم: "داخل الفرقة كنا طبيعيين، بينما كان العالم من حولنا هو الجنون بعينه... أصبح الجميع جزءاً من هذه الهستيريا. يمكنك بسهولة صنع فيلم يُظهر فقط مدى الحماقة التي كانت تسيطر على الجميع كلما جاءت الفرقة إلى المدينة".

لكن الأمور لم تظل على هذا النحو. فبعد عامين فقط، أُنهكت الفرقة من صخب الجماهير الذي كان يطغى على الموسيقى نفسها، مما دفعهم للتوقف عن الجولات إلى الأبد. وبعد ست سنوات، انتهت قصة الفرقة تماماً. تعلق بود على ذلك قائلة: "في عام 1964، كانوا في حركة دائمة... من المؤكد أنهم أدركوا أن الاستمرار في هذا المستوى من الجولات كان مستحيلاً، وأنه لن يدوم طويلاً". 

تعتبر بود فيلم "بيتلز 64" والوثائقي السابق عن البيتلز "عودوا" Get Back التي عرضتها منصة "ديزني+" من إخراج بيتر جاكسون وتوثق عملية صنع ألبومهم الأخير "فليكن" Let It Be، بمثابة "قوسين" يحيطان بقصة البيتلز. تقول: "يركز فيلمنا على البدايات، بينما يستأنف ’عودوا‘ القصة بعد بضع سنوات، حيث تغير كل شيء، عندما كانت النهاية. لكن ما يظل واضحاً هو قوة الرابط بينهم. كانوا لا يزالون كالأشقاء، على رغم أنهم كانوا يمرون بشجار عائلي".

تصف بود افتتان الجمهور بفرقة البيتلز بأنه "لا يمكن إشباعه"، وتضيف: "على رغم أن هناك كمية محدودة من المواد الفيلمية عنهم، إلا أن الاهتمام بهم يبدو بلا حدود. كل جيل يكتشف البيتلز بطريقته، وكل والد نشأ على موسيقاهم يسعى لتعريف أبنائه بهم. هناك شيء خاص في البيتلز – الفرح، البراءة – يجعلهم يتجاوزون حدود الزمن. لو لم تكن موسيقاهم تحمل هذا النوع من القوة الدائمة، لكان الاهتمام بهم قد تضاءل مع الوقت".

هذا مؤكد، فقدرتهم على إعادة إضاءة الأمل في خضم ليلة أميركية مظلمة ما زالت تترك أثرها بعد مرور ستين عاماً. يعلق تيديسكي: "كانوا نوعاً جديداً من نجوم الروك أند رول. كانوا متواضعين، وبعيدين تماماً عن التكلف، لكن اهتمامنا المستمر بهم يتعلق بما فعلوه للمجتمع بقدر ما يتعلق بما تقدمه موسيقاهم لنا في كل لحظة".

يتوافر وثائقي "بيتلز 64" للمشاهدة حالياً عبر منصة "ديزني+".

© The Independent

المزيد من ثقافة