ملخص
تأثر الأردنيون في تيارات سياسية وفكرية متباينة كالفكر القومي ومن ثم المد الإسلامي في الستينيات والثمانينيات من القرن الماضي، فيما يحظر القانون انتماء المواطنين إلى أحزاب سياسية أو تنظيمات خارجية.
مع سقوط النظام السوري ومن قبله صدام حسين في العراق، واجهت السلطات الأردنية معضلة سياسية تتعلق بانتماء آلاف من الأردنيين إلى حزب "البعث العربي الاشتراكي" بشقيه السوري والعراقي وما يعكسه ذلك من تأثير في الهوية السياسية في البلاد، فضلاً عن ديناميكيات اجتماعية وثقافية عدة في الأردن.
ويرى مراقبون أن هذه الظاهرة ترتبط بجوانب تاريخية يمكن تفسيرها ضمن سياق التحولات الإقليمية والعالمية التي أثرت في الأردن عبر تاريخه، ومنها موقعه الجغرافي المميز كدولة مجاورة لدول عربية عدة ملتهبة الصراع، وتأثره بتيارات سياسية وفكرية متباينة كالفكر القومي ومن ثم المد الإسلامي في الستينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
تاريخياً تأثر المشهد السياسي الأردني بالتيارات القومية والإسلامية التي نشأت في دول الجوار، مما أدى إلى انخراط بعض الأردنيين في أحزاب غير أردنية.
تسلسل تاريخي
اتسمت الانتماءات الحزبية في الأردن بعدد من التحولات، ففي الفترة ما قبل تأسيس الإمارة من الأعوام (1916-1921) تأثر الأردنيون بالفكر القومي العربي الذي عبرت عنه الثورة العربية الكبرى 1916 بقيادة الشريف حسين، التي حملت شعارات الوحدة العربية والتحرر من الحكم العثماني.
لكن لاحقاً وفي مرحلة نشوء مرحلة إمارة شرق الأردن (1921-1946) تحت قيادة الأمير عبدالله الأول، ومع غياب الحياة الحزبية تأثر الأردنيون بالصراعات في الدول المجاورة، وبرزت تيارات متعاطفة مع الحركات القومية العربية في فلسطين وسوريا.
أما في مرحلة تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية (1946-1957) فشهدت الحياة السياسية انفتاحاً عززه حضور الأحزاب القومية واليسارية والإسلامية.
من بين هذه الأحزاب حزب "البعث العربي الاشتراكي" الذي أُسس في سوريا وتأثر به كثير من الأردنيين نتيجة قربهم الجغرافي والفكري من دمشق.
كما برز الحزب "الشيوعي" الأردني بموازاة تصاعد التيار اليساري عالمياً في الخمسينيات، وصعد نجم جماعة الإخوان المسلمين التي أسست لها قاعدة قوية في الأردن عام 1945.
تزاحم حزبي
ويبدو أن هذا التزاحم السياسي والحزبي المرتبط بدول الجوار أدى إلى حظر الأحزاب والعمل السياسي في الأردن عام 1957 وبدء مرحلة الأحكام العرفية، بخاصة بعد صدام مرير بين النظام من جهة واليساريين والقوميين من جهة أخرى.
واتسمت تلك المرحلة بتأييد كبير لحزب "البعث العربي الاشتراكي" بنسختيه السورية أو العراقية، في أوساط المثقفين والطلبة، فضلاً عن تأييد شعبي كبير لنظام الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر أو التيار الناصري بسبب تبنيه شعارات الوحدة العربية.
وفي مرحلة السبعينيات والثمانينيات كانت هناك حال استقطاب تسبب بها الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، الذي انعكس محلياً في الأردن، فتزايدت ظاهرة الولاءات الخارجية للفصائل الفلسطينية كحركة "فتح" والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية.
ومع عودة الحياة الحزبية في الأردن عام 1989 كان حزب "جبهة العمل الإسلامي" هو الذراع السياسية لجماعة "الإخوان المسلمين"، بينما تراجع حضور مناصري الحزب الشيوعي وحزب "البعث" والفصائل الفلسطينية.
ولاحقاً، ظهرت "حماس" كحركة إسلامية مقاومة بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى وتأثر بها كثير من الأردنيين وأصبحوا مناصرين لها.
وعلى صعيد اليسار الفلسطيني ظهر حزب "الوحدة الشعبية" عام 1993 كرديف لـ "منظمة الجبهة الشعبية" في الأردن، ثم عدّل اسمه إلى حزب "الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني" في عام 1989، كأحد أحزاب المعارضة.
هويات سياسية خارجية
ويقول المحلل السياسي حسين الرواشدة إن ثمة هويات سياسية خارجية في الأردن، فعلى سبيل المثال يحتشد "الإخوان المسلمون" في الشارع للاحتفال بذكرى تأسيس "حماس" لكنهم لا يتحركون للاحتفال بأية مناسبة وطنية، كما أن ثمة يساريين أردنيين من مختلف الأطياف ما زالوا يصفقون لصدام والأسد ولا تسعفهم ذاكرتهم باستدعاء الرموز الوطنية الأردنية.
يضيف الرواشدة" لا توجد دولة في العالم تربط مصيرها بقضايا الآخرين كما يحصل لدينا، باسم الدين أو العروبة يدفع بعض الأردنيين الذين يتصدرون المشهد السياسي أو الإعلامي نحو اعتبار بلدنا وكيلاً حصرياً".
على العكس تماماً يعتقد الرواشدة أنه "لا توجد في أي بلد عربي طبقة سياسية تجاهر بانتمائها إلى الأردن، أو أن جذورها تمتد إليه، أو أنها تضع مصالحه أولوية لها، أو تقيم المهرجانات احتفالاً برموزه ومناسباته الوطنية".
ويؤكد المتحدث أن خطورة هذه الأحزاب والتنظيمات الخارجية تكمن في أنها أورثت بلدانها الدمار والخراب، بينما يرى آخرون أنها تؤثر سلباً في الهوية الوطنية الأردنية، وتؤدي إلى تضارب مع الانتماءات القومية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول مراقبون إن ثمة مخاوف أمنية أيضاً في هذا الجانب، فقد يتحول بعض مناصري هذه الأحزاب إلى أدوات لخدمة أجندات خارجية، أو الضغط على النظام السياسي، مستغلين حال الإحباط الاقتصادي والسياسي لدى بعض الفئات، وتعميق الانقسامات الداخلية على أسس أيديولوجية أو عرقية.
"البعث" و"الشيوعي"
وثمة مشاهد عدة تدل على هذه الظاهرة السياسية في البلاد، منها أنه قبل أعوام زار وفد من سياسيين أردنيين دمشق والتقوا الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد وأهدوه عباءة أردنية باسم الأردنيين جميعاً، بل لا يزال أعضاء في حزب "البعث" الأردني موالين للرئيس العراقي الراحل صدام حسين حتى اليوم.
ووفقاً لبيانات الهيئة المستقلة يبلغ عدد أعضاء "الحزب الشيوعي الأردني" حالياً 1003 أعضاء، بينما يبلغ عدد منتسبي حزب "البعث" الأردني 1007 أعضاء.
وفي العام الماضي قوبل قرار السلطات الأردنية بمنح حزب "البعث العربي الاشتراكي" ترخيصاً للانخراط بصورة قانونية في الحياة السياسية في البلاد بغضب من قبل تيارات سياسية عراقية، مما دفع الهيئة المستقلة للانتخاب في حينه إلى التوضيح بالقول إنه حزب أردني ينشط على الساحة السياسية منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، وليس جديداً في العمل الحزبي، كذلك فإن القوانين الأردنية الناظمة للحياة الحزبية لا تسمح لأي حزب أردني بالعمل خارج حدود المملكة أو أن يتلقى دعماً أو توجيهاً من الخارج.
القانون يحظر
ويحظر القانون الأردني انتماء المواطنين الأردنيين إلى أحزاب سياسية أو تنظيمات ذات طابع خارجي وتعمل خارج إطار القوانين الأردنية، إذ ينص على أن تكون الأحزاب السياسية وطنية بحتة وألا تتبع أية جهات خارجية أو تتلقى تمويلاً أو دعماً من الخارج، كذلك يُحظر على الأحزاب الأردنية إقامة علاقات تنظيمية أو تبعية مع أي حزب أو تنظيم خارجي.
ويعاقب قانون العقوبات الأردني على أي نشاط يؤدي إلى الفتنة أو يُعرض الوحدة الوطنية للخطر، كما يُعاقب على الأنشطة التي تهدد استقرار الدولة، بما في ذلك الانتماء لتنظيمات خارجية تناهض النظام.
أما الدستور الأردني فيقر حرية تكوين الأحزاب السياسية، لكنه يقيد ذلك بالتزام الدستور والقوانين وعدم الإضرار بأمن واستقرار البلاد.